رؤية في استعادة الأجهزة السياديّة: (الأمنيّة والدفاعيّة السوريّة).
الكاتب: محمود ابراهيم
التصنيف: ورقة سياسات تستهدف شرح بنية التشكيلات المُسلحة العسكريّة، وشبه العسكريّة، التي يعتمدها نظام الحكم في سوريّة، بهدف تفكيك نواتها الصلبة، وتقدم رؤيّة لكيفيّة استعادة القطاعات المتوحشّة المتمثلة في الأمن والدفاع إلى سلطة القانون والعدالة الإنسانيّة، ضمن الفقرات التاليّة:
- الحالة السوريّة، وتمركز أجهزة النظام المتوحشة في إدارة الدولة.
- بين نظريّة النظام في الاستقرار، وبين حقيقة الثبات المجتمعي: سوريّة أمنيًّاً قبل الحراك.
- النواة الصلبة لِـنظام الحكم (الدولة الموازيّة).
- نقاط التشابه بين نظام الحكم في سوريّة وباقي الأنظمة الشموليّة العنيفة.
- أوليَّات إصلاح القطاع الأمني في سوريّة.
- الحاجة الإقليميّة والدوليّة في استقرار آمن، يمر عبر تشكيل هيئة منضبطة للأمن والدفاع.
- منظومة “الحكم الرشيد” ضمن قطاع الأمن المتحكِّم.
- الحالة السوريّة: وتموضع أجهزة النظام المتوحشة في إدارة الدولة.
يعاني نظام الحكم في سوريّة إعاقة إداريّة غير مسبوقة، تتجلّى في ظواهر عدّة منها عجزه عن تأمين مستلزمات الثبات المجتمعي مِن الموارد الضروريّة لتدوير عجلة الاقتصاد التي تشكّل العصب الرئيس في هيبة الدول وسيطرتها واستمرارها، وبناء على حالة أمنيّة هشّة مُضافة لِـما سبق يزداد احتمال انهيار منظومة التحكّم نتيجة اتساع المساحات الخارجة عن السيطرة المُباشرة للنظام في نطاق العاصمة دمشق، وكذلك في العمق السوري كَمثلث الجزيرة، وسهل الغاب، والجنوب، أيضاً، في خطوط الاشتباك مع إسرائيل، إذ تأتي كلمة الفصل عبر ميليشيات طائفيّة غير منضبطة، تدير هذه المناطق وتتحكّم بها ما يمهّد لإيجاد كيانات شاذة يصعب إعادتها إلى حضن الدولة بعد أيّ عمليّة تسويّة سياسيّة مُقترحة.
وعليه تُقدّم هذه الورقة، رؤيّة في شكل الدولة المُستلبة مِـن النظام الحالي، وكيفيّة استعادتها باستعادة الأجهزة السياديّة ذات المخالب المتمثلّة في قطاعي الأمن والدفاع، وإنهاء نفوذ الكيانات الطارئة وسيطرتها على الساحة الوطنيّة عبر حلّها، وإعادة دمج بعضها في جسد الدولة الناشئة عبر حلّ سياسي يراعي السيادة الوطنيّة السوريّة، ومعها المصالح الدوليّة والإقليميّة في الجمهوريّة التي شكّل استمرار وجودها تحت سلطة عنيفة ومتوحشة ضرراً على الاستقرار والسلام الدوليين.
سوريّة أمنيًّا قبل الحراك الشعبي أذار/مارس/ 2011 م
قبل استعراض حالة الأمن التي تميز المجتمع السوري من غيره في ظل حكم النظام الشمولي، يجب التفريق بين الفرض الإجباري للأمن، وبين السلام المجتمعي الذي فشلت أو لم تسعَ الأجهزة الأمنية الحاكمة إليه في ظل حالة رُهاب شديدة صنعتها بينها وبين الشعب من جهة، وبين فئات الشعب وطوائفه من جهات أُخرى، ومن هنا تأتي ضرورة توضيح الاختلاف بين الثبات المجتمعي الذي مرّت به سوريّة طوال خمسين عاماً من حكم الشموليّة، وبين السلام المجتمعي المفقود في عقود السطوة المتغوِّلة للاستخبارات ونظامها الأمني العسكري.
بين نظريّة النظام في الاستقرار العنيف، وبين حقيقة الثبات المجتمعي
من خلال تتبّع طبيعة إدارة الدولة السوريّة منذ انقلاب البعث 1963م، وحتى سيطرة ما يعرف بِـ القيادة القطريّة للحزب بقيادة حافظ أسد على النظام 1970م نلحظ سعياً حثيثاً لإيجاد فصل بين النخب الحاكمة وبين طبقات المجتمع المختلفة، عبر فرض نظام إداري موازٍ للدولة الناشئة بعد انسحاب الاحتلال الفرنسي 1946م، هذا النظام اعتمد على إيجاد هيكليّة إداريّة عنيفة تتمثّل في ثلاثة مفاصل رئيسة أولها الرئاسة المُطلقة، وثانيها الأجهزة الأمنيّة، وثالثها خليط بين الحزب، والعائلة الحاكمة، وهو ما تطوَّر لاحقًا ليشكّل النواة الصلبة للنظام في سوريّة.
كانت تعمية النظام المقصودة على الفروق الجوهريّة بين الاستقرار الاجتماعي كركيزة المجتمعات المتقدّمة، وبين الثبات المجتمعي الذي تكوّن بناءً على رؤية المادة الثامنة من الدستور الذي أقرّه النظام عام 1973 المتعلقة بأنّ حزب البعث هو حاكم الدولة والمجتمع [1] إذ بدأ فرض معالم النواة الصلبة للنظام في العقليّة الجمعيّة للمكونات السوريّة، التي عاشت وهمَ الاستقرار الاجتماعي وهي حالة عيش مشترك انسجاميّ تكامليّ متقدّم يتوافر فيه شرط المواطنة والحقوق والعدالة، مقابل حقيقة الثبات المجتمعي الذي ظهر، وكان على نقيض الحالة السابقة حيث أُلغي شرط المواطنة والحقوق والعدالة واستبدلت بها القبضة الأمنيّة التي توّفر مستلزمات العيش الأساسيّة كتوفير الطعام والمياه والكهرباء وخدمات أخرى أساسيّة لاستمرار الدولة.
الشكل العام للدولة الأمنية العسكريّة السوريّة في حكم آلـ أسد
استطاع النظام السوري على مدى سنيِّ حكمه الممتدّة منذ استلام حزب البعث السلطة إلى إتمام سيطرة إدارته على البلاد بالتنظيم العنيف الذي اعتمد فيه أجهزة الدولة الدفاعيّة، والأمنيّة ذات المخالب، بِـمراحل رئيسيّة:
أولًا: انقلاب أذار/مارس/1963: شمولي إيديولوجي يعتمد على فكر حزب البعث ونصوص منطلقاته النظرية وما أنتجته في محاولة للمزج بين الشيوعيّة بوجه مخفف ومغطّى بِـ توجّه قومي يُماشي الموجة التي بدأها عبد الناصر في مصر.
ثانيًا: حركة شباط/ فبراير/1966: انقلاب نفذته عناصر بعثيّة عسكريّة وأمنيّة داخل الحزب بهدف تطهيره من قيادات الصفّ الأوّل، لتتسلم الحكم من بعده، ولتتخذ منحى إيديولوجياً طائفياً، يعتمد على المنطلقات النظريّة للحزب التي يحكمها ويستولي عليها ويوجّهها تنظيم طائفي داخل المجلس العسكري مثَّله ثلاثي حافظ أسد وصلاح جديد ومحمّد عمران.
ثالثًا: انقلاب حافظ أسد 1970: انتهى المطاف بمنفذي حركة شباط في السجون بعد انقلاب حافظ أسد على القيادة القطريّة والسكرتارية العسكرية للحزب في 1970م ليستقر بعدها شكل الحكم طائفياً عائلياً شديد الانفصال عن مكونات المجتمع السوري.
وبهذا بنى حافظ أسد منظومة أمنية متطورة عن منظومة العقيد السراج قائد الشعبة الثانية ومؤسسها (الاستخبارات) التي اعتمدت على الإيديولوجية القومية الناصرية، بينما رسم حافظ أسد (المؤسس الحقيقي لدولة الاستخبارات في سوريّة) طريقة حكمه معتمداً على ثلاث دوائر ضيقة أسس مجموعها الدولة الموازية التي سيّرت نظام الحكم في سوريّة حتى اندلاع الحراك الشعبي 2011م وخروج مناطق واسعة عن سيطرة النظام أواسط 2012م.
مكونات النواة الصلبة للنظام الذي أسسه حافظ أسد
استند النظام على كتلة صلبة شكّلت نواة شديدة التماسك تدير مفاصل الدولة، ومعها المجتمع الذي كان يُراد منه الوصول إلى التجربة الكوريّة الشماليّة بتحويله إلى مجموعات بشريّة مغلقة، ومنضبطة، ومطواعة، وبهذا أسس حافظ أسد الدولة الموازيّة على شكل جهاز ذاتي القدرة يحوي مؤسسات الدولة السياديّة، التي توجّه وترافق باقي أشكال الدولة الرسميّة التي انحصرت في الخدمات الأساسيّة للمجتمع، بينما استأثرت الدولة الموازيّة بكل السلطات الفعليّة ضمن ثلاثيّة:
- شخص القائد: تأليه ذات (القائد) كمهمة رديفة لِـمهمّة أجهزة الأمن والدفاع الأساسيّة في حفظ استقرار النظام، إذ تقوم الأجهزة المذكورة بِـالإشراف على عمل منظومة الدولة الإعلاميّة والاقتصاديّة والسياسية بشقيها الداخلي والخارجي.
- حكم العائلة: إسناد المناصب الحساسة في الدولة الموازيّة إلى عائلة آلـ أسد ليقودوا دون أيّ كفاءة أو خبرة أو وطنيّة الأجهزة السيادية المفتاحيّة في الاستخبارات والحرس الرئاسي ومفاصل الاقتصاد ومنها النفطية تحديدًا.
- منظومة الاستخبارات “جهاز الأمن القومي”: التي اعتمدت على ستة أجهزة رئيسة تتفرع عنها شبكات السيطرة والضبط الأمني، ومنها مكتب الأمن القومي التابع للسكرتارية العامة لحزب البعث السوري، إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، المخابرات العسكريّة، المخابرات الجويّة، شعبة الأمن السياسي التابعة اسميًّا لوزارة الداخلية، وأيضًا تشكيلات رديفة[2].
بالاعتماد على نواته الصلبة تمكّن النظام من نقل عهدته من حكم الأب إلى الوريث الابن، لكنّه فقد كاريزما القائد بسبب شخصية بشار المختلفة عن والده ليستبدلها بتوسيع صلاحيات الدائرتين الثانية والثالثة من النظام (حكم العائلة، ومنظومة الاستخبارات)، التي تسببت بِـ إخراج البلاد من سيطرة النظام، وتهشيم الدولة وتحويلها لقواطع أمنيّة تديرها عصابات، وهذا ما تجلّى في عدم قدرة رأس النظام معاقبة ابن خالته المسؤول في شعبة الأمن السياسي عاطف نجيب[3]، وعاقب بدله الشعب بأن حرك الجيش خارج الثكنات، وأغرقه في حرب، فككت البلاد، وحولت الجيش إلى مليشيات، وفلول استخباراتيّة تهدد سلام المدنيين وأمنهم، ومعهم الإقليم والعالم بأسره.
نقاط التشابه بين النظام السوري وباقي أنظمة المنطقة
سيطرة التجييش العقائدي والتفكير الإيديولوجي على العقل الجمعي للمجتمع كان سمة الأنظمة الشموليّة، من خلال الترويج المبرمج لنظرية الاستهداف الإمبريالي (الشرير) لكيان الأمّة ووجودها، وهو شيء يشابه نظرية التأطير التي أنتجها العقل الدعائي النازي تحت إشراف جوبلز[4]، وبهذا لم يكن الوضع في سوريّة مختلفاً عن باقي الدول المحكومة بأنظمة السبعينيات التي استطاعت الحفاظ على تماسك نواتها الصلبة مدة نصف قرن تخللته أحداث دولية كبرى منها سقوط جدار برلين، وانهيار مجلس السوفييت الأعلى، ومعه الفكر الشمولي الذي اختزل وجود الأمّة والشعب بشخص القائد، لهذا كان أيّ استهداف لشخص الحاكم، هو استهداف لوجود الشعب ويقتضي بموجبه تدخل المجتمع الأمني[5] كاملًا للقضاء على أيّ ظاهرة لِلتمرد.
بناءً على عقلية تأطير المجتمع الأمني استطاع النظام العربي الاستمرار، وبنى سيطرته على كونه كيان يفكّر بعقلية واحدة داخل نُظم إقليميّة متعددة وظهر هذا خلال التطابق في طريقة الردّ على الحراك المدني الديمقراطي لِلشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريّة واليمن، مع وجود فوارق في التنفيذ لعمليات القمع العشوائي وإطلاق اليد الحديدية.
الآن وبعد تفكك المنظومة الأمنية وانهيارها في الدول المذكورة أعلاه (عدا تونس التي لا يزال فيها إمكانيّة انتقال ديموقراطي بكلفة أقل) ظهر نظام جديد هو العسكرة المبنية على عقلية قيادات أمن غير مقيدة بدستور، ولا يوجد ضابط أو محدد لتصرفاتها فازداد الأمر سوءاً عن سابقه بحيث تحول الجيش إلى قوّة منفلتة غير منضبطة، ولا نظامية، تسعى لفرض هيبتها ووجودها، عبر عمليات تطهير واسعة، ودون محاكمات. وقد يكون هذا ما يمارسه الجهاز الأمني في كل الدول العربية، فَـ “الأُطُر الدستورية في هذه الدول مفكّكة والميدان السياسي يشهد استقطاباً حادّاً، الأمر الذي يمنع بروز التحكم الفعّال لقطاعات الأمن[6]“.
إنّ إصلاح القطاع الأمني يبدأ بِفرض حالة استقرار مجتمعي، وإن كان جزئياً، يسمح بعودة الحياة إلى مؤسسات الدولة التي تشكل أحد أوجه المجتمع الأمني السابق، وهي المنظمات غير المفوضة بِاستخدام القوّة، كهيئات الإدارة المدنية والرقابية، والمؤسسات العدلية الخاصة بتطبيق القانون، مسنودة بوجود محدود قابل للزيادة مع مرور الوقت لجهاز ناشئ من الشرطة المجتمعية ذات الوجه الأقرب لبيئة المجتمع الذي توجد فيه، وهنا يصبح الوصول إلى ما بعد حالة العسكرة والاستقطاب المطلق ضرورة أولى في إعادة هيكلة الجهاز الأمني/الدفاعي وتنظيمه كجزء من منظومة مجتمعية تميل إلى التخلّص مِن فكرة الاستبداد والقتل والفلتان التي أسست لها ورعتها أنظمة بَنَت وجودها على إرهاب المجتمع من ذاته، وتحريض المكونات بعضها على بعض إذ يعدُّ هذا الأسلوب الضامن الوحيد لبقائها في سدّة السلطة المطلقة.
أوليّات إصلاح القطاع الأمني في سوريّة
ما ينطبق على كل بلدان النزاعات الدموية ينطبق على سوريّة كبلد يشهد نزاعاً مسلحاً فرضته ممارسات أمنية وحشية وصلت سمل العيون ونزع الأظافر والشيّ بالنار، ناهيك بالقتل الجماعي، وهذا يحتاج مرحلة إعادة تأهيل وطني داخل الذاكرة الجمعية للمكونات المتضررة من ممارسات قطاع الأمن والدفاع في فترة من الفترات، ويمكن أن نأخذ ألمانيا مثالاً عن معاناتها شرطة الدولة السريّة (النازيّة) (Gestapo)، واحتاجت سنوات بعد محاكم نورمبرغ لإنشاء أوّل جهاز أمني تحت مسمى “وكالة الاستخبارات العسكرية الاتحادية” مطلع 1956م[7].
“تطلّب إعادة تأهيل قطاعات الأمن وإصلاحها مقاربة غير متحزِّبة، تعتمد التوصّل إلى توافق معقول حول مكوّنات النظام الاجتماعي، وحول مبادئ الاقتصاد العادل المقبول. في غياب ذلك، لن يكون للمساعدة التقنية والتدريب اللذين يُطرحان روتينياً في برامج الإصلاح من قيمة تُذكر[8]“، وهنا تكمن ضرورة عمل الدولة الجديدة على تلافي الأخطاء أثناء ترميم أجهزتها الأمنيّة، والدفاعيّة وعند تطوير منظومتها الوقائيّة الداخليّة، والخارجيّة، ولكن تبقى خصوصيّة الحال السوريّة بحاجة إلى معايير خاصة لإصلاح القطاع الأمني في ظل بيئة مجتمعيّة مهشمة، وتكوين إثني وطائفي شديد التعقيد.
خطوات في تأهيل الأجهزة السياديّة الأمنيّة/الدفاعيّة السوريّة، واستعادتها تحت سلطة القانون
يتجه الحدث السوري إلى إنتاج حالة انتقال للسلطة، لا يمكن وصفها بالسلميّة بعد حمامات الدماء التي ارتكبها بالدرجة الأولى النظام ومساندوه الإقليميون والدوليون، ولكن يمكن أن تكون سياسيّة أو خارجة عن مفهوم التغير العنيف المفروض بالقوّة الخارجيّة، على أنّ هذا لا يعني أنّ يتم هذا الانتقال دون رعاية أمميّة قانونيّة، تساعد السوريين على تجاوز محنتهم، وتأهيل قطاعات دولتهم وخاصة الأجهزة السياديّة الأمنيّة والدفاعيّة، ومن الخطوات التي يمكن الاستناد إليها في الانتقال المتّزن، والمثمر بناءَ مؤسسات أمنٍ ودفاع وطنيٍ تحت سلطة فعليّة لِدستور دائم، يُراعي مقتضيات مصلحة البلاد العليا، ويصون أمن الدولة القومي اعتماداً على القانون الدولي وحقوق الإنسان المتعارف عليها في المنظمات الدوليّة المعتبرة، التي يجب أن تراقب الخطوات الأساسيّة في بناء الدولة الجديدة ومنها:
- تفكيك الدولة الموازية عبر إزالة نواتها الصلبة (رأس النظام، وحكم العائلة) وتوحيد الأجهزة الأمنية والدفاعيّة ضمن قطاع خدمة وطنية خاضع لِـلعدالة الدولية والمحاسبة الدستوريّة وحقوق الإنسان، ما يهيئ المجتمع لِتقبّل وجود (جيش وأمن وطنيين) نواته قوات نظاميّة منضبطة.
- إصلاح القطاع القانوني بكل مفاصله التشريعية والتنفيذية ضمن دستور ذي معطيات تراعي الواقع الذي فرضته الحرب الداخلية، والعدوان الخارجي الممارس على الشعب السوري.
- تطهير الأجهزة الأمنية، وعموم المجتمع العسكري من العناصر غير المنضبطة ومن الذين تلوثت أيديهم بالدماء، والابتداء بتطهير طوق العاصمة باعتباره المركز الأساسي، الذي من خلاله يمكن تحصين نواة الدولة الجديدة، وقطع أذرع النظام السابق عن القيام بأيّ خطوة استباقيّة تسمح باستباحة العاصمة، وكل مراكز المدن والأرياف على غرار الحالة التي اِرتُكِبَت في العراق بما عُرف بأحداث 2006/2007 الطائفيّة.
- حلّ المليشيات العسكريّة وشبه العسكريّة الموجودة على أراضي الجمهوريّة، ويكون هذا باتِّباع خطوات تعمل على تفكيك قدرات المليشيات، ومن ثمّ تثبيط نشاطها، وشلّ قدرتها على الحركة، قبل إعلان قرار حلّها، خشيّة من انفلاتها وصعوبة السيطرة عليها عند قرار الحلّ، ويمكن وضع خارطة طريق لهذا تبدأ قبل إقرار صياغة النظام التشريعي والتنفيذي العام والكامل في البلاد، ويكون هدفها التنفيذ تحت سلطة وآليّة دوليّة تسمح بالمتابعة والتنفيذ الحذر المسؤول، ومن هذه الخطوات:
آ- إنشاء وحدة وقائيّة مهمتها الاستطلاع والمتابعة القانونيّة والأمنيّة تُكلف بِوضع مخطط يصف المليشيات، وأعدادها، وأماكن نشاطها، ومصادر تمويلها، وتبعيتها، وهيكليتها التنظيميّة، وقدراتها اللوجستيّة، والقتاليّة.
ب- وضع جدول زمني محدد لتاريخ بدء عمليات الحلّ، وانتهائها.
ج- تحديد نوع الوحدات العسكريّة والاستخباراتية والداعمة، وكذلك المنظمات القانونيّة الرقابيّة المشاركة في عمليات الحلّ واستلام السلاح أو مصادرته بالقوّة في حال رفض أيّ مليشيا الخضوع للقرارات.
د- وضع خارطة طريق تضمن أمرين رئيسين: أولهما ملاحقة وعدم ترك المتورطين بانتهاكات ونشاطات إجراميّة لما يشكلونه من خطر وقدرة على إعادة تنظيم أنفسهم ضمن مجموعات أخرى قد تكون أشدّ خطورة مما تمّ حلّه. وثانيهما مرافقة عمليات الحلّ لعمليات تأهيل نفسي للعناصر والقيادات التي لم يثبت تورطها بانتهاكات، ودمجها ضمن قطاعات خدميّة مدنيّة أو حتى عسكريّة نظاميّة في الدولة الجديدة، وهذا بهدف ضمان ولائها وفصلها عن الخلايا الإجراميّة التي قد تستغل حالة الفراغ المعيشة بعد إنهاء أدوارها السابقة.
ه- تجفيف المصادر الماليّة للميلشيات وهذا باستصدار قانون يمنع الدول الخارجيّة من تمويلها، وكذلك العمل على تفكيك شبكات التمويل الذاتيّة التي تعدّ أشدّ خطورة من التمويل الخارجي، وهذا عبر ملاحقة الأصول الثابتة والسائلة لهذه المليشيات، ونعطي مثالاً لما يحدث في مرفأ بانياس من عمليات تهريب ونقل سوداء ترعاها مليشيات الحرس الثوري الإيراني بهدف تمويل ذاتها وأيضًا تمويل العصابات التي تعمل تحت أجنداتها على الأراضي السوريّة وفي دول الجوار.
و- أمّا الأهم الذي يعدّ حجر أساس لكل ما سبق من خطوات، الوصول إلى قناعة أنّ النظام الذي أسس ورعى، وموّل كل هذه المليشيات، وحماها داخليًّا ودافع عنها في المحافل الرسميّة الدوليّة وعدَّها قوات تحرير، هو أصل البلاء، ويمثل عصابة لا دولة، وقرار التخلص منه يجب أن يكون حاضراً في ذهنيّة أيّ سلطة شرعيّة دوليّة ستعمل على حل المليشيات وإعادة دمج بعض عناصرها في البيئات الاجتماعيّة المسالمة.
- إجراء فصل كامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإخضاع الجميع لرقابة دولية مشددة ضمن فترة انتقالية محددة تهدف لوقف نزيف الدم وتسعى لإعادة السلاح كاملاً لسلطة شرعية خاضعة للقانون والمحاسبة.
إنّ وصول البلاد إلى منظومة “حكم رشيد ضمن قطاع الأمن المحكوم بمبادئ الديمقراطية، وتتحكم به السلطات مدنية، ويعمل وفقاً لنهج بناء السلام نحو الأمن”[9]، لا يمكن عزلها عن أمان واستقرار الإقليم، والعالم، بما تحمله سوريّة من إرث تاريخي، وحضاري، وموقع جيواستراتيجي، يجعلها ممرّاً ثقافياً إجبارياً يحمل بُعداً روحياً قداسياً، واقتصادياً تنموياً استثمارياً وخصوصاً في خطوط نقل الطاقة، وأنابيب الإنتاج العالمي.
إنّ ما يقتضي، ويحتّم إقرار حقوق الشعب السوري في اختيار قياداته، وإدارته، وممثليه الشرعيين، وكذلك ملاحقة كل المتورطين بابتلاع، وتهديم دولته هو حاجة المجتمع الدولي إلى السلام المفقود نتيجة اختلاف الرؤى الدوليّة حول شرعيّة، أو عدم شرعيّة، أو ضرورة أو عدم ضرورة بقاء نظامٍ هَرِمٍ، هشٍ، طائفي، كان منذ نشأته السوداء الفاعل الرئيس في كثير من ملفات الاضطراب وضرب الاستقرار الدولي الذي تضرر بموجات الهجرة غير المقننة، وكذلك بروز الحركات والتنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها التنظيمات التي ترعاها إيران، بفعل إجرام وتنسيق النظام القمعي القائم في العاصمة المستباحة دمشق، مع كلّ الأنظمة التي تشبهه.
المراجع
[1]– https://bit.ly/2S78bKpجيرون: سورية ما تزال تُحكم بالمادة 8 من دستور 1973. ميشيل شمّاس. 2017.4.20.
[2]– https://goo.gl/UBFD11 // عمران للدراسات: الأجهزة الأمنية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي. شوهد 2017.8.16.
[3]– https://goo.gl/oUizkJ // زمان الوصل، بيانات رسمية عن عاطف نجيب وأديب ميالة ووليد المعلم. نشر 7.10.2015مـ.
[4]– https://goo.gl/BBBRYU // راديو بيتنا، التأطير وخطف العقول العربية. 27.1.2016مـ.
[5]– المجتمع الأمني حسب تعريف نيكول بول في مقال الحوكمة الديمقراطية في قطاع الأمن هو: “مجموع الجھات الفاعلة صاحبة التأثير على أمن الدولة وشعبها، وتتضمن الجھات الفاعلة الرسمية ضمن المجتمع الأمني قطاع الأمن”.
[6] – يزيد الصايغ مقال “معضلات ضبط الأمن في الدول العربية التي تخوض مراحل انتقالية”.
[7]– https://goo.gl/ziDjd6 // المركز الأوربي لدراسة الإرهاب والاستخبارات/ الاستخبارات الالمانية. نشر 19.7.2017مـ.
[8]– يزيد الصايغ مقال “معضلات ضبط الأمن في الدول العربية التي تخوض مراحل انتقالية”.
[9]– نيكول بول في مقال الحوكمة الديمقراطية في قطاع الأمن.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.