يعمل نظام الأسد على التغول في عمق محافظة إدلب شمالي سوريا، بإصرار روسي، إذ تسعى روسيا للضغط على تركيا أكثر لتخضعها للقبول بسياسة الأمر الواقع، وفق اتفاقات مبدئية ببين الدولتين اللاعبتين الأساسيتين في الملف السوري ميدانياُ وسياسياً، على أن ما يهم تركيا ليس المساحة التي تتوغل فيها روسيا بيد نظام الأسد، بقدر ما يهمها رسم ملامح سوريا الجديدة التي وقعت مع رأس النظام السوري “بشار الأسد” فيها اتفاقيات بملايين الدولارات، تحفظ مصالح روسيا في المياه الدافئة السورية لقرن من الزمن.
وما يهم تركيا في الشمال السوري، هو حماية أمنها القومي من تمرد الأكراد جنوبها، وإجهاض أي محاولة كردية للاستقلال، أو إنشاء كانتون على غرار ما حصل في كردستان العراق من جهة، وضمان أمن القوميات التركية المتناثرة في الشمال السوري، والتي تعتبر من زمن حصن تركيا الأول في سوريا.
ميدانياً
بغطاء دوء روسي، لم يتوقف يوماً عن إحداث مجازر في الشمال السوري، ومليشيات ومرتزقة إيرانيين، وشبيحة لنظام الأسد برياً، يتقدم النظام وفق خطط عسكرية روسية مرسومة ومرسلة للوحدات القتالية العاملة تحت إمرة جيش الأسد في الشمال السوري، تقضم المزيد من الأراضي في محافظة إدلب، تحت عيون الأتراك الصامتين حقيقة، والصاخبين “لتغطية جرائمهم في المساهمة بتسليم الأراضي”، إذ عمل الأتراك في الشهر الأخير على سحب مقاتلين من الجبهات السورية وإرسالهم لليبيا مغرياً إياهم بمبالغ مالية كبيرة.
ويحاول الأسد تطويق مدينة معرة النعمان من محاور الشمال والجنوب والشرق، على غرار ما جرى في خان شيخون، خشية تعرضه لمواجهة ضمن أحيائها، ولم يستبعد أن تنتقل المواجهة لأطراف مدينة سراقب خلال الساعات القليلة القادمة.
كما ترغب روسيا في السيطرة على الطريق الدولي بين دمشق وحلب، جعلها توغل أكثر في دماء السوريين، دون الاكتراث للنداءات الدولية والمناشدات والضغوطات التي مورست لوقف الهجوم.
وأمام هذا التقدم الروسي الأسدي في آخر معاقل المعارضة السورية، أرسل الجيش التركي خلال الساعات الأخيرة الفائتة تعزيزات عسكرية إلى ولاية هاتاي الحدودية مع سوريا، حيث وصلت قافلة مركبات محملة بالدبابات إلى قضاء ريحانلي بولاية هاتاي، وقالت وكالة “الأناضول” إنّ الآليات العسكرية أرسلت بهدف تعزيز الوحدات العسكرية على الحدود السورية، حيث دخل الرتل العسكري التركي من معبر كفر لوسين القريب من مدينة سرمدا شمالي إدلب بعد منتصف ليلة أمس، وعدد آلياته أكثر من 70 بينها 14 دبابة، ومدافع ميدانية، وناقلات جند، وخزانات وقود، وبردات ضخمة، ومجنزرات وآليات خفر وتدشيم.
ورافقت سيارات عسكرية تابعة لهيئة “تحرير الشام” الرتل التركي من لحظة دخوله الأراضي السورية حتى وصوله إلى منطقة صوامع الحبوب الإسمنتية جنوبي مدينة سراقب 2كم الواقعة في الجهة الشرقية من أوتوستراد دمشق حلب الدولي M5، والتي تقع تحت سيطرة هيئة “تحرير الشام”، حيث توقف الرتل التركي في منطقة صوامع الحبوب قرب مدينة سراقب سيبدأ بإنشاء نقطة مراقبة جديدة على الأوتوستراد الدولي قرب مفرق بلدتي جوباس، ومرديخ جنوبي مدينة سراقب ما يقارب 3 كم، تزامنا مع تقدم قوات الأسد في ريف معرة النعمان الشرقي ومحاصرتها نقطة المراقبة التركية الواقعة في معر حطاط من ثلاثة اتجاهات، وأصبحت جلّ النقاط التركية داخل مناطق سيطرة الأسد، متمتعين بكافة سبل الأمن وسهولة الحركة.
إنسانياً
أعلنت الأمم المتحدة أمس الاثنين، أن أكثر من 30 ألف مدني تم تشريدهم جراء الغارات الجوية والقصف المستمر في إدلب شمال غربي سوريا خلال الأسبوع الماضي فقط.
ففي مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة “ستيفان دوغريك”، بالمقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك.
وقال “دوغريك” منذ الأول من كانون أول الماضي، تم تهجير حوالي 389 ألف شخص، منهم 30 ألف شخص خلال الأسبوع الماضي فقط، لافتا إلى أن قرابة 80 بالمئة منهم نساء وأطفال.
وأضاف خلال المؤتمر “أبلغنا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمقتل أكثر من 1500 مدنيا، منهم 430 طفلا و290 امرأة، شمال غربي سوريا، منذ نيسان الماضي، عندما بدأ التصعيد العسكري الحالي”.
وأضاف “دوغريك”:”ما زلنا ندعو إلى وقف الأعمال القتالية ونحث جميع الأطراف، ومن لهم نفوذ عليها، على ضمان حماية المدنيين، وحماية البنية التحتية المدنية، بموجب القانون الإنساني الدولي”.
كما أكد فريق “منسقو استجابة سوريا” اليوم الثلاثاء، نزوح “167131” نسمة خلال شهر كانون الثانيالجاري، من ريفي إدلب وحلب، جراء الحملة العسكرية لقوات النظام وروسيا على المنطقة.
وقال الفريق في بيان له، إن الفرق الميدانية التابعة لفريق “منسقو الاستجابة”، واصلت إحصاء النازحين الوافدين من مناطق أريحا وسراقب وخان السبل بريف إدلب، حيث وصلت أعداد النازحين خلال 48 ساعة إلى 10446 عائلة، أي ما يعادل 60377 نسمة.
وأضاف الفريق أنه أنهى المرحلة التاسعة من إحصاء أعداد النازحين الخارجين من مناطق ريف حلب الغربي والجنوبي خلال الفترة الواقعة بين 16 و28 كانون الثاني الجاري، حيث وثق نزوح 18406 عائلة ما يعادل أيضا 106754 نسمة، مشيرا إلى أن إجمالي النزوح خلال الشهر الجاري، وصل إلى 28852 عائلة (167131 نسمة).
وطالب كافة المنظمات والهيئات الإنسانية العمل على الاستجابة العاجلة والفورية للنازحين من مختلف المناطق، كما طالب جميع الفعاليات الإنسانية بالاستجابة العاجلة لحركة النازحين في المناطق التي استقروا بها.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.