بعد سنوات من التوتر، تنتهي حالة القطيعة والخلافات العربية، بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهةٍ أخرى، ضمن قمة التعاون الخليجي 41، وذلك في أول تطورات المنطقة خلال العام الجديد.
حجم ردود الأفعال على المصالحة والاتفاق شعبياً وسياسياً، يظهر بحسب الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “زياد عيسى”، أن التطور ليس مجرد عودة للعلاقات بين الأطراف ذات الصلة المباشرة، وإنما خطوة على طريق رسم مشهد إقليمي جديد كلياً، لافتاً إلى أن الأوضاع في الشرق الأوسط قبل المصالحة لن تكون كما هي بعدها.
يشار إلى أن الكويت أعلنت مساء الاثنين، عن التوصل لاتفاق حول فتح الحدود البرية والمائية والأجواء بين السعودية وقطر، فيما شارك الثلاثاء أمير دولة قطر في القمة الخليجية في السعودية، وسط أنباء عن توقيع اتفاق لإنهاء حالة الخلاف بين الدوحة والمحيط العربي خلال الأيام القادمة.
خسارة أكبر المستفيدين
على اعتبار أن إيران، وفقاً “لعيسى” كانت من أكبر المستفيدين من الأزمة الخليجية، وأنها حاولت استغلالها للدخول أكثر في العمق الخليجي، من خلال قطر، عبر عروض المساعدة وفتح الأجواء، فإنها ستكون أكبر الخاسرين من اتفاق المصالحة، لا سيما وأن من بين أسس المصالحة، تعديل السلوك الدبلوماسي القطري بعيداً عن طهران، على حد قوله.
كما يرى “عيسى” أن المصالحة ستؤسس لصيغة علاقات جديدة في المنطقة تكون فيها قطر أقرب إلى المناخ العربي، مضيفاً: “إيران كانت تنظر للأزمة الخليجية على أنها فرصة لانفراد بقطر وإيجاد موضع قدم لها على الضفة الغربية من الخليج، وكانت تراهن عملياً على استمرار تلك الأزمة، لتحقيق جملة من المصالح أولها عدم السماح بوجود وقف عربي موحد من قضية النووي الإيراني والتهديدات الأمنية القادمة من خلف الحدود”.
في السياق ذاته، يشير “عيسى” إلى أهمية كون حكومة قطر تدرك أنها الطرف الخاسر في العلاقات مع إيران، وامتلاكها معرفة عن طبيعة المشاريع الإيرانية في المنطقة، ما يبدو أنه أوصلها في نهاية المطاف إلى قناعة بأن المصالح الفعلية للبلاد تدور في فلك تحسين العلاقات مع الدول العربية، وليس على الطرف الآخر من الخليج.
يشار إلى أن أحد أهم شروط إنهاء المقاطعة، هو عدم انخراط قطر في أي مشاريع إيرانية في المنطقة، لا سيما وأن الحرس الثوري يرعى ميليشيات الحوثيين في اليمن والميليشيات العراقية وميليشيات حزب الله، والتي تشكل جميعها مشاريع مهددة للأمن القومي العربي، بحسب ما تراه السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
في السياق ذاته، يشير “عيسى” إلى أن ملف المصالحة وفي بعده الإقليمي، يعني زيادة في عزل إيران عن المنطقة ككل، مؤكداً أن طبيعة العلاقات بين الدوحة وطهران ستتغير كلياً في الفترة القادمة، سواءاً بتأثير المصالحة أو بتأثير التوجه الدولي المناهض لإيران وسياساتها ومشروعها.
قضايا سيادية ومواجهة لسلوك تخريبي
في ظل ما تشهده المنطقة وتحديداً السعودية من تصاعد في الهجمات على أراضيها، والتي غالباً ما تتبناها ميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، يشدد الباحث الأمني، “سعود الجابر” على أنه كان من الطبيعي أن يبدأ ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان” كلمته خلال القمة، بالتركيز على تحديات مواجهة السلوك الإيراني التخريبي والبرنامج النووي الإيراني يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي.
كما يلفت “الجابر” إلى أن ملف المصالحة لا يستهدف فقط الجوانب السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وإنما يشمل أيضاً الجانب الأمني، معتبراً أن كل ما تشهده المنطقة حالياً يكشف عن وجود توجه جديد كلياً واكثر جديةً في طريقة التعاطي مع الملفات الإقليمية، وتحديداً ملف إيران النووي.
يذكر أن إيران قد أعلنت الاثنين، عن إجراءات تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى بكثير من النسبة المحددة بموجب الاتفاق النووي، حيث نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية “علي ربيعي”، تأكيده أن طهران بدأت إجراءات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة، في منشأة “فوردو” المقامة تحت الأرض.
إلى جانب ذلك، يشير “الجابر” إلى أن وجود قطر ممثلة بأعلى مستوى حكومي، وهو أمير البلاد، في القمة، يعني قبولها الكلي بكل ما نص عليه البيان الختامي، وأنها ستكون ضمن جبهة مواجهة لإيران في المستقبل القريب، أو على أقل تقدير لن تكون حليفاً لطهران في مواجهة تلك الجبهة، لافتاً إلى أن الحسابات والسياسات الإيرانية قد تتغير مع تغير المشهد الإقليمي وتتجه إلى المزيد من السياسة والدبلوماسية، سواء مع جاراتها الخليجية أو في مفاوضات الملف النوويمع المجتمع الدولي.
الأمن أساس الصلح
بدوره، كان للبيان الختامي للقمة، دور في كشف بعض تفاصيل المصالحة ومنعكساتها على الساحة الإقليمية والعلاقات فيها، بحسب ما يراه المحلل السياسي، “ناجي أبو الفتوح”، لافتاً إلى أن البيان كان واضحاً في إظهار أهمية ملف الأمن الخليجي على طبيعة العلاقات بين الدول الأعضاء.
يشار إلى أن بيان القمة الـ41 لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في العلا على مكافحة الجهات التي تهدد أمن دول الخليج، بالإضافة إلى الدعوة لتعزيز التعاون في مكافحة الكيانات الإرهابية والتأكيد على وقوف دول مجلس التعاون صفا واحدا وتوطيد العلاقات واحترام مبادئ حسن الجوار.
وهنا يضيف “أبو الفتوح”: “التهديدات الأمنية لدول الخليج واضحة تماماً، وتتمثل في المشروع الإيراني، جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتشددة، وإقرار المصالحة في هذه القمة وما جاء في البيان الختامي، يعني أن المنطقة أمام ترتيبات دبلوماسية وأمنية جديدة، عنوانها الأبرز “تهديدات إيران”.
يذكر أن زعماء الوفود الخليجية قد وقعوا بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية للقمة 41 لمجلس التعاون الخليجي، على البيان الختامي للقمة وبيان العُلا، بعد كلمتين مقتضبتين للأمير “محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي، والشيخ “نواف الأحمد الجابر الصباح” أمير الكويت.