تقرير يصف أوضاع إدلب اليوم.
- يتضمن:
- التغيرات الديموغرافية التي طرأت عليها بعد تحريرها؟
- الأوضاع الاجتماعية في ظل الثورة؟
- الوضع الحقوقي للمرأة والمغيبين؟
- حقوق الإنسان فيها؟
- الوضع العسكري وأمراء الحرب؟.
أولاً: التغيرات الديموغرافية؟:
منذ أواخر العام 2013 بدأت صفقات التهجير من مناطق القصير في حمص وبعض مناطق ريف دمشق. واستمرت في بلدات وادي بردى وتبعها اتفاق المدن الأربعة (مضايا والزبداني في ريف دمشق مقابل الفوعة وكفريا في ريف إدلب في نهاية شهر آذار 2017. وفي شباط عام 2017 انطلقت حملة قوات التحالف ضد داعش في محافظة الرقة، لتبدأ حملة نزوح كبيرة بعشرات الآلاف من مناطق الميادين والبوكمال ودير الزور باتجاه محافظة، إدلب ومناطق أخرى بنسبة أقل. يذكر أن موجات نزوح من العراقيين الفارين من أتون الحرب على داعش في محافظة الأنبار العراقية وبعدها من مدينة الموصل حيث إن عدداً غير قليل من العراقيين وصلوا إلى محافظة إدلب, واستقر بعضهم في مخيمات على الحدود مع تركيا حيث حاول بعضهم العبور إلى تركيا, وبعضهم لم يستطيع ومكث في تلك المخيمات.
في شهر كانون ثاني عام 2018 بدأت قوات نظام الأسد بغطاء جوي روسي حملة على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي الشرقي، لتشهد المنطقة موجة نزوح غير مسبوقة بلغ عدد نازحيها أكثر من مئتي ألف نازح من حوالي مئة قرية في تلك المناطق، وانتشروا جميعا في قرى وبلدات المحافظة ومخيماتها وخاصة بعدما أصبحت مدينة إدلب عاجزة عن استقبال أي نازحين جدد، فقد امتلأت عن آخرها.
في تلك الأثناء بدأ الجيش التركي نشر نقاط المراقبة العسكرية في ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي، وتوقفت العمليات العسكرية في تلك المناطق وبدأ عدد من النازحين بالعودة إلى مناطقهم التي لم يتقدم إليها جيش النظام، والبعض عادوا إلى قراهم التي استولت عليها قوات النظام.
في أواخر آذار 2018 بدأت عملية تهجير جديدة من الغوطة الشرقية ليتم نقل 2750 من حرستا إلى إدلب.
لقد تضاعف عدد سكان محافظة إدلب تقريبا وأصبحت مناطق الحدود أشبه ببحر من الخيام، وارتفعت أجور المساكن إلى أرقام لا يستطيع معظم السوريين تحملها، فقد وصل آجار بعض المنازل المتواضعة في القرى الحدودية إلى 300 دولار أمريكي. والأخطر من ذلك أن نسبة كبيرة من القادمين الجدد إلى إدلب هم إما أيتام فقدوا أحد أو كلا والديهم، أو أرامل غيب الموت أو الاختفاء القسري أزواجهن، والبعض الآخر من مصابي الحرب والعجزة. هذا الواقع الجديد شكل وضعاً إنسانياً كارثياً عجزت المنظمات الدولية والمحلية عن التصدي له.
ثانياً الأوضاع الاجتماعية في ظل الثورة؟:
تنتشر البطالة في مناطق إدلب بشكل مخيف بسبب تدمير البنى الاقتصادية من معامل وورش خاصة، وتضرر القطاع الزراعي من أثار الحرب وارتفاع أسعار المحروقات التي بات تأمينها هاجساً يقض مضاجع الكثيرين. وبسبب هذه الأوضاع هجر كثير من الأزواج عائلاتهم بالسفر خارج البلاد على أمل لم شمل عائلاتهم, حيث نجح عدد قليل منهم في ذلك، وبقيت آلاف الأسر بدون معيل. بعض الأسر أقدمت على تزويج بناتهم القاصرات كزوجة أولى أو زوجة ثانية بسبب الفقر والنزوح وانعدام فرص التعليم للفتيات.
في ظل اقتصاد أنهكته سنوات الصراع وتضخم سكاني غير مسبوق جعل محافظة إدلب أشبه بقطاع غزة، ظهرت معضلات اجتماعية كثيرة, فعدد الأرامل والمطلقات والأيتام يشكل نسبة كبيرة من تعداد السكان ممن يعتبرون غير منتجين, ويشكلون عبئا ثقيلاً على كاهل المجتمع. هذه الظروف المركبة اقتصادياً واجتماعياً أدت إلى ظواهر اجتماعية خطيرة، منها زواج القاصرات وارتفاع نسبة الطلاق التعسفي، ناهيك عن أن النسبة الأكبر من حالات الزواج والطلاق تتم خارج الإطار القانوني. فالفقر وانسداد الأفق دفع بكثير من العائلات لتزويج بناتهم وساعد على ذلك ارتفاع عدد الفتيات اللواتي تركن الدراسة.
من هذه المعضلات زواج عدد كبير من الفتيات بمقاتلين أجانب مجهولي الهوية والنسب وبدون وثائق زواج أو تسجيله في دوائر الأحوال المدنية. تلك الفتيات سرعان ما وجدن أنفسهن بلا أزواج، فإما قتل أو عاد إلى بلاده أو انتقل إلى منطقة أخرى حسب مقتضيات المعارك أو اختفى فجأة وترك زوجة حاملاً أو أمّاً لأطفاله، وربما انتقل إلى مكان آخر في الشمال والشرق السوري ليغير اسمه الحركي ويتزوج من جديد مؤسسا لكارثة اجتماعية أخرى في مكان آخر. وهذا شكل مشكلة نفسية واجتماعية لتلك النساء؛ فلا هن مطلقات ولا هن أرامل ولا يعرف مصيرهن من الناحية القانونية والشرعية والاجتماعية. لقد بلغ عدد الأطفال الناتجين عن هكذا زيجات 1826 طفلا وطفلة، نتجوا عن 1750 حالة زواج غير مسجل, وقد بلغ عدد النساء اللواتي أنجبن من هذه الزيجات 1124 امرأة حسب إحصائيات قامت بها جهات حقوقية، حسب ما أكد لي القاضي المستشار محمد نور حميدي الذي يقول: “بأن هذه الحالات من الزواج دون التعرف بشكل صحيح على أسماء هؤلاء الأزواج يجعل عقد الزواج باطلا شرعاً وقانوناً وفق ما هو مقرر شرعاً وقانوناً لصحة عقد الزواج”.
وإن أغلب حالات الزواج يشوبها عدم الاستقرار، لأن الزوج في حالة تنقل يصعب عليه أخذ أسرته، وبالتالي ينعكس سلباً على مستقبل الأطفال المولودين من هذه الزيجات فهم بحكم القانون مجردون من كل حقوقهم كالتعليم والإرث والنسب وغير ذلك, وأخطر ما في الأمر أن غالبية الأزواج قد أخفوا اسمهم الحقيقي وهذا ما يجعل الزواج باطلا لأن معرفة الاسم الحقيقي هو شرط من شروط صحة العقد.
وبينت الإحصائيات أن النسبة الأكبر من هذه الحالات منتشرة في محافظة الرقة وريفها. تلك أزمة ستمتد آثارها لعشرات السنين، فالطفل المجهول النسب سيكون تربة خصبة لميول إجرامية بسبب نظرة المجتمع إليه وإلى أمه. كثيرات هن اللواتي حاولن تسجيل أطفالهن لدى دوائر الأحوال المدنية دون جدوى. يذكر أن القانون السوري يمنح الجنسية للأطفال مجهولي الأب، ولكن هذا يحتاج لبيئة قانونية ووجود سلطات قضائية وتنفيذية ذات مصداقية.
ومن هنا أطلق ناشطون ومحامون حملة: “من هو زوجك؟”
هذه الحملة تهدف إلى توعية أهلنا في المناطق المحررة من ظاهرة تفشت وأصبحت تشكل خطراً لما يترتب عليها من نتائج لا يمكن التعامل معها مستقبلاً.
ثالثاً: الوضع الحقوقي للمرأة والمغيبين؟
حال باقي المؤسسات والنقابات والدوائر الحكومية، تعرضت المحاكم ونقابات المحامين ودوائر السجل العقاري والمحاكم للتخريب الناتج إما عن القصف والاشتباكات والغارات الجوية أو بعض حالات السلب والنهب والتخريب والحرق. فانعدام الأمن والخوف من الملاحقة من قبل النظام لمن وقف مع الثورة، ومن قبل الثوار لمن اصطف أو تعامل مع النظام بما يضر الثورة، دفع الكثيرين إلى الهجرة. فقد هاجر قسم كبير من القضاة والمحامين من المناطق المحررة إلى المناطق الخاضعة للنظام، وقسم آخر من هذه الشريحة هاجر إلى بلاد الشتات. كل هذا خلق فراغا خطيرا في السلطة القضائية مع فوضى رهيبة في السلطات العسكرية المهيمنة على المناطق المحررة. لقد أصبح صوت البندقية مهيمناً على صوت القانون، وراح كل فصيل مهيمن على منطقة يفتتح محاكم جديدة مبنية على مصالحه وإيديولوجياته الدينية، وأدخلت هذه الجهات رجال دين حديثي عهد بالقضاء والتشريع والأحكام وقانون الإجراءات. وتم استبعاد جميع رجال القضاء والقانون والمحامين تحت شعارات دينية تدين هؤلاء القضاة والمحامين بأنهم سيحكمون بغير شرع الله وأن علومهم هي عبارة عن قوانين وضعية تُعدُّ تعدياً على شرع الله. تعثرت خطواتهم كثيرا حيث إن بعض القضاة هم حتى من غير الدارسين للشريعة. وليضمن قادة الفصائل ولاء القضاء راحوا يقيمون لمن يدور في فلكهم دورة شرعية لمدة خمسة عشر يوماً، ليقوموا بدور قيادي في مجال القضاء. حاول الجهاز القضائي المفبرك أن يستر عورته عن طريق توظيف بعض خريجي القانون ليعملوا كتّاباً لدى القضاة الشرعيين مستغلاً وضعهم المادي علهم يشيرون عليه بما يجب فعله.
نادرا ما تحسم أي دعوة قضائية، فربما متخاصمان اثنان يقيم كل منهما دعوى على الآخر في محكمة له ارتباط بها، ويصبح كلاهما مدعياً ومدعى عليه، ولكن في محكمتين منفصلتين تتبعان لفصيلين متناحرين دون أي مراعاة لأحكام الاختصاص المكاني الذي يضبط أماكن التقاضي. هذه الفوضى جعلت الناس يحجمون عن التوجه للمحاكم للتقاضي، وبدلا من ذلك برز دور الوجهاء المحليين في فض النزاعات بالاعتماد على خليط من القانون والعرف والشرع بنسب تتفاوت من منطقة لأخرى. وضاعت الحقوق من جراء ذلك. الأمر الآخر هو أنه ليس هناك جهاز تنفيذي موحد وشرعي ليطبق الأحكام عندما تصدر عن المحاكم؛ فيكفي المحكوم أن يرتحل إلى منطقة لا تتبع للفصيل المسيطر على المحكمة التي حكمته حتى يتخلص من الملاحقة.
بعد ظهور حكومة الإنفاذ في تشرين ثاني 2017 ، ومن خلال تشكيل ما سمي بوزارة العدل في هذه الحكومة، والتي بادرت فورا إلى إصدار ما يسمى بتشريع الرسوم القضائية، والذي بموجبه تم فرض رسوم باهظة على الدعاوى القضائية بمتوسط مقداره 100 $ أمريكي للدعوة الواحدة عبر مرحلة التقاضي الأولى، ومبالغ أكبرعند تنفيذ الأحكام كشرط مسبق لتنفيذ قرارات المحكمة. وتذهب هذه الجبايات لجيوب كوادر الحكومة عبر تقسيمها عليهم حسب النفوذ والسلطات الممنوحة لكل موظف أو وزير في هذه الحكومة. ولقد ساهم في تدهور الموقف الحقوقي والقضائي عدم وجود وزارة عدل في الحكومة السورية المؤقتة.
والكارثة الرهيبة هي أن الجهاز القضائي يتمترس بالسجون كمقرات، وقد حدث أن قام الطيران الروسي بعلم أو بدون علم بقصف سجون كسجن معرة النعمان، حيث قضى حوالي خمسين سجيناً تحت الأنقاض. ومن المشاكل التي تواجه القضاء والوضع الحقوقي هو ضياع كثير من وثائق الملكية، إما بإتلاف محتويات السجلات في المحاكم والدوائر العقارية كما أسلفنا، أو بسبب تلف كثير من وثائق المواطنين وصكوك الملكية جراء القصف المدمر للمساكن والبيوت، حيث فقد كثيرون كل وثائقهم تحت الأنقاض والدمار.
ولمعالجة ما يمكن معالجته قامت منظمة حقوقية مستقلة تدعى (رابطة المحامين السوريين الأحرار) والتي بدأت تفعيل مشروع “العيادات القانونية” والتي تسعى إلى نشر الثقافة القانونية وتطبيقها من خلال تقديمهم مختلف أنواع الاستشارات القانونية المجانية للمواطنين, وكذلك بدأت الرابطة بتنفيذ مشروع التحكيم وفض المنازعات بأنواعها دون أي أجر, وكذلك سعت الرابطة من خلال مركز نصرة المظلوم لتوثيق ومتابعة ملفات المغيبين في سجون الفصائل والتبرع بالمرافعة القضائية لهم مجانا أمام المحاكم، هذا إذا اعترفت الفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام بوجودهم لديها أصلا.
رابعاً: حقوق الإنسان فيها؟
من الظواهر الفارقة لما يجري في سورية هي الحجم الكبير لانتهاكات حقوق الإنسان وعلى نطاق واسع وفي جميع مناطق البلاد. وتُعدُّ محافظة إدلب من المناطق التي كانت طوال سني الثورة من أكثر المناطق سخونة. فمنذ أن دخلت قوات النظام إلى المحافظة ارتكبت مجازر مروعة في جميع المناطق، ونشرت ثقافة القتل والتعذيب والتمثيل بالجثث وارتكاب جميع أنواع الفظائع. لقد استفحلت بذور الشقاق المجتمعي بين المكونات المتصارعة سواء أكانت مرتبطة بالنظام أم بفصائل المعارضة، وحتى داخل كل فريق من المتصارعين.
بعد اندحار قوات النظام من المحافظة وسيطرة تحالف جيش الفتح المكون من أحرار الشام وجبهة النصرة وجند الأقصى وغيرها من الفصائل، انتشرت ظاهرة المعتقلات السرية لدى جميع تلك الفصائل ولكن بدرجات مختلفة. وتأتي هيئة تحرير الشام في رأس هرم الانتهاكات، وتليها حركة أحرار الشام. فانتشار الفكر التكفيري والصراع الإيديولوجي جعل كل طرف يكفر الطرف الآخر تحت عناوين مختلفة كالخوارج والمرتدين، وراح كل طرف يبرر لنفسه ارتكاب الفظائع والانتهاكات لحقوق الإنسان تحت هذه المسميات. فكل فصيل حشا أدمغة غلمانه بأفكار هدامة تبيح دم الأطراف الأخرى موهما تلك العناصر بأن الطرف الآخر سيلتهمها مالم تقم الأولى باستئصاله، فانتشر العنف والعنف المضاد، وانتشرت حالات الخطف والتغييب القسري وتعذيب المعتقلين والاستيلاء على الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وفرضت الأتاوات وانتشرت حالات الاغتيال وشوهدت الجثث المرمية على قارعة الطرق بعمليات تفجير وإطلاق النار من ملثمين مجهولين.
حرم المعتقلون لدى جميع الأطراف من حقوق المرافعة القضائية واستحضار الشهود، وحرم ذووهم من زيارتهم أو حتى معرفة الجهة التي تحتجزهم أو أماكن احتجازهم. فغاب الكثير من الآباء وتُركت نساؤهم وأطفالهم دون معيل، وغابت المنظمات التي ترعى تلك العائلات التي غيب رجالها. وقد ترتب على ذلك آثار سلبية تتعلق بالنساء وحقوقهن. حالات كثيرة من التصفية وقعت على معتقلين مغيبين، بعضهم سلمت جثثهم لذويهم، والبعض وجدت جثثهم مرمية في الأحراش وعلى قارعة الطرق. وباختصار يمكن القول: إن كل ما يخطر ببال البشر من انتهاكات وقعت في محافظة إدلب، كما وجد المحامون ونشطاء حقوق الأنسان أنفسهم مهددين بالقتل أو الاعتقال إذا ما قاموا بأي عمل يهدف لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، وربما يصبحون هم أنفسهم أهدافاً “مشروعة” لتلك الجهات الإجرامية. عدد من النشطاء والإعلاميين والحقوقيين اختفوا وسط ظروف غامضة. حتى عمال الإغاثة والخدمات الطبية لم يسلموا من تلك الانتهاكات، فتم خطف أطباء مقابل فدية مالية. لقد أصبح من المتعذر خروج شخص بسيارته على الطرقات أثناء الليل.
لقد أصبح الوضع لا يطاق، وأصبح المدنيون لقمة سائغة لكل مجرم ومنتهك لحقوق الإنسان في غياب أي سلطة شرعية وجهاز قضائي وتنفيذي يحترم حقوق الإنسان. لقد بدأت تتعالى الأصوات المطالبة بدخول القوات التركية إلى مناطق إدلب على أمل أن تنتهي الفوضى العارمة التي تجتاح كافة مناطق المحافظة.
خامساً: الوضع العسكري وأمراء الحرب فيها؟:
بعيد انسحاب قوات النظام من محافظة إدلب في بداية نيسان 2015، تشكل تجمع ما سمي ب (جيش الفتح )،المكون من عدة فصائل أهمها أحرار الشام وجبهة النصرة وجند الأقصى وآخرون، ليديروا المناطق المحررة إداريا وأمنيا وعسكريا. هذه الفصائل تقاسمت السيطرة والغنائم والمكتسبات حسب موازين القوى. ومرت المحافظة بأطوار عديدة من السيطرة العسكرية تناوبت فيها أحرار الشام وجبهة النصرة السيطرة على المناطق بشكل متناوب. وفي أواخر عام 2017 وعقب خلاف بين تركيا وحركة أحرار الشام، قامت هيئة تحرير الشام بطرد أحرار الشام من مناطق الحدود الشمالية مع تركيا ومعبر باب الهوى ومناطق كثيرة، لتنحسر حركة أحرار الشام في جيوب ضعيفة من ريف إدلب الجنوبي الغربي، وهيمنت هيئة تحرير الشام على الساحة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً. سبق ذلك كله أن قامت هيئة تحرير الشام بالاستيلاء على عتاد عدد من فصائل الجيش الحر وبعض الفصائل الضعيفة.
ومع بدء انتشار القوات التركية في نقاط المراقبة بدأت حملة تصفيات في صفوف هيئة تحرير الشام، واستهدفت الحملة عددا من الشرعيين والقادة المعارضين للتدخل التركي في الشمال السوري، وراحت تركيا تنشر بعضا من النقاط العسكرية المتفق عليها في أستانة. رافقت أرتال هيئة تحرير الشام القوات العسكرية التركية لإيصالها إلى نقاطها المتفق عليها. وفي شباط بدأت عملية غصن الزيتون التي تقودها تركيا لاستئصال حزب(bkk ) من المنطقة وبمساعدة قوات درع الفرات، وهي قوات كانت في عداد الجيش الحر أصلاً، وهربت خارج البلاد بضغط من جبهة النصرة قبل سنوات. قررت هيئة تحرير الشام التعاون مع الأتراك لتفادي دخول قوات درع الفرات إلى إدلب، واستمرت العملية حتى طرد تنظيم (bkk ) من منطقة عفرين.
تزامن ذلك مع تقدم قوات النظام في الريف الشمالي الشرقي لحماة وريف إدلب الجنوبي الشرقي وأجزاء من ريف حلب الجنوبي الغربي. لم تكن هناك مقاومة تذكر لمنع قوات النظام من التوغل, فوصلت قوات النظام إلى مطار أبو الضهور العسكري والذي يتمتع بأهمية كبيرة. تعرضت عشرات القرى لقصف عنيف أدى لنزوح أهلها باتجاه المناطق الحدودية. وهنا تشكل حلف فصائلي جديد يضم (حركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام وصقور الشام)، وسمي المحور الجديد ” جبهة تحرير سوريا” وبدأت المعارك المتنقلة في ريف حلب الغربي ومناطق في جبل الزاوية في إدلب ومنطقة حزانو. وكادت تنهار قوة هيئة تحرير الشام لولا تدخل فصائل التركستان في المعركة لتستعيد السيطرة على مدينة معرة مصرين. أما في جبل الزاوية بريف إدلب فقد دارت هناك معارك طاحنة بين الصقور والأحرار في مواجهة هيئة تحرير الشام، وسيطرت جبهة تحرير سوريا على مدينة أريحا ومدينة معرة النعمان وبعض المناطق في جبل الزاوية. في ريف حلب الغربي لا تزال الاشتباكات المتقطعة تدور بين حركة نور الدين الزنكي وهيئة تحرير الشام. لم تحسم المعركة بعد ولكن أصبحت هيئة تحرير الشام أضعف من أي وقت مضى رغم بقاء بعض معاقلها في جبل الزاوية كمحمبل وكنصفرة وبعض القرى المحيطة. كل ذلك أدى إلى انسحاب هيئة تحرير الشام من بعض المدن والبلدات دون قتال كما جرى في مدينة سراقب. أما فصيل فيلق الشام والمدعوم تركيا بقي على الحياد. مع ازدياد الضغط على هيئة تحرير الشام لطردها من منطقة باب الهوى الاستراتيجية، عقدت مفاوضات تمخضت عن صفقة يتم بموجبها تسليم منطقة باب الهوى لفيلق الشام. رفضت حركة الزنكي الصفقة واستمر الجمود العسكري وغياب الحسم. يعتقد على نطاق واسع أن هيئة تحرير الشام هي الهدف القادم لأي تحرك تركي عسكري يهدف لاستكمال السيطرة والانتشار في مناطق إدلب.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي©.