هيئة التحرير
ترتفع حدة الأزمة المرتبطة بمخالفات البناء في المدن المصرية مع تصعيد السلطات من حدّة لهجتها ضد المخالفين بوجوب التصالح ودفع الغرامات أو الهدم لكل بناء مخالف. إذ اعتبرت الحكومة المصرية أن إنهاء أزمة مخالفات البناء المتفاقمة في السنوات الأخيرة، سيكون من خلال بدء تطبيق “قانون التصالح في مخالفات البناء”، الذي أقره البرلمان المصري، ويمس بشكل مباشر ملايين المواطنين.
رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، علاء والي، قال إن القانون رقم 17 لسنة 2019 في شأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها سيطبَّق على جميع الحالات المخالفة سواء التي حُررت لها محاضر ودخلت في نزاع قضائي متداول بالمحاكم أو الحالات المخالفة والتي لم يحرر لها محاضر.
ليضيف “والي”، في تصريحات سابقة نقلتها وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، أن تنفيذ القانون ليس محصورًا بحالات المخالفة والتي حُررت لها محاضر وفقاً لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 ولها نزاع قضائي قائم، حيث أكد أنه من حق أي مواطن خالف اشتراطات البناء وفقًا لقانون البناء الموحد ولم يحرر له محضر عن المخالفة التي قام بها وتم إغفاله أن يتقدم للتصالح أيضًا.
رؤية الحكومة
ووفق رئيس لجنة الإسكان، فإن قانون التصالح يقصد منه تقنين الأوضاع المخالفة، وبالتالي فإن خروج مثل هذا القانون إلى النور من خلال البرلمان يعد فرصة كبيرة للمواطنين جاءت بناءً على توجيهات القيادة السياسية لتراعي ظروفهم الاجتماعية وتقنين أوضاعهم المخالفة بالإضافة إلى الحفاظ على الثروة العقارية ودعم مشروعات البنية التحتية ليصبّ كل ذلك في مصلحة المواطنين.
واعتبر “والي” بعدها أن “القانون فرصة لكل مواطن وقِّعت بحقه مخالفة مبانٍ سواء تم تحرير محضر له أو لم يتم تحرير محضر له، وبالتالي فإن عليه أن يبادر بتقديم طلب تصالح إلى اللجنة المختصة ولا يتردد عن البدء في تنفيذ القانون من أجل تصحيح وضعه خلال المدة الزمنية المحددة للقانون، لأنه بعد الانتهاء من مدة سريان هذا القانون وتحقيق الغرض الذي صدر من أجله يتم الإعلان عن عدم وجود مخالفات، وهنا أي حالات تطرأ بعد ذلك يطبق عليها قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008”.
الرئيس يتدخل
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد صدق في نيسان/ أبريل نيسان الماضي، على القانون بعد موافقة مجلس النواب.. ليؤكد الرئيس مؤخرًا أن الدولة حريصة على الانتهاء من أزمة مخالفات البناء على مستوى المحافظات. ثم أضاف السيسي، خلال افتتاح مجموعة من المشروعات القومية بنطاق محافظة الإسكندرية، يوم السبت: “بيقولوا متتكلمش في الموضوعات ده وسيب الإعلام يتكلم، لأ أنا هتكلم في كل حاجة تمس مصر ومستقبلها، ولن أبيع أبدا الوهم للناس تحت اعتبارات السياسة والحفاظ على الشعبية”.
ليحذر السيسي بشدة من مواصلة التعديات على الأراضي الزراعية، ومخالفات البناء، مهددًا باستخدام القوة، قائلا: “لو الأمر استدعى هخلي الجيش ينزل كل قرى مصر، لن أسمح أبدا إن إحنا نهد بلدنا ونضيعها كده. بتكلم بمنتهى الجدية والحزم مع كل التعديات”.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجه رسالة، إلى مخالفي البناء في بلاده، في يوليو/ تموز الماضي. مشيراً إلى أن الدولة المصرية حريصة على منع أي تعديات على أراضي الدولة “لن نسمح بهذا البناء مرة أخرى”. وأضاف الرئيس في حديثه “يتوجب الدفع، من أجل إصلاح خراب الماضي”.
توصيات نيابية
كانت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، برئاسة المهندس أحمد السجيني، أصدرت مجموعة توصيات بشأن المشكلات الناتجة عن تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء. وقالت اللجنة، في تقرير بشأن جلستها التي عقدتها حول القانون، والتي استمرت لمدة تسع ساعات، لمناقشة الأثر التشريعي لتطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء، إنه بعد الاستماع إلى جميع الآراء المقدمة والإقرارات الثابتة من كل النواب ممثلين لمعظم محافظات الجمهورية، وعدد من ممثلي الأحزاب البرلمانية، وكذلك آراء المجلس القومي لحقوق الإنسان ونقابة المهندسين ونقابة الزراعيين، وعدد من المواطنين، وبعد مواجهة كل من قيادات وزارة الإسكان ووزارة التنمية المحلية وعدد من المحافظين الحاضرين والاستماع إلى آرائهم، وبعدما استقر أخيرا بوجدان اللجنة، فقد وجهت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب بما يلى:
١- على الحكومة سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمراجعة كافة الأسعار المقررة بجميع المحافظات الوارد بها شكاوى وتظلمات
٢- مطالبة الحكومة بإعادة صياغة البيان الإعلامي الصادر عنها والخاص بتسويق هذا التشريع والجهد اللازم لتشكيل الوعي الحقيقي لمكتسبات القانون وذلك بعد حالة اللغط الواقعة عند التطبيق على أن يستهدف البيان فلسفة ومبتغى القانون في تحقيق السلم المجتمعي وتوفير حياة كريمة ومرافق متطورة تليق بالمواطن المصري
٣- توجيه وزارتي الإسكان والتنمية المحلية بعدم الاكتفاء بالكتب الدورية المفسرة للتساؤلات الواردة من التنفيذين والبدء الفوري بالتنسيق لعمل ورش عمل ودورات تدريبية لسكرتارية العموم ورؤساء الأحياء لشرح تلك الكتب الدورية وتوجه الدولة في هذا الشأن
٤- توجيه ومناشدة نقابة المهندسين لتيسير كل الإجراءات المرتبطة بها والتأكيد على أن ما تقوم به النقابة العريقة في هذا الشأن.
٥- توجيه الحكومة بسرعة تفعيل ميكنة المنظومة برمتها واستخدام الوسائل التكنولوجية والرقمية الحديثة المرتبطة بهذا الملف وغيره من الملفات المشابهة، وذلك لتلافى العجز في الكم والنوع للعنصر البشرى وتقليل حجم الفساد الإداري أو المالي الملازم للإجراءات.
٦- تكليف المحافظين وكذلك قطاع التفتيش بوزارتي التنمية المحلية والإسكان بأهمية المتابعة الميدانية وتكثيف زيارات التفتيش المفاجئة لوحدات ولجان التعامل المختلفة مع المواطنين
٧- مطالبة الحكومة بمد تاريخ ١٥ أغسطس المحدد لمهلة سداد قيمة تصالح الجدية لمن سبق تقدمه خلال الفترة السابقة مع التأكيد للمواطنين على أن من لم يسبق تقدمه فإن المهلة متاحة له حتى ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠.
٨- التأكيد على أن أي أعمال إزالة تتم للمواطنين الذين تقدموا بطلب التصالح وقاموا بسداد قيمة الجدية ولم يصدر بحقهم بعد قرار لجنة البت أما قبولا أو رفضا فعمال الإزالة تلك مخالفة للقانون والدستور وتستوجب مساءلة مرتكبيها.
٩- التأكيد للجميع أن هذا القانون لا يتضمن جزاء أو عقوبات وإنما يرتب مكتسبات وأن شخصية العقوبة واضحة بشكل لا يقبل اللبس أو التأويل بالقانونين الأخرى المرتبطة مثل قانون البناء، قانون الزراعة، قانون العقوبات، وغيرهما، وأن ما أثير حول صفة مقدم الطلب لا تنصرف على كافة الحالات،
شبه الجمع المالي
ناقشت بعض الآراء هدف الحكومة المصرية من القانون الأخير الذي سبب أزمة مجتمعية لم تنته فصولها، والبعض اعتبرها جمع الأموال ودعم خزينة الدولة عبر الاستناد لقانون رسمي والتهديد بتطبيقه بقوة الدولة…
في حين يشير البرلماني المصري، إلى أن هدف القانون ليس الجباية أو تحصيل رسوم مبالغ فيها أو تحميل المواطنين أعباء، معتبرًا أن الهدف منه مصلحة المواطنين وتقنين أوضاعهم وحل إشكاليتهم في مخالفات البناء التي نشأت بطريقة غير مشروعة والتصالح فيها وفقًا لقواعد قانونية وهندسية، ووقف المنازعات القضائية المتعلقة بالمخالفات البنائية، والحفاظ على الشكل الحضاري والمعماري، وكذلك أيضًا الحفاظ على “الثروة العقارية” بطريق التصالح وفقًا لنصوص القانون وبشكل يبعد عن الحبس وفرض عقوبات، وفي إطار القيمة المحددة للتصالح على المتر المسطح بحد أدنى 50 جنيهًا للمتر وبحد أقصى 2000 جنيه، تحدَّد حسب كل منطقة وذلك طبقاً لكل مدينة ومنطقة وقرية ونجع، ويتم دفع الغرامة من قبل المخالف، ويحصل بعدها على صك المصالحة من الجهة الإدارية التابع لها.
أزمة موازية
في ظل تصعيدات ما يجري من أزمة حول العقارات ومخالفات البناء، اشتعلت أزمة أخرى تتعلق بالمستأجرين وفق نظام الإيجار القديم… فاشتعلت أزمة كبرى، بسبب العلاقة بين الملاك والمستأجرين بالنظام القديم، خاصة بعد تعثر خروج قانون الإيجارات القديمة بعد تعديله على الرغم من تزايد وتيرة الوعود التي تسابق فيها النواب والحكومة، خاصة بعد ظهور فرص التصالح في مخالفات البناء على أراضي أملاك الدولة، وهو ما جعل هناك نبرات من الأمل والتفاؤل لدى الجميع آملين في الوصول إلى حل وسطى بين الطرفين، أو أن يكون الحل الجذري في إلغاء الإيجار القديم نهائيا.. في ظل خلاف بين من يدعم مصلحة المالك ومن يتخوف على مصلحة المستأجرين وحقوقهم.