تزايدت منذ مطلع العام الجاري الضغوط على جماعة الإخوان وشبكاتها النشطة في ألمانيا، وباتت الجماعة “ضيفاً” شبه أسبوعي في مداولات البرلمان الألماني (البوندستاغ)، كما أصبحت أذرعها الأخبطوطية تحت مجهر جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، ما يرسم ملامح مرحلة صعبة للجماعة بالبلد الأوروبي الذي لطالما كان مسرحاً لأنشطة الإخوان العابرة للحدود منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تقدّمت أحزاب ألمانية رئيسية، من ضمنها حزبي الإتحاد المسيحي واليسار، بـ 8 طلبات إحاطة ومشاريع قرارات بخصوص طبيعة أنشطة وتمويل شبكات التنظيمات الإسلاموية في ألمانيا. بينما ردت الحكومة على طلبات الأحزاب عبر مذكرات تشمل معلومات عن هياكل وأنشطة الإخوان والتنظيمات الإسلاموية الأخرى.
صفعة من اليسار..
وشكلت التحركات البرلمانية لحزب اليسار (دي لينكا) مؤخراً صفعة مؤلمة لتنظيمات الإسلام السياسي العاملة في ألمانيا، خاصة الإخوان. إذ لطالما اتّهمت أحزاب اليسار بالتعاطف مع التنظيمات التي تزعم تمثيل المسلمين والأقليات، وأنها تبنّي مواقف متساهلة حيال أنشطتها لا تقارن بمواقف اليمين المتطرف المتشددة.
وقدم حزب اليسار (69 نائبا من 709) أواخر شهر تموز يوليو الفائت طلب إحاطة جديد عن تمويل شبكات التنظيمات الإسلاموية في ألمانيا، وذلك بعد أسبوعين عن إحاطة أخرى حملت عنوان “الروابط الحالية للإسلاميين الألمان والنمساويين”.
وتضمنت ديباجة طلب الإحاطة توصيفاً لظاهرة الإسلاموية باعتبارها “مصطلحًا جماعيًا للعديد من الأيديولوجيات والحركات الأصولية، بما في ذلك الإسلام الراديكالي”.
وأضافت “القاسم المشترك بين التنظيمات هو اعتقادها أنّ العقيدة ليست مسألة تخص الفرد فقط، بل هي أساس دولة ونظام اجتماعي محدد بالدين فقط”، ونوهت إلى “الرفض الأساسي للفصل الدستوري بين دولة ودين ودولة دستورية علمانية”.
وأشار الحزب في إحاطته إلى أنّ “الإسلاموية ترفض أيضا، مبادئ سيادة القانون وحقوق الإنسان والمساواة”، متابعة “لذلك، فإن الهيئات الحكومية والإدارات وكذلك الجماعات الدينية الأخرى وغير المسلمين مدعوون إلى فصل التيارات والحركات الأصولية والعنيفة والتي تحض على الكراهية، عن ممارسة الشعائر الدينية التي يحميها الدستور”.
ووجه طالب الإحاطة أسئلة للحكومة عن “التحقيقات التي أجرتها الشرطة والاستخبارات المالية منذ عام 2017، وتتضمن تورط منظمات إسلاموية في قضايا تمويل إرهاب أو تلقي تمويلات مالية”، وسؤال آخر “عن حالات الاشتباه التي يتورط فيها منظمات أو أشخاص في الأوساط الإسلاموية في ألمانيا”.
وكان الحزب الذي يمتلك في البوندستاغ خامس أكبر كتلة برلمانية بين الكتل الحزبية الست الممثلة في المجلس، قد قدّم طلب إحاطة آخر في تموز يوليو الفائت تحت عنوان “الروابط الحالية للإسلاميين الألمان والنمساويين”، وتناول فيه الصلات بين الخلايا الإرهابية في النمسا وألمانيا مستشهداً بهجوم فيينا الإرهابي في ٢ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين التقى المنفذ شركاء موجودين في الأراضي الألمانية.
وبحسب وثيقة طلب الإحاطة الذي اطلع عليه “مرصد مينا” فإنّ المقترح مقدّم من الرئيسة المشاركة لكتلة حزب اليسار المعارض بالبرلمان الألماني، المحامية ذات الأصول المصرية أميرة محمد علي، إضافة إلى السياسي الألماني ديتمار بارتش.
الاستخبارات الداخلية تحّذر..
بدورها، تحذر هيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية”، بشكل دائم في تقاريرها، من خطورة جماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أن الجماعة تستغل مناخ الحرية والديمقراطية ليس فقط لتحقيق أهداف سياسية ولكن لإعادة تشكيل المجتمع الألماني.
وفي أحدث تقرير للاستخبارات الألمانية في ولاية برلين، أواخر أيار مايو الفائت، كشفت أنّ عدد قيادات الجماعة في المدينة بلغ 150 شخصا، وأخطر وأهم تنظيماتها هي الجالية المسلمة الألمانية التي تعرف أيضا “المجتمع الإسلامي” والتي تملك مقرا رئيسيا في العاصمة الألمانية.
وتابع التقرير “جماعة الإخوان هي أقدم جماعة إسلاموية وتملك فروعا في الشرق الأوسط وأوروبا الغربية، وتسعى جاهدة لإقامة “دولة إسلامية” أو “دولة مدنية ذات إطار مرجعي إسلامي” تستند إلى تفسيرها الضيق للشريعة”.
وأضاف أن الإخوان تسعى أيضا إلى “أسلمة المجتمعات” وصبغها بأفكارها، مضيفا أن الجماعة تزعم أنها تمثل جميع المسلمين وتطالب بسيادة حصرية على تفسير الإسلام، بحسب موقع العين الإمارتي.
بالتزامن مع ذلك، كشف تقرير هيئة حماية الدستور في ولاية شمال الراين وستفاليا أكبر ولاية بألمانيا، عن تزايد عدد قيادات جماعة الإخوان في الولاية، لتصل إلى 350 في بداية العام الحالي 2022.
وذكر التقرير أن الإخوان المسلمين هم أصل الإسلام السياسي؛ وهو أيديولوجية متطرفة تعرف أيضا بالإسلاموية»، موضحا: «تسعى جماعة الإخوان لتحقيق هدفها المتمثل في إدخال نظام حكم قائم على فهمها للشريعة، ويتم قبول النظام الدستوري الديمقراطي العلماني كوسيلة لتحقيق هذه الغاية».
وأوضح: «تتبع الإخوان استراتيجية الأسلمة من أسفل، والتي تتناول في البداية الفرد.. يجب أن يكون للأفراد الذين تم تنشئتهم وتدريبهم، تأثيرا على المجتمع على المدى الطويل». ومضى قائلا: «من حيث المبدأ، تتعارض أفكار الإخوان حول النظام السياسي، مع فكرة السيادة الشعبية والنظام الأساسي الديمقراطي الحر»، متابعا: «وبالتالي، فالجماعة تخضع للمراقبة من قبل هيئة حماية الدستور وفقا للمادة 3 الفقرة 1 رقم 1 من قانون حماية إقليم شمال الراين- وستفاليا».
واتخذت الاستخبارات الداخلية الألمانية (BfV) قراراً بمراقبة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب طيف الإسلام السياسي بكل أنواعه في ألمانيا. وقدّرت الاستخبارات الألمانية أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا بألف عضو، لكن المقصود ربما يكون الأعضاء المرتبطون بعلاقات تنظيمية هيكلية أكثر من أنصار التنظيم، بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهب والإستخبارات. وما زاد في قلق الاستخبارات الألمانية، تحديداً مكتب ولاية “بادن فورتمبيرغ”، أن جماعة الإخوان المسلمين تركز على التسلل إلى مؤسسات مثل الجامعات.
هامش المناورة للجماعة..
وتعمل جماعة الإخوان داخل الدول الأوروبية وفق استراتيجيات تمكنت من صياغتها عبر عقود من العمل السري والعلني في القارة العجوز، وأبرز ملامح هذه الإستراتيجيات هو تكوين شبكات بالغة التعقيد تضم المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات “الخيرية” التي تشترك جميعها في كونها عبارة عن واجهات لتنفيذ أهداف المشروع الإخواني في أوروبا.
وتحاول الجماعة تصدير صورة بأنها تنبذ العنف وتتبنى الوسطية، في حين أنها لا تزال في الحقيقة تعتنق الفكر العنيف المتطرف، ولكنها تحاول إخفاءه وراء العمل المؤسسي والمجتمعي كوسيلة لتجميل صورتها العامة في الغرب، وفق رأي كثير من المراقبين.
ومن ضمن الأدوات التي تتبعها شبكات الجماعة في أوروبا هو التنصل من الإنتماء للفكر الإخواني، وهو ماحصل حين قرّر المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أواخر يناير الفائت إسقاط عضوية جمعية “التجمع الإسلامي الألماني”، التي تصنفها السلطات الأمنية الألمانية جماعة تابعة للإخوان.
ويبدو أنّ بعض الدوائر الأوروبية أدركت بالفعل خطورة الفكر الإخواني على المجتمعات الأوروبية. حيث تقول لورديس فيدال، رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط: إن “مشكلتنا مع الإخوان المسلمين لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكن خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة أيديولوجية ودينية تتبنى مثل هذه الأفكار المتشددة”.
بينما ترى الخبيرة الألمانية في شؤون الإخوان “سيغريد هيرمان مارشال” أن منظمات الإخوان ستكثف مناوراتها في الفترة المقبلة، وتحاول النأي بنفسها عن المنظمة الأم لتفادي الضغط وانتزاع بعض حرية الحركة. وتتمثل الحيلة ببساطة في عدم الإشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين ضمن هذه الشبكات، مشيرة إلى أنّ المنظمات التي تخفي روابطها بالإخوان خلف وجه الاندماج وغيره من الأهداف المدنية “ستجد طريقاً للتعاون مع المؤسسات الحكومية والحصول على تمويل عام”.
مراجع:
https://dserver.bundestag.de/btd/20/027/2002796.pdf
https://www.juedische-allgemeine.de/politik/die-bundesregierung-blendet-den-islamismus-aus/
https://dserver.bundestag.de/btd/20/027/2002732.pdf
https://al-ain.com/article/political-islam-muslim-brotherhood-germany
https://dserver.bundestag.de/btd/20/027/2002796.pdf
https://dserver.bundestag.de/btd/20/027/2002732.pdf
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.