عاشت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، أحداثًا مؤلمة ارتبطت بتسجيل حالات مأساوية لأطفال أبرياء وقعوا ضحية لها، فجرى اختطاف وقتل عدد من الأطفال في العاصمة وولايات: تيزي وزو وقسنطينة ووهران، كما تعرض آخرون لاعتداءات جنسية من طرف وحوش بشرية، ما تسبب بموجات غضب شديدة في المجتمع، تعالت فيها في العامين الماضيين أصوات تدعو إلى تطبيق حكم الإعدام على المعتدين على الأطفال.
أرقام ومعطيات مرعبة كشفت عنها منظمة حقوقية جزائرية، تناولت الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال في الجزائر، وصفها أخصائيون بـ “الكارثة الاجتماعية التي تتطلب حلولًا عاجلة وقرارات صارمة”.
كارثة اجتماعية
“ندى”، الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل، فضحت قبل أسابيع في تقرير لها نقلته صحيفة العين الإماراتية، تعرض أكثر من 9 آلاف طفل لاعتداء جنسي سنويًا في الجزائر، لتطلق دعوات لمراجعات عميقة لمنظومة حماية حقوق الطفل.
واعتبرت الشبكة الحقوقية في تصريحاتها الإخبارية، أن الرقم المعلن عنه “يخص الحالات المعلن والمصرح بها فقط، ولا تشمل حالات الاعتداءات التي يتستر عليها أهالي الأطفال الضحايا”.
لتقدم الشبكة إحصائية عن عدد الأطفال في الجزائر، وكشفت عن وجود 5 ملايين طفل تقل أعمارهم عن 5 أعوام، و13 مليون طفل دون 18 عامًا.
كسر المحظور
تواصلت صحيفة العين الإماراتية، مع الشبكة الجزائرية، وهي المنظمة الحقوقية الوحيدة في الجزائر المهتمة بواقع وحقوق الطفل.
كما اعتبر تقريرها الأخير صادمًا ويكسر أحد أكثر التابوهات في البلاد.. وفق أخصائين، فقد أعلن عبد الرحمن عرعار، رئيس الشبكة، في حديثه مع الصحيفة الإماراتية أن “العنف ضد الأطفال من التابوهات، وكانت للشبكة تحديات في كسرها”.
ليقدم المختص الاجتماعي، تفاصيل “كارثية” عن حقيقة ونوعية الانتهاكات الجنسية والنفسية التي يتعرض كثير من الأطفال في بلد يعرف بأنه “محافظ”.
فأشار إلى أن المنظمة الحقوقية بدأت العمل والبحث في قضية الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال منذ 2011 لمعرفة واقع حماية الأطفال في الميدان، من خلال رصد تلك الانتهاكات.
كما حصرت الشبكة الانتهاكات “داخل الأسرة وخارجها والمدرسة وبين الأطفال أنفسهم، وبين المراهقين أنفسهم، وبين المراهقين ضد الأطفال، والراشدين ضد الأطفال، وزنا المحارم، وتعريض الأطفال لمشاهد إباحية والاغتصاب والفعل المخل بالحياء”.
ليبين أن الشبكة سجلت حالات “انتهك فيه شخص واحد مجموعة من الأطفال، واعتدى عليهم جنسيًا لمدة طويلة ومسكوت عنها بحكم العرف والتقاليد والخوف من ردة فعل المجتمع، والأسباب تبقى متعددة”.
أسباب دفينة
يرى الحقوقي “عرعار” أن المحرك الرئيسي وراء تزايد حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال في الجزائر هو “هشاشة منظومة حماية الطفل”.. حيث لم يحصر ذلك في المنظومة القانونية، فبين أن “الهشاشة تتمثل في الكثير من الأسباب والتي تبدأ من السكوت عن الجريمة، لأن التكفل بالضحايا يجب أن يكون بالإجراءات القضائية والنفسية”.
لينوه في حديثه لـ “العين” بأن السكوت عن هذا النوع من الجرائم مرده إلى خوف أهالي الضحايا أو الضحايا أنفسهم من ردة فعل محيطهم، وقال إنهم “يفضلون إخفاء ما حدث على التبليغ عن حادث الاعتداء الجنسي”.
أسباب أخرى قدمها رئيس الشبكة الحقوقية والتي تدفع، إلى الاعتداء الجنسي على الطفل وفقًا له وتتمثل بـ “العنف داخل الأسرة، وكذلك نسبة الطلاق المرتفعة، ومن الأطفال من يتم استغلالهم كورقة ضغط عندما يحدث النزاع والخلاف داخل الأسرة، وفي بعض الأحيان ينتهك الطفل جنسيًا كوسيلة انتقام”.
ليتابع متأسفًا: ” هناك شبكات تغتنم الفرص وتصطاد في الماء العكر، وسجلنا استدراج فتيات في 14 أو 15 من عمرهن لشبكات دعارة، باستغلال فقرهن وأوضعاهن المزرية مقابل الحصول على بعض النقود”.
حلول مقترحة
قدمت شبكة ندى، مجموعة حلول لوضع الطفل خارج دائرة الخطر، والذي أكد عرعار أنه غير موجود في الجزائر، بالإضافة إلى إعادة بناء شخصية الضحية بعد الصدمة.
ليؤكد أن الإجراءات القضائية تعاقب الجاني، في حين يكون للضحية بعض الإجراءات النفسية، لكن يبقى الغموض حول مصير ومستقبل تلك الضحية، وللأسف – والكلام لرئيس الشبكة – لا يوجد عمل محترف لإنقاذ الضحية من تبعات الاعتداء الجنسي.
كما لفت إلى أن “التبليغ عن جريمة الاعتداء الجنسي” شهد ارتفاعاً ملحوظاً خصوصا منذ 2014.
وكان للحلول العملية نصيب من دراسة شبكة ندى الكاشفة عن أرقام الاعتداءات الجنسية على الأطفال، فقدمت مجموعة من الحلول العملية والعاجلة لحماية البراءة ممن يوصفون في وسائل الإعلام بـ “الوحوش البشرية”.
المختص “عرعار” أكد أن من بين الحلول “تكسير التابوهات، والرجوع إلى القيم والمبادئ، وتعزيز منظومة الحماية، والأهم من ذلك بناء الحماية الذاتية للأطفال”.
حيث يرى عرعار أن القضاء على هذه الظاهرة الخطرة يجب أن يشمل أيضا الجناة، وقال إنه “لا يكفي أن يعاقب فقط بالسجن، لأن هناك احتمالاً كبيراً لعودة الجاني لممارسة جريمته بعد انتهاء فترة العقوبة ويمكن أن يصطاد ضحايا آخرين، ولهذا لا بد من عمل باتجاه الجناة”.
كما كشف أن القانون الجزائري “صارم جداً في حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال من خلال تشديده للعقوبة خصوصاً الاعتداءات المرتبطة بالاختطاف وتصل إلى الإعدام لكنه غير منفذ، لهذا فإن هذا النوع من الجرائم يتطلب عمل ردعي ووقائي، ولكن نعتمد على إعادة تهيئة الأطفال بالدرجة الأولى”.
انتقاد قانوني
شدد الحقوقي على أن الجزائر “بحاجة إلى آليات اجتماعية سريعة وقوية تضمن التدخل في أي وقت لحماية الطفل من أي انتهاكات جنسية قد تحدث تقتحم الفضاء العائلي وتردع من تسول له نفسه أن يعنف الأطفال”.
ليذكر أن “الآليات المعمول بها حاليًا قديمة جداً، وتجاوزها الزمن رغم أن التشريع جديد، إلا تطبيقه لا يزال بأساليب السبعينيات، والضحية يحتاج إلى ردة فعل قوية وسريعة وتأتي بعدها مرحلة الإجراءات القضائية والتحريات والتحقيقات الأمنية، واليوم أمامنا الآلاف من الأطفال في سوق العمل والتسول ما يجعلهم عرضة لضعاف النفوس والاعتداء الجنسي”.
كما ختم المختص رؤيته أن “القضية ليست مرتبطة فقط بالتبليغ، بل متعلقة بمنظومة مجتمع تحميه وتحمي أطفاله أينما كانوا، في وقت الفراغ والدراسة والسفر، داخل الأسرة وخارجها”.
هيئة رسمية لحماية الطفولة
بالرغم من توجيه منظمات دولية وهيئات حقوقية للحكومة الجزائرية، انتقادات حول وضعية الأطفال وحمايتهم من الاستغلال والاعتداءات الجنسية، إلا أن بعض تلك المنظمات لا تخفي الجهود المبذولة من طرف الهيئات المحلية المختصة، في رعاية الفئة المذكورة، عبر تكثيف التشريعات الرادعة وآليات الحماية.
مؤخرًا، أدى وضع الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة في الجزائر، تحت وصاية رئاسة الوزراء، وربطها بقنوات اتصال مع مصالحها للتبليغ عن الوضعيات الخطيرة التي تهدد الطفولة، إلى تسجيل نحو 400 حالة إخطار خلال العام 2018، تم بموجبها التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة.. وفق ما ذكرته صحيفة العرب نقلًا عن مختصين.
وسبق أن كشفت “مريم شرفي” المفوض الوطني، ورئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، أن هيئتها تلقت حوالي 400 إخطار حول حالات المساس بحقوق الطفل، عبر الرقم الأخضر، والبريد الإلكتروني المستحدث للتبليغ عن الوضعيات الخطيرة.
كما بينت في تصريح للإذاعة الحكومية، أنه “بعد تلقي الإخطارات تتوجه مصالح الهيئة إلى الميدان، للقيام ببحث اجتماعي بغية التحقق من صحة المعلومة المبلغ عنها، حيث تم تحويل معظمها إلى مصالح الوسط المفتوح التابعة لوزارة التضامن الوطني، للتكفل بها ومعالجتها”.
في حين ذكر الأكاديمي والمختص التربوي رابح الأصقع، في اتصال لـ”العرب”، أن “فئة الطفولة هي فئة عريضة في المجتمع، ورغم أن كل القطاعات الحكومية لها مصالح للتكفل والرعاية الاجتماعية والنفسية، إلا أن تداخل الصلاحيات والمهام بين مختلف الجهات، دفع الدولة إلى إطلاق هيئة الحماية والترقية، الواقعة تحت وصاية رئاسة الوزراء، وتعزيزها بترسانة قانونية وتشريعية تمكنها من التدخل لدى مختلف المصالح الرسمية لأداء مهامها”.
ليوضح الأصقع لـ “العرب” في لقاء قديم أنه “في السابق كانت تسجل حالات من دون حماية أو تدخل بسبب تداخل المهام، أما الآن فالهيئة مهيكلة على المستوى المحلي، ومفتوحة على المجتمع المدني، وأن وضع قنوات تواصل بين المجتمع والهيئة مكن من التدخل في الحالات المبَلّغ عنها”.