لا يزال الجدل حول أزمة الأدوية في لبنان وتهريبها إلى الخارج، قضية الساعة في البلاد، لا سيما مع تداول صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأدوية لبنانية مهربة، تباع في صيدليات جمهورية الكونغو في إفريقيا وتحديداً في العاصمة كينشاسا، الأمر الذي فجر موجة غضب في أوساط اللبنانيين، خاصة في ظل فقدان بعض الانواع من الأدوية في السوق اللبنانية المحلية وارتفاع أسعارها، ما استدعى رداً رسمياُ من قبل السلطات المختصة.
يشار إلى أن لبنان، عانى خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، من أزمة ضربت قطاع الأدوية بسبب ظاهرة التهريب وأزمة الدولار، حيث دعت وزارة الصحة البنانية في تشرين الثاني الماضي إلى ترشيد توزيع الأدوية، بهدف تأمين حاجات الناس، في ظل انقطاع أدوية كثيرة من الصيدليات، وتهافُت المواطنين على تخزينها، لافتةً حينها إلى أن الأدوية المتوفرة في لبنان تكفي فقط لثلاثة أشهر.
ملصقات التسعيرة اللبنانية والبيع بالدولار
بحسب ما يوضحه ناشر الصورة، وهو مغترب لبناني يقيم في الكونغو، ووفقاً لما تظهره الصور، فإن لصاقات التسعير بالليرة اللبنانية لا تزال موجودة على علب الأدوية في صيدليات كينساشا، وأن السعر المكتوب هو 22 ألف ليرة لبنانية، مشيراً إلى أن سعر البيع في الكنغو يصل إلى 20 دولاراً، أي أعلى بنحو 10 مرات من السعر في لبنان.
تعليق السلطات اللبنانية على الصور لم يتأخر كثيراً، حيث أصدر كل من جهاز أمن المطار وفصيلة تفتيش المطار في وزارة الداخلية بياناً نفى وجود حالة تهريب للأدوية، مؤكداً أن علب الأدوية المتداولة صورتها، كانت برفقة سيدة متجهة من لبنان إلى الكونغو، وأن الأدوية كانت للاستخدام الشخصي وليس التهريب.
وعلى الرغم من نفي بيان السلطات اللبنانية لتهريب الأدوية الواردة في الصورة، إلا أنه أقر بوجود حالات تهريب، مبيناً أن جهاز أمن المطار ومنذ بدء تفشي وباء كورونا وحتى لحظة صدور البيان، ضبطت أكثر من 30 عملية تهريب مع أشخاص معظمهم غير لبنانيين عبر المطار.
بيان أمن المطار وفصيلة التفتيش لم يكفي للحد من الجدل، حيث يعتبر الباحث في الشؤون اللبنانية، “ميشال بوصعب” أن البيان جاء فقط لحفظ ماء الوجه، خاصةً وان الكميات الظاهرة في الصور لا يمكن ان تكون للاستخدام الشخصي، مضيفاً: “حتى وإن كانت للاستخدام الشخصي، كيف يسمح لشخص واحد باصطحاب كل تلك الكمية من الأدوية، في حين ان البلاد تعاني من أزمة أدوية قوية منذ شهور، إذا خرق القانون والتحايل والفساد واقع بكل الأحوال حتى وإن اختلف شكله”.
إلى جانب ذلك، يشير “بوصعب” إلى أن فرق السعر الكبير يمثل مطمع للكثير من الجهات السياسية في لبنان، موضحاً أن حالة التزاوج بين السياسة والاعمال والاقتصاد هي كارثة لبنان الحقيقية، على اعتبار أنها حولت الطيف السياسي بشكله الكامل، سواء هيئات أو أحزاب أو شخصيات إلى رجال أعمال وشركات، بالتالي فإن الربح بالنسبة للسياسيين هو الأولوية الطاغية.
ويضيف “بوصعب”: “عملياً منذ العام 2005 وحتى الآن، يدار لبنان على انه شركة وله مجلس إدارة يمثلها السياسيون، أما اللبنانيون فهم مجرد موظفين مطلوب منهم العمل والولاء بأجور أقل من الفتات، هنا يمكن تشبيه الأمر بأن لبنان بات مزرعة السياسيين والهدف منها هو المال”، مشدداً على أن عمليات التهريب هي جزء من اقتصاد الطبقة السياسية.
تضارب رسمي
الاختلاف مع ما جاء في بيان السلطات اللبنانية، لم يقتصر فقط مع الناشطين، الذين شككوا فيه على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما يصل إلى سفير لبنان في الكونغو، “هيثم إبراهيم”، الذي أقر في بيان رسمي بوجود أدوية مدعومة مهربة من لبنان إلى كينشاسا، مضيفاً: ” الأدوية تصل إلى الكونغو ليس فقط عبر الافراد، بل هناك بعض الشركات التي تأتي بأدوية مدعومة من لبنان من خلال شرائها من الصيدليات ومن الشركات الموزعة، كما أن 90% يتم تهريبه عبر المعابر الحدودية اللبنانية”.
كما لفت “إبراهيم” إلى أنه منذ ما قبل فترة إنتشار وباء كورونا، كانت تصل إلى صيدليات كينشاسا أدوية من دول عدة منها لبنان، معتبراً أن الضوء تم تسليطه حالياً على القضية، بسبب ما وصفه بـ “الظرف استثنائي” في لبنان والأدوية مدعومة.
قضية سماحة.. وأين التحقيق؟
السؤال الأبرز في قضية صور علب الأدوية اللبنانية في الكونغو، يطرحه النائب في البرلمان اللبناني، “وهيب قاطيشا” وهو “أين التحقيق؟”، في إشارةٍ منه إلى أن الأمر انتهى عند السلطات اللبنانية بإصدار البيان دون القيام بعمليات تحقيق.
تعليقاً على سؤال “قاطيشا”، يقول المحلل السياسي، “أحمد عيتاني”: “لا أهمية للتحقيق، فالمعادلة اللبنانية واضحة تماماً، الفاسد له سياسي يحميه، والسياسي له ألف منتفع يناصروه، الجميع في لبنان فوق القانون، هناك نائب لبناني هرب متفجرات بسيارته الخاصة وأقر بأنها كانت ستسخدم بتفجيرات واغتيالات وألقي القبض عليه متلبساً، والنتيجة أنه الآن في منزله وكأن شيئاً لم يكن، في ظل هذه المعادلة، من الطبيعي أن تهرب الأدوية إلى خارج البلاد وبشكل علني”، معتبراً أن مكافحة التهريب أو الفساد لا تحتاج إلى مجرد قرار وإنما بحاجة إلى إسقاط نظام سياسي كامل بكل أطيافه.
كما يلفت “عيتاني” إلى ان التحقيق حتى وإن اجري فإن من سيعاقب هم العناصر العاديين، الذين لا حول لهم ولا قوة، معتبراً أن عدم القيام بالتحقيق في ظل الظروف الحالية والنظام القائم أفضل من إجرائها، كونها ستنتهي عند أصغر حلقات الفساد.
من المسؤول؟
قضية تحديد المسؤولية عن التهريب عموماً في لبنان، وليس فقط في مجال الأدوية، يتفق فيها “بوصعب” و”عيتاني”، حيث يشيرا إلى أن المسؤولية ترتبط بالجهة التي تهيمن على الحدود والمنافذ الشرعية وغير الشرعية والمرفأ، في إشارة إلى ميليشيات حزب الله اللبناني.
يشار إلى ان حزب الله يسيطر على مجموعة كبيرة من المنافذ البرية غير الشرعية، والتي أقر أمينه العام بوجودها، مؤكداً أن الحزب لن يغلقها ويرفض أي محاولة لإغلاقها، رداً على شروط البنك الدولي بإغلاق كافة المعابر البرية غير الشرعية لمنح لبنان قرض كانت قد طلبته حكومة “حسان دياب” العام الماضي.
كما يضيف “عيتاني”: “من يدخل الصواريخ والقنابل ونترات الأمونيوم ويتاجر بالحشيش، زراعةً وتهريباً، لن يعجز عن تهريب الدولار والأدوية والأغذية”، لافتاً إلى أن الأمور في لبنان لن تسير بالشكل الصحيح في ظل وجود المنظومة السياسية الحالية.