تعتبر إسرائيل كيانًا قام تجميع أشتات وأصناف من البشر من مختلف البقاع في شرق الأرض وغربها.. لذلك نجد في التركيبة الديمغرافية الإسرائيلية يهودًا شرقيين وغربيين ومواطنين من أصول أوروبية وآخرين آسيويين.. فهي دولة قامت على الهجرة وكان محرك تلك الدعوات، جمع شتات اليهود في العالم.
واستمرت إسرائيل في سياسة دعوة اليهود وذوي الأصول اليهودية للقدوم إلى الأراضي المحتلة لتثبيت أقدامها ومحاربة الهجرة العكسية وفرض واقع لا يمكن التراجع عنه..
اللافت في القضية أن اليهودية دين منغلق (لا تحتوي دعوات تبشير) فاليهود هم يهود بالوراثة.. لكن استمرت إسرائيل في سبيل تعزيز روافدها البشرية بالعثور على من تسميهم أسباطًا وفروعًا لأجداد اليهود القدامى ومؤسسي بني إسرائيل.. لذلك فاجئت العالم كله وأعلنت قبل سنوات عن العثور على سبط وفرع إفريقي لليهود في إثيوبيا.. الفلاشا الذين استقدموا إلى إسرائيل بعمليات خاصة.. لتنتقل بعد هجرة “الفلاشا” من أفريقيا ويهود الاتحاد السوفيتي السابق إلى إسرائيل، إلى مرحلة البحث عما تبقى من اليهود في أصقاع العالم.
واليوم تعثر إسرائيل على “سبط” ضائع من أسباط اليهود وتحث يهود الهند على الهجرة إليها.. حيث وقع أحد الحاخامات الكبار (رجال الدين اليهودي) على أحد أحفاد الأسباط العشرة الضائعين في الهند.. لتبدأ استعدادات نقلهم إلى إسرائيل.
اعتراف وبعثات
أعلنت إسرائيل اعترافها أن قبيلة “بني منشيه” التي تعيش في شمال الهند، في ولايتي ميزورام و مانيبور.. هي قبيلة يهودية. كما جرى ابتعاث حاخامات وقضاة من المتدينين إلى الدولة الهندية بغرض التأكد من يهوديتهم وحثهم على الهجرة إلى تل أبيب.
ويؤكد الساسة في إسرائيل أن تل أبيب مستعدة لمنح يهود الهند، ما يسمى بـ حق العودة الإسرائيلي، الذي يتيح لأي يهودي في العالم الهجرة والإقامة في إسرائيل والحصول على جنسيتها.
في حين يؤكد أفراد قبيلة “بني منشيه” تحدرهم من سلالة يهودية تائهة نُفيت إلى الهند في القرن الثامن قبل الميلاد، (بعد السبي البابلي الشهير)…
وقد اعتنق أفراد القبيلة ديانات أخرى على مدار السنين، ورغم ذلك حافظوا على ممارسة التقاليد والطقوس الدينية اليهودية، ومن بينها تقديم الذبائح.
أسباط مشتتون
تشير المعتقدات اليهودية إلى أن عشرة من الأسباط الاثني عشر الذين عاشوا في مملكة إسرائيل (وفق تاريخ اليهود الذي يقدمونه) تشتتت وضاعت في أنحاء الأرض إثر اجتياح الآشوريين لمملكتهم في عام 721 قبل الميلاد.
وتكثر الروايات الإسرائيلية عمّا يسمّى “الأسباط العشرة التائهة”، وهي قبائل “بني إسرائيل” التي هُجّرت من المملكة بعد تدميرها منذ نحو 2700 سنة على أيدي الآشوريين.. بعض تلك الروايات تنسب أصلها إلى نصوص دينية قديمة، وبعضها الآخر يدّعي وجود تلك القبائل تاريخيًا.
تتواجد عدة جماعات يهودية في الهند مثل “بنو إسرائيل” في بومباي، و”يهود كوشين” على ساحل مالابار، و”يهود مانيبور” على الحدود مع بورما.
يضاف لهم “يهود العراق” الذين هاجروا إلى الهند خلال القرن الثامن عشر واستقروا في بومباي وكلكتا وعملوا في الاستيراد والتصدير وامتهنوا أنشطة مصرفية وأسسوا متاجر لهم.. وكان من بينهم من عمل في تجارة الأفيون مع الصين. (يذكر أن يهود العراق في الهند، حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم لكنهم تحولوا من التخاطب بالعربية إلى الإنجليزية بلكنة هندية).
تهويد وطقوس
لا يتجاوز عدد أفراد القبيلة المقصودين على عشرة آلاف.. حيث جرى التأكد من احترامهم طقوس الشريعة الموسوية.. لكن النقطة الفارقة أن معظم اليهود في كلا الولايتين الهنديتين ولدوا من آباء مسيحيين.. لكنهم كانوا يمارسون جملة من الشعائر الدينية، كـ: وضع كتابات من التوراة عند مداخل بيوتهم، أو ارتداء القلنسوة على الرأس خلال الصلاة.
وقام الحاخامات الذين زاروا الهند بإجراءات تمهد لتهويد 218 منهم، لكن تدخلت السلطات الهندية ومنعت الحاخامات من إستكمال طقوس التهويد.
بدورها جمعية “شافي إسرائيل” المسؤولة عن تهجير يهود العالم، وتحديدًا ما يعرفون بـ “الأسباط أو القبائل المنسية”، تطالب أن تسرع الحكومة بتهجير الجالية كلها خلال نهاية العام الحالي والعام المقبل، (حتى وإن لم يتم تهويدهم في الهند!).
تشكيك منطقي
أطلق بعض الإسرائيليون تشكيكًا فعليًا في انتماء أولئك الهنود لليهودية.. حيث انطلق المشككون من جزئية أن الفقر في الهند ومحاولة الفرار منه؛ قد يكون الدافع وراء ادعاءات تلك القبيلة الهندية. (يبقى هنا التساؤل عن دوافع الحكومة الإسرائيلية الفعلية)
يذكر هنا أن ما يقارب الألف منهم، نجحوا بالهجرة، ووصولوا إلى إسرائيل عام 1994.
ليتبعهم ألفان في عام 2012.. جرى توطينهم في مدينة بئر السبع في صحراء النقب وفي المدن النامية.. حيث سارع المهاجرون الهنود إلى إنشاء ناد للعبة “الكريكت” المفضلة لديهم.
هجرات قديمة وعلاقات تتطور
يعتبر الاكتشاف الأخير تتمة لمراحل متلاحقة منذ نشأة الدولة الإسرائيلية، حيث انطلقت هجرة اليهود الجماعية من الهند إلى إسرائيل بعد قيامها عام 1948 وفي السنوات التي أعقبتها.
يبلغ عدد الهنود في اسرائيل اليوم مئة ألف مهاجر، معظمهم تخلى عن اسمه الهندي وعاداته، بهدف الاندماج في الدولة العبرية.
هذا ويخدم الهنود في الجيش الإسرائيلي، وتحديدًا في لواء “كفير” الذي يُعرف باللواء 900,. وهو يتمركز في الضفة الغربية واشتهر بممارساته القمعية ضد الأهالي وبالتنكيل بالفلسطينيين. وتشير الإحصاءات إلى أن مجندي هذا اللواء مسؤولون عن 70 بالمئة من الاعتقالات. (دعم الجيش بالمواطنين الجدد من أسباب استقطاب إسرائيل العميقة للمهاجرين من أصول غريبة)
إلى ذلك، يعتبر “ناريندرا مودي” أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل عام 2017.. وجاءت الزيارة نتيجة للتقارب بين البلدين الذي أدى إلى صفقات دفاعية تقدر بمليارات الدولارات.. قبل ذلك كانت العلاقات باردة بين الجانبين لا سيما خلال حكم رئيس الوزراء جواهر لال نهرو الذي ربطته علاقات متينة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وانخرط معه في زعامة حركة عدم الانحياز.
أهداف جديدة في وسط آسيا
استخدمت الحكومات الإسرائيلية المتتالية، ذريعة البحث عن اليهود الضائعين والرواية التاريخية كحقائق لتستقدم على أساسها آلافًا من الأفراد من أعراق وأصول مختلفة وتهوّدهم وتوطّنهم في فلسطين المحتلة.
ويبدو أن الإسرائيليون مصرون على إضافة فروع جديدة يحققون بها غاياتهم.. فكان آخر ما وصلت له ادعاءات الحكومة الإسرائيلية الحالية، نظرية تقول إنّ «البشتون» المسلمين في أفغانستان وباكستان والهند هم من «بني إسرائيل» التائهين.
نتيجة تؤدي إلى أن غالبية أعضاء حركة “طالبان” البشتون هم يهود إسرائيليون…
وبمقتضى ذلك خصصت وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخرًا منحة دراسية لعالمة جينات هندية (تدعى شاهناز علي) لتعدّ بحثًا تثبت من خلاله ما إذا كان البشتون منحدرين من أصول يهودية أو لا.
الباحثة المذكورة تعمل على دراستها في حيفا، حيث تعمل في كنف معهد التكنولوجيا الإسرائيلي «تكنيون إسرائيل» بإشراف باحثين إسرائيليين متخصّصين في علم الجينات والبحث في أصول اليهود
محاولات توثيق
العالمة الهندية أحضرت معها عيّنات دم من بعض أفراد قبيلة الـ “باثان” الموجودين في منطقة مليح أباد قرب لاكناو في ولاية أتر برديش شمال الهند (أكبر ولاية من حيث الكثافة السكانية 190 مليون نسمة).
يعتقد الإسرائيليون أنّ أفراد الـ “باثان” (في الهند) أي الـ “بشتون” (يتواجد في باكستان وأفغانستان) ينتمون إلى أحد الأسباط الإسرائيلية التائهة، حيث تم ترجيح – وفق لدراساتهم – أنها قبيلة إفرايم التي تشتّتت في جنوب آسيا.
دعم مالي لتبديد الشكوك
تسببت تلك التطورات بضجة كبيرة في اسرائيل بين مشكك ومنتقد ونافٍ .. لتقرر الحكومة أن تضع حدّاً للأقاويل والأساطير، وتبدد الشكّ باليقين، فخصصت ميزانية مالية لبحث “علمي” ستظهر نتائجه خلال سنة في حدٍ أقصى، وهي المرة الأولى التي تبدي فيها الحكومة الإسرائيلية اهتمامًا رسميًا بمسألة أصول البشتون.
دهشة وتساؤل
أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية دهشة كبيرة من خطوة الحكومة الإسرائيلية الأخيرة بمثل هكذا بحث.. لكن هناك تدول وتأكيد أن طرح مسألة ارتباط البشتون باليهود تعود لأزمنة قديمة
الصحف الإسرائيلية تعيد تلك الرؤية إلى أزمنة بعيدة، حيث تشير إلى أن قبائل البشتون المسلمة تتناقل تلك الرواية، لكنها “ترفض الاعتراف بأصولها الإسرائيلية التي تتناقض مع موقفها من إسرائيل اليوم” والكلام وفق إعلام الصحف.
صحيفة “جيروزاليم بوست” ذكّرت في مقالها عن الموضوع بما كتبه الرئيس الإسرائيلي الثاني إسحق بن زفي (عام 1957) بأنّ “الهجرة العبرية إلى أفغانستان بدأت من السامرة بعد الاضطهاد الآشوري لهم عام 719 قبل الميلاد”.
كما أشارت الصحيفة إلى أنّ الملك الأفغاني زاهر شاه (وهو آخر الملوك الأفغان) صرّح مرّة بأن «العائلة الملكية الأفغانية تنحدر من قبيلة بنيامين» الإسرائيلية.
أما “تايمز أوف إنديا” فاستشارت الباحث في الدراسات الهندية / اليهودية، نافراس أفريدي، وهو أول من حلّل نظرية التقارب بين الـ “باثان” واليهود، حيث أبدى أمله في أن تقدّم دراسات الحمض النووي جديدًا وتثبت علميًا ما حاول هو عرضه نظريًا.. ليؤكد “أفريدي” أنّ نتائج البحث العلمي ستكون مهمة لتحسين العلاقة بين المسلمين واليهود على نطاق واسع.
وخلاصة القول أن سعي اسرائيل لتعزيز هجرة اليهود إليها يبعث تساؤلات عن أسباب تلك الخطوات الدفينة وانعكاساتها على إسرائيل أولًا .. اقتصاديًا وسياسيًا وبشريًا
ومدى تأثيرها على شعوب وبلدان المناطق التي يستقطب منها اليهود.. وصولًا على العلاقة الثنائية بين تلك البلدان وإسرائيل.