تصاعد ظهور النشاط القطري بشكل لافت في غزة خلال الخمسة أعوام الماضية حتى هذا الحين, وذلك في ظل التدفق الهائل للأموال القطرية المقدمة شهرياً بدوافع إنسانية للمواطنين ولرموز من قيادات العمل السياسى من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة, والتى تنقل بواسطة السفير القطري محمد العمادى, والذي يحل كل شهر ضيفاً على غزة قادماً من مطار بون غوريون الإسرائيلى, هذه الأموال بحسب مراقبين استغلتها قطر كورقة مساومة وترهنها باستقرار الأوضاع بين غزة وإسرائيل وإلزام حماس على بذلك.
والذي ثبت في حقيقة الأمر أن هذه المساعي التي تبذلها قطر تهدف من ورائها لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية في المنطقة, وتخدم أيضاً في المقابل أهداف إسرائيل, في 30 أذار/ مارس 2018 أعلنت حركة حماس عن إنطلاق فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار عند الحدود الفاصلة مع إسرائيل شرق غزة, وذلك في خطوة منها للضغط على الاحتلال لكسر الحصار الإسرائيلى وإنهاء الأزمات الإقتصادية والإنسانية المتراكمة في غزة, ولكن حالة الاحتكاك السلمي من قبل الشباب الثائر سرعان ما تحولت إلى مواجهة عسكرية, ودخلت قطر في الأثناء كوسيط ونقلت الأموال إلى حماس لتهدئة الأوضاع وذلك لإنهاء أزمتها المالية, ما دفع الأخيرة إلى القبول بالشروط القطرية.
وبذلك أصبحت علاقة حماس وقطر علاقة مركبة, فكلاهما بحاجة للأخر وكلاهما مطارد يبحث عن دور في المنطقة, وبوضوح أكثر للحقيقة حماس تبحث عن مقر لتحركاتها ودعم مادي وغطاء سياسي، وفى المقابل تحلم الدوحة بتنامي وتعظيم دورها والمتاجرة بالقضايا العربية، لتبحث لنفسها عن مكان الرجل الكبير في الشرق الأوسط وإيهام الغرب وأمريكا بذلك، ولذا أبقت مكتب الحركة مفتوحاً في الدوحة, ولا تزال تستضيف رئيس المكتب السياسى للحركة إسماعيل هنية, والذي خرج في جولة عربية ورفضت مصر عودته إلى غزة لوجود خلافات مع جهاز المخابرات المصري.
منذ بدء مفاوضات التهدئة طويلة المدى بين حركة حماس وإسرائيل التي ترعاها جمهورية مصر العربية والأمم المتحدة، حاولت قطر لعب دور الوسيط بحكم العلاقة المتينة التي تربطها مع الطرفين, إذ تسعى الدوحة إلى إتمام التهدئة بغض النظر عن إتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس, الدوحة التي تنتهج حرباً دبلوماسية ضد مصر من خلال دورها في أزمة قطاع غزة، تعمل على الوصول إلى اتفاق لإتمام التهدئة بين حركة حماس والإسرائيليين، بشكل يتنافى مع توجه القاهرة التي تحاول رأب الصدع بين الفرقاء الفلسطينيين للم الشمل بينهم ثم التوجه لمفاوضات أوسع مع الإسرائيليين, فرغم مساعي مصر للتوصل إلى إتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس قبل التوجه لاتفاق بين إسرائيل والقطاع، إلا أن قطر تناقض التوجه عبر تجاهل المصالحة الفلسطينية وإغراء حماس بسيادة أكبر على القطاع، من خلال الوعود باستثمارات كثيفة تشمل البني التحتية، وبناء مطار بالقرب من إيلات في جنوب إسرائيل تحت إشراف أمني إسرائيلي، بالإضافة إلى مشاركتها في إنشاء طريق بحري من غزة إلى قبرص.
موقع واللا الإسرائيلى ذكر في وقت سابق, أن رئيس الموساد الإسرائيلى يوسى كوهين وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلى هرتسى هليفى, زارا قطر سراً في فبراير الماضى وإجتمعا مع السفير القطري محمد العمادى, ولفت الموقع إلى أن الزيارة تأتي في سياق الدور الذي تلعبه قطر في تثبيت التهدئة في قطاع غزة عبر المساعدات الإنسانية, وتمويل مشاريع إعادة إعمار القطاع، بما في ذلك المنحة المالية للأسر الفقيرة التي أعلنت عن زيادتها بمبلغ 15 مليون دولار, وتمويل بناء مستشفى في رفح بتكلفة 24 مليون دولار.
الخلاف في الانتقادات حول الدعم القطري المتواصل في القطاع ليس بين الحركات الفلسطينية فقط، بل أحدث انقساماً في الشارع الفلسطيني, فالبعض يعتبرها مشاريع إنسانية والبعض الأخر يعتبرها تدخلاً سياسياً من قطر في السياسة الفلسطينية بهدف تعميق الانقسام الفلسطيني, على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية تعي جيداً وجميع الفصائل خطورة إتمام اتفاق التهدئة بين إسرائيل وفصيل فلسطيني واحد حماس، وترى أنه جزء من خطة ترامب المعروفة باسم “صفقة القرن”، بما يشمل تمزيق شطري الوطن الضفة وغزة وخلق إنفصال كامل, وإعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن أي توقيع لإافاق دون موافقة السلطة الفلسطينية سيكون غير قانوني وبمثابة خيانة, وهنا تكون قطر التي تغرى حماس قد عززت من حالة الإنقسام الفلسطيني والذي دخل عامه الرابع عشر.
في سياق ذلك أكد الكاتب والمحلل السياسى يوسف إبراهيم في حديثه لـ”مرصد مينا”: أن قطر وضمن أهداف سياسية إقليمية تسعى لها, استطاعت تعزيز حالة الانقسام الفلسطيني بعد أن أغرقت حماس بالأموال الطائلة, والتى دفعت حماس هي الأخرى إلى رفض أى محاولة للحديث حول إنهاء الانقسام, وتعرقل ذلك من خلال وضع شروط تعقيدية للجلوس مع السلطة الفلسطينية لإنهاء الأزمات بينهما.
وأشار إبراهيم إلى أن الأموال التي تضخها قطر إلى حماس, هي جزء من اتفاق التهدئة الذي ترعاه قطر ومصر والأمم المتحدة بين حماس وإسرائيل, في حين أن إسرائيل والتى تسمح بدخول الأموال عبر أراضيها, تدرك جيداً مكاسب إتمام المصالحة مع حماس وتقوية نفوذها بغزة عبر فصلها عن الضفة الغربية, وأن ذلك قد يساعد في عودة الهدوء النسبي على الأقل لصالح إسرائيل, خاصة في الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل أزمة سياسية نتيجة تعثر جوالات الإنتخابات في حسم المستقبل السياسى في إسرائيل, لكن من وجهة نظر المحلل السياسى يرى, أن هذه الجهود تقطع الطريق أمام تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية, فهي تخدم مصالح الحكومة الإسرائيلية وحماس على حساب الشعب الفلسطيني.
الفصائل الفلسطينية بدأت مؤخراً تدرك مخاطر الدور القطري البارز, والذي لا يمكن رسم أبعاد سياسية له تصب في مصلحة الفلسطينيين, حيث تعرض السفير القطري “محمد العمادي” خلال زيارة له إلى غزة أواخر نوفمبر الماضي، إلى الطرد والرشق بالحجارة من قبل الشبان على حدود غزة, والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين كانتا من أوائل الفصائل التي قاطعت الزيارات والإجتماعات بالسفير العمادى مؤخراً رافضاً مبدأ المال مقابل التهدئة، وذلك عندما صرح العمادي خلال إحدى الزيارات قائلاً”: “هذه الأموال ضمان الهدوء وبدونها لا يستطيع أحد العيش في غزة ” وهذه التصريحات أدت إلى إمتعاض قادة الفصائل والشبان, رافضين المساومة على حقوقهم الشرعية بالمال.
من جهته بين عضو المكتب السياسى للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة أنه ومنذ أن بدأت قطر تنفيذ مشاريعها في قطاع غزة، تبين لنا في الفصائل أن قطر من وراء مشاريعها تخفى أهداف سياسية تم التحذير بها, لكن لم نجد أذان صاغية .
وأوضح أبو ظريفة في حديثه لـ”مرصد مينا”: أن بدايات طريق نقل قطر للأموال هي خاطئة من خلال تجاهلها للممثل الوحيد للشعب الفلسطيني السلطة الفلسطينية, معتبراً ذلك بالأمر المؤسف والذي يأتي ضمن مخطط لتكريس حالة الإنقسام الفلسطيني, حيث أن هذه الأموال تأتي إلى حماس وتتحكم بها وليس إلى الشعب الفلسطيني كما تدعى قطر.
وأشار إلى أن قطر كان لها أثر سلبي في إطالة عمر الإنقسام الفلسطيني, فهي أغرقت حماس بالأموال وجعلتها في غنى عن المصالحة, بعد أن وفرت لها المال الذي هو في الأساس كان العقبة التي واجهت حكم حماس في غزة خلال الحصار والذي مازال مفروض, في حين أن قطر ومن وراء التهدئة تسعى إلى نزع تنازلات من حماس على حساب الشعب لصالح إسرائيل, وهذا ما يرفضه الشعب ويطالب بكافة حقوقه العادلة.
لم تقف الانتقادات حول الدور القطري عند الساسة والمواطنين, بل أن الأغاني الكوميدية الساخرة شقت طريقها في غزة من قبل فنانين كوميديين, حيث اعتقلت أجهزت حماس الفنان الكوميدي على نسمان أبرز الفنانين المنتقدين للدور القطري, وذلك على خلفية التعبير عن الرأى بعد أن أصدر فيديو ساخراً ينتقد فيه حقائب الأموال التي ينقلها السفير القطري إلى غزة.