بعد الأنباء المتضاربة بشأن نجاح أو فشل الملء الثاني لـ”سد النهضة”، وتوقف الوساطات الدولية والإقليمية لحل أزمة السد الإثيوبي، دخلت الجزائر على خط الوساطة لحل الأزمة واقناع الجميع بتقديم تنازلات من شأنها خفض حدة التوتر والتصعيد، في ظل التحذيرات المستمرة من فيضاناتٌ كارثية قد تضرب السودان.
الوساطة الجزائرية جاءت بطلب إثيوبي بعد نجاح الجزائر سابقاً في حل أزمة إثيوبيا وأرتيريا، اذ تراهن “أديس أبابا” على حنكة الدبلوماسية الجزائرية التي باتت لها مصداقية ولا سيما أن الأزمة موجودة في أفريقيا التي تعد الجزائر نفسها معنية بها، وتأتي في إطار إرجاع المفاوضات بين السودان ومصر وإثيوبيا إلى مظلة الاتحاد الأفريقي.
وكان وزير الخارجية الجزائري “رمضان لعمامرة” أكد في وقت سابق، أن “الجزائر تعتقد أن الظرف والوضع فيما يتعلق بالعلاقات بين دول حوض النيل، وخاصة مصر وإثيوبيا والسودان تمر بمرحلة دقيقة”، مؤكداً أن “موقف الجزائر ثابت وحريصة على ألّا تتعرض العلاقة الاستراتيجية والمتميزة بين الجانبين العربي والأفريقي لأخطار بغنى عنها”.
كما نجح المسؤول الجزائري “لعمامرة” في جولته الأخيرة في تحريك الوضع للقيام بدور مباشر مع الأطراف المعنية، اذ تؤكد المصادر أن السودان ومصر وافقتا مبدئياً على المبادرة، وتعهدتا بإبداء المرونة تجاه الأفكار التي قد تساهم في التوصل إلى اتفاق.
الموقف المصري..
الرئاسة المصرية من جهتها أصدرت بيانا بعد زيارة وزير الخارجية الجزائري الذي حمل رسالة من الرئيس “عبد المجيد تبون” للرئيس “عبد الفتاح السيسي”، مشددة على أن “موقف القاهرة ثابت بالتمسك بحقوقها التاريخية من مياه النيل والحفاظ على الأمن المائي، والانخراط في عملية تفاوض للتوصل لاتفاق ملزم بشأن تعبئة سد النهضة”.
وفي هذا السياق لفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة “طارق فهمي”، إلى أن “الجزائر تمتلك معطيات كبيرة للتعامل مع ملف سد النهضة بكل جدية، وقادرة على تحريك المياه الراكدة في المفاوضات، “مؤكداً أن “الجزائر دولة هامة في النطاق الإقليمي على المستويين العربي والإفريقي، وحصلت على الضوء الأخضر من الأطراف الثلاثة للتحرك بملف سد النهضة، وممارسة دور وسيط، أو تطرح رؤية ومبادرة جديدة تعرضها على الاتحاد الإفريقي”.
“فهمي” أضاف أن “حرص الجزائر على العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين العربي والإفريقي يعني أن ملف سد النهضة دولي، وتمتلك المعطيات لممارسة دور حقيقي داخل الاتحاد الإفريقي والنطاق العربي”، موضحاً أن “القاهرة استنفذت كل الجهود والتحركات داخل الاتحاد الإفريقي بشأن ملف سد النهضة، ولم يعد لديها ما تقدمه في ظل الضغوطات التي يمارسها الطرف الآخر على الأطراف المعنية”.
يشار إلى أن وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” قد باشر جولة الى عدد من الدول الافريقية استهلها بتونس قبل أن ينتقل الى كل من اثيوبيا والسودان ومصر، مؤكداً أنه “من الضروري توصل الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا إلى حلول مرضية في ملف سد النهضة الإثيوبي”.
وسبق للجزائر، أن لعبت دورا محوريا في عودة مصر إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2014 بعد عام من تعليق عضويتها، غداة عزل الرئيس السابق، محمد مرسي وهو ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي يزور الجزائر كأول وجهة خارجية له بعد توليه رئاسة مصر.
ترحيب سوداني.
في المقابل، رحبت وزيرة الخارجية السودانية “مريم الصادق المهدي” بالمبادرة التي قدمها الوزير، رمطان لعمامرة لحل أزمة سد النهضة”، موضحة “أن المبادرة تأتي متوافقة مع إعلان المبادئ الموقع بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا”.
وتوقع الكاتب السوداني “عمر صديق”، نجاح المساعي الدبلوماسية الجزائرية لتسوية أزمة سد النهضة التي تأتي في إطار إرجاع المفاوضات بين السودان ومصر وإثيوبيا الى مظلة الاتحاد الإفريقي، موضحا أن “نجاح المبادرة يعود إلى الظروف الحالية المواتية للاتفاق بين دولتي المصب، مصر والسودان مع إثيوبيا دولة المنبع، خاصة أن الملء الثاني من السد لم يكتمل كما كان مخططا له وهو ما يعني أن إطالة فترة ملء السد وتشغيله ستكون في متناول اليد”.
بدوره، أكد المتحدث المفوض بملف سدّ النهضة بوزارة الخارجية السودانية “عمر الفاروق” أن “بلاده تتمسك بضرورة التوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة، وموقف الخرطوم الثابت”، موضحاً أن “الوصول لاتفاق قانوني ملزم، هو موقف السودان منذ بداية التفاوض في العام ٢٠١١”.
وتعتبر إثيوبيا “سد النهضة ” مشروعاً حيوياً لنموها الاقتصادي، بينما تتخوف مصر من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه نهر النيل، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب.
المبادرة الجزائرية والمادة ١٠..
حول نتائج جولة المفاوضات الجديدة، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لوسائل الإعلام، أن: المبادرة الجزائرية للتوسط في قضية سد النهضة تستند على ايجاد ارضية للتوافق بين الدول الثلاث مصر، السودان واثيوبيا، لتفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ المبرم في مارس 2015 والذي سيفتح باب الوساطة الملزمة”.
وأفادت المصادر الدبلوماسية، بأن الجزائر” تعمل لإقناع الدول الثلاث باتباع هذا المبدأ كحل ممكن ووحيد للقضية، على أن تشارك الجزائر في حال الحاجة إليها في فريق متعدد الدول أو الجهات، لاقتراح الوساطة الملزمة، أو أن تسهل اتفاق الدول الثلاث على وسيط وحيد”.
يشار إلى أن المادة العاشرة من اتفاق المبادئ يفتح باب الوساطة الدولية الملزمة، لكنه يتطلب “اتفاق الدول الثلاث على ذلك”، وهو ما لم يتوفر رسميا في أي مرحلة سابقة من النزاع، لأسباب عدة.
وتوضح المصادر الدبلوماسية المصرية، أن “رئيس الدبلوماسية الجزائرية، يسعى الى إيجاد مساحة توافق تجعل الدول الثلاث تستقر على تفعيل المبدأ العاشر، على أن يتم ذلك في صورة لقاءات ثلاثية مباشرة بحضور الجزائر وممثلي الاتحاد الأفريقي على المستوى الوزاري والرئاسي أيضا، مع عرض استضافة الجزائر هذه اللقاءات لتسهيل التباحث وتخفيف الحساسيات”.
الفيضانات ونقص المعلومات..
التعنت الاثيوبي والمراوغات لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، دون التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم، مازال يشكل تهديداً حقيقياً للسودان، اذ أكدت إدارة الدفاع المدني في السودان بأن نهر النيل بدأ الأحد الخروج التدريجي من مساره الطبيعي، في إشارة إلى بداية موسم الفيضان”، داعية “المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع فيضانات هذا الموسم”.
ونشر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لفيضان النيل بولاية الخرطوم، رغم محاولات منع المياه من التسرب نحو إحدى المناطق في الولاية، تُظهر تجاوز مياه النيل حواجز ترابية كانت قد وضعت لحجز المياه في حال فيضان النهر في منطقة أم دوم بمحلية شرق النيل التابعة لولاية الخرطوم.
مدير الإدارة العامة للدفاع المدني السوداني كشف يوم السبت الفائت عن أن منسوب نهر النيل في السودان بلغ مرحلة الفيضان، وأن اليوم سيشهد البداية التدريجية لخروج المياه من المجرى الرئيس للنيل وروافده، داعيا المواطنين لأخذ الحيطة والحذر.
وأكدت وزيرة الخارجية السودانية، الدكتورة مريم الصادق، أن نقص المعلومات عن تدفقات سد النهضة يعتبر تهديدا وشيكا لمحطات توليد الكهرباء بالسدود السودانية، والتعنت الإثيوبي بمواصلة ملء سد النهضة تتمثل في موضوع سلامة السدود السودانية، ولا سيما سد الروصيرص، بالإضافة إلى أن معاش 20 مليون نسمة يقيمون على طول ضفاف النيل الأزرق ونهر النيل ويعملون بالزراعة الفيضية، ستكون عرضة للتغيير”.
كما لفتت “الصادق” إلى أن “عدم وجود بيانات ومعلومات تفصيلية عن التدفقات اليومية وانسياب المياه القادمة من سد النهضة يمثل تهديدا وشيكا لمحطات توليد الكهرباء في السدود السودانية وعلى نظم الري والتخطيط للزراعة، فضلاً على الأضرار البيئية والاقتصادية والملاحة النهرية”.
الوزيرة السودانية أشارت إلى أن بلادها أقرت بحق أديس أبابا في الاستفادة من مواردها المائية منذ بداية التفاوض بشأن سد النهضة في منتصف عام 2011، لكن الفوائد المتوقعة منه ستتحول إلى مهددات في ظل عدم الوصول إلى اتفاق ملزم قانونا ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة.
يذكر أن إثيوبيا أنهت في 20 من يوليو/ تموز الماضي المرحلة الثانية لملء السد، ولم تفصح عن كميات المياه التي تم تخزينها، وكانت قد أعلنت من قبل أن الكمية المستهدفة في الملء الثاني في حدود 13.5 مليار متر مكعب.