هيئة التحرير
مع تحديد الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” يوم 24 تموز المقبل، موعداً لإقامة أول صلاة جمعة في آية صوفيا، بعد إقرار تحويلها من متحف إلى مسجد، اعتبر مصدر تركي، أن القرار، يمثل ورقة سياسية تلعبها حكومة العدالة والتنمية قبيل الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة، بعد حركة الانشقاقات وتصاعد المنافسة بين حزب العدالة والتنمية وأعضاءه السابقين، بالإضافة إلى التغطية على الأزمات الداخلية التي تعيشها البلاد، لا سيما في ظل سوء الأوضاع المعيشية.
وكان الحزب الحاكم في تركيا قد شهد خلال السنوات القليلة الماضية، حركة انشقاقات كبيرة وعلى مستوى عالي، بعد استقالة رئيس الحكومة السابق، “أحمد داوود أوغلو”، من رئاسة الحزب، بالإضافة إلى استقالة نائب رئيس الحكومة الأسبق، “علي باباجان” من الحزب، وتشكيلهما حزبين معارضين، ما أثر على شعبية الرئيس “أردوغان” في أوساط الناخبين الأتراك.
ورقة داخلية وستار للأزمة
اختيار الرئيس التركي للوقت الراهن لاتخاذ القرار حول آية صوفيا، يؤكد المصدر أنه نابع من رغبته في التغطية على الأزمات الداخلية، وتحديداً الأزمة الاقتصادية، التي قد تلعب دوراً كبيراً في نتائج التصويت في الانتخابات القادمة، موضحاً: “الحكومة التركية تحاول تصدير الأزمة الداخلية بخلق أزمات خارجية تدغدغ مشاعر الأتراك”.
كما يشير المصدر إلى أن تركيا تسير على طريق استنتساخ نظام الحكم الإيراني، القائم على الخطاب الديني والممارسات المستفزة للمجتمع الدولي، لتحقيق مكاسب سلطة، على حد وصفه، لافتاً إلى أن قرار الحكومة حول آية صوفيا، سيزيد من عزلة تركيا الدولية، في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد التركي المزيد من الانفتاح على دول العالم وجذب الاستثمارات.
ويعاني الاقتصاد التركي من أزمة كبيرة، تمثلت بارتفاع نسب التضخم بـ 10.97 في المئة خلال نيسان الماضي، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 13.6 مطلع العام الحالي، في حين كشفت مصادر المعارضة التركية عن إغلاق ما يصل إلى مليون و 700 ألف منشأة ومؤسسة، تتوزع أحجامها بين الصغيرة والكبيرة والمتوسطة.
في السياق ذاته، يؤكد المصدر أن قرار تحويل آية صوفيا إلى مسجد، هو جزء من توجه لدى الحكومة لإشغال الساحة الداخلية باتجاه الخارج، لافتاً إلى أن الحكومة سعت خلال الأشهر القليلة الماضية، لخلق العديد من المشكلات الخارجية مع اليونان وقبرص وليبيا، للعمل على ربط أزمات البلاد بتلك المشكلات وليس بسياسة الحكومة.
وكانت تركيا قد خاضت أزمة كبيرة مع اليونان وقبرص جراء عمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، كما شهدت الأشهر الأولى من العام الجاري تأزماً في العلاقات التركية – الإيطالية، جراء الاتفاقية الأمنية وترسيم الحدود البحرية، التي وقعتها الحكومة التركية مع حكومة الوفاق الليبية، والتي اعتبرتها إيطاليا تعدياً على حدودها المائية.
تعاطف إسلامي
أهداف قرار آية صوفيا، لا تتوقف حسب ما يراه أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، “أيمن فؤاد”، عند الحدود الداخلية لتركيا، وإنما يسعى لترسيخ صورة الرئيس التركي “أردوغان” كزعيم إسلامي، من خلال محاولة كسب المزيد من تعاطف المسلمين في كافة أنحاء العالم.
وكان مجلس الدولة في تركيا، الذي يمثل أعلى محكمة في البلاد، قد وافق على تحويل الكنيسة السابقة آيا صوفيا إلى مسجد في خطوة مدعومة من الرئيس “رجب طيب أردوغان”، وإبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 يعطي الموقع وضع متحف.
القرار التركي يضع العالم الاسلامي في موقع المستفز لاسيما لشريحة المسيحيين الارثذوكس الذين يعتبرون آية صوفيا موقعا دينيا يمس معتقداتهم، وهو بذلك، أي القرار التركي، يزيد تعقيدات العلاقات الدولية، لاسيما، الاسلامية العالمية، ويضيف إلى العالم ملفا جديدا من ملفات الصراع، وهذه المرة يحمل بأبعاد دينية.
مواقف دولية ورفض أوروبي
الحديث عن زيادة عزلة تركيا عن المجتمع الدولي بسبب قرار آية صوفيا، تؤكدها المواقف الأوروبية والغربية الرافضة للقرار، حيث يصف رئيس حزب اليونان – الطريق البديل، “نوتيس مارياس”، قرار تركيا بالخطوة الاستفزازية والمنافية للتاريخ، مطالباً الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات قاسية على أنقرة.
كما يشير “مارياس” إلى أن تحويل الكاتدرائية إلى مسجد ينتهك قرار اليونيسكو، الذي صنفها كموقع للتراث العالمي، مشدداً على أن آية صوفيا ليست غنيمة “أردوغان”، وإنما هي ملك للبشرية جمعاء، وأن الخطوة التركية تهين ليس المسيحيين فحسب، بل البشرية كلها، على حد قوله.
تزامناً، يصف الرئيس القبرصي، “نيكوس أناستاسياديس” قرار الرئيس “أردوغان” بأنه إساءة إلى موقع تراثي عالمي، مضيفاً في تغريدة على صفحته على فيسبوك: “قرار مجلس الدولة التركي بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمثل مشكلة أخرى للعالم المتحضر بأكمله ومنظماته الدولية، لذا فإن القرار هو انحراف عن التاريخ وتدنيس لموقع له قيمة عاطفية خاصة لجميع المسيحيين على وجه الأرض”.
حلفاء الحكومة التركية الدوليين بدورهم، عبروا أيضاً عن رفضهم للقرار، حيث عبرت روسيا عن أسفها للقرار، في حين اتهم المتحدث باسم الكنيسة الأرثذوكسية، “فلاديمير ليغويدا” الحكومة التركية بعدم الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين، مؤكداً أن القرار قد يثير انقسامات أكبر.
وكان كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، “جوزيف بوريل” قد انتقد حكم مجلس الدولة التركي، معتبراً أنه أبطل أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وأن قرار الرئيس “أردوغان” بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية، أمراً مؤسفاً.