تهدد أزمة نقص الوقود وأزمة الغذاء والخبز والطحين، الواقع السوداني الحالي الذي يعيش مرحلة ما بعد خلع نظام الرئيس السابق “عمر حسن البشير” الذي خلعه الجيش السوداني استجابة لضغوط الجماهير المحتجة على تردي الأوضاع المعيشية والحياتية هناك.
ويقود استمرار أزمة الخبز والطعام في السودان لتكرار سيناريو الغضب الشعبي الذي انفجر بوجه نظام البشير بعد عجزه عن إيجاد حلول ناجعة لمعالجة تلك المشاكل، ما فاقم الاحتجاج والرفض الجماهيري وقاد لثورة خلعت البشير، لتطرح أسئلة مشابهة حول قدرة حكومة حمدوك الحالية على تجاوز تلك الإشكاليات.
وتبدو فئات من الشعب السوداني – أو كثير من شرائحه – مدركًة لخطورة الموقف وسعي بعض الجهات للتلاعب بقوت الشعب وإحداث بلبلة تفشل خطط الحكومة أو تعمل على حسابات أخرى، فقامت اللجان المقاومة التطوعية بإعادة أنشطتها لمراقبة فوضى الأسواق.
وشهدت مناطق متفرقة من البلاد، خلال الأيام الماضية، احتجاجات على انعدام الخبز في المخابز، ما أثار تخوفات من قيام ثورة ضد الحكومة الانتقالية.
أزمة متجددة
يعاني السودان اليوم من تصاعد أزمة الخبز، لعدم استيراد الكميات اللازمة من القمح؛ بسبب قلة النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، وحدوث تلاعب في حصص بعض الولايات، وتهريب القمح إلى أسواق دول مجاورة، وفق ماذكره مسؤولين حكوميين.
وتعتبر أزمة الخبز انعكاسًا فعليًّا للأزمة الاقتصادية التي يعانيها السودان، بسبب فقدان احتياطياته من النقد الأجنبي والعملة الصعبة، بعد انفصال دولة جنوب السودان عنه عام 2011، وما نتج عنه من حرمان السودان من موارد نفطية كانت تؤمّن 80 بالمئة من احتياطياته من النقد الأجنبي.
ولليوم، لم تستطع الحكومة الانتقالية إيجاد حل فعلي للأزمة، التي تتجدد كل فترة؛ بسبب عجز السودان عن توفير موارد كافية لاستيراد القمح.
ويشتهر السودان بوفرة موارده الزراعية، لكنها لا تمكنه تحقيق اكتفاء ذاتي من محصول القمح لأسباب متداخلة، منها عدم مواءمة المناخ لزراعته إلا في أشهر معينة من السنة، نظرًا لاحتياجه أجواء باردة، يضاف لذلك عزوف المزارعين عن زراعته، لارتفاع تكلفته، ومحدودية عائداته؛ حيث تلزم الحكومة المزارعين ببيع محصول القمح لصالح المخزون الاستراتيجي، بأسعار يعتبرونها ضعيفة، ولا تتناسب مع تكلفة الإنتاج.
نشير أن السودان، وبحسب تقديرات حكومي، يستهلك نحو 2.44 مليون طن قمح، في حين لا يتجاوز الإنتاج المحلي منه 350 ألف طن.
لجان المقاومة
تشكلت “لجان المقاومة” خلال الثورة السودانية على نظام البشير، وتعتبر اللجان مجموعات شعبية ساهمت في تنظيم الحراك الاحتجاجي، ما أجبر قيادة الجيش على عزل البشير، في 11 أبريل/ نيسان 2019.
ونشأت هذه اللجان الشعبية في المدن والقرى، بعد انطلاق احتجاجات 19 ديسمبر/ كانون أول 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة الفعاليات والوقفات الاحتجاجية غير المسبوقة في السودان.
تغير النشاط وآليات جديدة
رغم دورها القديم في تنظيم الثورة وقيادة الجماهير ضد نظام البشير، تعمل اللجان في هذه المرحلة على خدمة الشعب السوداني بشكل تطوعي، فنشطت “لجان المقاومة” في متابعة المخابز ومحطات الوقود والمستشفيات، بهدف تسهيل وصول المواد الأساسية إلى المواطنين، وسد ثغرات الفساد والتلاعب في تلك السلع والمستلزمات الأساسية.
ويعاني السودانيون من أزمة خانقة في الخبز والوقود، تمثلت في اصطفاف عدد كبير من المواطنين أمام المخابز ومحطات الوقود، لساعات طويلة، في حين أغلقت عدد كبير من المخابز أبوابها؛ لغياب الدقيق وطحين الخبز.
وفي تغير النشاط والتوجه لمهمات جديدة، تحتكم “لجان المقاومة” إلى ميثاق ينظم عملها، حيث أن الشرط الأساسي للانتساب إليها، أن يتمتع الشخص بسيرة ذاتية طيبة، وليس مرتبطًا بالنظام السابق، وليس متهمًا بجريمة تمس الشرف والأمانة، وغير منتمي حزبيًا، وأن يكون ديمقراطيًا في اتخاذ القرار.
ووفق إمام بشير الجندي، عضو “لجنة المقاومة”، في حي أركويت وسط العاصمة الخرطوم، فإن أعضاء اللجنة ينشطون بصورة رئيسية في حراسة مخبز الحي، منعًا للتلاعب والتهريب، وفق ما نقلته عنه وكالة الأناضول.
ويقول “الجندي”: “عندما تأتي حصة الدقيق إلى المخبز، يختم أعضاء اللجنة الجِوالات بختم أصفر بارز، تفاديًا للتهريب، وعند محاولة تهريبه يتم اكتشاف الأمر سريعًا، نسبة للختم البارز على جِوال الدقيق”.
ويؤكد عضو اللجنة أن أعضاء اللجنة يسهرون في دوريات صباحية ومسائية، لتسهيل الإجراءات، ومتابعة الدقيق وإدخاله إلى المخبز، وحتى مرحلة توزيع الخبز على المواطنين.
فيما يقول عضو “لجنة المقاومة”، مجدي عثمان، إن اللجان تعمل بشكل دائم على مراقبة الدقيق، وعدم خروجه من المخبز عن طريق التهريب.
ويذكر عثمان للوكالة، أن أعضاء اللجنة يوزعون أرغفة الخبز بشكل متساوٍ على المواطنين، ويسمحون بخروج كميات كبيرة للمدارس، حتى لا يعاني الطلاب من الجوع.
أزمة الوقود من اهتمامات اللجان
يعاني السودانيون من نقص حاد في الوقود وغاز الطهي، بالإضافة لأزمة الخبز المرتبطة بها.
وتقول لينا عبد الرحمن، عضو “لجنة المقاومة” في حي “النسيم” غربي العاصمة في حوار مع الأناضول، إن أعضاء اللجنة ينشطون في توزيع أسطوانات الغاز على المواطنين بالسعر الرسمي، وإغلاق الباب أمام جشع وطمع الوكلاء والتجار.
وتشرح لينا : “نحرص على استلام الغاز من المستودع، ونقله إلى الأحياء بمساعدة السلطات المحلية، وتوزيعه بشكل عادل على المواطنين”.
وتتابع: “لجان المقاومة ظلت تعمل منذ اندلاع شرارة الثورة، دون كلل أو ملل، ولن تسمح بافتعال الأزمات لإفشال حكومة الفترة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك”.
ويبقى التساؤل الجوهري في المشهد السوداني الحالي، عن قدرة حكومة الثورة على حلّ مشكلة طعام الشعب ووقوده، تلك المشكلة التي خلعت نظامًا جثم على صدر الشعب ثلاثين عامًا تحكم فيها بمقدراتهم فلما جاعت الجماهير، قسمت حاشيته وخلعته، فهل تدرك حكومة حمدوك وقيادات مجلس السيادة أبعاد الأزمة ومضامينها؟!