يعيش لبنان أزمة مالية واقتصادية لم يشهد لها مثيل، فلبنان الذي تثقل كاهله القيمة المرتفعة للدين العام، صار قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الفوضى الاقتصادية، وسط عجز كامل لحكومة المستشارين كما يسميها غالبية اللبنانيين، وتنذر الأوضاع الاقتصادية والمالية بتفاقم الأزمة التي يعيشها لبنان، وارتدادتها السلبية على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي.
وهذا الهجوم يأتي من فئتين:
الأولى : مثل حيوان الروبيان حجمه ٥ سنتم وصوته بقوة ٢٠٠ ديسيبل .
الثاني: خطة استراتيجية وضعها من يريد تدمير المصرف المركزي وبالتالي النظام المصرفي .
الفئة الأولى مكونة من الفاشلين الذين يتصدرون الساحة في هذه الأزمة، التي لطالما انتظروها من أجل الظهور أمام الشاشات والصحافة فهم أمام فرصة قد لا تتكرر . الفاشلون يجتمعون من أجل إبراز أهميتهم كما يقول المثل اللاتيني منذ ألفي عام: ” يمتدح الحمير بعضهم بعضاً من أجل أن يعتقد أنه حصان إلا انهم يبقون حميراً ولن يصبح أي منهم حصاناً”.
وهذا يقودنا أيضا لذكر قصة القائد العسكري الكبير هملكار برقا القرطاجي، بعد تمرد المرتزقة على مدينة قرطاج ، طلب حكام المدينة من هملكار أن يأتي من إسبانيا لمساعدتهم، فجند جيشاً من عشرة آلاف قرطاجي ودربهم وقادهم بنفسه، وكان عدد المرتزقة أربعين ألفاً.
فقام هملكار برقا بالاحتيال على جيش المرتزقة ووضع خطة عسكرية تكتيكية استطاع من خلالها جذب المرتزقة إلى اللحاق به إلى مضيق بين جبلين وسد عليهم مسالكه وقام بتدميرهم كلياً.
ويقول المؤرخون أن الأهالي اعتقدوا أن هملكار قد هرب من أمام المرتزقة والتجأ إلى ما بين الجبلين ولم يكونوا على علم بنتائج المعركة ، ويضيف المؤرخون أنه في هذه الأثناء لم يبقى أي شخصٍ من قرطاج محدودي الفهم والإدراك إلا وأعطى رأيه الفني بأخطاء هملكار وبدأوا بطرح النظريات… لو واجه هملكار بهذه أو لو تصرف بهذه الطريقة لكان انتصر على المرتزقة.
في حين تصدر هؤلاء الفاشلون المنابر والساحات الإعلامية، وأصبحوا جميعاً خبراء ماليين واقتصاديين وكل واحد منهم يستشهد لتدعيم نظريته بفاشل وحاقد آخر، ومن كثرة الخبراء ومع احترامنا للمهن وأصحابها لم يبقى صاحب مهنة إلا ونظّر في السياسات المالية والاقتصادية، من الزبال إلى البقال وصولاً إلى الكندرجي “صانع الأحذية”، وهذا يذكرنا بأشهر الرسامين في عهد الرومان،فكان يرسم لوحة إلا أنه صعب عليه رسم عقدة الحذاء، فطلب من أحد الكندرجية أن يقف أمامه وهو يقوم بربط عقدة الحذاء، وبعد الانتهاء جلس الكندرجي بالقرب من الرسام وأخذ يتأمل اللوحة وقال للرسام المشهور ، اعتقد أن أعلى اللوحة تحتاج إلى بعض التعديلات، فأشار الرسام بإصبعه إلى الحذاء وقال : ” كندرجي لا تعلو عن الحذاء”.
هذا الواقع الذي يعيشه لبنان يذكرنا بالقصة المشهورة والتي تقول : ” ذات مرة أراد الأمير الذهاب للصيد فطلب من أخصائي الأرصاد الجوية تزويده بالنشرة للساعات القادمة، فطمأنه الأخصائي بالقول إنه يستطيع أن يصطاد بهدوء، فلا توقع لهطول المطر،و في رحلته التقى الأمير بفلاح قال له: من الأفضل أن تعود لأن السماء سوف تمطر بغزارة بعد وقت قصير. لم يأبه الأمير لكلامه وقال لنفسه: كيف يمكن لهذا الفلاح أن يعرف أكثر من أخصائي عالي الأجر؟! بعد فترة وجيزة أمطرت السماء واجتاحت السيول الطريق، فتبللت ملابس الأمير، وصار في أسوأ حال. عاد الأمير غاضباً إلى القصر وطرد أخصائي الأرصاد. ثم استدعى الفلاح وعرض عليه المنصب، لكن الفلاح رفض وقال: سيدي، أنا لست الشخص الذي يفهم بالطقس أو المناخ لكنني أعرف من حماري … إذا سقطت آذان الحمار، فهذا يعني أن المطر سيهطل! عندها اشترى الأمير الحمار … ووظفه مكان الاخصائي! وهكذا بدأت عادة توظيف الحمير لمناصب المستشارين.
كما ذكرنا آنفاً لم يبقى شخص من محدودي الفهم والإدراك في الاقتصاد إلا وأراد أن ينظّر على حاكم البنك المركزي رياض سلامة وبنفس المستوى من الجهل وعدم الإدراك في قرطاج آنذاك أيضاً، في لبنان بدأت النظريات حول أخطاء رياض سلامة وتحميله مسؤولية مساعدة الدولة ومسؤولية تأمين التمويل لها، وهذا يقودنا مباشرة إلى البحث عن أسباب الهجمات المتكررة على رياض سلامة حاكم المصرف المركزي اللبناني.
وحسب ما هو معروف لدينا أن سلامة من أفضل حكام البنوك المركزية وتفتخر فيه وبخبرته معظم الدول العربية من هنا أردنا البحث عن أسباب الهجمات على سلامة والبنك المركزي وحسب بحثنا الالكتروني تبين لنا المعلومات عن رياض سلامة أنه من أفضل 9 حكام مصارف مركزية في العالم وحاصل على جوائز عديدة من مجلة “غلوبال فاينينس” لسنة 2017 ،وجائزة أحد أفضل حكام المصارف المركزية في العالم من مجلة “غلوبال فاينانس” لسنة 2016 – و درع تكريمية لمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس مصرف لبنان من اتحاد المصارف العربية – نيسان 2014 – و قلادة “بول هاريس” مع شهادتها ودرع المؤتمر السنوي للروتاري في لبنان تكريماً لعطاءات حاكم مصرف لبنان – نيسان 2014- وجائزة أفضل حاكم بنك مركزي في الشرق الأوسط لعام 2013 من مجموعة أوروماني الدولية. – و أفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط للعام 2012- و جائزة مجلة The Banker. – و جائزة مجلة Global Finance كأحد أفضل 6 حكام مصارف مركزية في العالم لعام 2011 – و وسام جوقة الشرف من رتبة ضابط قلّده إياه رئيس الجمهورية الفرنسي نيكولا ساركوزي بتاريخ 31 كانون الأول 2009. – و أفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط للعام 2009- و جائزة مجلة The Banker. – و أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم للعام 2006- و جائزة EUROMONEY. – و أفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط للعام 2005- و جائزة EUROMONEY للأسواق الناشئة. – و أفضل حاكم مصرف مركزي للعام 2003 (رجل العام 2003)- و جائزةEUROMONEY. – و وسام جوقة الشرف من رتبة فارس قلّده إياه رئيس الجمهورية الفرنسي جاك شيراك في 31 أيار 1997- و أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم العربي للعام 1996 . وهذا غيض من فيض.
إلا أن عباقرة حكومة المستشارين في لبنان، تستعين بهؤلاء الفاشلين والحاقدين وتبعد حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة عن لعب دوره، وهو من كبار المتخصصين بالعلوم الاقتصادية والمالية، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تبدأ بالانهيار الاقتصادي الأول في هولند في القرن السابع عشر، ما بين عام ١٦٣٥ وعام ١٦٣٧ والتي عرفت باسم “التوليب” هو اسم يشير إلى فقاعة اقتصادية كبيرة أتت تسميتها عندما تزايد فيها الطلب على بَصَل زهرة التوليب مما أدى إلى إرتفاع ثمنها إلى حد غير مسبوق، ثم انهار سعرها فجأة في العصر الذهبي الهولندي وتسببت بأكبر أزمة اقتصادية.
إضافة إلى ما يعرف بالانهيار الكبير وهي أزمة اقتصادية حدثت في عام ١٩٢٩، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في كل القرون.
إضافة الى الأزمات الكبرى في اكتوبر ١٩٨٧ وعام ٢٠٠٠ وعام ٢٠٠١ وعام ٢٠٠٨، إلا أن هذا المستوى لرياض سلامة لا يعجب حكومة المستشارين الذين يفضلون الاستعانة بالكندرجي لإيجاد حلول للأزمة المالية والاقتصادية للبنان، وهذا ما يفسر حجم الحقد من قبل مستشاري حكومة المستشارين.
وحسب رأينا أن رياض سلامة قد أنجز وأبدع في كثير من الحلول للبنان مالياً واقتصادياً وتصرف كما يتصرف حكام البنوك المركزية في العالم منذ عام ألفين وبصورة خاصة أثناء الأزمات كما لا يمكننا أن ننسى ما قاله ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي: ” مهما كان الثمن”، أي أن البنك المركزي يقوم بشراء كل ديون الدولة أثناء الحاجة، وعندما تتطور الأزمات يقوم بشراء ديون القطاع الخاص كما تعمل البنوك المركزية في أمريكا و أوروبا واليابان، وهذا ما هو معروف لدى كل اقتصاديّ العالم ومن ضمنهم مستشاري نصر الله الاقتصاديين.
ونضيف على ذلك أن رياض سلامة لم يتوقف ولم يستثني أي فرصة إلا وكرر نداءاته إلى المعنيين في الدولة حول ضرورة إعداد موازنة متزنة والتوقف المباشر عن الهدر في القطاع العام وبصورة خاصة قطاع الكهرباء الذي ينهك موازنة الدولة والتوظيف العشوائي في القطاع العام، إلا أن نداءات سلامة لم تجد آذانا صاغية.
من هنا تم الاستنتاج أنه يوجد خطة ثانية وهي الخطة الاستراتيجية التي ترتبط بنصر الله رئيس ميليشيات حزب الله، بعد أن تم إبعاد نظرية أن هناك خلاف مذهبي أو شخصي بين نصر الله وسلامة، هذه الخطة التي بدأت تتوضح من خلال خطاباته المتكررة وتبين أنه يركز على بندين اقتصادي وسياسي ، الاقتصادي هو استهداف القطاع المصرفي الذي تم إنشأئه منذ نشأة لبنان الكبير منذ مئة عام، والذي يقوم على النظام الاقتصادي الحر .
عندما يتم استهداف القطاع المصرفي، يعني حتماً انهيار أساس الاقتصاد العام، الذي يدار بمعظمه من قبل المسيحيين في لبنان، فاستهداف القطاع المصرفي سيؤدي إلى انهيار كل القطاعات الاقتصادية الأخرى من شركات تجارية وتأمين وتسلية ومطاعم إلخ . والهدف من ذلك هو الانتقال إلى نظام “التروق”، مثل القرون البدائية، أي قبل اختراع العملة المعدنية من ذهب وفضة ونحاس، وهذا ما تقوم به إيران من استخدام نظام المبادلة من سجاد ونفط مقابل أمور اخرى، أي أنصر الله يريد العودة إلى النظام البدائي وهذا ما يردده في كل خطاباته، كما تعرضه إيران باستمرار على أوروبا، أن تتعامل معها كما تتعامل الصين، من خلال النفط والسجاد، فلا ضرورة لوجود المصرف المركزي ونظام المصارف،و في النهاية بهذا النظام لا نحتاج إلى العملة، التي أسماها بيار بورديو سوسيولك الفرنسي :”فعل سحري اجتماعي”، أي أن التعاطي بالعملة يرتبط بالثقة، فالطائفة الشيعية في لبنان مهيأة بحكم أنها راضخة، أما الطائفة المسيحية لديهم الاستقلالية الشخصية مما يستحيل تقبل هكذا نظام ،والسنة مقسمين بشكل كبير أيضا مما لا يمكن تقبل هكذا نظام ، فالرابح الأكبر هو الشيعي حيث أنهم موحدين ومسلحين وإيديولوجين وغزاة.
أما النظام السياسي الديمقراطي الموجود منذ مئة عام مع نشأة لبنان، هذا نظام عبثي حسب رأي نصر الله لأن النظام الذي يصلح حسب رأية هو النظام الإيراني التوليتاري كما يذكر نصر الله في خطاباته.
أما بالنسبة للبنان وحسب تركيبته الاجتماعية والدينية الخاصة، فإن خطة نصر الله أقرب “فقط من ناحية موتولوجية” حيث أنها ماركسية، من بول بوت رئيس الخمير الحمر في كمبوديا، عندما استولى على الحكم عام 1975. بقوة السلاح، الشعب استقبله كمحرر للأرض، وفوراً بعد يومين قام بإخلاء العاصمة بنوم بان من كامل سكانها وتراوح عددهم المليونان، واعتبر كامل السكان، رأسماليين (أي قريبين من النظام الأمريكاني)، وألزمهم بقوة السلاح العمل في الحقول، والحكومة والمؤلفة من عائلته وعائلة زوجته كانوا يسكنون العاصمة، ما يقارب العشرين شخص مع أولادهم.
و أنشئ معسكراً للاحتجاز ، سجون، تعذيب، اغتصاب بشكل تلقائي، تجويع المساجين حتى الموت، تصفية كل المثقفين والمتعلمين، كما ألزمهم بتلقي تعليم سياسي خاص كل يوم لمدة ساعتين، من قبل أشخاص أعمارهم ١٥ – ٢٠ سنة.
رمزياً قام بتدمير كلي للبنك المركزي في العاصمة، وتدمير كل الكتدرائيات، ومنع الممتلكات الخاصة، الحصيلة كانت من مليونان إلى ثلاثة ملايين قتيل أي ٣٠ بالمئة من الشعب، يدانا ترتجف إذا أردنا كتابة أكثر للتفاصيل، ولولا الاجتياح الفيتنامي الذي طرده خارج البلاد لكان عدد الضحايا مضاعفاً في حقول الموت كما تم تسميتها.
نصر الله يستخدم أسلوباً من أجله تحقيق أهدافه، وهذا أمر طبيعي في سياق معركته مستخدماً “الأغبياء بالخدمة” دائماً حاضرين وللأسف إنهم مسيحيون، وهذا تكتيك كلاسيكي، اللعب على وتر كل شخص حسب غرور كل منهم، “لو كنت أنت المسؤول”، وأحياناً على الطموح “نحن نعتقد أنك تصلح لهذا المركز المهم أو ذاك”، وأحياناً أخرى اللعب على الجشع ، بهدف دفعهم للقيام بأمور متطرفة ” بما أنك حاصل على دبلومات مهمة وخبرتك بالرياضيات يجب أن تتسلم أنت كل شيء”… الخ
فهو يدفعهم للقيام بما قام به شمشوم منذ ثلاثة ألف ومئتي سنة، عندما عمي شمشموم واسترجع قوته قام بتدمير الهيكل الذي قتل عدة الآلاف من أعدائه الوثنيين وهو من ضمنهم، وذلك خدمة لله.
أما شمشومي لبنان ، يريدون أيضا تهديم الهيكل ولكن دون أن يمسهم أي ضرر بخدمة مصالحهم الشخصية.
وقد علمنا من مصادر خاصة أن عقدة الدونية عند بعض الشخصيات السياسية نواباً أو شخصيات عامة وبصورة خاصة المسيحيين منهم، حيث يفاخر بعض هؤلاء فيما بينهم من أن هذه الشخصية الشيعية قد ابتسمت لي مما يعني أنه مرضى عني، واستطيع مهاتفته حيث يشعر بالسعادة والتأمين ! هذه الدونية لم يقبل بها حتى من عاش مرحلة الذمية الذين ارتضوا دفع المال مقابل الحفاظ على دينهم، وكانوا يحافظون على كرامتهم ويرفضون التعامل بدونية كما نشهده اليوم في لبنان.
ولسان حال غالبية المسيحيين في لبنان اليوم أين أنت أيها الأمير فؤاد شهاب (رئيس جمهورية لبنان سابقاً)، الذي استطاع وبالرغم من زعامة وحضور جمال عبد الناصر على مستوى الساحة العربية والدولية آنذاك إلا أنه فرض عليه وعلى الآخرين احترام موقع رئاسة الجمهورية الموقع المسيحي الأول في لبنان.
ولسان حال غالبية المسيحيين أين أنت أيها البطريرك صفير الذي وقفت في وجه الوصاية السورية في عز سطوتها، ولسان حالهم يقول لكل هذه الشخصيات الدونية كما يقول الشعر العربي: “لا تكن ثقيلاً فيستغنى عنك ولا تكن خفيفاً فيستهان بك”.
بقلم أحمد الشعار