تفاعل السوريون بشكل كبير مع دخول العملية العسكرية التركية في الشمال السوري حيز التنفيذ، وهذا التفاعل بعينه لا يحتاج إلى شرح ولا إلى إعراب، فالنظام الحاكم بدمشق شردهم ولم يستثنِ وسيلة عسكرية إلا وضربهم بها، ومجتمع دولي لم يكترث بالحالة التي آلت إليها أمورهم وأوضاعهم.
فهنا السوري المرحب بالعملية التركية، لم يفعل ذلك بدواع سياسية ولا توجيهية، وإنما مرجعيته في ذلك هو كرهه للنظام الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة، بحسب ما قاله خبراء لمرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.
ولكن على الجانب الآخر، أي الضامن المحسوب على السوريين- تركيا- فهو متورط وفق العديد من التقارير الحقوقية والإدانات الدولية بما وصل إليه السوريون.
وتعود هذه الأسباب، كون أنقرة هي من حشرت السوريين في قطاع غزة السوري، وهي من أجبرتهم على ركوب القوافل الخضراء، في اتفاقيات خفض تصعيد نزعتهم من أرضهم التي كانوا يصابرون فيها ويذوقون الويلات على ألا يتخلوا عنها.
فالرئيس التركي، الذي تبادل مكعبات البوظة مع الرئيس بوتين، لم يكن ليجالسه لو لم يقر أردوغان كل ما توافق عليه مع بوتين، وهل سينسى السوريون حبات التين التي تذوقها ثلاثي أستانة “أردوغان- بوتين وروحاني” في تركيا؟ عندما كان الشعب السوري يسحق بأعتى الأسلحة الجوية في أرياف حلب وحماة وإدلب؟.
الرئيس أردوغان، مأزوم دوليا وإقليميا، وأمام تحديات هو أوصل نتيجتها المتدهورة إلى الحالة التي هي عليه اليوم، فعقد صفقات على حساب السوريين، وزود بلاده بأحدث منظومات إس-400 الروسية، لم يكتفِ إلى هنا فحسب.
بل عندما كانت المحرقة السورية على أشدها، أخذ أبناء الشعب السوري ليقاتل عن مصالحه في ليبيا، قبض بجمر يديه على الملف السوري بشكل كامل، فأصبح الغرب والعرب معا ضد الثورة السورية.
فأردوغان الطامح بالحكم الدائم لبلاده، يفعل كل ما يطيب له مقابل نيل المراد، فلم يفتح الحدود أمام السوريين حبا بهم ولا كرم أخلاق- كما يقال- بل عندما وصلت سياسته في سورية إلى نهاية النفق المظلم، كان لا بد من إشهار هذه الورقة بيد الغرب، لدفعهم بقبول ما يحيكه في سوريا وعلى حساب السوريين.
وهنا لا بد من التذكير، أن السوريين يريدون سوريا كاملة لا يريدون اتفاق سوتشي وما نتج عنها، وهذا أصبح من القضايا المتعثرة جدا، حيث إن أردوغان بالتعاون مع قتلة السوريين “روسيا وإيران”، أخرجا الملف السياسي من أروقة الأمم المتحدة إلى صالات سوتشي وآستانة.. وطبعا الحاضر القوي هنا، هم جماعة الإخوان المسلمين، الذي يعد أردوغان الأب الروحي لهم.
وأدى التصعيد الأخير في إدلب، المعقل الأخير لفصائل مسلحة مدعومة من أنقرة، إلى انهيار محاولات أنقرة وموسكو اللتين تتعاونان بشكل وثيق منذ 2016، على وقف المعارك في سوريا رغم اختلاف مصالحهما.
فيما طالبت تركيا بإنشاء منطقة حظر جوي في الشمال السوري، وعقد ممثلون عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي اجتماعاً طارئاً الجمعة بطلب من تركيا بموجب البند الرابع للاتفاقية المؤسسة للحلف.
وينص البند على ان اي دولة “تعتبر أن هناك تهديدا على سلامة أراضيها واستقلالها السياسي أو أمنها”، يمكنها تفعيله، لكن دول الأطلسي، وفق فرانس 24- لم تعلن عن أي إجراء ملموس في ختام الاجتماع، مكتفيةً بإعلان تضامنها مع أنقرة.
في حين يعتبر مدير مركز “إيدام” للدراسات في اسطنبول سينان أولغن أن فرصة تركيا في الحصول على دعم عسكري من الحلف الأطلسي ضئيلة، خصوصاً بعد إثارة استياء حلفائها بتقاربها مع موسكو وحيازتها على منظومة الدفاع الجوي الروسية “اس-400”.
ويقول إن تركيا لا تملك أي “خيار مناسب” في سوريا، موضحاً أن ضربات النظام الخميس “كشفت هشاشة موقع تركيا لغياب تفوقها الجوي”، ويضيف الباحث “بمعنى آخر، تبقى القوات التركية مكشوفةً أمام ضربات جوية”.
من جهته، يقول الباحث في مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” يزيد صايغ ان “إردوغان يواجه اليوم خيارات شديدة الصعوبة تتضمن جميعها مخاطر هائلة”، وتابع “لا يستطيع اردوغان الا الرد على الهجمات المباشرة للنظام، لكن عليه في الوقت نفسه أن يتفادى المضي بعيداً في التصعيد”.
واضاف الباحث أن التصعيد الحالي، رغم “حجمه”، يبقى “ربما مجرد تكتيك مفاوضات عالي المخاطر سيؤدي إلى تفاهم روسي تركي جديد حول إدلب”، واضح الصايغ “باختصار، لا أعتقد أن حرباً شاملة ستقع، او أن تركيا ستتقرب مجددا من حلف شمال الأطلسي”.