تحولات كبيرة تشهدها السياسة التركية الخارجية فالدول التي كانت تصنف ضمن قائمة الخصوم هي اليوم على رأس أولويات تركيا، ومن بيهنا الإمارات العربية المتحدة، والسعودية وإسرائيل التي من المتوقع أن يزور رئيسها “إسحاق هرتسوغ” أنقرة في آذار المقبل.
المتابعون يرون أن التحول في السياسة التركية الخارجية مرده بشكل أساسي، بالإضافة إلى التطورات الاقليمية، العامل الاقتصادي والاستعداد للانتخابات الرئاسية في العام 2023، فدولة الإمارات التي كانت تصنف تركيا ضمن “الخصوم” تحتفي اليوم بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إردوغان ثقال في مؤتمر صحفي، إن “الإمارات من أبرز الشركاء التجاريين لتركيا، وإن حجم تبادلنا التجاري معها بلغ 8 مليارات دولار”، مضيفا: “نهدف لإحراز تقدم في علاقاتنا بمجالات عديدة، من النقل إلى التكنولوجيا، ومن الصناعات الدفاعية إلى الصحة والزراعة والثقافة والتعليم”.
وسبق ذلك بأسابيع إعلانه أن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، قد يجري زيارة إلى تركيا، مشيرا في تعليقه على احتمال التعاون مع إسرائيل شرقي المتوسط بقوله: “إنهم يهدفون إلى إحراز تقدم عبر مقاربات إيجابية. أنقرة ستبذل ما بوسعها إذا كان هذا الأمر قائما على أساس الربح المتبادل”.
الباحث المختص بالشأن السياسي التركي، محمود علوش، يرى، بحسب “الحرة” أن “العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما في تشكيل السياسة الخارجية لتركيا في الوقت الحالي، تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد عام وبضعة أشهر. أحد المشكلات المهمة هي الوضع الاقتصادي، ويعتقد إردوغان أن إصلاح العلاقات مع دول الإقليمية وإعادة جذب الاستثمارات الإماراتية من الممكن أن تساعد حكومته في تحسين الوضع الاقتصادي قبل الانتخابات”.
يشار أنه منذ مطلع العام الماضي تدهور قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية في سوق العملات الأجنبية، وبينما تمكن المصرف المركزي التركي من ضبط هذا التدهور مع بداية العام الجديد، خرجت عقبة أخرى، بعد الكشف عن مستويات قياسية أخرى للتضخم في البلاد، فيما تشير البيانات، التي نشرها “معهد الإحصاء التركي”، إلى أن أسعار الاستهلاك في تركيا ارتفعت بنسبة 48.69 بالمئة على أساس سنوي في يناير الماضي، في أعلى رقم يسجل منذ أبريل 2002، وهو العام الذي وصل فيه “حزب العدالة والتنمية” إلى حكم البلاد.
علوش يرى أن “الاقتصاد يلعب دورا مهم في السياسة الخارجية لإردوغان”، مشيرا إلى عوامل أخرى أيضا، منها تلك التي ترتبط بمصالح أنقرة في قضايا وملفات أخرى، كشرق المتوسط مثلا.
وبخصوص شرق المتوسط يلعب إصلاح علاقات أنقرة مع إسرائيل دورا بارزا فيه، وبحسب الباحث: “الدافع الرئيسي لتركيا للتقارب مع إسرائيل ومصر هو محاولاتها الخروج من العزلة من قبل تحالف مناهض لها، وهذا يشكل دافع رئيسي في السياسة الخارجية، وهو الخروج من العزلة، ولعب دور أكبر في المنطقة”.
من جهته يرى الباحث السياسي التركي، إسلام أوزكان دوافع إردوغان للتقارب أكثر مع الإمارات على أنها تتعلق بنقطتين، الأولى هي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا منذ فترة طويلة. هناك مأزق كبير وإردوغان يريد التخلص منه وتقديم حلول له. تركيا في الوقت الحالي بحاجة للمال والاستثمارات الخليجية. هذا واضح جدا”.
أما النقطة الثانيةفتتعلق بـ”زعيم المافيا”، سادات بكر، بحسب رأيه، والذي كان قد خرج بسلسلة تسجيلات مصورة من الإمارات، بحسب ما قال فيها، وفي هذه التسجيلات تحدث بكر عن حوادث وقضايا فساد تتعلق بشخصيات مسؤولة في الحزب الحاكم في تركيا، وأخرى كانت في الحكومة في وقت سابق.
أوزكان أضاف أن “تركيا تريد استعادة هذا الرجل المهم جدا، لا سيما أن حديثه قد يؤثر على الوضع العام للحزب الحاكم، قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، العام المقبل”، مرجحا أن “يتناول الرئيس التركي هذا الأمر مع ولي عهد الإمارات خلال الزيارة”.
بدوره يرى الباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو أن ما يحصل لا يمكن أن يمكن وصفه بـ”تصفير المشاكل”، بل هو خطوات لـ”تخفيف الصراعات أو كسر الجمود في العلاقة الثنائية”.
ويقول حافظ أوغلو بحسب “الحرة”: “هذا ما ينطبق مع تركيا وعلاقاتها مع عواصم عربية وإقليمية، عندما تكون الرياح شديدة فيجب أن تنخفض. هذه السياسة التي تسير فيها تركيا سواء باتجاه الإمارات أو دول أخرى، مثل إسرائيل” فيما يشير أوغلو إلى أن “البوابة الاقتصادية” هي الأهم بخصوص ما تسير به تركيا الآن، إلا أن ذلك “ليس الوحيد. هناك شيء أبعد من الاقتصاد”.
ويوضح حافظ أوغلو أن “هناك حقبة إقليمية جديدة باتت تتشكل من ثلاثي تركيا ودول الخليج وإسرائيل، من المنتظر أن تتوسع دائرتها لتصبح تكتلا جديدا”.
ويضيف: “تركيا تتجهز لانتخابات بعد عام وأربعة أشهر، وعليها أن تحسّن علاقاتها الخارجية وأن تريح المواطن التركي من خلال العلاقات والاتفاقيات، لأن المواطن في ما يهمه لقمة عيشه والاقتصاد المباشر اليومي الذي يعيشه”.
وبموازاة ذلك يشير حافظ أوغلو إلى التقلبات الحاصلة في الشرق والغرب، والتصارع والتحارب، معتبرا أن “تركيا والدول العربية ترى نفسها في المنتصف، ولذلك لزاما عليها أن تكون متقاربة، كي تبعد الخسارة السياسية والاقتصادية وغير ذلك..”.