يتحدث الباحث عن تجربته مع داعش إبان سيطرتها على مدينة الرقة؛ وكيف تنامت ظاهرة تبني الأفكار الداعشية؛ وما مرجعيتها التراثية؟ وتركيبة البيئة المحلية التي جعلت بعض المناطق مرتعاً خصباً لها؛ ويناقش شرعية أفكارهم ويفندها من خلال المحاور الآتية:
- الجهل الاجتماعي يساهم في تبني أفكار التنظيم.
- كيف أوصلت داعش أفكارها إلى العامة؟.
- الجهاد في المنظور الداعشي.
- من هم الكفار من المنظور الداعشي؟.
- مناقشة الأفكار التكفيرية المعتمدة داعشياً.
- الولاء والبراء في الفكر الداعشي.
- الإصرار على تطبيق الحدود مهما كانت أوضاع المجتمع.
- الخاتمة.
المدخل
قد يتبادر إلى ذهن القارئ، حين يقرأ عنوان البحث المتعلّق بتنظيم الدولة ونظام حكمها، أني سأبدأ بعرض تاريخي لنشوء القاعدة وأجيالها المتلاحقة، أو أن أقوم بتأصيل فقهي لـ “الخوارج” منذ ظهورهم في مرحلة الخلاف بين علي ومعاوية كما جرت العادة حين يُذكر تنظيم الدولة.
الا أن منهجي في هذا البحث عموماً يستند إلى مناقشة الأدلة التي استشهد بها المتأثرون بهذا الفكر من الشخصيات التي تأثرت بفكر التنظيم قبيل إحكام سيطرته وبعد توسعه، من خلال معرفتي الشخصية بها منذ ما قبل ظهور التنظيم في الساحة، ومعرفتي بأصولها وأحوالها المادية ومستوياتها الثقافية والاجتماعية.
تنامت ظاهرة تبني أفكار تنظيم الدولة بسرعة لافتة، فخلال مرحلة زمنية قصيرة نسبياً لاحظت ازدياداً ملحوظاً في أعداد المؤيدين لهذه الأفكار. فما هي الأسباب الحقيقية لسرعة هذا الانتشار؟ وما هي تركيبة البيئة المحلية التي جعلت بعض المناطق مرتعاً خصيباً لهذه الفكر؟.
جاهليتنا الاجتماعية المعاصرة وتنظيم الدولة
منذ اليوم الذي بدأت فيه هذه الظاهرة بالتنامي في بلدتي، الواقعة في محافظة الرقة، والبلدات المحيطة بها، كنت أحصر العائلات التي يذهب أبناؤها إلى تلك المجموعات وأتابع تغيراتهم المادية والاجتماعية، فتوصلت إلى نتائج مهمة على هذا الصعيد، إذ تبين لي أن أغلبها من العائلات المغمورة اجتماعياً التي كانت تعاني ازدراء مجتمعياً كبيراً, ازدراء اجتماعياً لأسباب عرقية ومناطقية فحسب، فأصولهم لم تكن من عشائر المنطقة وقبائلها في المجمل، وهو ازدراء غير محق في جوهره.
في منطقتنا، التي سيطر عليها التنظيم لاحقاً، كانت الأجيال التي سبقتنا تنظر نظرة دونية إلى أصحاب المهن اليدوية، لذلك أصبحت بعض تلك المهن حكراً على تلك العائلات التي عانت الازدراء الاجتماعي الواضح في مدى سنوات طويلة.
وبقي الأجداد، والآباء أيضاً، يزدرون هذه المهن وأصحابها درجة أنهم لا يزوجون من يمتهنها ولا يتزوجون منهم. لكن، وفي السنوات الأخيرة تبدل كل شيء، فقد بدأ أبناء المنطقة بممارسة هذه الأعمال، وتحطم هذا العرف الاجتماعي المتمثل في ثقافة “العيب” تحت سطوة البطالة والفقر.
فأصحاب المهن حازوا مكانة اجتماعية مرموقة نتيجة امتلاكهم العقارات والأراضي، على الرغم من ذلك بقيت النظرة الدونية إلى تلك الفئات من بعض الشرائح الاجتماعية. أجدادنا في ازدرائهم لأصحاب المهن ليسوا بدعة في تاريخنا، فالجذر اللغوي لكلمة مهنة، يأتي من المهانة والذل، لذلك فإن جاهلية أجدادنا تأخذ مرجعتيها من الجاهلية قبل الإسلام.
كان عرب الجاهلية يحتقرون أصحاب المهن التي تسمى الحِرَف، ويذكر أن أبا جهل عندما طعن في معركة بدر وشارف على الهلاك، قال: “لو غير أكار قتلني”([1])
فهو يتأسف على أن مقتله جاء على يد أجير، أجير في الأرض، حرفي، كان يتوق إلى أن يقتله محمد أو الحمزة لنسبهما الرفيع ومكانتهما الاجتماعية المرموقة، بينما أصحاب المهن فهم في الدرك الأسفل من المجتمع.
لكن الإسلام رفض هذه الطبقية وأعلى من شأن المهن اليدوية، درجة أن عمر الخليفة الراشدي الثاني قال بعد عقود من موقعه بدر: “إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: أله حرفة؟ فإن قالوا لا، سقط من عيني”.([2])
استقطب تنظيم الدولة هذه الفئات وحاول أن يضعها في مكان الصدارة؛ ليس ارتقاء بأصحاب المهنة كما فعل عمر، ولكن استثماراً لعقدهم النفسية، إن صح التعبير، التي تراكمت خلال عقود وقرون. لدى تتبع ظاهرة تنظيم الدولة نجد أن تلك الفئات قد تماهت معه وشكلت العصب الرئيس للتنظيم في المناطق التي يتوسع فيها، وهذا ما أكسبها وجوداً اجتماعياً قوياً، ثم إن بعض القبائل الضعيفة ذات الأعداد القليلة أيضا انتمت بأغلبها إلى هذا التنظيم.
بعض المتفلتين أخلاقياً ومن أرباب السوابق والجنائيين، وجدوا من التنظيم عباءة يستظلون بها لحماية أنفسهم من ذوي الحقوق ولمزيد من التفلت بغطاء السلطة. تلك الفئات كلها كان لها السبق في الانتساب إلى التنظيم في وقت باكر، إلا أن فئات أخرى انتسبت إلى التنظيم بأعداد كبيرة أيضاً، تلك الفئات تنتمي إلى طبقة الأعراب حديثي العهد بالإسلام الذين نجدهم أكثر دموية في مواجهة خصومهم، أو بالأحرى خصوم من يخاصمهم التنظيم.
إذاً، المنتسبون إلى التنظيم من أبناء المنطقة هم أرباب سوابق وباحثون عن مكانة اجتماعية، ومجموعة من الأعراب، امتزجوا وتزاوجوا فكرياً مع مهاجرين صادقين بأفكارهم الجهادية ليكوّنوا هذا الكيان الجديد.
تبسيط الأفكار لضمان وصولها إلى العامة علامة فارقة في تاريخ الحركات الفكرية
كثير من المدارس الفكرية الإسلامية ذات السبق في الطرح والمحتوى لم تستطع أن تصمد وأن تكوّن عقلاً جمعياً للأمة، بل بعكس ذلك، كسبت عداوة العامة قروناً طويلة، وما نزال عندما نقرأ كتب الدكتور “محمد سعيد رمضان البوطي” مثلاً، نجد الهجوم الشديد على المعتزلة، هذه الفرقة التي وصلت إلى السلطة في مرحلة معينة، لكنها بقيت بعيدة عن العامة على الرغم من طرحها العقلي، الذي يُعدّ سابقة في التاريخ الإسلامي.
مارس العامة إقصاء تلك المدرسة، حتى إننا الآن، في القرن الواحد والعشرين، لا نستطيع دراسة تلك المدرسة دراسة محايدة، لأن أغلب ما نقرؤه عنهم هو من كتب الردود عليهم، بينما كتبهم أتلفت وضاعت ومورست عليها أشد درجات الإقصاء من العامة.
لماذا نقول هذا الكلام؟
نقوله لأن تنظيم الدولة استطاع الوصول إلى العامة مباشرة من دون المرور بمراكز دراسات استراتيجية ولا بسلطة حاكمة، وتبسيط الإسلام لهم بطريقة مخلة تجعل من أي عامي لا يتقن قراءة الفاتحة يتحدث لك بضرورة تحكيم شرع الله وتطبيق الحدود.
“الإسلام هكذا، خذه كما نزل على محمد، وإن رفضت وأصررت على إدخال الجديد من مفهومات الغرب فإن حد الردة لك بالمرصاد” (ما يزال الكلام على لسان علماء تنظيم الدولة)، تبسيط الإسلام بهذه الطريقة المخلة جعلت العامة قضاة شرعيين يفتون في مسائل الطلاق والميراث من دون اكتراث. من ثم، فبيئة الأعراب ملائمة لظهور هذا الفكر بما تملكه من مقومات، تتجسد في الجهل بسنن الله في الخلق، الجهل الذي لا يمكن أن يتماشى مع إسلام المقاصد الشرعية.. ولا يمكن أن ينمو إلا مع إسلام: “افعل هذا ولا تفعل ذاك”.
الخطاب الإسلامي من مشايخ السلطان الذين اعتلوا المنابر عنوة، ولم يقدموا الإسلام المقنع لشرائح اجتماعية عريضة، كان أيضاً سبباً مهماً لاقتناعهم بالدين الجديد، نعم، الدين الجديد، وهذا ليس خطأً طباعياً كما يتبادر للذهن أولاً.
في كل خطبة جمعة يخطب فيها خطيب من تنظيم الدولة، تُكرر مجموعة من الآيات، في بداية الخطبة وفي نهايتها، وغالباً ما يكون محورها –الخطبة- عن الجهاد، وعند ذكر الجهاد لا بد لهم من ذكر آية “السيف” التي جاء بها الإسلام لتكون الفيصل بين الكافر والمسلم (بحسب علماء التنظيم)، فانتشار الإسلام في رأيهم جرى بالسيف، إذ يرَون أن عزة الإسلام تكمن في إخضاعه للممالك والدول والسلطنات، بالسيف وحده.
وآية السيف، لم يجرِ الاتفاق عليها، وعلى الأغلب، بحسب ما ذكر عدد من الفقهاء، أن المقصود بها الآية الخامسة من سورة التوبة، وسنمرّ عليها.
بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.([3])
الجهاد: مصدر جاهد، وهو من الجهد -بفتح الجيم وضمها- أي: الطاقة والمشقة، وجاهَدَ العدوَ مجاهَدة وجِهادًا: قاتلَه، وجاهَد في سبيل الله، والجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب، أو اللسان أو ما أَطاق من شيء”.([4])
هو: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار المعاندين المحاربين، والمرتدين، والبغاة ونحوهم؛ لإعلاء كلمة الله تعالى. ([5])
يدور المعنى الشرعي عند أغلب الفقهاء على قتال المسلمين للكفار، بعد دعوتهم إلى الإسلام، أو الجزية، فيَمتنعون، وكذلك دفع الكفار عن حُرمات المسلمين وبلادهم، ذلك كله إعلاءً لكلمة الله.
“بذل الوسع والطاقة في القتال في سبيل الله عزّ وجلّ، بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك، والدعاء إلى الدين الحقّ، وقتال مَن لم يقبله”([6])
“قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد، لإعلاء كلمة الله تعالى”([7])
“بذل الجهد في قتال الكفار”([8])، ومطالب أولي النُّهى.
والظاهر كما نَرى، من هذه التعريفات: حصر الجهاد في قتال الكفار، وهذا هو إلى تعريف الجهاد عند الإطلاق، وهذا ما أجاب به النبي محمد عليه السلام، حين سُئل: وما الجهاد؟ قال: «أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم»([9])
حتى قال ابن رُشد: “الجهاد في سبيل الله إذا أطلق، فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون”([10])
الجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين([11]) قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. ([12])
وبالطبع لا بد من أن يكون عند المسلمين القوة والمقدرة على القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة، فإن القتال في هذه الحالة إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال في مكة على الرغم من أن أسبابه جميعها متوافرة، لكن في مكة كان المسلمون عاجزين ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة، وصار لهم شأن أُمروا بالقتال.
أكثر الآيات تكراراً على ألسنة خطباء التنظيم التي تُوزَّع دوريّاً في منشوراتهم الدعوية على المساجد والمحال وحتى على المارة في الشوارع هي:
يقول تعالى:
((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ([13])
((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ))([14])
((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)([15])
((انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))([16])
بعض خطبائهم يضيف إلى الآيات الأربع السابقة من سورة التوبة آيات أخرى يستشفون منها عقيدة “الولاء والبراء” ومنها قوله تعالى:
((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)) ([17])
لكن الخطباء أغلبهم يفسرون الفتنة الوارد ذكرها في الآية السابقة بأنها الشرك، ومن ثم يصبح معنى الآية: قاتلوا الكُفار والمشركين حتى يزول الشِرك من العالم.
((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)) ([18])
فموالاة الكفار هي كفر، وهذا وارد في نواقض الإسلام التي يعتبرونها دستور دولتهم.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)) ([19])
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))([20])
يقول رسول الله في حديث ابن عمر: أُمرتُ ان أُقاتل الناس حتى يشهدوا أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دِمائهُم وأموالهُم إلا بحق الإسلام وحسابَهُم على الله.([21])
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحدهُ لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رُمحي، وجُعل أو جُعلت الذِلةُ والصَغار على من خالف أمري([22]) وهنا أيضاً معنى الحديث واضح كما يدعي علماء التنظيم ومنظروه، وهو: تحقيق العبودية لله وحدهُ وكل من يخالف ما جاء به محمد له الذلة والمهانة في الدنيا قبل الآخرة.
مقارنة بين حكم الجهاد عند جمهور العلماء وتنظيم الدولة:
استعرضنا الأدلة جميعها التي يستدل بها منظرو فكر التنظيم على سفك الدماء باسم الإسلام التي تبرر قتال الكفار حتى لو لم يبدؤوا بالقتال، فعلماء التنظيم يدعون أن حروبه صلى الله عليه وسلم جميعها هي حروب بدأها الرسول لهذه الغاية، غاية قتال الكفار حتى يسلموا، فإن أسلموا عصموا دماءهم وأموالهم من عناصر التنظيم كما كان يفعل محمد بن عبد الله.
إذاً هذه أدلة التنظيم، وهي أدلة جديرة بالبحث والدراسة فنحن بحاجة إلى إجابات حقيقية لكل ما يطرح، وبصراحة تامة قرأت كثيراً لكتبة تناولوا تنظيم الدولة وسخروا من طروحاتهم (الفكرية) لكني لم أجد إجابات مقنعة عن كثير مما طُرح. وهناك حقيقة صادمة لا بد من أن أعرج عليها، وهي أن أغلب ما يطرحه علماء التنظيم هو رأي الجمهور من العلماء؛ فالأدلة السابقة جميعها، يكاد يكون عليها إجماع، والإجماع هو ذاته فهم تنظيم الدولة للآيات والأحاديث السابقة. وللبحث عن الحقيقة، حاولت الغوص إلى الأعماق في هذه الموضوعات، لكن المصادر التي عثرت عليها جميعها أصابتني بخيبة أمل كبيرة، لأن أغلب ما توصلت إليه من آراء مذهبية كانت تكاد تتطابق مع ما ذهب إليه علماء التنظيم. ولذلك، سأحاول الإجابة عن ما ذهب إليه علماء التنظيم في ضوء ما عثرت عليه من تفسيرات وتأويلات متناثرة بين العصور.
لنبدأ من الآيات الأربع من سورة التوبة التي ورد ذكرهن في بداية البحث اللاتي أجمع العلماء أن آية السيف إحداهن، ورجحوا أن تكون الآية الخامسة من سورة التوبة. فالآيات الأربع تأمرن المسلمين بقتال الكفار بشكل مطلق من دون قيد أو شرط، وهي أدلة تنظيم الدولة على ضرورة قتال الكفار والمشركين تنفيذاً للأمر الإلهي الذي يأمر بقتالهم من دون قيد أو شرط. لكن في كتاب الله أيضاً آيات أُخرى غير تلك الآيات من سورة التوبة تفيد أن قتال الكفار مشروط بشروط محددة ومعلومة، وهذه الشروط تتجسد ببدء العدوان من الكفار، لذلك فإن الدفاع ضد عدوانهم ضرورة شرعية وإنسانية لا تختلف عليها شرائع الأرض فضلاً عن شرائع السماء.
من هذه الآيات قوله تعالى:
((وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) ([23])
فمن المعلوم في علم أصول الفقه أنه إذا تطابقت آيتان من حيث الحكم والسبب إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة وجب حمل المطلق على المقيد، فالحُكم واحد في الآيتين، وهو وجوب قتال الكفار والمشركين في المقيدة والمطلقة. أما السبب فهو موجود في المقيدة ومبهم في المطلقة. ومن خلال الآيتين يتبين لنا الحكم الشرعي المستخلص وهو: وجوب قتال الكفار والمشركين المعتدين علينا أو البادئين في العدوان. أذكر عندما طرحنا قاعدة حمل المطلق على المقيد على بعض ممن تبنى فكر التنظيم، قالوا إننا نجهل العلم الشرعي وعلينا التعلم، والتعلم لا يكون إلا ضمن دوراتهم الشرعية التي يشرف عليها شبان أقل ما يمكن وصفهم بأنهم متعصبون لفكرة القتال والجهاد ضد الآخر المخالف لهم.
دوراتهم الشرعية التي تفتقد إلى العلم الشرعي المتعارف عليه، فغالباً ما يكون عنوان الدورة في مجال ما، ومضمونها مختلف جذرياً عن العنوان. قالوا لنا في الدورة: لا يجوز تحميل المطلق على المقيد في هذه الحالة تحديداً (في آيات القتال)، والسبب هو أن المقيد هنا منسوخ وحكمه باطل، فآية السيف تنسخ الآيات التي تأمر بالصفح والسلام والعفو والصبر جميعها. نعم، فآية السيف المختلف عليها في بحر أربع آيات فقط من سورة التوبة تنسخ آيات العفو والمصالحة جميعها التي يمتلئ بها كتاب الله.
“النيسابوري” أحصى عدد آيات الصفح والعفو فوجدها مئة وأربعة عشرة آية، لكنه قال إن جميعها منسوخة بالآية الخامسة من سورة التوبة([24])، فهل يعقل أن تنسخ آية السيف المحصورة ضمن أربع آيات من سورة التوبة مئة وأربعة عشرة آية؟ طبعاً لا يوجد حديث نبوي يفيد بنسخ آية من آيات كتاب الله، لذلك فالمسألة هي مسألة اجتهادات تحتمل الخطأ والصواب، ومن المعلوم أن علم الناسخ والمنسوخ علم واسع، ولا يوجد اتفاق كبير فيه، فكثيرة هي الآيات التي يقول عنها فقيه إن حكمها سارٍ، ليأتي فقيه آخر وينسخها، وهكذا.
لو صرحت في حينها لعلماء التنظيم، عبر وسطاء يثقون بهم، بهذا الكلام عن الناسخ والمنسوخ، وعن عدم وجود مرجعية له من الحديث النبوي، لكانوا كفروني واستباحوا دمي لأني أنكرت شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة (بحسب وصفهم).
لذلك لا بد من البحث في أسباب أخرى غير الطعن في علم الناسخ والمنسوخ الذي يستظلون بظله في إخراج أي آية لا تتوافق مع منهجهم من دائرة العمل بها. لذا، فقد كنت بحاجة إلى أسباب أخرى يمكن التصريح بها، ومناقشة علماء التنظيم من خلالها، شرط ألّا تتعارض مع المفهومات الأولية لعلماء التنظيم. البحث عن أجوبة تثلج الصدر، ولا تعرض عنقي للقطع إذا صُرِّح بها، مسألة شاقة ومعقدة، خصوصاً أن التنظيم أتلف المكتبات العامة وفرض طوقاً صارماً على نوعية الكتب التي تباع في مكتبات البيع الخاصة (القليلة نسبياً قبل سيطرة التنظيم وبعدها).
حين وجدت بعض الإشارات البسيطة لأجوبة محتملة، لم أستطع النوم، وكنت أنتظر بزوغ الفجر بفارغ الصبر لأذهب إلى المسجد الذي يلقي فيه خطباؤهم بعض الدروس الشرعية.
توجهت إلى المسجد بعد العاشرة صباحاً، وهو موعد درس تعليم قراءة القرآن وقتذاك، وبعد انتهاء الدرس طلبت من الشيخ[25] أن يفتح القرآن على سورة التوبة ويقرأ لي آية السيف، الآية الخامسة من سورة التوبة. فقرأ قوله تعالى: ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وخذوهم وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))
بعد أن قرأها طلبت منه قراءة الآية التي تسبقها، أي الآية الرابعة من سورة التوبة، فقرأ قوله تعالى: ((إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)).
وطلبت منه أيضاً قراءة الآية التي تليها، الآية السادسة من سورة التوبة، فقرأ قوله تعالى:
((وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ))
توقف الشيخ ونظر إليّ مستفهماً عن المطلوب، فأومأت له بيدي أن تابع إلى الآية السابعة فقرأ قوله تعالى:
((كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ))
نلاحظ أن آية السيف محاصرة بآية تسبقها وآيتين بعدها. فالآية الرابعة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فالرسول غير مأمور بأمر إلهي بقتال الكفار والمشركين كلهم، بل إن الآية تبدأ بأداة حصر (إلا) فالوفاء بالعهود للكفار الذين لم ينقضوا مواثيقهم معكم يجب الوفاء بتلك المواثيق والعهود، خصوصاً إذا لم يقاتلوكم وتختتم الآية الكريمة بأن الله يحب المتقين، كما أنه عز وجل لا يحب المعتدين في الآية السالف ذكرها.
أما الآية السادسة التي تلي آية السيف (بحسب أكثر الآراء)، وتتحدث عن المشركين الذين يستجيرون بالمسلمين، فالأمر الإلهي فيها واضح، وهو إلزام المسلم بإجارة المستجير (المشرك) والحرص على وصوله إلى مأمنه. وإذا تابعنا إلى الآية السابعة فإننا سنجد الشيء ذاته الذي يؤكد أن تلك الآيات -وحتى الخامسة منها- هي آيات مقيدة وليست مطلقة. وإذا ما بحثنا في أسباب نزول تلك الآيات، من مطلع سورة التوبة، فسوف نجد أنها قد نزلت في قريش، الفئة الكافرة المشركة التي غدرت بحلفاء الرسول من “خزاعة”، وكانت أيضاً مشركة يوم نزول تلك الآيات، إذاً، فالآيات جاءت للانتصار للمشركين من حلفاء الرسول.([26])
الآيات، من الآية الثامنة إلى الآية الثالثة عشر، تبين وجوب قتال أئمة الكفر، وفيها شرح لأحوالهم وصفاتهم، والمقصود هم الفئة الباغية من الكفار وليس جميعهم، لننتقل الآن إلى مناقشة الآية التاسعة والعشرين من سورة التوبة وهي قوله تعالى: ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) المعنى الظاهر في الآية واضح، وهو قتال المشركين لكُفرهم فحسب، وهي دليل لعلماء التنظيم على وجوب قتال الكفار عموماً. لكن عند إعادة قراءة الآية بدقّة أكثر، يتبين لنا أن الغاية منها قتال الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله. والغاية من قتالهم هو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون كما هو مبين في نهاية الآية، ما يعني أن قتالهم هو إجبارهم على الخضوع لسلطة الدولة ودفع الجزية، فوجوب القتال ليس لأنهم كتابيون أو كفرة، ولو كان هذا هو سبب قتالهم لكان دخولهم الإسلام هو الغاية من القتال وليس محض دفع الجزية. بمعنى أوضح، الغاية هي خضوعهم لسلطان الدولة والالتزام بالواجبات وأخذ الحقوق، ولا يمكننا اعتبار الجزية أو الزكاة إلا ضريبة بالتعبير المعاصر. و”الصَغار” المقصود به هنا الرضوخ والرضا بحكم الإسلام، أي أن تُجرى عليهم أحكام الإسلام ومنهُ دفع الجزية، لذلك هذه الآية تشير وتلمح إلى سبق العدوان من هؤلاء. الآيات التي يستدلون بها على منهجهم في وجوب قتال الآخر أغلبها تُؤخذ آيات بحرفتيها، ويخرجونها من سياقها التاريخي، متناسين عن عمد دراسة أسباب النزول لتلك الآيات.
يقول الله في سورة الممتحنة : ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) هذه الآية تتحدث عن عموم المشركين، فالله لا ينهى عن أن نبر المشركين غير المعتدين ونقسطهم، فما بالك بالكتابيين الذين هم أقرب إلى الإسلام من الكفار، شرط ألا يكونوا معتدين، وهذا دليل واضح على أن الآية التاسعة والعشرين من سورة التوبة إنما المقصود بها هي الفئة التي نزلت بسببها، وهي فئة المعتدين بلا شك.
يقول تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة التوبة: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) هذه الآية يعدّها المؤمنون بفكر تنظيم الدولة أنها واضحة الدلالة على وجوب قتال المشركين كلهم من دون قيد أو شرط ((وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)).
في هذا الصدد يقول شيخ المفسرين أبو جعفر ابن جليل الطبري بأن (كافة) هي حال للفاعل، ومن ثم فنحن غير مأمورين بقتال المشركين كلهم المسالمين لنا والمعتدين علينا، والمعنى واضح بأن الأمر الإلهي يحث المسلمين على أن يقاتلوا المعتدين مجتمعين غير متفرقين حتى لا يفشلوا أو يُهزموا.([27])
وهناك رأي للإمام المفسر، المعاصر، الطاهر ابن عاشور، فهو يرى أن موقع الآية هو موقع الاحتراس من الوقوع في التوهم بأن المسلمين مأمورون بعدم رد العدوان إن كان في الأشهر الحرم، فهذا السوء في الفهم يجعل المسلمين يظلمون أنفسهم بعدم الرد على المعتدي في الأشهر الحرم. ([28])
معنى الآية يصبح بالصورة الآتية (كما يبينه ابن عاشور): يُؤذن لكم معاشر المسلمين والمؤمنين أن تردوا العدوان في الأشهر الحُرم إن وقع عليكم، وهذا الفهم يتطابق مع قوله تعالى الله: ((الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)).
ويقول تعالى في الآية الحادية والأربعين من سورة التوبة: ((انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) وتفسير علماء الدولة لهذه الآية لا يخرج على دائرة التفسير المتعارف عليه في كتب التفسير فيقولون: خِفافاً وثقِالاً أي شيباً وشباباً أي صغاراً وكِبراً، أصحاء ومرضى، أغنياء وفقراء، في الأحوال والأنحاء كلها يجب أن تنفروا وتُقاتلوا. ولا أعرف من أين جاؤوا بأنه يجب قتال الكفار والمشركين أينما وجدوا سواء أكانوا معتدين أم مسالمين، فالآية مقتصرة على ذكر وجوب القتال في الحالات التي يجب بها, وتبين أنه لا عذر لأحد بالتخلف عن القتال، وبذلك فهي ليست دليلاً على وجوب قتال الكفار بغض النظر عن كونهم مسالمين أم معتدين.
الآية لا تتعرض لوجوب القتال أم عدمه إنما تفصل في أحوال المسلمين وأوضاعهم في حال وجوب القتال عليهم. إذاً، فخلاصة الحديث هي أن الآيات الأربع السابقة من سورة التوبة هي سنام أدلتهم في وجوب قتال الآخر: المختلف، الآخر الكافر، الآخر المشرك، الآخر العلماني.
يضاف إليهن أيضاً أدلة أخرى مثل آية الفتنة، وهي قوله تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)). فقد فسر جمهور العلماء (وعلماء تنظيم الدولة ليسوا استثناء) بأن الفتنة هنا تعني الكفر أو الشرك، ومن ثَمَّ فالآية توجب قتال الكفار والمشركين حتى يزول الكفر والشرك.
نكمل، يقول تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) نلاحظ أن الفتنة هنا تعني الصد عن دين الله وليس الشرك.
ويقول تعالى أيضا: ((فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)) فرعون يفتن قوم موسى، أي يصدهم عن الحق، والأمثلة في كتاب الله أكثر من أن تحصى، على أن معنى الفتنة هو الصد عن دين الله، والسؤال الآن: لماذا الإصرار على تفسير الفتنة بمعنى الشرك أو الكفر؟
ولنأت الآن إلى كتب الحديث، فنجد حديث ابن عمر الذي ورد في البخاري: “جاء رجل أيام فتنة ابن الزبير فقال له: ألا تخرج وقد خرجت الناس وأنت ابن عمر صاحب رسول الله ولك شأن كذا وكذا، فقال لا أخرج، لا أشارك في هذه الفتنة. قال ما يمنعك؟ قال يمنعني أن الله تبارك وتعالى حرم علي دم أخي، لا أحب أن أتخوض في دماء المسلمين، فقال له: ألم يقل الله تبارك وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله؟ قال قد فعلنا، قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، كانوا يفتنون المؤمنين –يتحدث عن المشركين– فإما يقتلونهم وإما يعذبونهم فقاتلنا، كان الإسلام قليلاً وكان المؤمن يفُتن في دينه، فإما قُتل وإما عُذب، حتى زاد الإسلام وانتفى ذلك)([29])
وهناك حديثان آخران ادعى التنظيم أن بهما أمراً بقتال البشرية حتى ترفع راية لا إله إلا الله، وهذان الحديثان هما:
الأول: يقول رسول الله في حديث ابن عمر: “أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دِمائهُم وأموالهُم إلا بحق الإسلام وحسابَهُم على الله”([30])
الأئمة الكبار لم يفهموا الحديث على أنه أمر بقتال البشرية حتى ترفع راية لا إله إلا الله.
وانقسم العلماء في فهم هذا الحديث:
- منهم من قال: كلمة الناس الواردة في الحديث تعني كُفار قريش وليس الناس كلهم.
- ومنهم من قال: أُمرت أن أُقاتل الناس أي الكفار جميعهم من العرب، كفار الجزيرة العربية وليس كفار الكرة الأرضية.
- شيخ الإسلام ابن تيمية قال: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم “أمرت أن أقاتل ….” مراده قتال المحاربين الذين أذن الله بقتالهم، ولم يُرد قتال المعاهَدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم) ([31])
- وقال أيضاً: (القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال الله تعالى “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” البقرة/ 190).([32])
- رد الحافظ بن رجب الفهم الظاهري للحديث، فقال: “وقد ظن بعضهم أن معنى الحديث أن الكافر يقاتل حتى يأتي بالشهادتين، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، وجعلوا ذلك حجة على خطاب الكفار بالفروع، وفي هذا نظر، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار تدل على خلاف هذا” ([33])
- الشيخ يوسف القرضاوي قال: “ويترجح لدى الكثيرين أن كلمة (الناس) في هذا الحديث عام يراد به خاص، فالمراد به مشركو العرب الذين عادوا الدعوة منذ فجرها، وعذبوا المسلمين في مكة ثلاثة عشر عاماً، وحاربوا الرسول تسعة أعوام في المدينة، وغزوه في عقر داره مرتين، يريدون استئصاله وأصحابه، والقضاء على دعوته، وهؤلاء القوم كما وصفتهم سورة التوبة:﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة﴾([34])، ﴿نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة﴾([35])، فقد نفض الرسول يده منهم، ولم يعد هناك أمل في صلاحهم”([36]).
- وقال: “ف (الناس) هنا قوم معاندون معتدون محاربون ناكثون للعهود، لا تصلح معاملتهم إلا بالقوة والقتال”([37]).
الحديث الثاني: “بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحدهُ لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رُمحي، وجُعل أو جُعلت الذِلةُ والصَغار على من خالف أمري”([38]) : وهناك ملاحظات على الحديث منها:
1- هذا الحديث عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو رجل ضعيف قال فيه الإمام أحمد يروي المناكير ([39])
2- جزء الحديث “وجُعل رزقي تحت ظل رمحي “موجود في صحيح البخاري من غير إسناد حيث علق على ابن عمر ([40])
3- جزء الحديث “بُعثت بين يدي الساعة بالسيف “قال فيه كثير من العلماء إنه متنٌ منكر مُخالف لصريح القرآن الذي يبين أن الرسول بُعث رحمةً للعالمين، بُعث بالهدى ودين الحق، ولم يُبعث بالسيف([41]).
4- الشيخ شُعيب الأرناؤوط حقق مُرسل الإمام أحمد وحكم على هذا الحديث بالضعف([42])
مناقشة أدلة تنظيم الدولة في الحكم على الناس
الناس عموماً هم أهل الكتاب والمسلمون والكفار، لا صنف رابع بحسب علماء التنظيم، ويمكن أن يتفرع قسم الكفار إلى مرتدين، وكفار بالأصالة أو بالمولد، وهذا التقسيم لا ينطبق على الناس الذين تحت سيطرة التنظيم، فهم أهل كتاب ومسلمون فقط، فمن ثبت أنه مرتد أو كافر أو حتى يوالي الكفار فجزاؤه القصاص.
في المباحث السابقة استفضنا في مناقشة أدلة التنظيم في الحكم على الكفار ووجوب قتالهم حتى يعلنوا إسلامهم بحد السيف، وهنا لا بد من مناقشة أدلتهم في حكمهم على الناس الواقعين تحت سيطرتهم:
- موالاة الكفار
- تطبيق الحدود مهما كانت الأحوال سواء أكانت مجاعات أم حروباً
- موالاة الكفار: الآيات التي احتجوا بها على أنها موالاة الكفار:
- ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)) فموالاة الكفار هي كفر، وهذا وارد في نواقض الإسلام التي يعتبرونها دستور دولتهم.
- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)) (سورة المائدة)
- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)) (سورة الممتحنة)
في الحقيقة لا أعرف من أين جاؤوا بالرابط بين النهي عن موالاة الكفار والمشركين ووجوب قتالهم من دون شرط أو قيد، فالآيات السابقات يوجد فيهن نهي عن موالاتهم ولكن لا يوجد ما يوحي بوجوب قتالهم، فنحن منهيون عن موالاتهم، لكننا لسنا مأمورين بقتالهم إذا لم يعتدوا علينا.
حتى إن ابن العربي فسر قوله تعالى: ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) بأنه من الواجب علينا أن نعطيهم من أرزاقنا بهدف خلق علاقة ودية معهم فربما تنشرح قلوبهم للإسلام بهذه المعاملة الطيبة. الموالاة المنهي عنها هي محبة الكفار والرضى بدينهم ومعتقدهم، وهذا ما ذهب إليه الإمام فخر الرازي في التفسير الكبير عندما فسر قوله تعالى: ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ))
تطبيق الحدود مهما كانت الأحوال سواء مجاعات أم حروباً
في عصر الثورات لا بد من الدعوة إلى مراجعة الأفكار وتغيير القناعات (الإسلامية) وتطويرها وتجديدها، وذلك نظراً إلى أن كثيراً من تلك القناعات التي اعتبرناها ثوابت قد أثبت النظر المتعمق أنها متغيرات، وأن تثبيتها أدى إلى فشل ذريع على أرض الواقع، بمقياس النجاح والفشل الإسلامي في تحقيق المصالح وحفظ النفوس والعقول والأعراض والأموال وإقامة العدل ونصرة الإسلام. ومن خلال تتابع الحوادث تبين أن هناك أزمة فكرية إسلامية عميقة تحتاج إلى فتح مثل هذه الأبواب. هذا الباب لا يُعدّ سداً للذرائع كما يقول بعضهم، فالذرائع تسد لمنع المفاسد، والأضرار تُفتح لتحقيق المصالح والمقاصد([43]).
فمن الواجب أن نفرق بين التحليل والتحريم وبين التشريع وعدم التشريع، لأن ليس كل ما هو حلال في شرع الله ينبغي أن يكون جائزًا بالقانون، وليس كل ما هو حرام في شرع الله ينبغي أن يجرّم في القانون ([44]).
لكن السؤال المطروح: لماذا يركز تنظيم الدولة والجماعات الإسلامية كلها ذات التوجه ذاته على الحدود وتطبيقها في أحوال استثنائية، لا سيما خلال المجاعات والحروب التي تتمتع فيها تلك الجماعات بالسيطرة على المكان؟ يجيب عن هذا التساؤل الدكتور يوسف القرضاوي فيقول:
“إنهم يحاولون تطبيقها لأنها تخالف القوانين الأجنبية (الوضعية) مخالفة أساسية، ولكي يظهروا أمام الناس أنهم يطبقون الحدود، لذلك مهما عملت قوانين أخرى في جمع الزكاة أو منع الربا، لا يعدّونها قد أقامت الشريعة ما لم تطبق العقوبات والحدود الإسلامية، يعني وحدها لا تكفي.
يتابع الدكتور القرضاوي فيقول: الشريعة كلّ لا يتجزأ، إذا أخذنا الشريعة لا بد أن نأخذ الشريعة كلها وليس الشق الجنائي منها فقط، علماً بأن هذا الجزء الجنائي أواخر ما نزل من القرآن، والحدود تمثل عشر آيات من القرآن الكريم، بمعنى آخر؛ إن الحدود التي جاء بها القران الكريم كلها أربعة (خمسة إذا أدخلنا القصاص في الحدود):
1-القصاص آيتان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى.} [البقرة:178]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]
2-حد الزنا آيتان {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.} [النور:2]
3-حد القذف {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانينَ جَلْدَةً.} [النور:4]
4-حد السرقة الكبرى (المحاربة) {إنمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أن اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33، 34]
5-حد السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ.} [المائدة:38] ([45])
هذه هي الحدود، عشر آيات فلماذا نركز على الآيات العشر ونترك أكثر من ستة آلاف آية؟
الدكتور يوسف القرضاوي يرى أن يؤخذ الإسلام كله وليس الشريعة فقط لأنه أحيانا يقال الشريعة مقابل العقيدة.
الشيخ الشلتوت رحمه الله له كتاب اسمه “الإسلام عقيدة وشريعة” وبعضهم يقول هناك عقيدة وعبادة وأخلاق وآداب وشرائع والشرائع بعضها مدني وبعضها اقتصادي وبعضها أسري أو أحوال شخصية وبعضها تجاري وبعضها دستوري وبعضها علاقات دولية، هذا كله يدخل ضمن أحكام شرعية فلماذا نركز على الحدود فقط؟([46]).
لقد اختزل الإسلام كله في الشريعة، والشريعة ذاتها اختزلت في مفهوم تطبيق الشريعة وهذا المصطلح أيضاً اختزل في الحدود فقط، فالسارق الذي يسرق ما يسد الرمق تقطع يده، بينما الذي يسرق موازنة دولة كاملة خلال عقود يمنح ضمانات دولية حتى يتخلى عن كرسيه في الحكم. ليس فقط الحاكم الذي يفلت من العقاب، بل أيضاً كل ميسور سرق كمية كبيرة من المال تجعل له حصانة من أن يقام عليه الحد([47]).
الحدود خمسة فقط وهي المبينة في كلام يوسف القرضاوي سالف الذكر، إلّا أن بعضهم يضيف إليها ما يحلو له، ففي ولاية الرقة هناك حد لشارب الدخان وبائعه، تتمثل بحرق المتجر الذي يبيع الدخان، وقطع أصابع المتعاطي، وللقاضي الحق في تخفيف العقوبة إلى تكسير الأصابع بدلاً من قطعها، صحيح أنهم لم يتوسعوا في تطبيق هذا الفقه (فقه حدود تنظيم الدولة) بسبب عدم استتباب الأمن، لكنهم جهروا بذلك على المنابر, وعندما جادلهم بعض المخلصين والصادقين قالوا: إنها ليست بحدود، لكنها من باب “التعزير” ويبقى السؤال مطروحاً: كيف للتعزير أن يصل ببعض الموضوعات إلى ما يزيد على الحد؟
ويتجلى ذلك بوضوح في مسألة الجلد، إذ وُثِّقَ جلد شباب في مختلف الأعمار (120) جلدة، وهو رقم يزيد على حد الزنا البالغ (100) جلدة.([48])
أما حد الردة المستخدم في نطاق واسع في ولاية الرقة والولايات التي تتبع للدولة الإسلامية في العراق والشام كلها، فكل معارض سياسي أو فكري هو مرتد، وعقوبة المرتد القتل بحسب علماء تنظيم الدولة. ولكي نكون منصفين، فإن أحاديث الردة استخدمت تاريخياً لتسويغ التنكيل بالخصوم المعارضين من الأمراء والسلاطين، والدولة الإسلامية ليست استثناء في هذا الأمر، وهو ليس بدعة جديدة من صنعها. الكافر يقتل، والمرتد يقتل، والذي يؤمن بالديمقراطية يقتل، والعلماني يقتل، والليبرالي يقتل، والمنتمي إلى أي حزب علماني والمخالف للتنظيم، والكل يقتل، بتهمة واحدة هي تهمة الردة والكفر. على الرغم من أن صريح القرآن يجعل استباحة النفس من دون عدوان إثماً كبيراً، ويجعل حفظها عملاً عظيماً: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأنمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إن كَثِيرًا مِّنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” (المائدة 32).
شرعاً ومنطقاً، فإن إنقاذ روح بآية محكّمة (لا إكراه في الدين)، أوْلى من إزهاق روح بحديث آحاد (من بدَّل دينه فاقتلوه).
ثم إن التمييز بين الكفر بالمولد والكفر بالردة، يعني أننا نجعل من الجرم أن يولد الإنسان مسلماً، بحسب تحليل منطقهم، ليس حد الردة سوى مصيبة من المصائب الفقهية في تاريخنا، قادنا إليها إلقاء القرآن وراء الظهور، وجعل الشريعة خادمة للدولة. قال عمر بن الخطاب بسجن المرتد في خبر صحيح([49])، وهو ما يعني أن الأمر ليس حداً في فهمه، أما التعزير فهو أمر اجتهادي ومصلحي، ومن المشهور عند الأحنف والإمامية، عدم قتل المرأة بالردة لأنها لم تكن مقاتلة في المجتمعات آنذاك([50])، وهو تمييز موفق بين التمرد العسكري والموقف النظري البحت. وأهم دليل على حد الردة هو (من بدل دينه فاقتلوه) وفيه مشكلات كثيرة، أولها أن راويه عكرمة متهم بالكذب من طرف ابن عمر وسعيد بن جبير ومالك بن أنس ([51]).
فالحديث المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، “من بدل دينه فاقتلوه” يتعارض مع سنته العملية، فهو لم يجر حكم الردة على عبد الله بن سعد (أحد كتاب الوحي) الذي ارتد والتحق بقريش قبل فتح مكة، ثم جاء معتذراً إلى رسول لله بصحبة ابن عمه عثمان بن عفان بعد الفتح، فقبل رسول الله شفاعة عثمان فيه من دون أن يشترط عودته إلى الإسلام، وهناك دراسات معاصرة عدة تظهر تناقض الموقف الفقهي المشهور مع الممارسات النبوية والتاريخية العملية في المجتمع الإسلام ([52]). وحد السرقة أيضاً أوقفه عمر في عام الرمادة، وصارت سنة رشيدة من بعده.
حين نقلت لهم هذا الخبر، أو هذه المعلومة، عن طريق بعض ممن يثقون بهم ويأمنون جانبهم، قالوا: إن ذلك كذب وافتراء على عمر الفاروق الذي رفض إقامة الحد، لأن هناك شبه حق، ومن ثم لم تتحقق شروط إقامة الحد، وعندما راجعت الآثار التي استدللت بها([53]) على إيقاف حد السرقة، تبين لي بالفعل أن بها مشكلات كثيرة (في علم الحديث) لكني عدت إلى طرح فكرة تحقيق “المناط”، أي تحقيق المصلحة، ومعلوم أن عمر هو أكثر خليفة راشدي من حيث فهمه وتطبيقه المقاصد للشريعة، فكيف له أن يقيم الحد على من سرق ليدرأ عن نفسه الموت جوعاً؟ كيف لعمر أن يطبق حد السرقة على أناس جياع والله يقول في سورة المائدة الآية الثالثة فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؟
وعلى الرغم من أن الآثار أو المرويات التي وردت عن عام الرمادة لم تثبت، لكني طلبت منهم أيضا إثبات أن عمر أقام حد السرقة خلال هذا العام بخبر صحيح، لكني لم أحصل على جواب مبرهن أو مقنع.
أما حد الزنا، فإن الدين قد وضع العراقيل كي لا يطبق، رحمة بالناس. وحد الخمر مثل حد الزنا تماماً في صعوبة تنفيذه أو استحالته، فلا ننسى أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل «ادرؤوا الحدود بالشبهات» أي امنعوا إقامتها لأي أسباب. وعلى سبيل المثال: إذا جاءك سارق معترفاً، فقل له لا أظنك سرقت.
لا بد للأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة أن تثق بالحق الذي معها، وتدرك أن المستقبل لدعاة الحق والخير والرحمة، وأن السيف يجب ألا يشهر إلا في وجه عدوان سافر يستبيح الأنفس والأعراض والأموال، وأن نشر الحق يجب أن يعتمد على البيان والقدوة الحسنة، وكما يجب على المسلم أن يستنكر الإكراه إذا صدر من غير المسلم، يجب عليه أن يستنكر صدوره من مسلم، والكيل بمكيالين فعل مرفوض من ملتزمي الحق والعدل أينما كانوا ([54])
أخيراً، وبينما أنا أكتب هذا البحث، الذي أعترف بأنه أرهقني فكرياً ونفسياً، لأنه حصيلة أشهر طويلة من البحث والحوارات والمناقشات مع مخلوقات أودّ لو أستطيع انتزاعها من ذاكرتي، كانت ابنتي التي لم تتجاوز العاشرة تجلس بجانبي وتراقبني وتحاول قراءة ما أكتب.
قالت لي مرة: أبي، تنظيم الدولة لا يستحق هذا التعب كله.
كلامها صحيح، فـ (خلافتهم) لا تستحق هذا التعب، ولكن موروثنا الإسلامي منذ عصور الخلافة الأولى وصولاً إلى خلافة (البغدادي) يستحق منا التعب، يستحق منا الدراسة والتأمل والتفكر.
آن الأوان للتخلص من الموروث الفقهي الإسلامي الذي نما في عصور الاستبداد من علماء السلاطين الذين شكلوا بيئة حاضنة لنمو طفيليات تنمو على جراح الناس وتستغل ضعفهم وفقرهم وجهلهم.
من دون تنقيح وغربلة هذا الموروث بغربال الواقع وعيون الحقيقة، وبمنهجية علمية، وبروح ثورية لا تخشى في دين الله لومة لائم، ستظهر لنا آلاف الخلافات على غرار خلافة تنظيم الدولة، وسيذهب التنظيم ليأتي غيره، إذا بقينا نعالج الأعراض ونتجاهل المسبب: موروثنا الفقهي التراكمي.
فهرس مراجع البحث:
(1): القرآن الكريم.
(2): الجهاد في سبيل الله تعالى -مفهومه، وحُكْمه، ومراتبه، وضوابطه، وأنواعه، وأهدافه، وفضله، وأسباب النصر على الأعداء في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
(3): آراء العلماء في حمل المطلق على المقيد تأليف دكتور/ رمضان محمد عيد هيمي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة
(4): متون الحديث، مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، سنة النشر: 1403هـ / 1983م، عدد الأجزاء: إحدى عشر.
(5): أحاديث الأحكام، المصنف’ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، دار الفكر سنة النشر: 1414هـ/1994م، عدد الأجزاء: ثمانية أجزا.
(6): الموقع الإلكتروني للعالم المقاصد الدكتور جاسر عودة http://www.jasserauda.net/en.
(7): إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر الزرعي (ابن قيم الجوزية)، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1411هـ/1991م، رقم الطبعة: ط1، عدد الأجزاء: أربعة أجزاء
(8): علوم القرآن، أسباب النزول، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1421هـ / 2000م، عدد الأجزاء: جزء واحد.
(9): متون الحديث، سنن الدار قطني، علي بن عمر الدار قطني، دار المؤيد’ سنة النشر: 1422هـ / 2001م ’ عدد الأجزاء: ثلاثة أجزاء
(10): مسند أحمد بن حنبل » مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ … » مُسْنَدُ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ » مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
(11): موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيف”
(12): المواقع الإلكترونية:
- موقع الإسلام اليوم www.islamtoday.com
- موقع الشبكة الإسلامية islamweb.com
- موقع طريق الإيمان emanway.com
- موقع المنهج almanhaj.net
- موقع ردود (الرد على الشبهات) www.rudood.com
الهوامش:
- شرح النووي على مسلم, يحيي بن شرف أبو زكريا النووي, دار الخير, كتاب الجهاد والسير, باب قتل أبي جهل
- المجالسة وجواهر العلم, أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري القاضي المالكي, دار النشر / دار ابن حزم – لبنان/ بيروت – 1423هـ – 2002م , الطبعة : الأولى
- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 319، باب الجيم مع الهاء، والمصباح المنير، مادة ((جهد))، 1/ 112.
- (لسان العرب بتصرّف)
- فتح الباري، لابن حجر، 6/ 2، ومنتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، 2/ 203، والإقناع لطالب الانتفاع، للحجاوي، 2/ 61، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 4/ 253، وسبل السلام للصنعاني، 7/ 237، ونيل الأوطار للشوكاني، 5/ 6، والمغني لابن قدامة، 13/ 10، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 10/ 12، والشرح الممتع لابن عثيمين،8/ 8.
- (انظر: بدائع الصنائع، وحاشية ابن عابدين).
- (انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك).
- (انظر: فتح الباري)
- (أخرجه أحمد وابن ماجه).
- (انظر: المقدمات).
- المغني لابن قدامة، 13/ 6
- سورة التوبة، الآية: 122.
- سورة التوبة/ 5
- التوبة /29
- سورة التوبة/36
- التوبة /41
- البقرة/193
- سورة آل عمران/28
- سورة المائدة /51
- سورة الممتحنة/1
- صحيح البخاري/ ياب: فان تابوا اقاموا الصلاة / صفحة14
- مسند أحمد بن حنبل، مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، مُسْنَدُ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ’ رقم الحديث: 4970
- البقرة /190
- الناسخ والمنسوخ للنيسابوري صفحة 284
- يجب التنبيه إلى أن هذه الحوارات والمناقشات أغلبها جرت في بداية سيطرة التنظيم على المحافظة ولم يكونوا متمكنين بالشكل الكافي فهناك فصائل أخرى تقاسمهم مواضع السيطرة وكان الحوار معهم أو مع المتأثرين بأفكارهم ممكناً ومتاحاً من دون خطر حقيقي, وبدأت فرص مثل هذه الحوارات بالاضمحلال بعد سيطرة التنظيم على المحافظة لتصل إلى الاستحالة بعد ما يسمونه التمكين ونشر فكرهم على المنابر وفي الدروس وفي المراكز الدعوية التي جرى استحداثها .
- قوله تعالى: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر). قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وهم الذين هموا بإخراج الرسول. علوم القرآن، أسباب النزول، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1421هـ / 2000م، عدد الأجزاء: جزء واحد
- تفسير الطبري
- تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ج/10 صفحة 188 (بتصرف)
- الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4513خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
- متون الحديث، سنن الدار قطني، علي بن عمر الدار قطني، دار المؤيد’ سنة النشر: 1422هـ / 2001م ’ عدد الأجزاء: ثلاثة أجزاء
- ” مجموع الفتاوى ” ( 19 / 20 )
- ” مجموع الفتاوى ” ( 28 / 354 )
- جامع العلوم والحكم: الحديث الثامن:1/ص241.
- التوبة: 10
- التوبة: 13
- فقه الجهاد (يوسف القرضاوي) : 1/ ص328.
- فقه الجهاد (يوسف القرضاوي) : 1/ ص328
- مسند أحمد بن حنبل، مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ ’ مُسْنَدُ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
- موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيف”
- موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجومي موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيفين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيف”
- موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيف”
- موسوعة “فقه الجهاد” للإمام يوسف القرضاوي’ الحلقة [30]: الباب الثالث: الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)’ الفصل الخامس: حديث: “بعثت بين يدي الساعة بالسيف”
- الموقع الالكتروني للدكتور جاسر عودة: http://www.jasserauda.net/en/
- د. جاسر عودة – بين الشريعة والسيادة
- حلقة الشريعة والحياة على قناة الجزيرة بعنوان: الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر يوم الثلاثاء 28/1/1432 هـ -الموافق 4/1/2011 م
- حلقة الشريعة والحياة على قناة الجزيرة بعنوان: الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر يوم الثلاثاء 28/1/1432 هـ -الموافق 4/1/2011 م
- د. محمد مختار الشنقيطي
- مشاهدات ونقل كلام الثقة من الناس والشواهد العينية من خلال مقتل بعض الناس ممن نعرفهم تحت التعذيب أو في أثناء التحقيق أو التعزير كما يحلو لهم التصنيف .
- 18696 أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن داود، عن الشعبي، عن أنس رضي الله عنه، قال: بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضي الله عنه، فسألني عمر -وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين -، فقال: ” ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ ” قال: فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم، فقال: [ص: 166] ” ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ ” قلت: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: ” لأن أكون أخذتهم سلما، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء “، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعا بهم لو أخذتهم؟ قال: “كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه، أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك، قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن“) متون الحديث مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، سنة النشر: 1403هـ / 1983م)
- دليلهم حديت عبد الرحيم بن سليمان ووكيع عن أبي حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: لا تقتل النساء إذا ارتددن عن الإسلام، ولكن يحبسن ويدعين إلى الإسلام ويجبرن عليه. أحاديث الأحكام، المصنف’ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، دار الفكر سنة النشر: 1414هـ/1994م، عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء
- د. محمد مختار الشنقيطي
- د. محمد مختار الشنقيطي
- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة، قال السعدي: حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عمر قال: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة، وعام سنة: المجاعة، فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: إي لعمري، قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة، القضاء، إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر الزرعي (ابن قيم الجوزية)، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1411هـ/1991م، رقم الطبعة: ط1، عدد الأجزاء: أربعة أجزاء
- لؤي صافي: هناك سوء توظيف لمفهوم الكفر حوار -وحيد تاجا / 25-11-2009 http://www.marw.dz
هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.