تعمل دمشق ومن ورائها دعم عسكري روسي، ومليشيات إيرانية، على استعادة إدلب شمالي البلاد، معقل المعارضة الأخير، حيث لم تتوقف طائرات النظام الحربية، وكذلك الروسية عن استهداف من تدعي أنهم “إرهابيين” و”مخازن أسلحة”، وغير ذلك من الإشارات التي تشرعن عملها تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، وسط تكثيف الدعاية الحربية، من حشد الجنود على تخوم إدلب اقتراباً من المعركة الأخيرة.
لكن وسط الضجة الإعلامية الكبيرة من تقتل الغارات الروسية والسورية في إدلب؟
أول أمس الثلاثاء قتلت إحدى الغارات أم وبناتها الثلاث –رنيم تسنيم حنين-، ترافقت صورهم وهم قتلى على الفيس بوك بصور ضحكاتهم وألعابهم قبل الموت، تناقض يعرفه السوريون جيداً، فالساعات محملة بالكثير من المفاجآت التي تخبئها لهم طائرات الأسد وبوتين، في أعياد رأس السنة.
العشاء الأخير ليست صورة فقط لليونارود دافنشي، بل هي حقيقة اليوم في المحافظة التي أربكت حسابات الأسد، حيث نشر سوريون صورة لصحون متناثرة لطختها الدماء، قالوا إنها كانت العشاء الأخير لعائلة نازحة، فبعد أن اجتمع الأطفال منتظرين قدوم الوالدين قصفهم الطيران جميعاً، معلناً استهدافه لمجموعة إرهابية.
هذه نماذج بعض الإرهابين الذين يدعي الأسد وحلفاؤه قتلهم في إدلب المزدحمة، لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد السكان في المحافظة التي غدت “سوريا الصغيرة” فهي تؤي نازحين من كافة المحافظات والمناطق التي هجرها الأسد تحت مسمى “مصالحات”، إضافة لأهلها، فغدت جامعة للفسيفساء السورية، كما جمعت 80% من الآثار القديمة لسورية.
لم نستطع الحديث مع الكثيرين داخل إدلب، فأصوات الطيران، ومراصد المراقبة كانت تصدر ضجيجاً كبيراً، حال دون قدرة الكثيرين على التواصل معنا، لكن بكلمات قليلة تكلم البعض مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال “رامي الحمد” وهو إدلبي يعيش بالقرب من معرة النعمان: “لقد أنقذنا في الصباح الباكر ابنة جيراننا التي تبلغ 12 عام كان سقف منزلهم قد انهار فوقها، وجدناها في حالة هلع وخوف، لقد كانت عاجزة عن الكلام خائفة مما سيلحق بها من أذى”.
أخبرنا رامي عن كمية الخوف في عيون الأطفال، وعن القوة التي يمنحها الآباء لأولادهم ليتمكنوا من الاستمرار بأقل الأخطار، مؤكداً أن الأسد يمارس “بروبغندا إعلامية” أمام العالم الصامت.
في عددها الصادر صباح اليوم الخميس نقلت صحيفة الوطن السورية المحسوبة على نظام الأسد؛ نقلاً عن مصدر ميداني قوله إن “الجيش بدأ تمهيده الناري، باستهداف الطيران الحربي السوري والروسي بغارات مكثفة نقاط انتشار الإرهابيين في سراقب ومعرة النعمان، فيما أصلى الإرهابيين بمدفعيته الثقيلة والصواريخ ناراً حامية، وخصوصاً أولئك المتمركزون بمحاذاة الطريق الدولي بين حلب وحماة ومدن سراقب ومعرة النعمان وأريافها”.
وأمام الهجمة الشرسة وبحسب إحصاءات فريق “منسقي الاستجابة” يوم الثلاثاء الماضي فقط، فقد نزحت 2137 عائلة مكونة من أكثر من 11 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال، وعجائز، ومرضى.
وأكدت فرق الإنقاذ المحلية أن النازحين ما زالوا في العراء منذ الليلة الماضية، لقلة المخيمات القادرة على استيعاب مثل هذا العدد الهائل، وكون الطيران الروسي لا يستثني أي منطقة مأهولة من القصف، بهدف تحقيق أكبر ضرر ممكن بالمدنيين، المعارضين لنظام الأسد.
وينشر الناشطون صوراً محزنة لسيارات وووسائل نقل بدائية تحمل متاعاً لا يق من برد ولا من حر، بحثاً عن أماكن أقل قصفاً وربما يعتبرونها أكثر أماناً، لكن وبحسب الناشطين وصفحاتهم على منصة التواصل الاجتماعي الأشهر “فيس بوك” فإن آلاف العائلات تجد تحت أشجار الزيتون ملاذاً يعتقدون أنه آمن، أملاً في أن تؤمن الطائرات بأنهم مدنيين فتكف عن قصفهم.
لم نوفق اليوم بسبب اشتداد القصف بالتواصل مع الناشطين داخل إدلب، فالجميع خائف، ويشتغل اللحظات في الاطمئنان عن أقاربه، أو في التحذير من غارة جديدة، علهم يحظون بفرصة هرب أخرى.
وتشن الطائرات الروسية والسورية حرباً شعواء على المنطقة التي تؤوي نازحين سوريين من كافة المناطق السورية، حيث وصلها آلاف الثوار الرافضين لعقد مصالحات مع نظام الأسد، من ريفي دمشق، ومن المحافظات الجنوبية –درعا والقنيطرة-، وثوار حلب، وحمص، والمناطق الشمالية والشمالية الشرقية، فباتت إدلب سورية المصغرة.
وتشهد المناطق الجنوبية والغربية من محافظة إدلب شمالي سوريا، قصفاً جنونياً، بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة، في ظل حديث عن محاولة نظام الأسد اقتحام المحافظة وإعادتها لسيطرتها.
وقالت مصادر محلية من داخل المدينة، إن الطيران الرشاش التابع للنظام السوري يستهدف بشكل مباشر الأهالي النازحين على الطرقات.
وبحسب متابعتنا للأخبار، أحصى مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي، نزوح أكثر من 20 ألف عائلة منذ بداية تشرين الثاني الفائت.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.