“يميل الزعماء المستبدون الخارجون على السيطرة، ونحن هنا نتحدث عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى الاعتقاد بأنهم يعرفون أفضل شيء عن كل شيء، كما أنهم لا يتسامحون أبدا مع النقد. وفي الواقع، كانت تلك الغطرسة هي ما قادت أخيرًا “أردوغان” وتركيا إلى حافة الكارثة في سوريا بعد تسع سنوات من التهديدات والصراع بالوكالة والتدخل العسكري المباشر”.
كانت هذه مقدمة لمقال واسع نشرته الغادرديان البريطانية حمل عنوان “أردوغان يجني صنيعته في سوريا وعلى الغرب التدخل وعدم ترك الامور له”.
سايمون تيسدال مكات المقال تابع””أردوغان” في عزلة الآن من كل الجوانب، فهو على خلاف حاد مع اللاعبين الرئيسيين الآخرين في الأزمة السورية. وبعد إرسال 7000 جندي إضافي وأسلحة ومدرعات وتعزيزات عسكرية إلى إدلب الشهر الماضي لتعزيز المواقع العسكرية الحالية، باتت تركيا فيما يشبه حرب مفتوحة مع نظام بشار الأسد، خاصة بعد أن هاجمت المطارات ومواقع الرادار خلف “خط المواجهة” الفعلي بحكم الواقع، كما أن تركيا كانت أعلنت أن جميع “عناصر” النظام أهداف مشروعة، قبل أن تتوصل تركيا مع روسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار”.
في عودة إلى منتصف عام 2011، يكتب تيسدال”عندما كانت انتفاضات الربيع العربي في بدايتها، التقى أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي آنذاك، بالرئيس السوري “الأسد” في “دمشق”، وحثه على مناقشة مطالب المتظاهرين، لكن “الأسد” رفض، وقد أخبرني “داود أوغلو” لاحقًا أن الزعيم السوري لم يصغ إليه. باختصار، ضاعت الفرصة، ومع تكثيف حملة “الأسد”، ألقى أردوغان بثقل تركيا وراء المتمردين، بما في ذلك الجماعات الإسلامية”.
هل يكون صراعًا عسكريًا روسياً ـ تركيًا؟
وفق الكاتب فإن ما يحدث الآن في شمال غرب سوريا لم يعد حربًا بالوكالة، بل إنها مواجهة مباشرة بين الدولتين المتجاورتين المدججين بالسلاح، وهي حرب تهدد بجذب تركيا إلى عمق الصراع العسكري مع روسيا، الحليف الرئيسي لـ”الأسد”. وليس هناك مثال أوضح على ذلك سوى استمرار الناطقين بلسان “أردوغان” ووسائل الإعلام الموالية للحكومة في تحميل كارثة الأسبوع الماضي، عندما قُتل 33 جنديًا تركيًا في هجوم على قافلتهم في إدلب، للنظام السوري.
من الصعب معرفة الحقائق، وبالنظر إلى قمع “أردوغان” للصحافة المستقلة، لكن الحقيقة تبدو مختلفة تمامًا. وبحسب ميتين غوركان، المحلل العسكري الذي يكتب لمنصة “المونيتور”، فإن عدد القتلى قد يصل إلى 55، كما أن هناك تقارير تتحدث عن 100 قتيل، ويبدو أيضًا أن غالبية القتلى لم تكن ناجمة عن طائرات سورية، بل عن غارات جوية روسية متعمدة ومستمرة.
لقد رفض “أردوغان” إلقاء اللوم على روسيا، فيما نفى الكرملين بشكل قاطع مسؤوليته، لكن تسلسل الأحداث التي بدأت بهجمات تركية على طائرات روسية تحلق فوق جنوب إدلب، يشير إلى عكس ذلك. كما أن العمليات التركية، التي تشتمل على أنظمة دفاع جوي محمولة (Manpads) ، قد هددت أيضًا قاعدة حميميم الاستراتيجية الروسية.
يبدو أن القادة الروس الغاضبين -أو ربما جاء الأمر من موسكو- قد رسموا خطًا بعد أسابيع من الخلاف المميت. في البداية، تعرضت قافلة تركية للاستهداف، وفي الساعات التي تلت ذلك، وبينما كان الجنود المصابون بحاجة ماسة إلى المساعدة الطبية، رفضت “موسكو” طلب “أنقرة” بفتح المجال الجوي لإدلب للسماح بالإخلاء، وفق ما أفاد به “غوركان”.
هل لقن بوتين أردوغان الدرس؟
هل كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتزم تلقين “أردوغان” درساً قاسياً؟ سؤال يطرحه الكاتب ليجيب عنه:” إذا كان الأمر كذلك، يبدو أنه قد نجح، فبعد ساعات من كل تلك الأحداث، علق “أردوغان” آماله على لقاء وجها لوجه مع الزعيم الروسي لمنع المزيد من الاصطدامات الباهظة التكلفة التي لا تستطيع تركيا الفوز بها، حيث سافر إلى “موسكو” بحثًا عن وقف لإطلاق النار، بعد أن وافق “بوتين” على تخصيص وقت له.
ومع ذلك، قد لا يكون “بوتين” في مزاج للتراجع، فهو يريد بشدة إنهاء الحرب السورية التي تشارك فيها القوات الروسية منذ حوالي خمس سنوات بتكلفة مالية وبشرية كبيرة. “بوتين” يريد النصر لموكله “الأسد” في إدلب، التي تعد آخر محافظة يسيطر عليها المتمردون، وللسياسات الإقليمية التوسعية الخاصة به، أي إنه يريد أن يعلن انتصارًا استراتيجيًا بارزًا على حساب الغرب وخاصة الولايات المتحدة.
ثمن إرضاء بوتين:
قد يكون ثمن الذي سيطلبه “بوتين” في المراحل المقبلة من أجل إنقاذ “أردوغان”، هو الانسحاب الكلي أو الجزئي من إدلب، وليس إدلب فقط، بل أيضا من الأراضي السورية الأخرى التي تحتلها تركيا إلى الغرب من نهر الفرات ومن المنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الكرد، والتي غزاها بشكل مثير للجدل في الخريف الماضي. إن فكرة “أردوغان” غير القابلة للتطبيق دائمًا المتمثلة في الحفاظ على “مناطق آمنة” شبه دائمة داخل سوريا والتي يمكن للاجئين في تركيا العودة إليها، من الناحية النظرية، قد ماتت أو تموت بالفعل.
كذلك، فإن الضعف الجوهري لاستراتيجية “بيت القش” التي يتبعها “أردوغان” قد تعرّض لمزيد من الضعف بسبب عجز المتطرفين الإسلاميين الذين يدعمهم في إدلب عن مقاومة التقدم السوري الروسي الأخير؛ ورفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي التدخل لمساعدته بأي طريقة مجدية.
مرة أخرى، يحصد “أردوغان” ما زرع. لقد سخر مرارًا وتكرارًا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة والقادة الأوروبيين بعبارات انتخابية وبازدراء، كما أنه اشترى نظام دفاع جوي روسي تسبب له في اعتراضات أمريكية قوية. لقد عرّض “أردوغان” حرب الغرب ضد “داعش” للخطر من خلال شن حرب على كرد سوريا، وقد حاول تحويل أزمة اللاجئين السوريين إلى سلاح لثني الاتحاد الأوروبي على إرادته، ومن ثم حدثت الفوضى والبؤس الحاليين على الحدود اليونانية التركية. ومما لا يثير الدهشة، أن المعارضة الداخلية تتزايد بسبب المستنقع السوري الذي تورط فيه.
مع اشتداد أزمة إدلب في الأشهر الأخيرة، ادعى “أردوغان” أن هدفه الوحيد هو دعم التهدئة الجزئية لعام 2018 ومنع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى تركيا.. هذه أهداف معقولة، لكن تكتيكاته العدوانية والخطابة الغاضبة، كالعادة، أثبتت أنها تهزم نفسها بنفسها. ويبدو أن التواضع في تركيا ليس سببا للبهجة في أوروبا والولايات المتحدة. إن ما تفعله هو التأكيد على مسؤوليتها –بشكل مخجل للغاية- للتدخل مباشرة في أزمة إدلب لحماية المدنيين ووقف القتال والتوصل لسلام أوسع، لكن الواقع أثبت أن ترك الأمر إلى “أردوغان” لم ينجح أبدًا. لدى الديمقراطيات الغربية فرصة أخيرة لفعل الشيء الصحيح في سوريا: خلق وتطبيق تسوية عادلة ودائمة، ومطالبة “بوتين” وتابعيه العودة إلى ديارهم.