قالت مصادر دبلوماسية فرنسية رفيعة: إن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” دخل “بقوة” على خط الأزمة في لبنان، وذلك نقلا عن صحيفة “الجمهورية” اللبنانية.
وأفادت المصادر، أن “ماكرون” بصدد إيفاد مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالخارجية الفرنسية، “كريستوف فارنو” ، إلى بيروت.
باريس لن تكتفي بالمراقبة
وأضافت أن باريس: لا يمكنها الاكتفاء بالمراقبة دون أن يكون لها دور في تقريب وجهات النظر، وتسهيل المشاورات الجارية، وصولا إلى استعادة المؤسسات الدستورية دورتها الطبيعية.
وتابعت أن السفارة الفرنسية باشرت التحضير للقاءات “فارنو”، التي يتوقع أن تشمل روؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة (المستقيل)، وعددا من الشخصيات اللبنانية المؤثرة.
ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول- أكتوبر الماضي، تحركا شعبيا غير مسبوق شل الحركة بالبلاد، للمطالبة بمحاسبة الفاسدين والطبقة السياسية الحاكمة.
وتحت ضغط الاحتجاجات، استقال سعد الحريري من رئاسة الحكومة في نهاية الشهر الماضي، وسط مطالبات شعبية بتسريع خطوات تشكيل حكومة جديدة.
تراجع أولوية لبنان
لا تزال فرنسا تنظر إلى لبنان بوصفه موطئ القدم الأقوى لها في المنطقة، على الرغم من القناعة أنّ التعقيدات في المنطقة عموماً تجعل الأولوية اللبنانية تتراجع إلى مراتب ثانوية، لا سيما مع تمدد النفوذ الإيراني عموماً في المنطقة، وصعوده بشكل خاص في لبنان عبر “حزب الله”.
ويعتبر الدور الفرنسي في لبنان حاضراً منذ عقود، ومنذ ما قبل وجود لبنان، الدولة المعروفة اليوم. فباريس كانت راعية أساسية لما عرف سابقاً بمتصرفية جبل لبنان. ولعلّ هذه الرعاية هي التي منحتها صفة “الأم الحنون” التي يطلقها عليها المسيحيون في لبنان، وخصوصاً الموارنة، بما أنها كانت أيضاً لاحقاً خلف إنشاء دولة “لبنان الكبير” بأغلبية مسيحية، وفصله عن سورية.
كل هذا يؤكّد حقيقة أنّ الدور الفرنسي في لبنان، ليس تفصيلاً تاريخياً، بل أساسي في طريقة تعاطي الدول الأوروبية معه. ففرنسا لم تغب يوماً عن الأزمات اللبنانية، رغم أنها انتقلت بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، إلى دور يحاول إنجاح التجربة اللبنانية وتعزيزها، بعد أن كانت سابقاً طرفاً.
الطائف
كذلك، ورغم أنّ اتفاق الطائف السعودي الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، وقّع برعاية سورية وأميركية، لكنّ الدور الأهم فيه كان لفرنسا التي مهّدت له، خصوصاً أنّ رجل السعودية في لبنان وقتها، رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، كان في تلك الفترة أيضاً يعبّر عن موقف فرنسي، نظراً إلى علاقاته القوية معها. ولهذا سبق اتفاق الطائف بأعوام، مؤتمرا جنيف ولوزان، اللذان يعتبران اللبنة الأولى للطائف.
ونجحت فرنسا في مرحلة ما بعد الطائف في محاولاتها لإنجاح التجربة اللبنانية، ولعبت أدواراً في مختلف القضايا، ولا سيما في ما يتعلّق بالصراع مع إسرائيل والحروب المتتالية في هذا السياق والقرارات الدولية التي تبعتها، مثل تفاهم نيسان (1996) الذي أنهى اعتداءً إسرائيلياً على لبنان، والقرار 1701 (2006) الذي أنهى ما يعرف بـ”حرب تموز”. كما كان لباريس مشاركات اقتصادية في لبنان، وخصوصاً في مراحل إعادة الإعمار، إذ استضافت مؤتمرات “باريس 1″، و”باريس 2″، و”باريس 3”.
الحريري الأب
لكنّ اغتيال رفيق الحريري عام 2005 شكّل ضربة للحضور الفرنسي في لبنان، على الرغم من الدور الذي لعبته قبل الاغتيال في إصدار القرار الدولي 1559 (سبتمبر/أيلول 2004)، أو بعد الاغتيال عبر إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تنظر في قضية اغتيال الحريري ورفاقه، وصولاً إلى محاولة التوفيق بين الأفرقاء على الساحة اللبنانية بعد الانسحاب السوري من لبنان، والذي توّج بمؤتمر “سان كلو” في العام 2007.
وعادة ما يتحرّك المجتمع الدولي تجاه لبنان عبر فرنسا. وثمّة شبه إجماع دولي على أنّ باريس قادرة على لعب دور الوسيط في الساحة اللبنانية، وقد أوكلت إليها هذه المهمة مراراً.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.