علاء الدين الخطيب
استقبلت أوروبا ما يزيد على 5 ملايين طالب لجوء ما بين عامي 2010 و2017، أغلبهم مسلمون من حيث الدين، وعرب من حيث القومية. هذا الرقم من اللاجئين غير مسبوق في تاريخ أوروبا حتى خلال الحرب الدامية في يوغسلافيا السابقة في عقد التسعينيات؛ وهو غير مسبوق تاريخياً في العالم كله، من ناحية تكفُّل الدول الأوروبية المضيفة بضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة للاجئين في أراضيها، وفي حال حصول اللاجئ على اللجوء المؤقت أو الدائم فهو يتمتع بحقوق المواطن الأوروبي كافة عدا الحقوق السياسية.
أمام هذه الحالة ظهر سؤال منطقي: لماذا تستقبل أوروبا هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين وبهذا الترحاب كله والتسهيلات والأمان الذي لا يحلمون به في بلادهم؟ تناقش هذه الدراسة هذه القضية من خلال المحاور الآتية:
- حقيقة نظرية المؤامرة في قضية اللاجئين.
- الأجوبة المتداولة.
- الجواب الأول: مصلحة قومية واقتصادية لأوروبا.
- الجواب الثاني: مؤامرة على المسلمين.
- الجواب الثالث: مؤامرة سكانية طائفية.
- الجواب الرابع: مؤامرة على مسيحيي الشرق الأوسط.
- الجواب الخامس: مؤامرة على الممانعة والمقاومة.
- الجواب السادس: مؤامرة إسلامية على أوروبا.
- حقائق حول اللاجئين.
- تاريخ الهجرة واللجوء في أوروبا.
- الممنوعون من دخول الاتحاد الأوروبي على نقاط الحدود.
- تكلفة استقبال اللاجئين.
- تفنيد الأجوبة السابقة.
حقيقة نظرية المؤامرة في قضية اللاجئين
جرى تداول السؤال كثيراً بين السوريين والعرب، وربما أيضا بين الجنسيات الأخرى التي لا نعرف لغاتها؛ وكانت الأجوبة كثيرة ومتنوعة، وإن غلب عليها استبعاد السبب الإنساني والأخلاقي، وسيطر على أغلبها منهج نظرية المؤامرة؛ قليلة هي الإجابات التي استندت إلى الأرقام والحقائق والتحليل الموضوعي لهذه الظاهرة. تحاول هذه الدراسة الإجابة من خلال الحقائق الموثقة ومن خلال الواقع الموضوعي عن هذا السؤال.
قبل المضي قدماً، لا بد من توضيح بعض المصطلحات المتكررة هنا:
مرحلة الدراسة في هذه الورقة هي ما بين عامي 2010 و2017، ما لم تجرِ الإشارة إلى خلاف ذلك.
طالب اللجوء أو طلب اللجوء يعبر عن الشخص القادم من خارج دول الاتحاد الأوروبي وقدم طلب لجوء في أحد دول الاتحاد. اللاجئ هو طالب لجوء حصل على حق اللجوء، الكامل أو المؤقت، في الاتحاد الأوروبي.
الرفض النهائي لطلب اللجوء يعني أن طالب اللجوء لم يعد يملك حق مقاضاة الجهة المصدرة لقرار الرفض، وهو غالباً يكون قد استهلك حق التقاضي وفق النظام القضائي للدولة المضيفة.
الأجوبة المتداولة
لا يمكن الإحاطة بالأجوبة المتداولة كلها، ولا حتى عربياً وسورياً حول هذا السؤال، فلا يوجد معطيات إحصائية تساعد على ادعاء ذلك؛ لكن من خلال متابعة الإعلام بمختلف انحيازاته السياسية، وكذلك من خلال تتبع وسائل التواصل الاجتماعي يمكننا تلخيص هذه الأجوبة في أشهرها:
الجواب الأول: مصلحة قومية واقتصادية لأوروبا
وهو الأكثر انتشاراً، وربما الأكثر منطقية بالمقارنة النسبية، ويدعي أن السبب هو حاجة أوروبا، وبالذات ألمانيا باعتبارها كانت أكثر الدول حماساً وكرماً في استقبال أكبر عدد من اللاجئين[1]، لتجديد دمائها، ولحاجتها إلى اليد العاملة الشابة (يضيف بعضهم الرخيصة)؛ ويربطون ذلك بحقائق إحصائية عن تدني مستويات النمو السكاني في أوروبا الغربية عموماً[2]، وارتفاع نسبة الأوروبيين ممن هم في سن التقاعد أو الشيخوخة[3]. وكثير ممن حمل هذا الجواب استخدم عبارة (شيخوخة أوروبا)[4]، ولقد لقي هذا الرأي سنداً إعلامياً كبيراً في القنوات الكبيرة[5]، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
الجواب الثاني: مؤامرة على المسلمين
أقل انتشاراً من الأول لكنه يحظى بنسبة لا بأس بها من الانتشار، وبخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب؛ إنه الجواب المُتَلبِسُ لنظرية المؤامرة الغربية (الصليبية اليهودية) بتركيباتها كلها، فهو يدعي أن ما حصل كله مؤامرة غربية هدفها إجبار المسلمين على الهجرة واللجوء إلى الغرب لكي يقوموا ببنائه بأسعار رخيصة، وأيضاً لكي يجري حرفهم عن الإسلام، بل (تنصريهم).
الجواب الثالث: مؤامرة سكانية طائفية
شبيه بالجواب الثاني لكنه يصاغ لخدمة ادعاء أن الغاية هي إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا والعراق، بحيث تُخلى المنطقة تدريجاً من المسلمين السنة، فهو يرى أن المؤامرة تجري بتنسيق غربي إيراني أو صليبي شيعي أو روسي فارسي. ويضيف بعضهم إليه أن الغاية إجبار العرب السنة على الرحيل لإحلال الفرس الشيعة مكانهم؛ بينما يذهب آخرون إلى أن الغاية (تطهير) طائفي لسوريا يحولها إلى دولة ذات أغلبية علوية.
هناك جواب مماثل لكن على الوجه الآخر لنظرية المؤامرة، يدعي هذا الجواب أن اللاجئين السوريين هم نتيجة لمؤامرة طورانية وهابية صهيونية غربية هدفها القضاء على الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية والدرزية والإسماعيلية وغيرها، وهذه المؤامرة لم تبال إن كان الثمن بضعة ملايين لاجئ حتى لو كان أغلبهم سنة عرباً.
الجواب الرابع: مؤامرة على مسيحيي الشرق الأوسط
أيضاً من فئة الجوابين السابقين، لكنه يدعي أن الهدف في الواقع من كامل الأزمة السورية والعراقية هو إخلاء الشرق الأوسط من المسيحيين، أما هرب المسلمين مع المسيحيين فهو نتيجة جانبية؛ وهو جواب نابع من نظرية مؤامرة أوسع، تدعي أن هناك مؤامرة تستهدف مسيحيي الشرق الأوسط.
الجواب الخامس: مؤامرة على الممانعة والمقاومة
يمكن أن نسميه جواب النظام الأسدي في سوريا، ويبقى ضمن جدران أوهام نظريات المؤامرة مثل الأجوبة السابقة، فهو يدعي أن الغاية من الأزمة السورية وهرب السوريين وترحيب أوروبا بهم هي ضرب قوة سوريا بوصفها دولة ممانعة مقاومة لإسرائيل بقيادة عائلة الأسد وحلفائها النظام الإيراني وحزب الله اللبناني.
الجواب السادس: مؤامرة إسلامية على أوروبا
وهو أحد الأجوبة المنتشرة في أوروبا، وإن كانت نسبة انتشاره قليلة في دول أوروبا الغربية مقارنة بانتشاره في دول أوروبا الشرقية، ويدعي هذا الجواب أن (هجوم) اللاجئين على أوروبا هو جزء من مؤامرة إسلامية ضد أوروبا لأسلمتها[6]؛ بعضهم غالباً من معادي السامية الأوروبيين، يضيف صفة اليهودية إلى صفة الإسلامية؛ كذلك يقرنونها بمؤامرة روسية وتركية أو حتى أمريكية[7].
هذه الأجوبة كلها وغيرها يقع ضمن منهج تفسيرات نظرية المؤامرة، وإن تفاوت تشبع الإجابة بنظرية المؤامرة. قليل من المقتنعين بهذه الأجوبة يقبلون أن العامل الإنساني والقيمي في أوروبا كان دافعاً لاستقبال اللاجئين. للوصول إلى الإجابة الصحيحة لا بد بدايةً من ذكر بعض الحقائق والأرقام الموثقة حول اللاجئين في أوروبا، لأنها الفيصل عند اختلاف الآراء، وأساس أي تحليل علمي يريد الحقيقة.
حقائق حول اللاجئين في أوروبا [8]
أولاً العدد الإجمالي
استقبلت أوروبا الغربية خلال مرحلة الدراسة أكثر من خمس ملايين طلب لجوء لأول مرة، وصل أكثر من نصفهم في عامي 2015 و2016، ثم تراجع العدد عام 2017 تراجعاً ملحوظاً بسبب صعوبة إجراءات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، الشكل1.
[image src=”” size=”” width=”510″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الشكل 1 أعداد طالبي اللجوء لأول مرة في الاتحاد الأوروبي بحسب جنسية طالب اللجوء.
خلال المرحلة ذاتها أُصدِر قرار الرفض النهائي لطلبات 1,114,830 لاجئاً، أي 22 في المئة من مجمل الطلبات الأولى المقدمة. نشير هنا إلى أن أكبر نسبة رفض طالت طالبي اللجوء من صربيا وكوسوفو وروسيا الاتحادية ودول شمال أفريفيا، بينما كانت أقل نسبة رفض هي لطلبات السوريين التي لم تتجاوز 1 في المئة.
بلغ عدد من حصلوا على الموافقة على طلب لجوئهم خلال المرحلة نفسها 2,036,130 طلباً، إضافة إلى 503,020 طالب لجوء حصل على حق الحماية المؤقتة؛ إذاً بناء على الأرقام السابقة، هناك حوالى مليون ونصف مليون طالب لجوء في حالة انتظار لبت القرار في طلبه، أو رُفض طلبه أول مرة وهو في مرحلة التقاضي أمام المحاكم، أي إن أوروبا الغربية الآن تستضيف على الأقل 4 ملايين لاجئ وطالب لجوء أتوا خلال مرحلة الدراسة.
ثانيا الدول الأكثر استقبالاً للاجئين
بالمقارنة من حيث العدد الكلي، فإن ألمانيا استقبلت أكبر عدد من طالبي اللجوء، إذ بلغ عدد طلبات اللجوء الأولى خلال مرحلة الدراسة، حوالى 1,800,000 طلب لجوء، أي 35 في المئة من مجمل العدد في أوروبا؛ يليها فرنسا وإيطاليا بنسبة 10 في المئة لكل منهما، ثم السويد بنسبة 8 في المئة.
لكن العدد الكلي لا يعطي صورة صحيحة عن حجم استقبال اللاجئين، فالمقارنة الأدق هي عدد طالبي اللجوء بالنسبة إلى عدد السكان. فعند حساب عدد طالبي اللجوء بالنسبة إلى كل ألف مواطن في كل دولة، تتغير الصورة لنجد أن: السويد هي الأكثر استقبالاً للاجئين، إذ استقبلت حوالى 44 طلب لجوء لأول مرة لكل ألف مواطن سويدي، تليها النمسا بحوالى 27، ثم ألمانيا وسويسرا بحوالى 22 لكل منهما، بينما كان المعدل الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي حوالى 10 كما يبين الشكل 2.
[image src=”” size=”” width=”510″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الشكل 2 غدد طلبات اللجوء لأول مرة لكل 1000 مواطن في الدولة المضيفة.[9]
ثالثاً الدول التي أتى منها طالبو اللجوء
شكل طالبو اللجوء السوريون خلال مرحلة الدراسة أكبر نسبة بين العدد الكلي لطالبي اللجوء في أوروبا، إذ وصلت نسبتهم إلى 20 في المئة أي ما مجموعه 1,027,790 طالب لجوء سوري؛ يليهم القادمون من أفغانستان بنسبة 11 في المئة، ثم من العراق بنسبة 7 في المئة. يبين الشكل 3 أعداد طالبي اللجوء بحسب الجنسية الأصلية والدول المضيفة.
[image src=”” size=”” width=”510″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الشكل 3، أعداد طالبي اللجوء لأول مرة خلال مرحلة الدراسة بحسب الجنسية وبحسب البلد المضيف.
أغلب طالبي اللجوء في أوروبا خلال مرحلة الدراسة أتوا من دول إسلامية، إذ بلغت نسبتهم 71 في المئة، أي 3,605,690 طالب لجوء؛ وبلغت نسبة القادمين من دول عربية 31 في المئة. استقبلت النمسا أكبر نسبة قادمين من دول إسلامية، إذ بلغت 81 في المئة مقارنة بعدد القادمين إلى النمسا، ثم ألمانيا بنسبة 76 في المئة، بينما كانت أقل نسبة في فرنسا 51 في المئة. زيادة نسبة القادمين من دول إسلامية في النمسا وألمانيا عن معدلها العام يعود إلى كون القادمين من أفغانستان يشكلون 24 في المئة في النمسا و12 في المئة في ألمانيا، بينما يشكل السوريون في النمسا 22 في المئة وفي ألمانيا 30 في المئة من مجمل طالبي اللجوء.
رابعاً من هم طالبو اللجوء
أغلب طالبي اللجوء خلال مرحلة الدراسة هم من الذكور بنسبة 69 في المئة، مقابل 31 في المئة إناث. ويتوزعون عمرياً إلى: 29 في المئة أقل من 18 سنة، 53 في المئة من 18 إلى 35 سنة، 17 في المئة من 36 إلى 64 سنة، و1 في المئة 65 سنة وأكثر؛ إذاً يغلب عليهم سن الشباب بنسبة واضحة. يوضح الجدول 1 نسب توزع اللاجئين بحسب الجنس وبحسب العمر.
[image src=”” size=”” width=”” height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الجدول 1، توزع طالبي اللجوء لأول مرة في أوروبا خلال مرحلة الدراسة بحسب العمر والجنس.
لا توجد دراسات شاملة إحصائية عن المستوى التعليمي، لكن إحصاءات وزارة الداخلية الألمانية في تقريرها السنوي يمكن أن يعطي فكرة عامة عن المستوى التعليمي لطالبي اللجوء، إذ يُلاحظ تدني المستوى التعليمي عموما، وارتفاع نسبة الأمية بين طالبي اللجوء، فهي تصل وسطياً إلى 10 في المئة، 16 في المئة بين الإناث، 7 في المئة بين الذكور، أي إن عدد الإناث الأميات هو ضعف عدد الذكور الأميين. تختلف نسب الأمية ومستوى الدراسة بحسب الدول الأصلية، فنسبة حملة الشهادات فوق الثانوية بين القادمين من إيران تصل إلى 30 في المئة، يليهم القادمون من سوريا بنسبة 22 في المئة، وفي المجموعتين كلتيهما نسبة الأمية أقل من 4 في المئة؛ بينما تصل نسبة الأمية بين القادمين من الصومال إلى 34 في المئة، يليهم الأفغان بنسبة 17 في المئة، يليهم العراقيون بنسبة 15 في المئة (مرجع 10).
خامساً تاريخ الهجرة واللجوء في أوروبا
استقبلت أوروبا أعداداً كبيرة من المهاجرين من مختلف دول العالم منذ خمسينيات القرن الماضي، كانت أكبر موجة لجوء حتى عام 2014، هي موجة لجوء الهاربين من الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة. لكن أكبر موجة لجوء حصلت ما بين 2014 و2016، كما يبين الشكل 4.
[image src=”” size=”” width=”510″ height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الشكل 4 تاريخ اللجوء إلى أوروبا منذ عام 1985
سادساً الممنوعون من دخول الاتحاد الأوروبي على نقاط الحدود
منعت دول الاتحاد الأوروبي خلال مرحلة الدراسة 2,795,180 شخصاً من دخول الاتحاد على نقاط حدود الاتحاد البرية والبحرية والجوية. أغلبهم كانوا من المغرب العربي بحسب ما يبين الجدول 2.
[image src=”” size=”” width=”” height=”” align=”center” stretch=”0″ border=”0″ margin_top=”” margin_bottom=”” link_image=”” link=”” target=”” hover=”” alt=”” caption=”” greyscale=”” animate=””]
الجدول 2 أعداد الممنوعين من دخول الاتحاد الأوروبي خلال مرحلة الدراسة بحسب جنسيتهم.
سابعاً تكلفة استقبال اللاجئين
تتراوح تكلفة استقبال اللاجئ، وتأمين المساعدة القانونية المفروضة وفق اتفاقية دبلن لمن استحق حق اللجوء الكامل أو الجزئي، بين دول أوروبا الغربية، لكنها بحسب الأرقام الرسمية المعلنة من الحكومات وتقديرات صندوق النقد الدولي تراوح بين 10,000 و13,000 يورو وسطياً لكل طالب لجوء ولاجئ[10]. أي إن التكلفة الكلية على الأقل 40 مليار يورو سنويا منذ عام 2016.
فقد قدرت الحكومة الألمانية أن تكلفة اللاجئين في العام 2016 وصلت إلى 20 مليار يورو، وفي النمسا وصلت إلى 1.7 مليار يورو في العام نفسه، وهذه الأرقام مرجحة للتزايد خلال السنوات المقبلة مع مصاريف سياسات الاندماج وتعليم اللغة الإضافية[11].
تفنيد الأجوبة المتداولة حول استقبال أوروبا للاجئين
نقد الجواب الأول حول المصلحة الأوروبية القومية والاقتصادية:
كما ذكرنا سابقا يتمحور هذا الجواب حول حاجة أوروبا إلى تعويض تباطؤ النمو السكاني، والحاجة إلى اليد العاملة. لكن قبل المباشرة في مناقشة هذا الجواب، لا بد من توضيح أن مشكلة تباطؤ النمو السكاني في دول أوروبا هي حقيقة قائمة، ولا نسعى لإنكارها. لكن الحاجة إلى اليد العاملة، مقولة عامة، ليست صحيحة تماماً؛ فهناك حاجة قائمة إلى خبرات تقنية وعلمية ومهنية خبيرة، وليس إلى أي يد عاملة في العموم.
الدول الأوروبية وبخاصة الغربية دول مؤسساتية خبيرة وقوية وغنية وتملك ما يكفي من أدوات لتحقيق الإدارة الناجحة لدولها بحسب ما هو ثابت خلال الستين سنة الماضية؛ لذلك فمن المحتم والطبيعي، بما أن موجة اللجوء قد حصلت ووصل اللاجئون، أن يجري وضع الخطط والأساليب الأفضل لمساعدة اللاجئين ثم الاستفادة منهم بوصفهم عناصر إضافية في عملية الإنتاج المجتمعية، فلم ولن تدعي هذه الدول أنها فتحت صندوقاً خيرياً ولا تريد مقابلاً إن توفر، فهذا ضرب من الخيال لن تقوم به أي دولة أو مجتمع. وضم اللاجئين إلى مؤسسات الإنتاج الاجتماعي يفيد اللاجئين في انتقالهم من مرحلة الاتكالية بمخاطرها كلها، إلى مرحلة الإنتاج والمساهمة في البناء، ما يحمي الطرفين من أي نتائج سلبية.
إذاً إن واقعية التناول الأوروبي للتفاعل مع اللاجئين، من باب رسم سياسات دمجهم بالمجتمع وسوق العمل، لا تعني أن هذا هو سبب استقبال اللاجئين الأساسي، فهذه السياسات هي الخطوة الأصح للتعامل مع واقع قائم لا يمكن إلغاؤه. لتوضيح نقاط ضعف هذا الجواب أوردها في نقاط عدة متسلسلة:
- لا يوجد دولة عاقلة، ومهما كانت حاجتها في سير تطورها الاقتصادي، تخطط لسياسات تؤدي إلى زيادة مفاجئة حادة في أي من أسس بنيتها الاقتصادية أو الاجتماعية؛ وتحاول دائماً تجنب التغيّرات الضخمة في أي من محركات بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والسكانية. لأن الدول تحاول التعامل استراتيجياً مع المنحى المستدام للنمو، وليس مع تغيرات ضخمة تحدث في زمن قصير.
الدول تضع خططاً متوسطة وبعيدة المدى، فمثلاً في ألمانيا حيث كان معدل النمو السكاني حوالى 0.2 في المئة خلال السنوات الأخيرة، تضع الحكومة خططاً تتوقع أن يراوح هذا المعدل بين أفضل الاحتمالات وأسوئها، مثلاً بين 0 في المئة و0.4 في المئة، وبناء على ذلك تدرس بنيتها المؤسساتية والتدريسية والخدمية، مثل كم سريراً تحتاج في مستشفياتها، وكم طبيباً، وكم مدرساً، وغير ذلك؛ فإن حصل ما هو خارج هذا النطاق فهو مشكلة كبيرة تواجه البلد.
لذلك فإن ما مثله منحني زيادة عدد اللاجئين في أوروبا (الشكل 4) لا يمكن أن يكون تطوراً ديموغرافياً مطلوباً في الدول الأوروبية مهما كانت حاجتها السكانية.
- لو توصلت هذه الدول، مثل ألمانيا والنمسا، إلى قرار زيادة عدد المهاجرين، فقد كان من الأجدى استحداث نظام هجرة مماثل للنظام السويدي أو الكندي مثلاً، وتنظيم عملية استقبال المهاجرين وفق حاجات البلد القائمة؛ وليس استقبال أي مهاجرين أرادوا القدوم مثلما حصل مع موجة اللجوء الأخيرة[12].
اللاجئون بأغلبهم يأتون هرباً من أوضاع صعبة جداً، أوضاع حرب دموية مدمرة، أو أوضاع فقر شديد وافتقار إلى التعليم والرعاية الصحية والحقوق القانونية؛ أي إنهم جماعات بشرية اضطرتها متغيرات قاهرة إلى أن يكونوا في حالة نفسية وصحية ومادية سيئة جداً، ومن ثم ستتكلف الدول المضيفة كثيراً في عمليات تأسيس برامج مساعدة وإعادة تأهيل اللاجئين. بينما لو اتبعت هذه الدول نظام هجرة متكامل، لضمنت أن المهاجر الجديد يأتي في حالة نفسية وصحية وتعليمية جيدة، ومع بعض الإمكانات المادية، فتكون عملية دعمه مادياً سريعة وسهلة، بل قد تشترط عليه أيضاً تعلم أساس اللغة للبلد المضيف.
- لو كانت أوروبا تريد أن يزيد معدل نمو سكانها، فلماذا تستقبل اللاجئين وبينهم 69 في المئة ذكوراً؟ وهل تتكاثر المجتمعات البشرية بجنس واحد؟ إن مشكلة بطء النمو السكاني هو انخفاض معدل الولادات للمرأة في المجتمع، وليس (انخفاض معدل فحولة الذكور). الجدول 1 يبين بطلان هذا الزعم.
- لو كانت أوروبا تريد أيدياً عاملة تعمل فيها، فلماذا تستقبل لاجئين تصل نسبة الأمية بينهم إلى 10 في المئة وسطياً، وبين الإناث إلى 17 في المئة؟ هل ستتخلى أوروبا فجأة عن أهم قيم مجتمعها وأسسه التي تعتبر التعليم والمعرفة أساس بناء الفرد؟ (راجع رابعاً من هم طالبو اللجوء). من ناحية ثانية تشكل مشكلة العاطلين عن العمل تحدياً أساسياً لحكومات أوروبا كلها، وبالتأكيد لن يكون حلها باستقدام أيد عاملة بأعداد كبيرة وبصورة مفاجئة.
- كما رأينا من الجدول 2، فإن الدول الأوروبية خلال المرحلة نفسها منعت أكثر من مليوني مهاجر غير شرعي من دخول أراضيها، وتشير الإحصاءات الأوروبية إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يرفض سنوياً دخول حوالى 200 ألف مهاجر غير شرعي منذ نهاية التسعينيات، أي إن أوروبا كان باستطاعتها استقبالهم ضمن هذا المعدل المنتظم بدلاً من استقبالهم فجأة خلال سنة واحدة.
- قد لا تكون تكاليف استقبال اللاجئين فوق طاقة دول أوروبا الغربية، فهي دول غنية جداً وهذه التكاليف تبقى أقل من 1 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، لكن هذا لا يعني أن هذه الدول تريد هدر أموالها حتى لو كانت آلافاً لا مليارات في مشروعات -إن صحت التسمية- تملك بدائل كثيرة لها أقل تكلفة كما مر معنا.
- الحكومات الأوروبية التي سهلت دخول اللاجئين التي لم تضم في تركيبتها أياً من اليمين الأوروبي المتطرف، ليست حكومات ساذجة أو عديمة الخبرة، لقد كان من الواضح لها أن دخول اللاجئين بهذه الأعداد، سيؤدي في النهاية إلى دخول اليمين الأوروبي المتطرف إلى المعركة السياسية بقوة، مستخدماً ورقة اللاجئين (الأجانب غير الموائمين للحضارة الغربية) (بحسب زعم هذا اليمين). وقد حصل ذلك كما رأينا السنة الماضية، إذ ارتفعت أسهم هذا اليمين درجة السيطرة على حكومة النمسا، ولتشكيل جبهة أضعفت الحكومة الألمانية. ألم يكن من الأجدى لهذه الحكومات من باب المصلحة السياسية في الحكم أن تتجنب هذه المخاطر كلها؟
إذاً لا توجد عملياً مصلحة قومية أو اقتصادية للدول الأوروبية، تستوجب أن تسعى هذه الدول لاستقبال هذا العدد الهائل من اللاجئين خلال هذه المرحلة الزمنية القصيرة، وبهذه التكلفة المالية والسياسية والاجتماعية الهائلة. ما قاله بعض السياسيين والمخططين الأوروبيين كان من باب التعامل مع الواقع، (اللاجئون وصلوا، إذاً يجب أن نفيدهم بمنحهم حياة آمنة كريمة، ونستفيد منهم مجتمعاً ومؤسسات ودولة في المشاركة في عملية البناء). في الواقع إن من ادعى أن سبب استقبال أوروبا للاجئين هو المصلحة القومية أو الاقتصادية هو كمن يضع العربة أمام الحصان.
تفنيد الأجوبة المعتمدة على نظريات المؤامرة
تعتمد بقية الأجوبة المقدمة على افتراض أن هناك جهة ما سرية قوية جداً خططت وتحكمت بما حصل كله في الشرق الأوسط وبخاصة سوريا، ودبرت أن يتحرك هذا العدد الهائل من السوريين نحو أوروبا، ما فتح الطريق للاجئين من جنسيات ودول أخرى لاغتنام الفرصة؛ وهذه الأجوبة كلها تنطلق من إيمان بأن الجهة المتآمرة إما خائفة أو كارهة أو فقط شريرة، وتملك تحكماً كبيراً بما حصل حول أوروبا من أزمات. هناك صعوبة لازمة بنقد نظرية المؤامرة أو تفنيدها، وهي أن هذه العملية تُصنف عند أتباع نظرية المؤامرة بأنها جزء من المؤامرة، لذلك سأحاول قدر الإمكان مناقشة الأجوبة المطروحة فقط ضمن فكرة الورقة، من دون التورط بمناقشة نظرية المؤامرة عموماً.
ما ذكرناه في الفقرة السابقة ينقض أهم أسس هذه التفسيرات، لكنه مع ذلك ولأن منهج نظرية المؤامرة في القراءة يقوم على الإيمان الغيبي العاطفي أكثر من القناعة العقلانية، فلا بد من إضافة بعض الأسئلة البدهية التي تفند هذه الأجوبة.
هل هي مؤامرة على المسلمين لتحويلهم عن دينهم؟
لو أرادت الجهة المتآمرة المزعومة مثلاً استدعاء أكبر عدد من المسلمين وتحويلهم عن دينهم، فلماذا تختار عينات عشوائية يغلب عليها الفقر، وترتفع بينها نسبة الأمية، ومن ثم تأثيرها شبه معدوم في المحيط الإسلامي، هذا بفرض المستحيل وهو أن كلها أو أغلبها سيترك الإسلام.
من ناحية ثانية هل يصح أساساً نقض تاريخ أوروبا خلال قرونعدة في محاربة سيطرة الكنيسة وإبعاد الدين عن الدولة والمجتمع، وما رافق ذلك من حروب مريرة ودماء كثيرة، وحراك فكري وفلسفي وعلمي، فقط لكي نثبت أن المسلمين مصدر خوف وطمع للمسيحيين أو اليهود؟ هل ستغامر أوروبا بأساس قوتها ونهضتها العلمية والمعرفية والتقنية والمادية، أي إبعاد الدين عن الشأن العام، فقط كي تكيد للمسلمين؟
هل هي مؤامرة لإفراغ سوريا من عرق أو طائفة معينة؟
إذا افترضنا صحة ما هو منتشر، باستحالته كلها، عن مؤامرات لإفراغ سوريا والعراق من المسلمين السنة والعرب، أو لإشعال حرب دموية ضد الشيعة والعلويين والمسيحيين، أو لطرد الأكراد أو العرب، أو حتى تشظية تركيا، وغير ذلك؛ فالسؤال المنطقي: ما هي مصلحة أوروبا في استهداف هذه الجماعات العرقية أو الدينية على حدودها الشرقية، وتحمل هذه الأعباء كلها؛ المادية والمعنوية والسياسية كما رأينا سابقاً، وفتح الباب لدخول روسيا وربما الصين في المنطقة التي تعتبر مجال أوروبا الحيوي؟
هل هي استمرار لمؤامرة تفريغ الشرق الأوسط من المسيحية؟
هذه مقولة مثل سابقاتها من قصص مؤامرات خيالية، لا تملك أي أساس موضوعي علمي. فما هو خطر المسيحيين وهم أقل من 5 في المئة من مجموع الشعوب العربية على المسلمين أو أي مكون آخر، لتُشعَلَ حروب مدمرة غير متحكم بها من أجل طردهم من الشرق الأوسط؟
هل هي مؤامرة إسلامية لأسلمة أوروبا؟
إن نظرية المؤامرة الإسلامية على الغرب، لا تغادر ما سبق، والرد الواضح عليها مرة أخرى: أي متآمرين أذكياء سيشعلون حروباً مدمرة في بلادهم كي يرسلوا 5 ملايين لاجئ فقراء بمستويات تعليمية متواضعة، إلى أغنى بلاد العالم وأقواها علماً وثقافة ومالاً؟ وكيف يمكن لثقافة تسود العالم منذ قرون أن تهزمها مجموعات بشر مساكين هاربين من الموت أو الظلم أو الاضطهاد؟
إذا هل هي مؤامرة إسرائيلية لتحطيم سوريا خوفا منها؟
لن نناقش الآن نظرية المؤامرة الإسرائيلية بإصدارتها كلها في منطقتنا، سواء ما يسوقه النظامان السوري والإيراني، أم ما يسوقه الإسلاميون السياسيون، أم القوميون العرب أم كثير من الليبراليين العرب. فقد أصبح واضحاً أن أقصى ما يسعى له أكثر متطرفي إسرائيل شططاً هو إفراغ دولتهم القائمة حالياً من العرب والفلسطينيين تماماً، وهو ما لم ولن يستطيعونه، ومن ثم فمروية حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل تبقى قصصاً خياليا لا سند لها، سوى ما تقدمه نظرية المؤامرة من تخدير للمشاعر عندما ترحل أسباب الهزائم كلها إلى (شرِّ الآخر المطلق).
إن إسرائيل لا تخاف من أي دولة أو دول عربية أو إسلامية، فهي تملك مئتي رأس نووي، وأفضل التقنيات العسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتحظى بحماية دائمة عسكرية واقتصادية من الدول الغربية.
لذلك فإن ما يروجه النظام السوري الأسدي وحلفاؤه حول خوف إسرائيل منهم، لن يغادر ما كرره زعماء العرب كلهم منذ 70 سنة إلى اليوم؛ فقد أسسوا حكمهم وشرعيتهم على ادعاء أنهم رعب لإسرائيل، لكن إسرائيل بقيت وترسخ وجودها وقوتها وفرضت قوانين لعبتها، بينما كل ما فعله النظام الأسدي والأنظمة العربية هو تفجير أسس الدولة والمواطنة في بلادنا. أما القول بأن إسرائيل مُستَميتة في سبيل بقاء النظام الأسدي وإفراغ سوريا من العرب السنة، فهو الوجه الآخر لعملة حكايات نظرية المؤامرة التي يسوقها النظام الأسدي والخميني الإيراني.
لا يهم إسرائيل ترحيل مليون أو عشرة ملايين سوري إلى أوروبا، فهي ليست خائفة من ثلاثمئة مليون عربي ولا مليار ونصف مليار مسلم؛ وليس من مصلحتها المغامرة بإشعال نيران حروب غير متحكم بها قرب حدودها الشمالية، فما جرى مؤخراً يؤكد أن إسرائيل يهمها فقط هدوء خط الجبهة السورية، من مشاغبات أمراء الحروب، التي قد تزعجها كما فعل قادات حزب الله اللبناني، لكنها لن تهزها بوصفها دولة قائمة.
تصحيحاً لأي سوء ظن، كما هي عادة كثير من القراءة العربية، فما ذكرناه عن نفي تخطيط إسرائيل وسعيها لإفراغ سوريا من العرب السنة، أو من العلويين والشيعة، وغير ذلك من مرويات، لا يعني صكوك براءة للسياسة الإسرائيلية، بل هو حكم موضوعي متحرر من منهج رمي الشروركلها بالمطلق على إسرائيل أو الشيعة أو السنة أو العرب أو الكرد أو الإيرانيين أو الأتراك أو الغربيين، فسبعين سنة تكفي لهذا النهج في القراءة.
الجواب المتجاهل إعلامياً
استقبلت أوروبا الغربية هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين في مرحلة زمنية قصيرة، وتكفلت بتحقيق الحد الأدنى المقبول للمعيشة الآمنة الكريمة وفق المعايير الأوروبية، انطلاقاً من القيَم الأوروبية المرتكزة على مبادئ حقوق الإنسان، وبسبب الرغبة الشعبية العارمة في مساعدة اللاجئين الهاربين من أوضاع الحروب والدمار، وبخاصة من سوريا والعراق وأفغانستان، فالموقف الحكومي الرسمي كان استجابة لرغبة الشارع.
الضغط الشعبي الأوروبي، وبخاصة النمساوي والألماني كان واضحاً جليا خلال عام 2015، الذي شهد دخول أكثر من مليون وثلاثمئة ألف لاجئ إلى أوروبا، مرّ 800 ألف منهم عبر النمسا، ومعظمهم خلال شهور الصيف. فلولا الأعداد الهائلة من المتطوعين الذين التحقوا بمنظمات إنسانية غير حكومية، لما استطاعت الحكومات الأوروبية التعامل مع هذا الدفق الهائل من البشر خلال مرحلة زمنية قصيرة، أغلبيتهم العظمى لا تحمل سوى حقيبة ظهر صغيرة ومبلغاً بسيطاً من المال، من دون أي رعاية صحية أو وسائل نقل أو غير ذلك من ضرورات الحياة. وقد رأى اللاجئون بأنفسهم طوابيراً من النمساويين والألمان يعملون بجهد كبير لتأمين مقرات إقامة مؤقتة لهم ريثما تستطيع الحكومات التعامل مع الأزمة.
لقد كان قرار الحكومات الغربية باستقبال اللاجئين قراءة دقيقة للموقف الشعبي العام، ولو غامرت مثلاً في أيامها الحكومة الألمانية أو النمساوية برفض استقبال اللاجئين، فهذا كان يعني بوضوح سقوط هذه الحكومات، أمام التعاطف الشعبي العارم مع اللاجئين. ما حصل لاحقاً، بدءاً من منتصف عام 2016، من انتشار التساؤلات وبعض التخوف من اللاجئين، له أسباب كثيرة معقدة ومتداخلة، لكنها لم تصل إلى مرحلة الموقف العنصري العام شعبياً أو المطالبة بالطرد، لكن تحليل ذلك يحتاج إلى ورقة مستقلة.
من الطبيعي والمنطقي أن الدول الأوروبية ستضع سياسات لمساعدة اللاجئين في تجاوز محنة اللجوء في المرحلة الأولى، ثم مساعدتهم في التحول إلى أعضاء فاعلين في المجتمع يساهمون في بنائه وحركته الاقتصادية والثقافية، تحت سقف المعايير والقيم الأوروبية؛ ومن ثم تتحقق الفائدة للطرفين في المدى الزمني المتوسط والطويل. فإدماج القادمين اللاجئين في سوق العمل هو نتيجة موضوعية ومنطقية لاستقبال اللاجئين وليس سبباً.
الخاتمة
إن استقبال الدول الأوروبية الغربية للاجئين خلال السنوات الماضية أتى نتيجة التعاطف الشعبي العام الأوروبي مع اللاجئين ومعاناتهم، وهو موقف بشري طبيعي ومتوقع من أي شعب أو جماعة تملك القدرة على مساعدة الآخرين كما هي حال الشعوب الأوروبية، وهو موقف مستند أيضا إلى ثقافة أوروبية شعبية راسخة تتمحور حول حقوق الإنسان والمساواة والكرامة الإنسانية. هذا الموقف الشعبي هو الذي شجع الموقف الحكومي الرسمي في المضي في استقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين. وبما أن اللاجئين أصبحوا واقعاً قائماً فمن المنطقي والحتمي أن تعمل هذه الدول على دمج اللاجئين أو إشراكهم في سياق الحركة الاجتماعية الاقتصادية للبلاد المضيفة، وبالتالي يستفيد اللاجئون والدول المضيفة في الحصيلة النهائية.
المراجع
[1] مقال على موقع قناة RT الروسية العربية بعنوان (ما سر احتضان ميركل للاجئين السوريين؟).
https://arabic.rt.com/news/793260-سر-احتضان-ميركل-للاجئين-السوريين/
[2] مقال على موقع نون بوست بعنوان (لماذا لا يسير الخليج على درب ألمانيا وكندا في استقبال اللاجئين؟).
https://www.noonpost.org/content/17494
[3] مقال رأي على الجزيرة نت بعنوان (استقبال ألمانيا للاجئين.. دافع إنساني أم مصلحة قومية?).
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/10/18/استقبال-ألمانيا-للاجئين-دافع-إنساني-أم-مصلحة-قومية
[4] اللاجئون وأوروبا.. إعادة تصدير الأزمة
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/newscoverage/2015/11/17/اللاجئون-وأوروبا-إعادة-تصدير-الأزمة
[5] مقال على موقع DW بعنوان: (ألمانيا واللاجئون – تضامن إنساني أم معادلة ربح وخسارة؟).
http://www.dw.com/ar/ألمانيا-واللاجئون-تضامن-إنساني-أم-معادلة-ربح-وخسارة/a-18698882
[6] مقال على موقع إسرائيل تايمز حول مظاهرات اليمين البولندي المتطرف في ذكرى الاستقلال، مع شعارات مناهضة لليهود والمسلمين
https://www.timesofisrael.com/jews-out-of-poland-chants-heard-at-far-right-independence-day-march/
[7] مقال على موقع الطيف الهنغاري بعنوان (أزمة اللاجئين: نظريات المؤامرة والأسباب الحقيقية)
http://hungarianspectrum.org/2015/10/11/the-refugee-crisis-conspiracy-theories-and-real-causes/
[8] أغلب الأرقام والإحصاءات الواردة في هذه الورقة، ما لم تجرِ الإشارة إلى غير ذلك، تعتمد على معطيات قسم الإحصاء في الاتحاد الأوروبي Eurostat – تاريخ المعطيات 10/06/2018
[9] استبعدنا هنغاريا من الأرقام لأن الحكومة الهنغارية عمدت إلى تسجيل اللاجئين المارين عبر أراضيها، ثم تركتهم يتابعون رحلتهم باتجاه بقية دول أوروبا الغربية، وذلك بهدف منح نفسها موقفاً قوياً في المفاوضات مع دول الاتحاد الغنية. وقد تجاهلت دول أوروبا الغربية غالبا كون اللاجئ قدم أول طلب في هنغاريا لأنها تعلم أن الحكومة الهنغارية ترفض عملياً استقبال اللاجئين.
[10] دراسة موسعة للكاتب (اللاجئون السوريون في دول الجوار واللاجئون في أوروبا).
[11] دراسة بعنوان (Integration of Refugees in Austria, Germany and Sweden) صادرة عن الإدارة العامة للسياسات الداخلية – البرلمان الأوروبي.
IP/A/EMPL/2016-23 January 2018 PE 614.200
[12] مقال حول مشكلة زيادة نسبة المتقاعدين في ألمانيا ومدى قدرة سياسة زيادة عدد المهاجرين على حل المشكلة، على موقع غلوبال هاندلسبلات الألماني المتخصص بالأعمال.
https://global.handelsblatt.com/politics/germanys-desperate-need-for-immigrants-881075
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.