مع مرور نحو 41 عاماً على إعلان الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق، تتصاعد التكهنات وعلامات الإستفهام حول مدى قدرة سلطات الإقليم على حماية أراضيه والاستمرار في ربطه بفكرة كردستان الكبرى، لا سيما في ظل الهجمات الصاروخية التي تزايد عددها مؤخراً ضد مطار أربيل ودخول الإقليم في حالة توتر غير مسبوقة من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى الصدامات المسلحة مع حزب العمال الكردستاني.
يشار إلى أن إقليم كردستان تم إنشاءه عام 1970 بموجب اتفاقية بين الزعيم الكردي الراحل “الملا مصطفى البارزاني” بعد انتهاء الحرب العراقية – الكردية الأولى، والتي استمرت نحو 9 أعوام متواصلة بين عامي 1961 وحتى 1970.
قصور أمني وعجز عسكري
على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته قوات البيشمركة التابعة لقوات الإقليم في الحرب على تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، إلا أن المحلل السياسي “حسن عثمان” يشير إلى أن كافة التطورات والأحداث، التي شهدتها الأعوام الخمسة الماضية، تؤكد على أن الإقليم مازال يعاني قصورا في حماية نفسه دون الحاجة إلى مساعدة أمريكية أو غربية، معتبراً أن ذلك يدفع باتجاه طرح تساؤل مشروع حول الخطوات التي أنجزتها حكومات الإقليم طيلة 4 عقود متواصلة.
ويلفت “عثمان” إلى أن الإقليم واجه تحديات على المستوى العسكري والأمني أثبتت تلك النتيجة، بدايةً من العجز عن وقف العمليات العسكرية التركية المتواصلة على أراضي الإقليم مروراً بعجزه عن حماية مناطق الأكراد في العراق من غزو قوات داعش لمناطق سنجار، بالإضافة إلى انهيار قواته أمام اجتياح القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي لمناطق واسعة جنوب الإقليم خلال ساعات قليلة، وذلك على خلفية الاستفتاء، الذي أجرته سلطات الإقليم للتصويت على الانفصال عن العراق في خريف 2018.
في ظل التحديات المحيطة، يعتبر “عثمان” أن الفشل الأكبر على الجانب الأمني والعسكري يتمثل بعدم قدرة حكومة الإقليم على تجنيبه حالة التوتر والهجمات الصاروخية الحاصلة في العراق عموماً، على الرغم من المساعدات الأمريكية، مشيراً إلى أن أراضي كردستان العراق باتت فعلياً مستباحة من قبل من وصفها بـ” ميليشيات صواريخ الكاتيوشا”.
يذكر أن مطار أربيل تعرض خلال الأسابيع الماضية لعدة هجمات صاروخية شنتها ميليشيات مجهولة يعتقد أنها تابعة لإيران، والتي أدت إلى توقف العمل في المطار لساعات.
الميليشيات الإيرانية..
تتخوّف سلطات إقليم كردستان من موجة تصعيد جديدة قد تدشّنها الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، بعد اتّهام إيران الإقليم باحتضان نشاط استخباراتي إسرائيلي، وهو ما نفت صحته حكومة الاقليم.
وتتهم الميليشيات الشيعية العراقية سلطات الإقليم بالتواطؤ مع الولايات المتّحدة، اذ زعم حلفاء إيران في البلاد تخوّفا من أن تصبح أراضي كردستان العراق موطنا بديلا للقوات التي قد تسحبها واشنطن من مناطق عراقية أخرى، ووجّهت ميليشيات شيعية تهديدات للإقليم من خلال شنّها هجوما بالصواريخ على مطار أربيل الدولي،
كما، تشهد علاقة القيادة السياسية لإقليم كردستان العراق بالميليشيات الشيعية العراقية المرتبطة بإيران المزيد من التوتّر بسبب ضغوط تمارسها على الإقليم ومحاولة منعه من الحصول على حصتّه من الموازنة الاتّحادية.
يذكر أن “الحرس الثوري” حشد قواته العام الفائت على الحدود مع إقليم كردستان العراق، وذلك لاستهداف مقرات وقواعد أحزاب كردستان إيران داخل أراضي إقليم كردستان، محذراً من أن “أي تحرك لهذه الأحزاب سيؤدي إلى شن هجوم عليها”.
صدامات داخلية..
وعن مفهوم الدولة الكردية، يلفت الخبير في الشؤون الكردية “مصطفى حجي” إلى أنها دولة قد لا تقوم أبداً لعدة اعتبارات بينها ما هو متعلق بالمجتمع الدولي وبينها ما هو مرتبط بتركيبة التيارات السياسية الكردية وصراعاتها، مشيراً إلى أن كردستان العراق ومنذ العام 2003، هو فعلياً شبه دولة مستقلة، ولكن حتى الآن وبعد 18 عاماً لا يزال جزءاً مرتبطاً بسيادة العراق وحكومة بغداد المركزية.
ويضيف “حجي”: “بحسب قانون المصالح الدولية، فإن القوى العظمى في العالم ليس لديها مصلحة كبيرة تدفعها لتبني خيار قيام الدولة الكردية، فمن جانب تمثل تركيا، الرافض الاكبر لفكرة الدولة الكردية، قوة كبيرة في حلف شمال الأطلسي فيما تمتلك إيران الرافض الثاني لتلك الدولة عدة اوراق ضغط لمنع قيامها، في حين لا تمتلك القوى الكردية أي أوراق للعبها ضمن لعبة المصالح”، مشدداً على فكرة أن المجتمع الدولي لو كان يملك رغبة أو إرادة في إنشاء الدولة الكردية لكان اتخذ هذه الخطوة منذ 2003.
كما يسترسل “الصمادي” في مستقبل الإقليم والدولة الكردية من الناحية الداخلية، معتبراً أن الإقليم ومنذ فترة طويلة يعيش حالة صراع مسلح بين بعض الأطراف الكردية، والتي تصاعدت خلال الأشهر الماضية، التي شهدت صدامات قوية بين قوات أمن الإقليم من جانب وقوات حزب العمال التابع “لعبد الله أوجلان” من جانب آخر، وسط حديث عن مخططات إرهابية كشفت عنها قوات أمن كردستان العراق، والتي قالت إن الحزب كان يتسعد لشنها داخل الإقليم وضد مؤسساته الحكومية ومسؤوليه الرسميين.
وكانت عدة مناطق في إقليم كردستان بينها مدينة دهوك، قد شهدت اشتباكات مسلحة بين الجانبين نهاية العام الماضي، وسط اتهامات من الحزب للإدارة الإقليم بالتعاون مع الجيش التركي لضرب مواقع الحزب شمال العراق.
أما عن مستقبل الإقليم، يرى الباحث “محمد الصمادي” أن الإقليم يتجه نحو الأسوأ، خاصة من الناحية الأمنية واحتمالية تصاعد المواجهات الكردية – الكردية، متمثلة بالصراع مع حزب العمال، الذي اتهم بالتورط بإحدى الهجمات على مطار أربيل، إلى جانب دخول الإقليم بأزمة مالية واقتصادية أدت إلى اندلاع احتجاجات واسعة في عدد من المدن الكردية لا سيما السليمانية، مؤكداً على أن الجيل الحالي من قادة الإقليم أدخلوه في مرحلة لا يمكن خلالها التكهن بالمستقبل الذي ينتظره في سياق التغيرات التي تشهدها المنطقة عموماً وتبدل التحالفات والمصالح.