“لم يكن خلافنا مع نظام الأسد على الدستور” بهذه الكلمات عبر غالبية السوريون عن نظرتهم للجنة الدستورية واجتماعاتها في العاصمة السويسرية “جنيف”، بينما رأى آخرون أن الأمور “كذب سياسي وتدارك للزمن لتحقيق المصالح بين الدول المتصارعة في سورية”.
رأي الشارع
في جولة استطلاع رأي حول عمل اللجنة الدستورية وقدرتها على المساهمة في حل الصراع، كانت آراء السوريون داخل المناطق التي يحكمها نظام الأسد وخارجها متقاربة، إذ يصر الجميع على عدم قدرة مثل هذه اللجان على اتخاذ أي قرار مصيري، كما أنها لا تمثل الشعب كما يقولون.
“عامر” هو شاب في العشرين من عمره ما زال يتذكر أيام دمشق الجميلة قبل اندلاع الثورة منذ تسع سنوات، قال في اتصال هاتفي مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي: “لا أتابع عمل هذه اللجان، لكني أسمع أخبارها بين الفينة والاخرى مرغماً عندما أتنقل في الباصات ووسائل النقل العام”، بحسب عامر فالأمر لا يتوقف عند اللجنة الدستورية فهي بالنهاية مرسال لدول كبيرة راعية لمثل هذه المؤتمرات، وتغض الطرف عن معاناة الشعب.
فضل عامر البقاء بدمشق كونه لا يعرف أحداً خارجها وتمثل له الغربة “شبحاً مخيفاً لا أريد تجربته بعد كل الأهوال التي لاقيتها هنا”.
أخبرنا عامر بأن الكثير من أصدقائه يحملون ذات التفكير، بالرغم من كونهم “على عدم دراية كاملة بتفاصيل العمل السياسي إلا أن الواقع يتكلم دون الحاجة للشرح، هم آلات ناطقة لا غير”.
رأي عامر الذي ما زال يسكن دمشق التي يسيطر عليها نظام الأسد لا يختلف كثيراً عن رأي “سامر السيد” معلم يعيش في الشمال السوري الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة.
وأخبرنا “سامر” خلال تحدثنا معه عبر تطبيق “الواتساب”، أن الأشخاص على الأرض لا يعلمون مواعيد اجتماعات اللجنة الدستورية، ولا هي مخرجات تلك الاجتماعات التي تتم حسب قوله في “أفخم فنادق جنيف، وهناك يقرر المجتمعون مصير هؤلاء المنكوبين الذين لا هم لهم سوى لقمة العيش في حالة الرفاهية، وحبة الدواء في الغالب الأعم”.
العديد من الأشخاص الذين تحدث معهم “مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” لم يُبدوا أي تشجع للحديث عن اللجنة الدستورية فعلق واحد منهم “مشكلتنا الأساسية لم تكن الدستور، لا تحجموا ثورتنا على أشياء سنتفق عليها لاحقاً”.
لكن ما الذي عرقل النقاش الدستوري فعلاً؟
رغم اعتراف “غير بيدرسون” المبعوث الأممي إلى سوريا أن اللجنة الدستورية “لن تحل الصراع السوري” إلا أنه يعول عليها كثيرا كجزء من العملية السياسية، وينظر “بيدرسون” إلى عقد اجتماع اللجنة الدستورية، وهو أول تقدم ملموس منذ تولى الدبلوماسي النرويجي منصبه في كانون الثاني الماضي، على أنه مهم لتمهيد الطريق أمام إصلاحات سياسية وانتخابات جديدة في البلد الذي دمرته الحرب التي استمرت ثمانية أعوام وأودت بحياة مئات الآلاف من القتلى وأجبرت الملايين على النزوح.
وقال بيدرسون “لا أحد يعتقد أن اللجنة الدستورية في حد ذاتها ستحل الصراع. لكن إذا تم التعامل معها على أنها جزء من عملية سياسية أشمل، فيمكنها أن تفتح أبوابا وأن تكون بداية شديدة الأهمية والرمزية لعملية سياسية”.
واقعياً، لم تتمكن الأطراف السورية من مواصلة أعمال اللجنة الدستورية بمدينة جنيف السويسرية نتيجة الخلافات الكبيرة بين الوفدين اللذين يمثل أحدهما النظام السوري والآخر معارضته، إلى جانب وفدٍ ثالث يمثّل المجتمع المدني في البلاد التي تشهد حرباً طاحنة منذ سنوات.
وقال المتحدّث باسم وفد المعارضة “يحيى العريضي” وتعرف اللجنة باسم “الهيئة السورية للتفاوض”: “النظام يريد منّا أن نضعه فوق أي اعتبار، لكن نحن من جهتنا نريد أن يضع النظام سوريا فوق أي اعتبار، وهنا يكمن التصادم الحقيقي بيننا”.
وأوضح “العريضي”: “نضع سوريا وشعبها وحريته وديمقراطيته فوق أي اعتبار في دولة ذات سيادة مستقلة، لا احتلال أو استبداد فيها، لكن هاجس النظام هو بقاء تلك المنظومة الاستبدادية رغم كل الجرائم التي ارتكبها”.
وكان قد تم التوصل لاتفاق طرح بموجبه كل من النظام السوري والمعارضة السورية والمجتمع المدني أسماء 50 عضوا في اللجنة الدستورية، على أن تتكون اللجنة من 150 عضوا، ويشمل كل وفد الأكراد لكن لا يوجد تمثيل لقوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب الكردية، وبدأت مجموعة مؤلفة من 45 عضوا في صياغة وثيقة دستورية، وذلك وبعد اجتماع ثلاثي ضم رؤساء كل من تركيا وروسيا، وإيران.
وفي 2012، أجرى نظام الأسد في دمشق، بعض التعديلات الدستورية، حيث ألغى المادة الثامنة من الدستور والتي تقرّ بأن حزب “البعث العربي الاشتراكي” هو “قائد الدولة والمجتمع”.
لكن المتحدث باسم الهيئة السورية للتفاوض “يحيى العريضي” رأى أنه “رغم إلغاء المادة الثامنة في الدستور من قبل النظام، إلا أنها مورست ميدانياً واستخدمها الحزب لتعزيز حالة الاستبداد”.
وتابع “العريضي”: “نريد دستوراً جديدا لسوريا، دستور لا يسمح بأن تمرّ على سوريا 9 سنوات دامية ومؤلمة وموجعة كما هذه السنوات، نريد دستوراً يحفظ كرامة الإنسان وفيه فصل للسلطات، لا تغوّل أو مركزية في السياسة”.
وبيّن العريضي أن وفد النظام اخترق القواعد الإجرائية كان من شأن ذلك عرقلة الجهود الدولية والمحلية في استمرار جلسات التفاوض والخروج بنتيجة إيجابية، فبدلاً من تقديمه اقتراحاً لجدول الأعمال قبل بدء الجلسة بـ 72 ساعة، قدم ” بياناً سياسياً اختبارياً سمّاه جدول أعمال لكنه أطلق عليه -الثوابت الوطنية-“، مشيراً إلى أنه “لم يحتو أي تفصيلات، بل طلب التوافق على (الثوابت الوطنية) وكأن رئيس وفد النظام يريد أن يختبر وطنية الآخرين وهذه مزايدة نعرفها تماماً”.
وأوضح أن “النظام منذ البداية يرفض عمل اللجنة ولو لم يكن الأمر بالنسبة للروس، لما جاؤوا إلى هذه المفاوضات ونحن ندرك تماماً ونعرف الضغط الروسي عليه ونعرف أن الروسي ذاته مضغوط لأنه لا يريد إلا حلاً على مقاسه ومقاس مصالحه ومصالح النظام، وهذا ما لن نسمح له” بحسب ما قاله العريضي.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.