تزداد المساعي الدبلوماسية نشاطا بحثا عن حل “الساعات الأخيرة” للخروج من أزمة سد النهضة الذي يشكل “قضية مصيرية” بالنسبة بالنسبة لمصر والسودان، بحسب أحدث تصريح لعبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني الذي بدا أنه مشددا على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم حول ملء السد وتشغيله وإلا فإن بلاده ومصر ستكونان تحت رحمة أثيوبيا وتحكمها بتدفق المياه”.
افريقياً، الوساطة الأريتيرية هي الأحدث في سلسلة التدخلات الأفريقية لتلافي التصعيد بشأن السد، إذ وصل أمس الثلاثاء الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، لإجراء مباحثات يُتوقع أن تشمل وساطة لحلحلة الأزمة، بالتزامن مع اقتراب موعد بدء الملء الثاني للسد في إثيوبيا.
الوساطة الأرتيرية جاءت بعد يوم من تشديد وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، على أن الخرطوم “تتعامل مع الملء الثاني لسد النهضة باعتباره قضية أمن قومي، تؤثر على حياة ملايين السودانيين”، وذلك عقب اجتماعها مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، باعتباره أيضا رئيس الاتحاد الإفريقي، مشددة على ضرورة التوصل إلى “اتفاق قانوني شامل وملزم بين الدول الثلاث” بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، قبل شهر يوليو المقبل، وهو الموعد الذي أعلنته إثيوبيا لبدء الملء الثاني، رغم تحفظ مصر والسودان، فيما يعتزم تشيسيكيدي بالقيام بجولة قريبة إلى مصر والسودان وإثيوبيا، لبحث هذا الملف بما يحقق أمن واستقرار المنطقة.
بانتظار الحسم الأمريكي
بالتزامن مع تلك التحركات الاقليمية أعلنت الخارجية الأميركية، الإثنين، أن المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، سيزور مصر وإريتريا وإثيوبيا والسودان، لبحث تسوية سلمية في المنطقة، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 4 إلى 13 مايو.
بيان الخارجية الأميركية، لفت إلى أن زيارة المبعوث الخاص تؤكد أن الإدارة الأميركية تعتزم مواصلة “الجهود الدبلوماسية المستمرة للتغلب على الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية في القرن الإفريقي”.
وتتمسك مصر والسودان بالوساطة الإفريقية بشأن أزمة سد النهضة، لكنهما طالبا بوساطة رباعية تشمل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد فشل المفاوضات في التوصل لحل؛ إذ تسعى دولتا المصب للتوصل لاتفاق “عادل ومتوازن وملزم قانونا” ينظم قواعد تشغيل وملء السد.
القاهرة تؤكد على ضرورة تحرك إدارة الرئيس جو بايدن “الآن”، مرسلة بإشارات مفادها أن خطورة سد النهضة لا تقتصر على السودان ومصر بل ستؤثر في قضايا التغير المناخي في المنطقة برمتها، فضلا عن تأثير عملية الملء الأحادية على ارتفاع مستويات سطح البحر وارتفاع درجة الحرارة بما يخالف الأجندة الأميركية التي تضع قضايا المناخ على رأس أولوياتها.
السفير المصري في القاهرة “معتز زهران” أشار في مقال له في مجلة “فورين بوليسي” إلى قدرة واشنطن وحدها على إنقاذ مفاوضات سد النهضة. وفي مقالته، لفت إلى المشكلات والأضرار التي سيؤدي إليها السد حال الاستمرار في سياسة الملء والتشغيل المنفرد من الجانب الإثيوبي، فضلا عما تمثله هاتان الخطوتان من انتهاك لجميع الاتفاقات الموقعة بين الدول الثلاث، بما فيها «اتفاق إعلان المبادئ» الموقع في عام 2015.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، عبد الفتاح موسى إن إدارة جو بايدن، تبدو جادة باتجاه وضع “ثقلها السياسي” في ملف سد النهضة، وفي إطار ذلك، تم تعيين جيفري فيتلمان ليكون مبعوثها الخاص بالقرن الإفريقي، وذلك بعد فشل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في تقديم أي حلول لملف سد النهضة.
موسى يرى أن تعيين فيلتمان جاء “إثر اتهام إثيوبيا لمصر والسودان بزعزعة استقرارها”، على خلفية الانقسامات الداخلية التي تعاني منها بعد الاشتباكات العنيفة التي حدثت في إقليم تيغراي، وفاقمت تصدعات الجبهة الداخلية.
دبلوماسية التهدئة..
بعد تصريحات تصعيدية تبادلتها مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية، كان أكثرها وضوحا تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي عندما قال “إن أحدا لا يستطيع المساس بحق مصر في مياة النيل”، محذرا من أن المساس بها “خط أحمر” وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها.
وأضاف السيسي: “لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا”، بعد هذه التصريحات التي رأى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أنها كانت تهدف لجذب انتباه العالم لحساسية ومصيرية القضية بالنسبة لمصر والسودان، عادت لهجة التهدئة والتحذيرات من مخاطر السد، وفي هذا السياق أعلنت وزارة الري المصري أنها على أتم الاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة وفقا لأسوأ الظروف من خلال إدارة منظومة قوية لكل قطرة مياه، حسب تعبيرها.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة محمد غانم أن مصر ترفض عملية الملء الثاني بشكل أحادي، حيث تتأثر مصر والسودان بكل تأكيد، مضيفا أن إثيوبيا لم تولد طاقة العام الماضي، وفي الأغلب لن تولدها هذا العام، ولكنها تسعى “لفرض سياسة الأمر الواقع”، وهو ما ترفضه القاهرة.
وأشار إلى أن الوزارة شرعت في تنفيذ مشاريع عدة، مثل مشروع تأهيل وتبطين الأرض والمصارف، لتسهيل تدفق المياه وتقليل نسبة الهدر، ومن بين المشاريع أيضا صيانة وإنشاء 92 محطة خلط ورفع للمياه، وتشجيع المزارعين على استخدام الري الحديث في الأراضي الصحراوي.
تصعيد أثيوبي
مقابل اللهجة الأقرب للتهدئة والحرص على إيجاد حل لأزمة قد تكون أزمات المنطقة مقارنة بها كـ “لعبة أطفال” كما ذكرت “فورين بوليسي” الأمريكية، مقابل هذه اللهجة، زادت أثيوبيا من حدة تصريحاتها مؤكدة أن الملء الثاني للسد سيكون في وقته.
في السياق ذاته قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن الملء الثاني لسد النهضة في يوليو/تموز المقبل هو بمثابة قيامة إثيوبيا، تشبيها بقيامة المسيح، مضيفا في بيان أصدره بمناسبة عيد الفصح أن مشروع سد النهضة الذي تتطلع البلاد لاستكماله بات قريبا، وقال إنه “بينما تكافح بلاده لاستكمال بناء السد، فإن منافسيها لن يتردّدوا في رمي الحجارة حتى تحيد عن اتجاهها”، بحسب ما ورد في البيان.
وسبق لرئيس وزراء إثيوبيا أن قال إن بلاده ماضية في التعبئة الثانية لسد النهضة، على الرغم من معارضة مصر والسودان الشديدة. وأضاف أحمد أنه كلما اقتربت بلاده من تحقيق الأمل المنشود، زادت قوة الاختبار، مشيرا إلى أن مشروع السد الذي تزيد كلفته على 4 مليارات دولار، بات في مراحله الأخيرة، ورفضت أديس أبابا حتى الآن الاستجابة لطلب مصر والسودان المتكرر ترك تعبئة بحيرة سد النهضة في الصيف المقبل، قبل التوصل إلى اتفاق ملزم يحدد قواعد تشغيل السد وملئه.