شكّلت مشاركة حركة حماس في مراسم تشييع قاسم سليماني صدمة في عموم الأوساط العربية وبالتحديد عندما وصف إسماعيل هنية في كلمته (قاسم سليماني ثلاثاً أنه شهيد القدس) وهو وصف لم يحصل عليه صلاح الدين الأيوبي من قبل ما أثار حفيظة كثيرين من نشطاء التواصل الاجتماعي، مطالبين بضرورة إعادة توصيف حركة حماس من جديد، ناهيك بالأصوات الفلسطينية التي أعادت التذكير بجرائم الميليشيا العراقية المدعومة إيرانياً بحق فلسطينيي العراق، وقتل وتهجير الآلاف منهم، بالإضافة إلى ما فعلته ميليشيا إيران في مخيمات سورية ومنها خصوصاً مخيم اليرموك الذي كان يضم غالبية الوجود الفلسطيني في سورية، إذ استهدف قبل دخول المعارضة السورية المسلحة إليه؛ إضافة إلى دور قاسم سليماني الإجرامي في سورية.
عموماً، وبالمقاييس السياسية المعروفة، لم تعد القضية الفلسطينية ذات أولويِّة على المستويين العربي والدولي، كما لم تعد على المستوى الشعبي عربياً بالزخم السابق ذاته، لأسباب عديدة، منها الحالة المأسوية للربيع العربي خلال السنوات الماضية، وانقلاب التيارات الإسلامية على مشهد الثورة السلمية في سورية، وانتشار ظاهرة التطرف، التي دفعت شعوب المنطقة نحو رؤية استكشافية جديدة لفكرة الإسلام السياسي في المنطقة، بما في ذلك الملف الفلسطيني، ودور الحركات الإسلامية الفلسطينية فيه، وارتباطها السياسي بإيران المسؤولة عن مجمل كوارث أربع عواصم عربية.
هذه الرؤية باتت تستدعي إعادة فهم ما يدور في غزة منذ انقلاب حماس عام 2007 الذي أخرج القضية الفلسطينية من كونها قضية شعب يناضل للحصول على حقوقه المعترف بها دولياً وفق قرارات الأمم المتحدة، إلى واقع إشكالي جديد ومعقد، إذ أصبح عنوان الملف الفلسطيني هو كيفية التخلص من الانقسام بدلاً من السعي لإقامة الدولة الفلسطينية، ويعد هذا أول ضرر ألحقته حماس بالقضية الفلسطينية، لكونها قضية شعب يعاني الشتات والاحتلال إلى مجرد قضية تنازع سياسي حول تسلم مقاليد السلطة في غزة، خصوصاً وأن حماس تعدُّ السلطة الفلسطينية سلطة عميلة لإسرائيل، وترفض كامل الاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية برعاية المنظومة الدولية، ما يعني أن حماس أوقفت مسار القضية الفلسطينية الذي كان يتقدّم ما أدى إلى وصول قطاع غزة إلى هذه الحالة المأسوية بانسداد الأفق السياسي على كامل الأصعدة، الداخلية والخارجية.
ماذا يحدث في غزة
في تموز / يوليو 2017 أعلنت الأمم المتحدة أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة(1) بحلول عام 2020 استناداً إلى مجموعة من المؤشرات من أبرزها أن 95% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للشرب، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والبطالة التي وصلت 60 % بين الشباب(آنذاك) وانتشار كبير للأمراض والإصابات التي تسببت بها الحروب، والوضع الصحي الصعب والحصار وغير ذلك.
تلك كانت مجرد إشارة من عشرات التقارير السابقة واللاحقة لذلك التاريخ، وتحدثت كلُّها عن الوضع الإنساني المعقد في غزة الذي ازداد سوءاً مع ارتفاع عدد الجرحى والمصابين بسبب مسيرات العودة(2) التي أطلقتها حماس منذ آذار/ مارس عام 2018، وقتل فيها أكثر من 330 شخصاً منذ انطلاقتها، وأصيب أكثر من ثلاثين ألفاً، يحتاج قسم كبير منهم إلى استكمال العلاج داخل غزة وخارجها، لكن ذلك غير متاح للكثيرين بسبب نقص الأدوية الحاد وانهيار النظام الصحي في غزة، وعدم قدرة العائلات على إرسال أبنائها المصابين للعلاج خارج القطاع، إضافة إلى تحكّم حماس بقائمة المغادرين قطاع غزة ممن تضطر غالبيتهم إلى دفع مبالغ تصل إلى 2600 دولار لعدة مكاتب تعمل في غزة تحت نظر حماس بذريعة تسهيل خروجهم من القطاع في الوقت المحدد.
لا يتوقف الأمر عند حدود معالجة جرحى مسيرات العودة، ولكن ثمة تفاصيل كثيرة، تتعلق بالجانب الاجتماعي المعقد الذي أفرزته مسيرات العودة، إذ تسببت الإصابات لدى مئات الفلسطينيين بعطب شبه كامل، يحول دون قدرتهم على العمل، ما يعني أن النتائج القريبة لمسيرات العودة على الصعيد الاجتماعي قد زادت من حجم الكارثة الصحية والاجتماعية على نحو لا سابق له، وهي مسيرات لا تزال حماس تصر على إرسالها إلى الشريط الحدودي الذي كان مغلقاً منذ عام 1948 بعد النكبة الفلسطينية، وقررت حماس إزالته بذريعة أنها ستعيد الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية عبر هذه المسيرات.
قبل انطلاق مسيرات العودة، كانت حركة حماس تستعرض قواها يومياً من خلال تجارب صاروخية تطلقها باتجاه البحر، ومن خلال التحدث عن قدراتها في تطوير (طائرات درون) إضافة إلى حكاية الأنفاق التي تتباهى بها دائماً، وهي الأنفاق التي كلَّفت حماس ملايين الدولارات، إذ عدَّتها أنفاقاَ قتالية ذات طبيعة خاصة، غير أن الدلائل كشفت فيما بعد أن فكرة الأنفاق كانت غير صائبة بالمطلق، وغير ناجحة عسكرياً لأنها لم تكن أنفاقاً سطحية يسهل تمويهها، وإنما عميقة، وكانت بحاجة إلى نظام تهوية معقد، وهو ما أدى إلى كشفها وتدمير إسرائيل لمعظمها. وبذلك أتلفت ملايين الدولارات التي كان يمكن أن تخفف من معاناة أهل غزة، ناهيك بكونها أضرت على نحو مباشر بالتربة، وهو أمر يعلمه المتخصصون إذ انتشرت على مساحات واسعة، واستخدمت فيها ملايين الأطنان من الأسمنت، ونفذت بين البيوت والمخيمات وبعض مناطق المدن ما سيكون لها مستقبلاً تأثيرات تتعلق بالمياه الجوفية ومدى ازدياد تلوثها، حتى تلك التي تصلح للزراعة، لأن الأنفاق المدمرة قد تحوي مواد لها تأثيرات خطيرة على التربة.
المتابع للوضع الداخلي يلاحظ أن حماس قامت بتحويل قطاع غزة إلى ما يشبه فسيفساء من الأنفاق، لكنها لم تحفر نفقاً واحداً لتصريف مياه الأمطار التي تتسبب بغرق العديد من مخيمات غزة سنوياً، ولعدم وجود نظام صحيح للصرف الصحي، ولو وجد فلن يكلِّف ملايين الدولارات التي استهلكتها الأنفاق بلا جدوى، وسبب ذلك أن وجود هذه الحالة المزرية في المخيمات هو مبرر دائم لحماس لجلب التبرعات لجهازها المالي.
من المهم أن نعرف أن هذه الأنفاق لم تكن معدة لاستخدامها لتهريب البضائع، إذ حفرت في مساحة جغرافية ضيقة فمساحة قطاع غزة هي 365 كم2 فقط،(3) يستثنى منها مناطق حدودية لا يمكن الوصول إليها.
كيف تفكر حركة حماس؟
اليوم لدينا إشكالية بالفعل في توصيف حركة حماس، تبدأ من تصنيفها كحركة إسلامية فلسطينية، ما يعني أن وجودها في الساحة العربية والإسلامية يعدُّ شائكاً ومعقداً، فهي تستغل هذه المكانة من الجغرافيا وتعمل على تقديم نفسها على أنها المشروع الإسلامي للدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذه الفكرة لا تزال تدفع قطاعاً واسعاً من الشارعين العربي والإسلامي للتعاطف مع هذه الحركة، وبما أن لدينا فشلاً ذريعاً في العملية السياسية للقضية الفلسطينية فإن غالبية المتعاطفين مع حماس يؤمنون أنها هي الممسكة بمفتاح القوة في المعادلة من خلال انتهاجها الأساليب العسكرية وعدم توجهها للعملية السياسية، وهي بالضبط الإشكالية المعقدة التي تتسبب بهذا التعاطف مع الحركة، دون معرفة خفايا هذه الحركة وما تمارسه من سلوك على الأرض في غزة، وهل ثمة مشروع حقيقي لهذه الحركة يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بحماية الشعب الفلسطيني أم إن مشروعها مجرد صورة إعلامية بعيدة عن الواقع، ساهم فيها قطاع كبير من المشايخ والدعاة العرب الذين هم تاريخياً تربطهم علاقة عاطفية بالملف الفلسطيني، وهي سمة ملازمة لغالبية الدعاة والمشايخ، الذين تبقى معرفتهم بالقضايا السياسية محدودة ومتدنية ولا تتجاوز الجانب العاطفي.
من المهم جداً معرفة طبيعة الفكرة التي تنطلق منها حركة حماس وغيرها من الحركات الإسلامية في فلسطين وغيرها، فهي تؤمن أن جميع المكونات الشعبية من المدنيين الموجودة في محيطها هي ملزمة بالضرورة أن تكون صورة عنها، وبقراءة أوضح للمشهد، فإن الفكرة ترجع إلى العصر الإسلامي الأول، وتبدأ من المدينة المنورة، حيث تؤمن هذه الحركات أن كل من لا يساندها فهو يشبه المنافقين الذين لم يساندوا النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة تبوك(4) ما يعني أن جميع الحركات الإسلامية التي نراها تؤمن أن لديها “تبــــوك” الخاص بها، ومن يخالفها الرأي فهو من المنافقين.
وإذا أردنا على سبيل المثال أن ننظر بصورة أوضح إلى تموضع الحركات الإسلامية في سورية مثلاً سوف نلاحظ مسألة مهمة هي أن المدنيين لا يملكون حق الاختيار بالمطلق، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإنسان المدني المسالم الموجود تحت حكم جماعة إسلامية معينة لا تتعامل معه الجماعات الثانية المتصارعة من منطلق إنساني بحت، فهو غالباً ضحية طرفي النزاع، مثال ذلك أن تنظيم الدولة كان يَعدُّ المدنيين المقيمين خارج نطاق سيطرته رافضين الهجرة إلى دولة الخلافة، تماماً كما ترى جبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية أن المدنيين خارج نطاق سيطرتهم ليسوا من مسؤولياتهم بغض النظر عن وحدة الأرض والشعب وحتى المذهب. وهكذا هو تماماً المشهد في غزة، إذ تؤمن حركة حماس أنها الوحيدة صاحبة مشروع الأمة، وعلى عموم الأمة مبايعتها، ولو أن شكل البيعة الحمساوية مختلف نسبياً.
ولهذا نجد أن حماس، ومنذ تسلمها سلطة غزة سيطرت على غالبية المساجد واتبعت سياسة القتل والترهيب حتى ضد حليفتها (حركة الجهاد الإسلامي)، ثم صنعت خطباء للمساجد خاصين بها، عملوا خلال السنوات الماضية على استقطاب من استطاعوا من سكان غزة، وأدخلوا في مخيلة عناصرهم فكرة واحدة، أن الحركة هي الإسلام، وهي فلسطين وهي القدس، وما وراء ذلك هم مجموعة من المنافقين أو الجهلة، وهذه الفكرة هي ترجمة حقيقية لفكرة سيد قطب التي تحدث فيها عن جاهلية القرن العشرين في كتابه معالم على الطريق(5) والأمر الطريف أن المرشد الإيراني علي خامنئي وصف الأمة الإسلامية أنها بين جاهلية جديدة ونكبة ثانية(6) في تشابه للخطاب ما يثير الدهشة حول هذا التوافق.
عموماً، ومن خلال هذه الترجمة يختفي تماماً العنصر المدني من واقع الحركات الإسلامية لأنَّ الطريق بالنسبة لديها واضح تماماً، فعلى المدنيين أن يقدموا ما لديهم لهذه الحركات لأجل إظهار صدق إيمانهم، وما لم يفعلوا ذلك فهم مجموعة من المنافقين أو الجهلة الذين لا يعرفون الدين الحق، ولعل هذا يفسِّر عدم اكتراث الحركات الإسلامية بالمدنيين، وعدم اهتمامها إلا بمن ينتمون إليها أو يدعمونها مادياً أو معنوياً.
ماذا تريد حماس من غزة؟
الحالة الإنسانية التي وصلت إليها غزّة معلومة للقاصي والداني، فانسداد الأفق السياسي، وعدم وجود أي انفراج قريب واضح للجميع، فقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18- 29 سنة، أو الموجودين خارج نطاق التعليم في القطاع الى 63% وذلك حتى شهر آب/ أغسطس 2019 وهذا بالطبع بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء(7) ويعدُّ ذلك رقماً فلكياً، وهذا الرقم يمثل الشباب الفلسطيني الذين هم خارج دائرة حماس، لأنه كما هو معلوم في غزة، أن حكومة حماس عملت على توظيف 40 ألف موظف يتبعون لها منذ عام 2007 بعد الانقسام الفلسطيني(8)، ما نعنيه هنا أن البطالة محصورة بين الشباب الذين لا يتبعون حماس أو لا يعملون في مؤسساتها سواء العسكرية أم مؤسسات حكومة حماس. ومع هذا الرقم الفلكي من البطالة نصل إلى نسبة الفقر في غزة، إذ بلغت 75 بالمائة ما يعني أنها الأعلى على مستوى العالم وذلك وفق ما أصدرته وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة(9).
وأما القطاع الصحي فهو منهار تماماً وتحتاج كامل مستشفيات غزة لعملية إنقاذ لجهة الأجهزة الطبية والأدوات وقلة الأسرّة المتوفرة، إضافة إلى الأدوية التي باتت تشكل أكبر تحد للمواطنين بغية الحصول عليها، وخصوصاً أدوية الأمراض المستعصية، والعمليات الجراحية المعقدة وغير ذلك.
من المهم أن نعرف ماذا تريد حماس من غزة، وإلى أين ستصل الأمور بالمواطنين المقهورين الذين تحكمهم حماس وليس لديهم أي أفق للحياة، فهل ثمة فكرة معينة لدى حماس لإيجاد حلول سياسية ما يسمح بحدوث انفراج إنساني أم لا؟!
حركة حماس لا يعنيها الواقع الاجتماعي لسكان غزة وهنا قد يبدو الأمر غير مقنع للكثيرين، وخصوصاً أنها تعلن بأنها حركة ذات طابع إسلامي وتمارس الإسلام المعتدل بحسب ما تقول وإذا قلنا: إن هذا الواقع الاجتماعي البائس هو تماماً ما تريده حماس، فقد يعترض كثيرون انطلاقاً من أن الحس الإنساني لأي كائن بشري يرفض وصول الحالة الاجتماعية إلى هذا المستوى، ولكن ماذا لو قلنا إن هذا هو الواقع الذي يخدم حماس فعلاً؟
لنلاحظ مثلاً، أن نتائج مسيرات العودة الكارثية لا تزال متواصلة، ولا نزال نشاهد الحالات الإنسانية المعقدة التي أفرزتها هذه المسيرات، لكن حماس ترفض إيقافها وتدفع حتى بالنساء والأطفال للمشاركة فيها بمن فيهم الرضّع مع وجود الدخان الأسود الكثيف نتيجة حرق الإطارات، ومع وجود الغازات المسيلة للدموع المؤذية للأطفال، وأيضاً رغم ما يلاقونه من إصابات قاتلة أو جراح كما حدث مع آلاف الجرحى خلال العامين الماضيين.
المعروف تاريخياً أن الجيوش خلال الحروب المصيرية يكون العامل الأول لديها هو الحفاظ على العنصر البشري.. والمعروف أيضاً أن التخلي عن العناصر البشرية سمة ملازمة للعصابات الإجرامية وعصابات المخدرات، التي سرعان ما تترك عناصرها في ميدان الموت مقابل نجاة زعمائها، وهنا يبرز السؤال الأهم، فلماذا لا تحافظ حماس على العنصر البشري في مسيرات العودة، ولا تكترث له ولا تفكر بسلامة مواطنيها أولاً مع إدراكها أن هذه التظاهرات لا تحقق أي معادلة في مصلحة المدنيين الذين ترميهم للموت هناك، فما هي مسيرات العودة إذاً؟
بقرة حلوب اسمها مسيرات العودة!
ترسل حماس المدنيين إلى مسيرات العودة لأسباب لا يدركها من يذهب إليها من الناس، حيث يعمل خطباء مساجد حماس على تحريض المدنيين للذهاب للمسيرات، وقد اختارت حماس يوم الجمعة لهذه المسيرات، نظراً لاحتشاد الناس بالمساجد، وكانت تقوم بتأمين المواصلات، وحتى وجبات الطعام على مقربة من المسيرات، وعند الحديث عن وجبات الطعام، فإن كثيرين لا يعلمون أن بعض سكان غزة لم يذوقوا اللحم منذ سنوات، ولعل واحدة من صور الفيديو المفاجئة للفنان (مؤمن شويخ) عندما التقى عائلة في غزة وسأل أحد أطفالها عفوياً عن اللحم، اكتشف أن الطفل لا يعرف معنى هذه الكلمة.(10)(رابط الفيديو أسفل الصفحة).
هذا اللحم هو الذي تحصل عليه حركة حماس كهدية من الدول العربية لتقديمه للمحتاجين في الأعياد، غير أن كاميرا فلسطينية رصدت قسماً من هذا اللحم وقد ألقي في البحر، والسبب أن حماس توزع لحم الأضاحي على الحمساويين فقط، وعندما زادت الكمية، تعرضت للتعفن في ثلاجات حماس بسبب انقطاع الكهرباء فقاموا برميها في البحر.
وعودة إلى المسيرات نرى أنَّ العقل الباطني لدى شيوخ حماس تعمل كالتالي:
المسيرات وسيلة لتحريض المدنيين الذين لا يشاركون حركة حماس في أولادهم أو أموالهم، وبالتالي فإن المسيرات هي وسيلة جهادية جديدة، تعمل على تحريض المدنيين، ورفع الروح المعنوية لديهم للمشاركة لاحقاً بالمشروع الجهادي، وأما في حال مقتل أحد المدنيين أو إصابته فإن عائلته ستصبح عائلة مجاهدة، وسوف تجد مصلحتها بالانخراط في المشروع الجهادي الحمساوي.
باختصار، هذه هي الرؤية الدينية الحمساوية للمسألة فالمدني بعيد عن مفهوم الجهاد، وعندما يقع وسط المعركة سيتحول إلى مجاهد، وبالتالي يكتمل إيمانه، ويخرج من دائرة الجهلة أو حتى دائرة المنافقين الذين يحبون الدنيا ويكرهون الجهاد.
وأما وجود العدد الكبير من الجرحى فهو مفيد للحركة، لأنها ستبدأ بالتباكي للحصول على الأدوية، وهذا بالفعل ما حصل، ولكن دعونا نتوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشاهد كثيراً من الفيديوهات المتوفرة التي يتحدث أصحابها عن تنكر حركة حماس لهم وكيف أنهم لم يجدوا فرصة للعلاج.
مسيرات العودة خدمت حماس، فلأن المال القطري دخل غزة، حيث كانت حماس تعطي كل عائلة 100 دولار شهرياً من هذا المال، وتعطي الجرحى وذوي القتلى مبالغ أكثر من ذلك، لكن عموم المال القطري كان يذهب في النهاية إلى جيوب حماس، لأن هذه الدولارات تنفق داخل قطاع غزة، ويستبدلها الناس بالشيكل، العملة المتداولة هناك، كما أن المال يصل في نهاية المطاف إلى جيوب المؤسسات التجارية وغيرها التي تدير أغلبها حركة حماس أو أنصارها.
وتنهال المساعدات على غزة، سواء عبر الطرق الرسمية أم عبر مؤسسات العمل غير الرسمية التي تحصل على مساعدات إنسانية وتعمل على إنفاقها في غزة، وفي النتيجة، فإن الناس تذهب إلى الموت في المسيرات، بينما هناك من يحسب العائدات المالية في غزة.
خاتمة
من يظن أن حماس خاسرة في غزة فهو مخطئ، ومن يظن أن حماس تريد أن تتبدل هذه الحالة الموجودة فهو لا يعلم طبيعة الحركة، وبتوصيف آخر، إن حماس تشبه مجموعة من الأفراد جمعتهم ظروف معينة، وانطلقوا نحو مشروع جهادي كان أقصى ما يحلمون به أن تستمر حياتهم لأشهر أو ربما سنوات، ولم يحلموا يوماً أنهم سيمسكون بقطعة من الأرض، ويصنعون فيها إمارة خاصة بهم، وفجأة دار الزمن، ووصل بهم الأمر أنهم وصلوا إلى هذه المكانة، التي لم يكونوا يحلمون بالوصول إليها، فهم لديهم قطعة أرض، ولديهم جيشهم، ولديهم مصادرهم المالية، ولديهم ما يسمونه موطئ قدم لأول إمارة إسلامية عربية فماذا يريدون أكثر من ذلك ؟
لقد حصلت حماس على أكثر مما تريد، وهي معنية فقط بالحفاظ على ما بين يديها، وأما الإنسان الفلسطيني، فهو بين خيارين، إما أن يصبح حمساوياً ويأخذ احتياجاته من خزينة حماس المالية، أو عليه الانتظار في دائرة المسلمين الجهلة، أو المنافقين.
المصادر والمراجع
- صحيفة الشرق الأوسط 12 يوليو 2017.
- بدأت فكرة مسيرات العودة لأول مرة في سوريا وتم تنفيذها بتاريخ 15.4.2011 وتكررت في 5.6.2011 من نفس العام برعاية من نظام الأسد وأطراف فلسطينية مرتبطة بالنظام وكان الهدف منها التشويش على التظاهرات السلمية في سوريا، وقد أدت المسيرات تلك إلى انتفاض مخيم اليرموك ودخوله على خط التظاهرات ضد النظام بسبب عدد القتلى في تلك المسيرات.
- غزوة تبوك أو جيش العسرة وحدثت في العام التاسع للهجرة الموفق 630 م.
- كتاب معالم على الطريق سيد قطب.
- وكالة أنباء فارس الإيرانية 17 أيار 1394 بحسب التقويم الفارسي. وأيضاً الموقع الرسمي لقناة العالم الإيرانية بتاريخ 17 أيار 2015م.
- تقرير الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء12.8.2019.(وثيقة رسمية).
- الخليج أونلاين + وكالات 27.تموز.2016.
- صحيفة الشرق الأوسط 21.أكتوبر.2019.
- https://www.youtube.com/watch?v=zC22P4Bm0Ck
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.