أدى الارتفاع الأخير للإرهاب في أفريقيا خلال العقد الماضي (مثل بوكو حرام ومنظمات الشباب الإرهابية في النيجر والصومال) وعواقب الربيع العربي في القارة والصراعات داخل أفريقيا، إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وحيازة الأسلحة من قبل الدول الأفريقية. و تعد حرب إثيوبيا وحرب تيغراي، والتوترات المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا الناشئة عن مشكلة السد، والانتفاضات في السودان بعضاً من هذه الصراعات الداخلية. ولهذه الأسباب لجأت الدول الأفريقية إلى التسلح في السنوات الأخيرة، ونتيجة لذلك ارتفع إجمالي الإنفاق الدفاعي للدول الأفريقية من حوالي 19 مليار دولار في عام 2000 إلى 45 مليار دولار في عام 2014. لم يكن المبلغ الإجمالي الذي تم إنفاقه على الجيش في عام 2021 بعيدا عن 60 مليار دولار. وكان معدل الزيادة في الإنفاق العسكري أعلى بشكل ملحوظ في مناطق النزاع (أي بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا والصومال)، وتعد الجزائر هي المنفق الأكبر على الدفاع في أفريقيا، فهي تنفق ما يقرب من 7٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، وهي أعلى نسبة في القارة. خدمت هذه الاستثمارات الكبيرة أغراضاً مزدوجة تتمثل في زيادة أمن الجزائر وتعزيز القوات المسلحة الوطنية الشعبية التي تعد القوة المسلحة الرئيسية في البلاد. حيث تمتلك الجزائر ثاني أقوى جيش في أفريقيا بعد مصر نتيجة لإنفاقها العام الكبير. و على الرغم من الزيادات الأخيرة في إجمالي الإنفاق العسكري في القارة، لا تزال إفريقيا تمثل ما يقرب من 2 ٪ من الإنفاق العسكري العالمي.
من ناحية أخرى وعلى الرغم من أن روسيا هي أكبر مورد للأسلحة إلى الدول الأفريقية، فلا يخفى على أحد أن تركيا التي قامت باستثمارات كبيرة مؤخراً في صناعتها الدفاعية، تبحث عن أسواق جديدة في أفريقيا لبيع طائراتها بدون طيار التي أصبحت تحظى بشعبية كبيرة في السنوات الأخيرة. وقعت تركيا حتى الآن اتفاقيات ثنائية مع تنزانيا والسودان وأوغندا وبنين وكوت ديفوار من أجل توسيع الأسواق المتاحة لتكتلات أردوغان الدفاعية. وتدعو هذه الاتفاقيات إلى التعاون في الإنتاج الصناعي، واقتناء وصيانة المعدات العسكرية والدفاعية، فضلاً عن الدعم الفني واللوجستي، وتبادل المعلومات والبحوث الميدانية. في الواقع إن الأزمات الأخيرة في أجزاء أخرى من العالم مثل الحرب في أوكرانيا والنزاع بين أرمينيا وأذربيجان، قد اختبرت ونمّت المنتجات العسكرية التركية. على وجه الخصوص يشارك سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس التركي أردوغان بشكل كبير في إنتاج الطائرات بدون طيار المذكورة أعلاه (وهو كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة بايكار ومخترع أول طائرة تركية بدون طيار). وفي هذا السياق، تركز استراتيجية أردوغان الآن بشكل كبير على الروابط الأمنية والعسكرية مع أفريقيا، مما يمنح العلاقة بين تركيا والدول الأفريقية بعداً جديداً. تظهر زيادة التعاون في صناعة الدفاع ونمو مبيعات الطائرات بدون طيار التركية و SİHA (الطائرات التركية بدون طيار) إلى القارة أن تركيا تلعب الآن دوراً في القارة بخلاف تقديم المساعدات الإنسانية، وتتجاوز هذه التغييرات الاتفاقات العسكرية والتعاون. ومن المؤكد أن هذا الاتجاه قد غذته كفاءة الطائرات بدون طيار التركية (UAVs) والحاجة السياسية والاقتصادية للحكومة التركية لإحياء تقدير اعمالها في القارة.
على الرغم من أن غالبية اهتمام العالم الخارجي يتركز على الطائرات بدون طيار التركية، إلا أن قدراتها الدفاعية تتجاوز الطائرات بدون طيار. حيث تتلقى إفريقيا مجموعة متنوعة من الإمدادات من صناعة الدفاع التركية، بما في ذلك أسلحة المشاة والمعدات البحرية والمروحيات والعربات المدرعة. وفي حين تحسنت العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، فإن بيع الطائرات التركية بدون طيار أفاد أيضاً اقتصاد تركيا الذي يشهد تضخماً وتذبذباً شديدين لإيجاد سوق جيدة. لكن مبيعات الطائرات بدون طيار تعزز أيضاً الأهداف السياسية للحكومة التركية. على سبيل المثال أرادت السلطات الإثيوبية شراء طائرات TB2 التركية لأنها تعاني من آثار الصراع الأهلي في تيغراي. أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن نيته شراء طائرات بدون طيار عند السفر إلى تركيا في عام 2021، وبعد مفاوضات مطولة أذن الرئيس أردوغان ببيع طائرات قتالية بدون طيار إلى إثيوبيا خلال الزيارة، لكنه بالإضافة إلى المكاسب المالية من البيع، طالب في المقابل بإغلاق 10 مدارس مرتبطة بحركة غولن ونقل إدارتها لاحقاً إلى المؤسسة الحكومية “معارف”، وقد وافقت إثيوبيا على هذا الاتفاق. إثيوبيا ليست الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تجد فيها الطائرات التركية بدون طيار سوقاً كبيرة، ففي أفريقيا أعربت دول مثل المغرب وأنغولا وإثيوبيا والنيجر ونيجيريا ورواندا وتلك الموجودة في منطقة الساحل التي تواجه تهديدات من الجماعات الإرهابية وخاصة مالي، عن رغبة قوية في الحصول على طائرات بدون طيار تركية.
لماذا الطائرات التركية بدون طيار جذابة لأفريقيا؟
إن حقيقة أنه يمكن شراء الأسلحة التركية بسعر أقل من تلك الموجودة في الدول الأخرى، وأن عمليات التسليم أسرع لأن الإجراءات الدبلوماسية التركية أسرع وأسهل، هي أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في صعود مكانة تركيا كبديل موثوق به لمصدري الأسلحة التقليديين مثل روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة في القارة الأفريقية. ومع ذلك بدأت سمعة أردوغان التركية وعلاقاتها مع الدول الأخرى في المنطقة تعاني نتيجة لمبيعات الطائرات بدون طيار. فعلى سبيل المثال إذا تم استخدام الطائرات التركية بدون طيار المباعة إلى المغرب في الصحراء الغربية، فقد تكون هناك مشاكل في العلاقات بين الجزائر وتركيا. وعلى الجانب الآخر، تم الكشف عن أنه تم توجيه تهديدات ضد سفارة تركيا في إثيوبيا بعد بيع طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا. بالإضافة إلى ذلك، دفع تقييم أمني السفارة التركية في أديس أبابا إلى نقل عملياتها إلى كينيا المجاورة. وشملت الأهداف تركيا التي يُعتقد أن مبيعاتها من الطائرات بدون طيار إلى إثيوبيا قد غيرت مسار الحرب الأهلية في تيغراي. ومع ذلك تلقت تركيا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، تحذيرات من حلفائها الغربيين ضد مبيعات الأسلحة غير المقيدة.
إن تطوير علاقات تركيا مع الدول الأفريقية وإنجازاتها في التجارة والدبلوماسية، وإنشاء مؤسساتها في القارة من خلال القوة الناعمة ولا سيما في العقد الأول من عام 2000، قد تطغى عليه مبيعات الأسلحة. و قد يؤدي نهج تركيا المربح للجانبين و المتمثل في الانفتاح على أفريقيا بالمساعدات الإنسانية إلى الإضرار بسمعتها في نظر الحكومات والشعوب الأفريقية من خلال مبيعات الأسلحة والأسلحة، وهي عناصر من القوة الصلبة. يبدو أن استراتيجية أردوغان العدوانية تفكك مكاسب تركيا السياسية والاقتصادية والثقافية طويلة الأجل في أفريقيا. لطالما ادعى أردوغان أن مقاربته للقارة على عكس الغربيين، بعيدة كل البعد عن الاستعمار. وينبغي أن نتذكر أن مبيعات الأسلحة غير الخاضعة للرقابة قد تؤدي إلى مشاكل أمنية في القارة وتشجع بشكل غير مباشر على الصراعات التي قد تكون لها عواقب دولية. ومن المثير للجدل ما إذا كانت هذه جريمة جديدة تضاف إلى تلك التي ارتكبها نظام أردوغان بالفعل.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.