يبدو أن الرئيس التركي بات أكثر إصراراً من ذي قبل على السباحة عكس التيار الدولي والإقليمي الرافض لسياسات إيران العدوانية تجاه الدول المجاورة، وتحويل بلاده إلى بوابة تساعد النظام الإيراني على التنفس وكسر العقوبات الدولية المفروضة عليها، في سلوكٍ استفزازيٍ أبسط ما يمكن أن يوصف به، بأنه لا يراعي حق الجوار والروابط مع دول المنطقة المتأثرة من سلوك إيران وميليشياتها.
بين السياسة والاقتصاد
بداية دعم حكومة العدالة والتنمية الحاكمة في تركيا والمقربة من جماعة الإخوان المسلمين؛ لسياسات إيران وللهلال الشيعي الذي تسعى لتشكيله في المنطقة، بدأ مع دفاع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عن ميليشيات الحوثي بعد استهدافها للسعودية، وهو ما مثل كشفاً واضحاً لحقيقة المواقف التركية من قضايا المنطقة، ولكن يبقى الدعم الحقيقي والفعلي لحكومة أردوغان تمثل بما كشفته صحيفة “أحوال” مؤخراً، عن نقل الحكومة الإيرانية للكثير من المشاريع الاقتصادية إلى الأراضي التركية في سبيل الالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية.
كما كشفت الصحيفة عن بدء عدة شركات ومصانع إيرانية بشكل فعلي بنقل أنشطتها، من بينها شركة إيران خودرو كومباني المختصة في مجال السيارات، والتي بدأت بإنشاء مصنعا لها في ولاية وان شرقي تركيا، على حد قول الصحيفة.
أخبار الصحيفة أثبتتها تصريحات والي المدينة “محمد أمين بيلمز” الذي كشف عن وجود اتصالات ومباحثات كثيرة مع الجانب الإيراني خلال الفترة الأخيرة، بشأن ما أسماه “الاستثمار” في تركيا، مضيفاً: “العديد من الشركات الإيرانية، نقلت مصانعها إلى دول أخرى بسبب العقوبات، وأن ولاية وان التركية هي المكان الأنسب لهذه الشركات”.
من تركيا هنا طهران
سياسات الرئيس “أردوغان” تجاه الملف الإيراني لم تنحصر فقط في قضيتي اليمن والعقوبات، وإنما تعدى ذلك إلى الملف السوري الذي لعبت فيه أنقرة دوراً كبيراً بتسليم العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً للنظام السوري المدعوم إيرانياً عبر ميليشيات طائفية، كما ساندت الحكومة التركية نظام إيران في المشاكل العالقة بينه وبين الدول العربية وتحديداً الدور الإيراني في العراق والوقوف إلى جانب الميليشيات الإيرانية بقمع المظاهرات المندلعة ضد نفوذ إيران، عبر إرسال أجهزة ومعدات تركية لمكافحة الشغب إلى تلك الميليشيات المسؤولة عن قتل مئات المتظاهرين السلميين، وفقاً لما كشفت عنه صحف محلية.
كما ظهر موقف تركيا الداعم لجرائم إيران من خلال تصريحات “أردوغان” الذي اعتبر أن هتاف المتظاهرين العراقيين ضد إيران مرتبط بجهات خارجية تسعى لتقسيم العالم الإسلامي، متناسياً أن الهتاف يطالب باحترام سيادة البلاد التي تنتهكها إيران منذ سنوات طويلة.
إلى جانب ذلك، يظهر إصرار الرئيس التركي على دعم إيران اللا محدود في ملف الاعتداء على الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج، ومهاجمة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وتناسي دور إيران في مقتل الملايين من شعوب المنطقة في سوريا واليمن والعراق ولبنان، والتي سفكتها إيران والملالي ضمن مشروعها لتأسيس الهلال الشيعي.
أمام هذا الواقع وهذه السياسات، اعتبر محللون سياسيون أن العلاقات بين النظامين؛ الإيراني والتركي تجاوزت حدود الدعم إلى ما يمكن توصيفه بـ”تحالف راسخ”، مضيفين: “تركيا باتت شريكة فعلية بالممارسات الإيرانية، خاصة وأن انتقال الدعم التركي من السياسي إلى الاقتصادي، يعني مساهمة تركية في عمليات تمويل الحرس الثوري، على اعتبار أن العقوبات التي ساعدت تركيا بكسرها، كانت تستهدف منع وصول أموال النفط والاقتصاد الإيراني للذراع العسكرية الخارجية للنظام والتي تتولى تمويل وتدريب الميليشيات المسؤولة عن المشاريع التخريبية في الشرق الأوسط”.
ولفت المحللون إلى أن ما تقوم به تركيا يعني بشكل أو بآخر أنها انتمت إلى المعسكر الإيراني، مشيرين إلى أن حكومة أردوغان فتحت أراضيها على مصرعيها أمام التمدد الإيراني، وأن رهان إيران اليوم، بات منصباً على ما يمكن أن يقدمه حزب العدالة والتنمية.
ماذا يريد أردوغان؟
تنقل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على العديد من حبال اللعبة السياسية في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، بين الخط الأمريكي وثم الروسي بما تبعها من دعم المعارضة السورية الإخوانية، وثم اللعب في المعسكر الإيراني، وصولاً إلى الإمساك بأورواق جماعة الإخوان المسلمين، دفع الكثير من المتابعين لسير الأمور في الشرق الأورسط لطرح تساؤل جوهري حول الهدف الذي يسعى “أردوغان” لتحقيقه من خلال تلك السياسيات؟.
التساؤل السابق لم يقتصر على المحللين وإنما وصل إلى صفحات التواصل الاجتماعي، حيث مثلت سياسات تركية ساحة حوار بين المعلقين، الذين اعتبروا أن حكومة العدالة والتنمية لا تعير الأعراف والأخلاقيات السياسية والإنسانية أي اعتبار مقابل مصالحها، لافتين إلى أن تصريحات الرئيس “أردوغان” عن الظلم والمظلومين والمهاجرين والأنصار لا تتعدى كونها تصريحات للاستهلاك الإعلامي ولتجييش الشارع عبر الخطاب الإسلامي.
الناشط السوري “محمد مصطفى” كتب على صفحته في تويتر: “من يريد أن يعرف حقيقة العدالة التنمية ونهجها لينظر إلى ما فعلوه في سوريا وشعبها، فاردوغان مهد طريقه إلى السلطنة بدماء السوريين”.
إلى جانب ذلك، كتب حساب باسم “سعاد الحمصية”: “زمان كنا نقول إنه أردوغان بده يسترجع مجد العثمانيين، لكن سياساته وتصرفاته توحي إنه شخص مو متزن مصاب بجنون العظمة”، مشيرةً في تغريدة أخرى إلى أن السياسة التركية اليوم يحكمها مجموعة من المختلين نفسياً والباحثين عن العظمة والتأليه.
وفي تغريدةٍ على تويتر، ذكر الناشط “سعود الشمري” الرئيس التركي بأن طهران التي يدافع عنها اليوم هي الغارقة بدماء المسلمين والعرب، وأن ملايين الأطفال قضوا على يد ميليشياتها، مضيفاً: “دعم أردوغان للإيرانيين ينبع من رغبته بالانتقام من العرب الذين أخرجوا أجداده العثمانيين من أراضيهم، هو يكن الحقد للسعودية وكل الدول العربية التي ثارت عليهم وطردتهم وهزمتهم في الحرب العالمية الأولى”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.