ملف يتم نشره على مدار ثلاث حلقات، وهذه الثانية منها.
إعداد وحدة الدراسات الاستراتيجية
أردوغان والأسد قُبيل القطيعة والصراع بينهما؟
لدى حوارك مع الصحفيين الاتراك وهم يتجولون في شوارع دمشق، تطرح عليهم السؤال التالي: ما هي الصفحة التالية من العلاقات بين سوريا وتركيا؟. يأتيك الرد” بأن تركيا تشهد ثورة داخلية على شاكلة الثورة الإسلامية في إيران، لكنها ثورة صامتة، سوف تنتهي بإعادة إحياء العالم الإسلامي بشكل مختلف عما هو عليه الآن، وبمقابل ذلك عندما كنت توجه ذات السؤال إلى مثقف سوري علماني أو يساري أو بعثي، فسوف تجد جواباً مختلفاً وهو أن سوريا هي القائد الحقيقي للعالم العربي، وأن المشروع القومي قائم وموجود، وأن الروابط مع الأتراك لا تتعدى جوانب المصلحة الاقتصادية وحسن الجوار.
كل هذا الهمس في الشارعين العربي والتركي كان يخفي قلقاً من الأيام القادمة، ومع قيام الثورة السورية، كان من غير الممكن أن تستمر العلاقة بشكلها الطبيعي بين تركيا وسوريا، ففي تركيا ثمة مشروع إسلامي يتبلور، ويستمد من الانتخابات الديموقراطية مشروعية تتزايد يوماً بعد يوم، وهناك في سوريا ثمة مشروع استبدادي وراثي يرى نفسه وصياً على سوريا وعموم المشروع القومي العربي المتهالك، الذي لم يكن أكثر من اسم، لكن هذه المعادلة من تركيا إلى سوريا، هي معادلة غير قابلة لإحداث أي توافق بين الطرفين.
أما من الناحية العملية وبحسب تسلسل الأحداث، فإن الموقف التركي من الثورة السورية خلال الأيام الأولى منها، كان متناغماً مع التحالف العميق بين “أردوغان” و”الأسد”، وهو ما تجسد من خلال زيارة وزير الخارجية التركية آنذاك، “أحمد داوود أوغلو” إلى دمشق، مطلع الشهر الثامن من العام 2011 أي بعد اندلاع الثورة بحوالي خمسة أشهر، وعقد اجتماعات مع رأس النظام، قيل إنه حاول خلالها إقناع “الأسد” بتخفيف القبضة الأمنية، مقابل السعي لتخفيف حدة المواقف الدولية تجاهه، وفقاً لما ذكرته صحيفة DW الألمانية، في ذلك الوقت.
طبيعة الموقف التركي تجاه القضية السورية في العام 2011، لم يتوقف عند حد زيارة أوغلو إلى دمشق، وإنما تمثل في زيارة معاكسة سابقة لها، أجراها رئيس خلية إدارة الأزمة في النظام آنذاك، العماد “حسن تركماني”، إلى العاصمة التركية، أنقرة، بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 2011، والتي جاءت على خلفية تسريب “أردوغان”، الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس الحكومة، إلى “الأسد” وجود نوايا دولية للتحرك ضده، ما دفعه لطلب قدوم “تركماني” إلى أنقرة وإجراء مباحثات حول ذلك الأمر، بحسب تسريبات إعلامية نشرتها بعض الوكالات الدولية.
الزيارتان السابقتان، اللتان تعتبران آخر زيارات رسمية معلنة بين الجانبين، كانتا فعلياً محور التحول في العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، والتي دفعت “أردوغان” إلى التوجه لدعم المعارضة السورية، واستضافة مؤسساتها وهيئاتها على الأراضي التركية، بعد أن تأسست لدى القيادة التركية قناعة تامة بأن الأمور متجهة نحو التصعيد، وأن لا مجال لإنقاذ “الأسد”، من الغضب الدولي، وفقاً لما يراه محللون ومتابعون للسياسة التركية في الشرق الأوسط، لافتين إلى أن لحظة عودة “أوغلو” من دمشق، خاوي الوفاض من أي اتفاق مع النظام حول المظاهرات، مثلت اللحظة الفاصلة في الموقف التركي، وتحولاته التي اتضح فيما بعد أنها لم تكن تحولات فاصلة ونهائية بشكلٍ كامل.(01)
أردوغان والأسد…بداية الخلاف والصراع؟
بدأ التحول التركي نحو الثورة ودعمها منتصف العام 2011، بعد زيارة “أوغلو” لدمشق، وإعلان “أردوغان” أنه سيُسمع “الأسد” لهجة قاسية حيال استمرار القمع في سوريا، مشيراً إلى أن السلطات السورية تتعامل بـ”وحشية” مع المظاهرات، ليطلق وقتها عبارة: “لن نسمح بحماة ثانية”، التي كانت بمثابة التحول الفعلي في الموقف التركي والإعلان باتجاه دعم المعارضة.
جاء تشكيل المجلس الوطني السوري المعارض، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2011، ليكون بذلك، واحدة من خطوات التباعد بين الصديقين القديمين، ومن أهم الأسباب في ذلك؛ مسألتان:
الأولى: أن المجلس الوطني قدم نفسه للمجتمع الدولي على أنه البديل عن النظام الأسدي حيث اعترفت به عديد الدول كبديل عن النظام.
والثانية: أنّ هذا المجلس كان مهيمناً عليه من قبل حركة الإخوان المسلمين صاحبة العداء التاريخي مع أسرة الأسد؛ مما يعني أن أردوغان أعلن احتضانه للعدو التاريخي للنظام؛ وأنه انحاز لعمقه الإخواني الذي تربى عليه.
ثم تصاعدت حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، مع إسقاط النظام طائرة عسكرية تركية وقتل طياريها، في حزيران/ يونيو 2012، بعد أيامٍ من استدعاء أنقرة للملحق العسكري السوري في السفارة السورية، جراء إطلاق قوات حرس الحدود التابعة للنظام النار على لاجئين سوريين داخل الأراضي التركية.
وتعمق الاتجاه الأردوغاني بشكل أكبر نحو دعم المعارضة والعداء للأسد، مع استضافته للعديد من القيادات العسكرية المنشقة عن النظام، أبرزها المقدم “حسين الهرموش”، والعقيد “رياض الأسعد” الذي تولى قيادة المعارضة المسلحة، تحت اسم “الجيش السوري الحر” عام 2011، كما فتحت معسكرات تدريب لمجموعات من العناصر المعارضة السورية على أراضيها، في تشرين الأول/ اكتوبر عام 2011، التي انضمت فيما بعد للقتال ضد قوات النظام شمال سوريا وتحديداً في مدينتي حلب وإدلب الحدوديتين، تحت إشراف بعض ضباط المخابرات التركية.(02)
أردوغان من الناتو إلى الحلف الأوراسي؟ على خطى أتاتورك!
لقد ساعدت الحربُ في سوريا روسيا بوتين على استعادة الحلم للعودة ببلاده كقوى كبرى بعد أن فقدت ذلك نتيجة انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1990؛ الملفت للنظر أن الشخصيات الأربعة ذات العلاقة المباشرة بالحرب في سوريا استطاع الرئيس الروسي بوتين جذبها إلى دائرته لتكون نواة المشروع الأوراسي الجديد بقيادة روسيا؛ ليغدو هذا الحلف نداً للنظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية؛ وأهم حلفاء بوتين في المشروع الأوراسي الذي يريد حلَّ قضاياها بعيداً عن الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن فيها. كان دخول تركيا أردوغان فيه؛ بعد خلافاته المتكررة إنْ مع الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوربي؛ مما جعل تركيا أردوغان عبئاً على الاتحاد الأوربي خصوصاً أنه يملك كلمة واضحة على الإسلام السياسي، وبالتالي هو قادر على إقلاق الأمن الأوروبي؛ وكذلك في مسألة استراتيجية أخرى؛ تمثلت بخزان المهاجرين السوريين وغيرهم الذي يشكل عبئاً استراتيجياً على دول الاتحاد الأوربي وأمنه ومنظومة قيمه كما يدعي الأوربيين. إضافة إلى أن اللوبي التركي الأردوغاني المتواجد بأوروبا بات مقلقاً لسياسة الاتحاد الأوربي؛ وضيق من خياراته السياسية تجاه إيجاد حلول لمشاكل الشرق الأوسط.
يضاف إلى ذلك إيران الدولة التي باتت تشكل حالة تمرد على المجتمع الدولي والتي استطاع بوتين جذبها واحتضانها في مشروعه الأوراسي؛ يضاف إلى هؤلاء أن بشار الأسد منح لهذا الحلف الأوراسي قاعدة متقدمة ومواجهة لأوروبا عندما جعل من بلده قواعد عسكرية لكل من إيران وروسيا ودول أخرى وأخيراً اكتملت بدخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية.
وحينما حاول المحور الأوراسي بقيادة بوتين/ أردوغان التفرد بحل المأساة السورية بعيداً عن قرارات المجتمع الدولي والدور الأمريكي من خلال الوثيقة التي تفاهم عليها أردوغان/ بوتين في موسكو يوم 5 آذار/ مارس الحالي؛ وقدمتها روسيا لمجلس الأمن لأخذ المشروعية عليها ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الأممية السابقة، كان الفيتو الأمريكي لها بالمرصاد.(03)
أردوغان في انخراطه بالحلف الأوراسي يستحضر السلوك الأتاتوركي لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك؛ فعندما تعرقلت المفاوضات بين أتاتورك وبين الأوربيين والأمريكان في العام 1921 ولم يمنحه المنتصرون بالحرب آنذاك ما يريده ليكوَّن تركيا الحديثة؛ ذهب فوراً إلى تحالف مع الاتحاد السوفيتي؛ فيما سُمي تاريخياً بمعاهدة موسكو؛ ليقول للآخرين بلسان الحال أن تركيا تمتلك خيارات مقلقة للغرب؛ وعلى الغرب أن ينصاع للمطالب التركية؟! وهذا بالضبط ما قام به أردوغان حينما تعثرت مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية؛ حيث انحاز إلى الحلف الأوراسي الجديد؛ سائراً على الخطى مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك؛ وكانت صفقة صواريخ s400 هي الإشارة بذلك.
معاهدة موسكو
معاهدة موسكو وقعت بين الجمعية الوطنية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وروسيا البلشفية بقيادة فلاديمير لينين، في 16 آذار/ مارس 1921، واستنادًا إلى معاهدة بريست – ليتوفسك التي تم التوقيع عليها مع الدولة العثمانية في آذار/ مارس 1918، حينئذ لم تكن الجمهورية التركية ولا الاتحاد السوفيتي كانا قد تأسسا بعد. وفي 23 ت1/ أكتوبر 1921، أضيف إليها معاهدة كارس. وفي 24 آب/ أغسطس 1920، وقع اتفاق للتعاون بين حكومة روسيا السوفياتية والجمعية الوطنية التركية، على أن توفر روسيا السوفياتية المساعدة لتركيا في كل ما تحتاجه عسكرياً إذا لزم الأمر من خلال عمليات عسكرية مشتركة وفي أيلول/ سبتمبر 1920، تحرك 15 فيلقاً تركياً بقيادة “كاظم قارابكير” نحو كارس وأرداهان وأرتفين وباطومي وأغدير لمواجهة الأرمن على الحدود الشرقية. وبعد ستة أسابيع من القتال، فقدت جمهورية أرمينيا ثلثي أراضيها قبل الحرب، وأكثر من 200 ألف شخص (معظمهم من السكان المدنيين).
استغلت الجمعية الوطنية التركية الرفض الشعبي التركي ورفض السوفييت لمعاهدة سيفر، وأرسلت وفداً إلى روسيا برئاسة “بكير سامي بك” لبحث توقيع اتفاق صداقة مع الحكومة البلشفية، استنادًا إلى معاهدة بريست – ليتوفسك التي تم التوقيع عليها مع الدولة العثمانية في آذار/ مارس 1918. وفي 20 آب/ أغسطس 1920، بدأت المفاوضات بين الطرفين في هذا الشأن، إلا أن وزير الخارجية السوفييتي “جورجي تشيشرين” طالب الأتراك بالتخلي عن بعض أراضيهم في أرمينيا بالإضافة إلى الأراضي التي كانت جزءً من الامبراطورية الروسية قبل عام 1914، لإتمام الاتفاق. رفض مصطفى كمال ذلك بحدة، وأعلن أن تركيا لن تتخلى عن أي شبر من أراضيها.
وأرسل مصطفى كمال “على فؤاد باشا” سفيراً إلى موسكو، كما أرسل السوفييت “ميدفاني تشيشرين” سفيراً إلى تركيا. ووقع المعاهدة في موسكو، من الجانب التركي على فؤاد باشا ود. رضا نور ويوسف كمال تنجسنك، ومن جانب السوفييت جورجي تشيشرين. تضمنت المعاهدة إعادة ترسيم الحدود بين البلدين واقتسام بعض الأراضي.
هذا السلوك الأتاتوركي استحضره أردوغان في خلافاته مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي؛ حيث يريد أن يكون ذا تأثير سياسي وأمني واستراتيجي بالاتحاد الأوروبي؛ وهذا ما تدل عليه خطاباته المبطنة بالتهديد والوعيد للاتحاد. وهذا التوجه الأردوغاني نحو الحلف الأوراسي سيؤدي يوماً ما إلى إعادة الوئام بينه وبين بشار الأسد بشكل ما وبوساطة روسية.(04)
الأردوغانية من داعش إلى غصن الزيتون حتى سوتشي؟
رغم اتفاق الخبراء في التنظيمات الإرهابية على أن داعش كانت شركة عالمية مساهمة ومغفلة؛ إلا أن أهم طرفين في هذه الشركة ساهما في ولادة تنظيم داعش هما أردوغان والأسد؛ فالأسد أطلق سراح الجهاديين المعتقلين من سجونه بالشهر السادس من العام 2011 الذين سرعان ما التحقوا بالحراك الثوري! وأسسوا كتائبهم الجهادية؟! وسلَّم حدود الجمهورية العربية السورية للثوار بطريقة غريبة ومريبة؟! مما ساعد العناصر المنتمية للتنظيمات الجهادية المتطرفة بالوصول إلى داخل البلاد وإنشاء كياناتها الإرهابية والعبث بمصير البلد؛ وتعقيد المسألة السورية إلى حد كبير؟!.(05)
أما الدور الأردوغاني فقد ساهم بتيسير وصول هؤلاء العناصر عن طريق تركيا؛ ودخولها إلى سوريا؛ وساهمت شخصيات إخوانية في ذلك باستقبالهم بولاية شانلي أورفا التركية وتجميعهم في بلدة تل أبيض السورية كمعسكر تجميع على غرار ما كان يفعله أسامة بن لادن بأفغانستان باستقباله المجاهدين القادمين للجهاد ضد السوفييت؛ في بيشاور (باكستان) في العام 1984.
كان مركز تجميع المجاهدين القادمين من كل مكان إضافة إلى تل أبيض؛ مدينة (إعزاز) وقرية (سجو) المقابلة لولاية كلس التركية. وهذا لا يعني أن التيار الجهادي لم يدخل من مناطق حدودية أخرى كمنفذ درعا الذي ساهم (التيار السلفي السروري) بتيسير وصول القادمين من وعن طريق الأردن؛ ناهيك عن منفذ البوكمال الحدودي مع العراق الذي ساهم بشكل كبير بقيادة تنظيم داعش في سوريا؛ ورفده بعناصر ذات خبرة جهادية من تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق؛ إضافة لعناصر من بقايا الحرس الجمهوري العراقي الصدامي الذين تولوا قيادة العمليات العسكرية في المناطق الشرقية والشمالية السورية.(06)
مع تصاعد الأحداث واتساع دائرتها، ودخول تنظيم داعش الإرهابي على خط الثورة السورية، طرأ تعديل على السياسات التركية فيما يتعلق بالحدود مع سوريا وحركة دخول وخروج المقاتلين، فقد أشارت مجلة فورين بوليسي في مقالٍ لها؛ تم نشره في العام 2019، بأن الحكومة التركية سمحت بعبور (30) ألف عنصر مسلح من التيار الجهادي إلى الأراضي السورية عبر حدودها للانضمام إلى التنظيم الإرهابي عبر إنشاء ما يسمى بـ “الطريق الجهادي السريع” عام 2013.
كما واجهت حكومة أدروغان العام 2014، تهماً عديدة حول وجود علاقات اقتصادية مع التنظيم، تمثلت بعمليات تهريب النفط من سوريا عبر الأراضي التركية، ليتم تداول اسم رجل الأعمال التركي “بيرات البيرق”، ضمن تلك الصفقات ما جعله يواجه دعوات لمحاكمته في الولايات المتحدة.
مرحلة القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، مثلت بدورها نقطة تحول جديدة في العلاقات بين تركيا وسوريا، حيث دفع انتشار الميليشيات الكردية المسلحة على طول الحدود السورية – التركية، ذريعة للحكومة التركية للتدخل بشكل عسكري مباشر في الأراضي السورية، من خلال ما أسمته عملية، “غصن الزيتون” التي أطلقتها مطلع العام 2018، حيث شارك فيها وحدات من الجيش التركي ومجموعات من الفصائل السورية المسلحة المعارضة، المدعومة من تركيا، ضد ميليشيات سوريا الديمقراطية في مدينة عفرين شمال حلب، والتي انتهت بسيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية له على المدينة ومحيطها، وهو الوضع الذي لا زال مستمراً حتى اليوم.
كانت أهم أهداف هذه الحملة منع تحقيق حلم (روج آفا) الكردي؛ حيث اتُهِمَت الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية (بحسب اتهامات المتعاطفين مع أردوغان) بأنها تسعى لاستغلال حالة الضعف السورية لإنشاء كيان كردي منفصل ومستقل عن سوريا يصل إلى البحر المتوسط؛ وبوصوله إلى البحر تصبح إمكانية ولادة دولة كردية غير قارية ممكنة؛ لتنظم إليها ( كردستان العراق ) فيما بعد.
فقام أردوغان بخطوتين: الأولى تصالح مع الفصائل العسكرية السورية التركمانية المنظمَّة للثورة التي تشكل تواجداً لابأس به في الشمال الغربي السوري؛ وقام بدعمها بمناصب في حكومة المعارضة والائتلاف المعارض وتنظيم فصائلها العسكرية وتسليمها الشريط الحدودي الشمالي من جرابلس حتى البحر المتوسط غرباً؛ فقامت بحماية الحدود التركية من تهريب اللاجئين السوريين الفارين إلى الداخل التركي من سوريا؛ وإنهاء الحلم الكردي بالوصول إلى منفذ بحري يساعد في إنشاء الدولة الكردية.
وأما الخطوة الثانية: توجه أردوغان من خلال عملية، “غصن الزيتون” بوحدات من الجيش التركي ومجموعات من الفصائل السورية المسلحة المعارضة، المدعومة تركياً، ضد ميليشيات مجلس سوريا الديمقراطية في مدينة عفرين شمال حلب، التي انتهت بسيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية له على المدينة ومحيطها، وهو الوضع الذي مازال مستمراً حتى اليوم؛ ولقد مارست فصائل المعارضة انتهاكات حقوقية لا ينكرها إلا جاحد تجاه الأكراد المقيمين في عفرين؛ وساهمت بهذا السلوك اللاوطني وغير الإنساني بنزوح عدد كبير من أبناء المدينة واعتقال واضطهاد عدد آخر.
وفي خريف العام 2019، أطلقت تركيا عملية جديدة ضد ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، في منطقة شرق الفرات، أطلقت عليها اسم “نبع السلام”، التي سيطرت من خلالها على العديد من المناطق في شرق نهر الفرات، في عمليات شارك فيها مجموعات مسلحة سورية معارضة تحت مسمى، “الجيش الوطني السوري”، والتي توقفت بعد تدخل روسي أسفر عن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار.
وربما كان أسعد الناس بهاتين العمليتين العسكريتين ضد ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية هو بشار الأسد الذي حقق له الانسحاب الشكلي الأمريكي من المنطقة والحملة العسكرية التركية؛ إضعافَ لتلك المليشيا وإعادة انتشار قواته في الجزيرة السورية؛ ودخول القوات الروسية إلى تلك المناطق؛ والسيطرة مجدداً على مطار القامشلي؛ مما يعني التمهيد للقضاء على (قسد) ومشروعها عسكرياً بعد الانتهاء من الوضع بإدلب؛ وهذا ما صرح به رأس النظام (الأسد) في جميع لقاءاتها المتلفزة الأخيرة؛ فهل قدم أردوغان هذه الخدمة للأسد مجاناً؟ أم هو تقاطع المصالح بين الطرفين؟؟.
المصادر والمراجع
- التسلسل التاريخي العلاقات التركية السورية منذ اندلاع الحرب في سوريا: https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160713_timeline_turkey_syria_relations
- قيل بأن مسمى الجيش الحر اختارته الجهة التركية المشرفة على المعارضة العسكرية ليكون شبيهاً للجيش الحر الذي أسسه كمال أتاتورك وحمل الاسم نفسه وكان الاتراك يعولون على ظهور شخصية ما عسكرية سورية لتقوم بذات الدور الأتاتوركي الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة.
- صوت مجلس الأمن يوم 6 آذار/ مارس 2020 واستخدمت الإدارة الأمريكية وفرنسا حق الفيتو ضد هذا الاتفاق.
- راجع معاهدة سيفر ومعاهدة موسكو في الموسوعة الانجليزية وفي موقع المعرفة على الرابط التالي: https://www.marefa.org/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A9_%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88_(1921)
- لم تُدرس حتى هذه اللحظة مسألة تخلي النظام الأسدي عن الحدود رغم أنها تبعث بألف إشارة استفهام وتعجب؟!.
- التيار السلفي السروري: تنظيم وتيار أسس ونشأ في دول الخليج تأسس هذا التيار على يد الشيخ محمد سرور زين العابدين – وهو سوري من حوران كان من الإخوان المسلمين وانشق عنهم لاحقاً – عمل مدرساً في سوريا ثم تعاقد مع المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود حيث عمل في الأحساء والقصيم فدرس في المعهد العلمي ببريدة وعرف عنه نشاطه وتطلّعه. تعتبر السرورية فكر ومنهاج وتنظيم؛ تتقاطع مع الجهادية لكونها جمعت بين الحركية الإخوانية والسلفية؛ وقد اعترف محمد سرور بوجود تنظيم كان منشؤه في السعودية. انتشرت السرورية في بعض دول العالم كما ذكر سرور نفسه في برنامج مراجعات على قناة الحوار.