يعود التوتر الى محافظة درعا جنوبي سوريا في ظل تحركات لقوات النظام والأفرع الأمنية السورية لفرض سطوتها على المحافظة مرة أخرى، من خلال تعزيز حواجزها بين البلدات والمدن باليات عسكرية ضخمة، وشن حملات اعتقال واقتحام للبلدات بحجة البحث عن مطلوبين.
وبعد أكثر من عامين على اتفاق التسوية بين النظام والمعارضة برعاية روسية في تموز 2018، يتبع النظام استراتيجية جديدة تقوم على تمدد الفرقة الرابعة في الريف الشرقي بشكل هادئ وسط انشغال الروس بعقد تسويات جديدة، بعد فشل قوات النظام في السيطرة على البلدات بقوة السلاح.
وكانت قوات النظام قد عززت عدداً من حواجزها المنتشرة في ريف درعا الشرقي، بالعتاد الثقيل، خلال الأيام القليلة الماضية، وقال ناشطون إن تعزيزات عسكرية للفرقة الرابعة قدرت بنحو 20 آلية مزودة برشاشات ثقيلة دخلت من طريق “كحيل-المسيفرة” إلى المنطقة الشرقية من درعا.
تسوية جديدة
ملامح التسوية الجديدة بدأت بعد اجتماع أعضاء اللجنة المركزية في محافظة درعا مع ضباط من القوات الروسية قبل أيام، بهدف التوصّل إلى اتفاق يضمن عدم ملاحقة المطلوبين من قبل النظام، حسبما يكشفه الناشط “أبوعبدالله الحوراني”، الذي أكد لمرصد “مينا” أن اللجنة تناقش مع الضباط الروس شطب أسماء المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمنشقين من القوائم المتواجدة على حواجز النظام في المنطقة، ومنحهم مهلة للالتحاق بقطعاتهم العسكرية خلال مدة 6 أيام.
التسوية الجديدة بحسب “الحوراني” مشابهة لتسوية عام 2018، الّا أنّ الجديد فيها، هو حضور قاضٍ من طرف النظام، مهمته توزيع أوراق مختومة من وزارة العدل، تخوّل حاملها التنقل على الحواجز من دون أن تتم ملاحقة صاحبها من النظام وبضمانة روسية.
تعليقا على الهدنة الجديدة، يكشف أحد أعضاء اللجنة المركزية رفض الكشف عن اسمه، أن هذه التسوية جاءت بعد خلافات بين اللجنة المركزية في محافظة درعا والنظام الذي طالب بتسليم السلاح الخفيف والمتوسط مقابل عدم اقتحام المناطق الخارجة عن سيطرته.
ويرى عضو اللجنة المركزية أن رفض اللجنة لطلب قوات النظام السوري، دفع الروس للتدخل مجددًا بحجة حماية المناطق التي ينوي النظام اقتحامها، لكنهم في الحقيقة يسعون من خلال هذه التسوية لتعزيز تواجد قوات النظام في المنطقة من خلال منح المطلوبين المجال للفرار الى الشمال السوري او الالتحاق بقوات النظام في أسرع فترة ممكنة.
وكانت قوات الفرقة الرابعة التي يقودها “ماهر الأسد” قد حاولت منتصف الشهر الماضي اقتحام بلدة الكرك الشرقي في ريف درعا الشرقي، بحجة البحث من مطلوبين وأسلحة وهو ما رفضه أهالي البلدة واعتبروه ذريعة لفرض سطوة النظام مرة أخرى على المنطقة.
كما شهدت درعا البلد عملية تمشيط لمنطقتي الشياح والنخلة، بحثاً عن خلايا متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات استهدفت قوات النظام في المنطقة، حيث ردت فصائل المعارضة بمهاجمة حاجز للمخابرات الجوية، وفرضت السيطرة عليه، وأسرت 10 عناصر من قوات النظام بينهم ضابطان، وأصدرت اللجان المركزية بياناً، أعلنت فيه إيقاف حلقات التواصل كافة مع الفرقة الرابعة، كما طالبت الجانب الروسي بالحضور الفوري وتحمل مسؤولياته.
استراتيجية ناعمة
يعتمد النظام السوري على روسيا لتطبيق استراتيجيته الجديدة من أجل فرض هيمنته على مدن وبلدات الريف الشرقي، حيث يعمل على تقطيع أوصال القرى، عن طريق التقدم الذي يمكن وصفه بالناعم الذي يتجنب إثارة الضجيج، مع تعزيز الحواجز بالعناصر والأسلحة الثقيلة، وتنفيذ عمليات مداهمة.
يبين “محمود الحريري” وهو عنصر سابق في الجيش الحر، الأسلوب الذي يتبعه النظام في ريف درعا الشرقي، مشيرا الى أن النظام يبدأ بالتهديد باقتحام منطقة من المناطق، ثم يتدخل الروس والفيلق الخامس لتهدئة الوضع مع السماح بقيام قوات النظام بتعزيز الحواجز وتنفيذ تفتيش روتيني، ثم يتبعه وضع النظام نقاط للفرقة الرابعة ضمن القرى وعلى مداخلها، وبذلك تكون الرابعة قد بسطت سيطرتها على مناطق جديدة مُسيطر عليها شكلياً من قبل النظام.
أما عن سبب اتباع النظام لهذه الاستراتيجية يؤكد “الحريري” أن النظام غير قادر على فتح معارك في الجنوب السوري من دون موافقة الضامن الروسي الذي وقّع اتفاقيات تسوية مع المعارضة في 2018 ويمنع أي قتال فعلي بين الطرفين، لذا يلجأ النظام وحليفه الروسي الى هذه الاستراتيجية الناعمة بالإضافة الى العمل الأمني المتمثل بالخطف والاعتقال والاغتيالات التي تطال القياديين البارزين سابقاً في صفوف المعارضة والناشطين.
ترحيل ممنهج
الحملات الأمنية التي أطلقتها أفرع النظام الأمنية ومحاولات اقتحام المدن بالإضافة لعمليات الاعتقال والاغتيال، تجبر العشرات من أبناء المنطقة وخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما للهروب الى الشمال السوري.
ونظرا لارتفاع أعداد الشباب الهاربين من ريف درعا الشرقي، يحذر المحامي والناشط الحقوقي “محمد السلامات” من ازدياد أعداد الوفيات بين الشبان نتيجة تعرضهم لمخاطر جمة، تتمثل بالاعتقال والقتل على حواجز النظام المنتشرة على الطريق بين درعا وإدلب، مؤكدا مقتل 11 شابا خلال شهر تشرين الثاني نوفمبر، خلال مرور حافلتهم بالقرب من حاجز لقوات النظام في منطقة تدمر.
بالإضافة الى ذلك، يكشف السلامات أن معظم المهربين يتبعون بشكل أو بآخر لضباط في النظام السوري وأن الكثير من الشبان تم تسليمهم لقوات النظام بعد خروجهم من المحافظة باتجاه الشمال.
وفي السياق، يكشف الناشط الحقوقي أن عمليات الترحيل تتم برعاية روسية وأن عدة شبان نجحوا في الوصول الى إدلب أكدوا له أن سيارة عسكرية تضم ضباط روس كانت تسير أمام سيارتهم.