تأتي العقوبات الأمريكية الجديدة ضد شخصيات في الحرس الثوري الإيراني، لتعيد الحسابات حول سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الملف الإيراني، وتشير إلى أن سياسة العقوبات الاقتصادية لا تزال مطروحة في البيت الأبيض، على الرغم من تبدل ساكنيه، وفقاً لما يراه محللون سياسيون.
وكان البيت الأبيض قد أعلن عن فرض عقوبات على محققين اثنين في الحرس الثوري الإيراني، وهما “علي همتيان”، و”مسعود صفداري”، بتهمة التورط في انتهاكات ضد حقوق الإنسان، والتي تشمل تعذيب معتقلين وارتكاب ممارسات لا إنسانية ضدهم، وفق ما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية.
مؤشرات على نهج ترامب
العقوبات الحالية وبحسب ما تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية، لن تكون الاخيرة ضد شخصيات في النظام الإيراني، لافتةً إلى أن وشنطن ستبقى مستمرة بمناقشة كافة الأدوات المناسبة لفرض عقوبات على كل المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات هناك.
كما تشدد الخارجية في بيانها على أنها ستواصل العمل مع شركائها لتعزيز المساءلة عن مثل هذه الأفعال، بالإضافة إلى أن واشنطن مستمرة في دعم حقوق الناس في إيران وستطالب الحكومة بمعاملة شعبها باحترام وكرامة.
يشار إلى أن النظام الإيراني تعرض لسلسلة طويلة من الانتقادات على خلفية ارتفاع معدلات أحكام الإعدام بحق ناشطين مدنيين وشن حملات اعتقال واسعة بحق معارضين، خلال موجة الاحتجاجات التي شهدته معظم مناطق البلاد منذ تشرين الثاني 2019، والتي لا تزال مستمرة على خلفية سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبلاد.
من جهته، يعتبر الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “معتز الشنيور” أن العقوبات الأمريكية الأخيرة تتجاوز فكرة محاسبة إيران على سجلها الحقوقي والإنساني، إلى إيصال رسالة للنظام الإيراني، بأن عصا العقوبات لا تزال مسلطة عليه، وأن ذهاب “ترامب” لا يعني تغييراً جذرياً في سياسات واشنطن تجاه إيران، مشيراً إلى أن العقوبات لن تتوقف عند حد الملف الحقوقي وإنما قد تمتد إلى ملفات أخرى كالملف النووي والصاروخي وملف الهجمات ضد القواعد الامريكية.
ويضيف “الشنيور”: “العقوبات الحالية يمكن اعتباراها طلقة تحذيرية من واشنطن لطهران، هدفها إيصال رسالة عامة للقيادة الإيرانية، خاصةً وأنها تطال أشخاص وليس مؤسسات أو هيئات”، لافتاً إلى أن إدارة “بايدن” منذ وصولها إلى الحكم في البيت الأبيض، تسعى إلى عدم الوصول إلى إجراءات تصعيدية كبيرة مع إيران، وإنما إيصال رسائل عبر خطوات صغيرة ومحدودة.
الملف النووي في المشهد
على الرغم من أن العقوبات لا تتعلق بالملف النووي، بحسب البيان الأمريكي، إلا أن المحلل السياسي، “ميلاد هدايتي” يؤكد أن ذلك الملف لا يمكن عزله عن أي تطور في إيران، خاصةً وأن مسألة البرنامج النووي الإيراني، يمثل أولوية ليس فقط لواشنطن وإنما للقوى الإقليمية والدولية، معتبراً أن الهدف من العقوبات الحالية هو إشارة الإدارة الأمريكية إلى أنها ستتخذ كل الإجراءات الممكنة لديها لحسم كافة قضايا إيران، وفي مقدمتها الملف النووي.
في السياق ذاته، وحول الملف النووي الإيراني، يكشف وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس”، أن بلاده وفرنسا وبريطانيا، بذلت قصارى جهودها للحفاظ على الاتفاق النووي السابق مع إيران، معتبراً أن الحفاظ على الاتفاق النووي أمر أساسي، ليس فقط لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، بل أيضاً لأنه سيوفر أساساً لمعالجة القضايا الملحة الأخرى، مثل برامج الصواريخ الإيرانية، أو سلوكها الإقليمي المزعزع للاستقرار.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد كشفت الأسبوع الماضي، أن إيران بدأت بتخصيب اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR – 2M في منشأة نطنز تحت الأرض، منذ مطلع آذار الجاري، لافتةً إلى أن المنشآت الإيرانية بدأن لعمليات الضخ لسادس فلوريد اليورانيوم الطبيعي في السلسلة الثالثة التي تضم 174 من أجهزة الطرد المركزي آي.آر-2إم.
من جهته، يصف مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، “حسين أمير عبد اللهيان” الاتفاق النووي مع الغرب أصبح شبه ميت ولم يبق منه سوى اسمه، مضيفاً: “إيران ليست عاجزة عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة ولن ننتظر الأطراف الأخرى حتى تتخذ خطواتها”.
تعليقاً على مسألة الملف النووي الإيراني، يقول المحلل السياسي “حسام يوسف”: “إيران أضاعت فرصة ثمينة لعقد اتفاق مع الغرب والخروج من أزمتها الاقتصادية، بعد البداية اللينة من إدارة بايدن، ولكن يبدو أن إيران أرادت أن تستغل تلك الليونة لطرح واقع معين وكسب نقاط قوة”، مشيراً إلى أن الأمور بدأت تتعقد بالنسبة لإيران من جهة عقد اتفاق جديد يلبي مطالبها.
كما يرجح “يوسف” أن تشهد الفترة المقبلة، المزيد من العقوبات الأمريكية على إيران، خاصةً مع تصاعد العمليات والهجمات التي تستهدف القوات الامريكية في العراق، لافتاً إلى أن القيادة الإيرانية ورطت نفسها باتخاذ خطوات تصعيدية ضد الولايات المتحدة.