أزمات متلاحقة تطارد السوريين في بلدهم، على الرغم من تراجع حدة العمليات العسكرية والحرب في الكثير من المناطق، لتطفو على السطح حالياً أزمة الوقود، التي تشتد بشكل كبير، تزامناً مع بدء دخول فصل الشتاء.
بعد طوابير الغاز والخبز، يشير الناشط السوري، “مهند” إلى “أن الطوابير أمام محطات الوقود كانت المشهد الأبرز في العاصمة، دمشق ومناطق سيطرة النظام السوري”، موضحاً أن “أزمة الوقود في سوريا وتحديداً البنزين، ألقت بظلالها على السوريين وأجبرت العديد منهم على الانتظار لمدة تتجاوز اليومين أمام تلك المحطات للحصول على بضع ليترات من الوقود”.
ارتفاع أسعار لمواد غير موجود
المضحك المبكي في أزمة الوقود، وفقاً “لمهند” هو قرار حكومة النظام، الذي صدر مؤخراً، برفع أسعار النزين “أوكتان “95، غير الموجود أصلاً في محطات الوقود”، لافتاً إلى أن “قلة كميات الوقود في المحطات، وارتفاع أسعار الليتر إلى 575 ليرة، ترافق مع تخفيض حكومة النظام حصص البنزين المخصص للسيارات، المسموح لكل سائق بتعبئته في كل مرة”.
وسبق لحكومة النظام أن أصدرت قراراً بتخفيض الكمية المسموح بتعبئتها في كل سيارة من 40 ليتر إلى 30 ليتر، في كل مرة، ما أسهم بحسب ناشطين سوريين في تفاقم الأزمة أمام محطات الوقود، ودفع المئات من أصحاب السيارات، خاصة سيارات الأجرة إلى محاولة تأمين حاجاتهم من الوقود من السوق السوداء.
تزامناً، يؤكد “مهند” أن العديد من أصحاب سيارات الأجرة أوقفوا سياراتهم بسبب الغلاء وقلة الوقود، في حين لجأ البعض الأخر إلى رفع الأجرة بشكل مضاعف، نتيجة اضطراره لشراء حاجته من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة، لافتاً إلى سعر الليتر في السوق السوداء وصل إلى ألف ليرة سورية.
عيون على الشتاء..
تصاعد أزمة المحروقات، وعدم وجود حل لها يلوح في الأفق، دفع السوريين للقلق من إمكانية امتداد أزمة المحروقات، حتى فصل الشتاء، الذي بدأ بالدخول تدريجياً إلى البلاد، حيث يشير الناشط “أحمد أبو الوفا” إلى أن الأزمة الحالية أجبرت الناس على البحث عن بدائل عن قود التدفئة، كالفحم ومدافئ الحطب وقشور الفستق، استباقاً لكارثة وشيكة وبرد قارص، خاصةً وأن أزمة الوقود مترافقة مع أزمة أخرى ضربت الغاز، ما يمنع السوريين من التفكير في مدافئ الغاز كحل بديل، على حد وصفه.
يذكر أن الأزمة الإنسانية في سوريا، زادت حدتها بشكل واضح جداً، مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية، كان أكبرها في شهر نيسان الماضي، حيث وصل إلى 3500 ليرة، وسط اتهامات للنظام بالاتجار بقيمة الليرة والتلاعب بها، لصالح شركات مالية يديرها متنفذون فيه.
في السياق ذاته، يؤكد “أبو الوفا” أن الأزمة المعيشية الحالية في سوريا، تعتبر الأكثر شدة وضراوة، مقارنةً بالسنوات الماضية، على الرغم من تراجع وتير الحرب، وتحسن الظروف الأمنية، لافتاً إلى أن مئات الشباب السوريين قد خرجوا بالفعل باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في مدينة إدلب والشمال السوري، في محاولة للوصول إلى الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا، على اعتبار أن الأوضاع في البلاد لم تعد تحتمل، على حد قوله.
أزمات مشبوهة وشبكات مستفيدة..
عملية البحث عن المستفيد الأكبر من الأزمة، ووفقاً لما يراه المحلل الاقتصادي، “عبد السلام شقير”، تقود بكل الاتجاهات نحو قيادات النظام ومنظومة التجار ومشغلي السوق السوداء المرتبطين به، لافتاً إلى أن الأزمات في السلع الأساسية، وندرتها، ساهمت بشكل كبير في تنشيط السوق السوداء، التي مكنت تجارها من رفع أسعار تلك المواد بما يتجاوز الضعف على الأقل.
كما يلفت “شقير” إلى أن أزمة الوقود بحد ذاتها، يمكن اعتبارها عملية سرقة موصوفة ينتهجها النظام ورجال الأعمال الموالين له، بحق المواطن السوري العادي، موضحاً: “رفع أسعار البنزين في هذا الوقت، وتقليل المخصصات للسائقين، يعتبر بمثابة دفع للموطن باتجاه التعامل مع السوق السوداء، التي يسهل متنفذو النظام وقادته عملها وعمل القائمين عليها، من تأمين لكميات الوقود وغض النظر عن أنشطتهم ومنع وصول الوقود إلى المحطات تحت عدة مسميات أو مبررات”.
إلى جانب ذلك، يؤكد “شقير” على أن النظام استغل قانون قيصر لتعميق المعاناة الإنسانية في سوريا لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية في آن واحد، موضحاً: “النظام يحاول على المستوى السياسي إحراج الولايات المتحدة وربط معاناة الشعب السوري بالعقوبات، بالإضافة إلى إشغال الشعب بلقمة عيشه، أما على الجانب الاقتصادي فإن تلك الأزمات ساعدته في إيجاد طرق جديدة للسيطرة على أموال السوريين”.
تعليقاً على تصريحات “شقير” لمرصد مينا، يشير الباحث الاقتصادي “محمد حمود” إلى أن تعميق أزمة الوقود والغاز والخبز، قد يكون مفتعلاً بحد كبير، لتحقيق تلك الأهداف، مضيفاً: “من يمنع مواطنيه من دخول بلادهم وتركهم على الحدود، إلا بعد دفع 100 دولار، قد يفعل أي شيء للحصول على المال، خاصةً وان النظام ينظر طيلة 50 سنة للسوريين على أنهم مصدر ثروته وأمواله”.
ويوضح “حمود” أن النظام فعلاً يعاني من أزمة في تأمين المشتقات النفطية منذ العام 2011، ولكن طريقة التعامل معها والحلول، التي طرحها لموجهتها، تشير إلى رغبته في تعميقها وعدم الجدية في إنهائها، لافتاً إلى أن الأزمة الحالية، تؤكد عدم رغبة حليفي النظام الرئيسيين، روسيا وإيران، بدعمه بشكل غير محدود وإلى ما لا نهاية، لا سيما وان إيران قادرة على إمداد النظام بحاجاته من النفط والمشتقات النفطية.
وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن إنتاج النفط في سوريا، بلغ 406 آلاف برميل في عام 2008، وانخفض إلى 24 ألف برميل في عام 2018.