هيئة التحرير
خلال جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، تمحورت أغلب المداخلات وخاصة تلك الخاصة بنواب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، حول انتقاد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، واتهامه بالتفرد في اتخاذ القرار وبالتعالي وبغيرها من الصفات غبر الحميدة. هذه الانتقادات الصادرة عن كتلة حركة النهضة بالأساس تشير إلى أن وتيرة الخلاف السياسي بين الرئيس التونسي، وحركة النهضة الإخوانية، قد زادت في الفترة الأخيرة، وسط تراشق بين كلا الطرفين بالاتهامات المتبادلة والتي وصلت حد “التخوين”.
إن هذا الصدام، ينبئ بأن المرحلة القادمة قد تخلق تحالفات تلقائية بين رئاسة الجمهورية، وقوى سياسية معارضة للإسلام السياسي بدأت ملامحه تتشكل وعناصره تجتمع. إذ أن سياسيون تونسيون قالوا إن الفرصة سانحة أمام الرئيس التونسي، لقلب الطاولة على الإخوان وكشف ملفاتهم الإرهابية.
وكان قيس سعيد، قد اتهم خلال افتتاحه لمستشفى عسكري بمحافظة قبلي الجنوبية، في رسائل مبطنة، حركة النهضة بنهب الأموال العامة، واصفاً سياسات زعيم التنظيم، راشد الغنوشي، بالفاشلة في إدارة الشأن العام.
وأضاف وقتها ان “الشعب قادر أن يسحب الوَكالة مِمن خان الأمانة”، متسائلا عن “أموال الشعب التي نُهبت على مدى عشر سنوات وعن مصير المليارات التي ضُخت يوم تنظيم الانتخابات”. وقد فجر هذا التصريح، أزمة جديدة بين الرئيس التونسي وراشد الغنوشي، بلغت فيها مستويات التطاحن بين الرجلين درجات متقدمة.
تدافع بين سعيد والغنوشي
ويرى محللون سياسيون أن هذا التدافع بين الرجلين تحركه رغبة كل طرف في الاستفراد بالمشهد السياسي وتحديد وجهة الخيارات الكبرى للبلاد. وقد برزت الخلافات العميقة بينهما بشكل جلي في قضايا شائكة مثل الموقف المتباين بينهما من الصراع الليبي ومن مسألة الامن القومي التونسي، ومن تركيبة القيادات الأمنية والفريق الدبلوماسي وخيارات تونس الخارجية.
فعلى طرفي نقيض، يقف قيس سعيد، وحركة النهضة بخصوص النظام السياسي، حيث لم يتردد سعيد عن رفضه لمنظومة الأحزاب القائمة بعد 2011 وفي مقدمتها حركة النهضة. ووفق مصادر مقربة من الفريق الاستشاري للرئيس سعيد، فإن تباين وجهات النظر وصل حد الاختلاف الحاد على تعيين قيادات أمنية على رأس وزارة الداخلية وفي مواقع حساسة في الوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب.
وقالت ذات المصادر إن قيس سعيد، يريد تعيين قيادات لها من الخبرة التقنية في محاربة الإرهاب، ولا يريد الدفع باتجاه تعيين أشخاص لهم ولاءات سياسية جانبية. هذا الخيار لا يخدم، حسب عديد المتابعين، مصالح “الجماعة” المتمرسة وراء جهازها السري الذي تم فضحه من قبل هيئة الدفاع عن الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين تم اغتيالهما في 2013. وزاد في عمق الخلاف ما كشفت عنه تقارير إعلامية حول لقاء سري جمع مديرة ديوان الرئاسة نادية عكاشة بقيادات أمنية جمدها وزير الإخوان علي العريض سنة 2013. هذا اللقاء الذي أكثر من مخاوف حركة النهضة وما يمكن أن يلعبه قيس سعيد في المستقبل القريب من دور سياسي، فضلا عن دوره في إغلاق المنافذ أمام استراتيجيات الغنوشي المشبوهة.
سعي النهضة إلى التمكن من مفاصل الدولة
تسعى حركة النهضة الاخوانية، السيطرة على وزارة الداخلية التونسية، وإغراقها بمختلف أشكال التمكين الإخواني من أجل طمس حقائق مرتبطة بملف الاغتيالات السياسية في البلاد. لكن الإخوان فشلوا مع سعيد في صنع نسخة ثانية من الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، الذي كان في موقع المطيع لرغبات الغنوشي السياسية.
ووفق مراقبين للحراك التونسي، فإن انتقاد قيس سعيد للأداء السياسي لحركة النهضة، جعله محل حملات تشويهية من الصفحات الافتراضية التابعة للإخوان. ووصلت هذه الحملات حد التهديد بدفعه على الاستقالة إذا واصل في نقده للغنوشي، كما صرح بذلك أحد بيادق حركة النهضة الإخواني في البرلمان سيف الدين مخلوف.
المحامي والناشط السياسي، حسن الدافعي، قال إن «قيس الذي أتى من خارج كل المنظومات الفكرية ومن خارج كل التجارب السياسية التقليدية في تونس، أصبح يثير الرعب داخل البيت الإخواني، وأصبح يخيف مستقبل راشد الغنوشي المنشغل بخلافات حزبه الداخلية».
وأضاف “الدافعي”، أن الفرصة قد تكون سانحة أمام الرئيس التونسي، لقلب الطاولة على الإخوان وكشف ملفاتهم الإرهابية التي يجتمع على وجودها أكثر من طرف سياسي وفكري من القوميين إلى اليساريين (حزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال) وصولًا إلى الأحزاب ذات المرجعية البورقيبية على غرار الدستوري الحر.
الإقصاء من الحكم يعني الملاحقة القضائية
تعيش حركة النهضة الإسلامية “رقصة الديك المذبوح”، على خلفية إقصائها من الحكم لأول مرة من ثورة يناير 2011، وباستثناء فترة حكومة مهدي جمعة بين عامي 2014 و2015، التي غادرت فيها النهضة الحكم باتفاق سياسي، فإن الحركة لم تتخلَ عن الحكم، وعززت مواقعها في الإدارة وصلب الدولة، وهو ما يفسر ردة الفعل المتشنجة الصادرة من قياداتها وحلفائهم.
كما أن حكومة التكنوقراط التي خطط لها رئيس الدولة قيس سعيّد، وشكلها رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي، دفعت النهضة غصبا إلى التموقع في المعارضة، وبالتالي خسارة جزء مهم من قواعدها.
ويرى محللون سياسيون، ان سياسة قيس سعيّد وموقفه من الأحزاب خاصة من النهضة، يزعجان الحركة الإسلامية، التي اعتادت تقاسم الحكم مع أطراف ضعيفة، وتعليق الفشل عليها، وذلك لأن رئيس الدولة يطمح إلى إقامة نظام سياسي قوي دون الأحزاب السياسية التي يعتبر أنها متجهة إلى الزوال. كما تخشى حركة النهضة المحاسبة، وأصبحت تستشعر الخوف من أن يكون إقصاؤها من الحكم تمهيدًا لملاحقتها قضائيًا في ملفات تواجه فيها اتهامات خطيرة على غرار ملف التسفير إلى بؤر التوتر، وصرف تعويضات طائلة من خزينة الدولة لقياداتها التي كانت قيد السجن، والقيام بتعيينات مشبوهة في مفاصل الدولة.
مع العلم أن أدبيات إخوان تونس، تكمن في أسلوب التمكين في مفاصل الدولة وردة الفعل العنيفة في حال استشعار خطر أو تهديد يطالها، وهو ما يفسر الانتقادات الحادة التي تشنها قيادات النهضة ضد رئيس الدولة.