قد يجمع الواقع المتناقضات في بوتقة واحدة من المتشابهات، رأس النظام السوري “بشار الأسد” الذي دائماً ما يردد عبارة “سوريا بخير” والأوضاع جيدة في البلد، وقضينا على الإرهاب، في إشارات واضحة عن انفصاله التام عن الواقع بقصد أو بغير قصد، قد أوجد نسخة منه في الانفصال عن الواقع وهو العدو المفترض له “أبو محمد الجولاني” قائد هيئة تحرير الشام، التي انفصلت قبل أربع سنوات عن تنظيم القاعدة.
وقال الجولاني في كلمته التي بثتها وكالة إباء ذراع الهيئة الإعلامي:” لقد تجاوزنا مرحلة إسقاط النظام معركتنا اليوم مع المحتل الروسي”، ناسياً بأن الروس لا يقاتلون باسمهم على الأراضي السورية، وإنما باسم نظام الأسد الذي ما يزال الحاكم الفعلي والمعترف به دولياً لسورية التي لم يتبق له منها شيء.
وفي كلمته أكد زعيم هيئة تحرير الشام، التي تشاهد قضم نظام الأسد للمزيد من أراضي إدلب المعقل الأخير للمعارضة السورية، والتي تدعي الهيئة أنها تحميها، أن الهيئة لديها “عزم على المواجهة” وأوضح قائلاً: ” فقد بتنا في حرب تحرر واستقلال من احتلال روسي إيراني غاشم؛ يستهدف ديننا وأرضنا وثرواتنا . . . إن المواجهة تنحصر مع الاحتلال الروسي الذي يسعى لضمان موقع استراتيجي له على المياه الدافئة للبحر المتوسط؛ لاستخدامه فيما بعد لنهب ثروات المنطقة، ولعب دور فعال في الصراعات الدائرة فيها”.
وتقاتل مليشيات الأسد على الأرض بدعم جوي من الطيران الروسي، الذي يستخدم سياسية الأرض المحروقة، حيث أنه لا يتوقف عن قصف أماكن تجمع المدنيين، لإرغامهم على إخلاء القرى قبل أن تدخلها مليشيات الأسد.
وتمكنت مليشيات الأسد من احتلال أكثر من 20 قرية في الأيام الماضية، من الجهة الجنوبية، والجنوبية الشرقية لمحافظة إدلب، دون أن يصدر أي تصريح من الجولاني، الذي بدا معزولاً أو أنه قد عزل نفسه اثناء الكلمة فقطً عن الواقع، كما تشير الكلمة إلى ضعف إدراكه السياسي لمجريات الواقع.
وأضاف الجولاني في كلمته التي تأتي في أدق مراحل الثورة السورية حساسية؛ أن الثورة تجاوزت مرحلة إسقاط النظام، و انتصرت عليه في عدة نواحي، مشيراً إلى أنها فككت جيشه، وأظهرت ضعف قواه الأمنية، وحطمت اقتصاده، غاضاً الطرف عما يجري على حدوده الجنوبية والشرقية، وعن حركة النزوح الجماعية التي تشهدها المدن الإدلبية.
أشار في كلمته إلى ما أسماها “عمليات الاستهداف النوعية خلف خطوط العدو”، والتي أوضح أنها تستهدف قلبه الاقتصادي؛ كمصافي النفط وحقول الغاز، وعمقه العسكري؛ كعمليات استهداف المطارات، مشيرا إلى أن نظام الأسد يجهل مصدر هذه الضربات، متجاهلاً أن الحقول النفطية اليوم باتت تحت سيطرة القوات الأمريكية، وأن الروس ليس لهم في النفط السوري إلى الفتات.
وحذر الجولاني في كلمته من أن شعوب المنطقة والعالم بأسره سيتحملون نتائج هذه الحرب وتبعاتها السياسية والاقتصادية، والأمنية والعسكرية، وما ستسفر عنه من خلطٍ في الأوراقِ الدولية وإعادةِ توزيعِ مراكزِ القوى في المنطقةِ من جديد.
ويعرف عن الجولاني أنه رجل المصالح والانقلابات، فمن أجل السلطة والمكانة انقلب على مؤسسيه في القاعدة، وأعلن ما سماه في 2016 “فك الاربتاط عن القاعدة”، من ثم انقلب على أصدقائه أحرار الشام ليتفرد بقيادة إدلب، وخاصة المعابر التي تدر ملايين الدولارات شهرياً، وقتل الكثر من أصدقائه الذين خالفوه في الرأي، وقفوا أمام أطماعه.
وعانى أهالي إدلب أثناء سيطرة هيئة تحرير الشام على مدنهم، الفقر، والجهل حيث أغلقت هيئة تحرير الشام المدارس، وعملت على خنق الحريات.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.