هل الحجاب فرض ديني إسلامي أم هو رمز للهوية الدينية الاسلامية؟! ما علاقة الديني بالاجتماعي هنا؟! هل من الممكن تحييد الاعتبارات الاجتماعية عند مناقشة قضية لباس المرأة من الناحية العقائدية/ الشرعية؟
ما الذي يُفسّر هذه الحساسية والاستقطاب الحاد في التعامل مع موضوع الحجاب والنقاب سواء في الخطاب الاسلامي أو الخطاب السياسي عربياً؛ لا بل وحتّى عالميا؟ في محاولة للإجابة على ذلك يمكن اقتراح:
- لقد تحوَّل الحجاب/ النقاب من مجرد كونه زياً اجتماعياً ذا بعد ديني إلى كونه رمزاً دينياً يختزل الهوية الاسلامية على المستوى الطقوسي.
- الطبيعة الأبوية الذكورية للمجتمعات العربية الاسلامية واعتبار (شرف المرأة) مساوياً لشرف العائلة أو شرف الجماعة الدينية نفسها!
لا يستقيم النظر إلى موضوع الحجاب/النقاب في سياق التنظير والخطاب الإنساني العام فقط، بل علينا الانتقال إلى سياقات اجتماعية/ عمليّة مخصوصة. ليس الاقتناع أو النقاش بالحِجج عموماً والحِجج الدينية الشّكل هو الأساس في تغيير قناعات الناس عبر العصور.
مثلاً، ماهي إمكانات فتاة تعيش في مجتمع ديني مُتشدد على التمرد وممارسة قناعاتها في رفض النقاب أو الحجاب؟ قد يُكلّفها ذلك التعرض لعنف جسدي والنبذ الاجتماعي وربّما القتل من قبل أقرب الناس إليها! سوف أعرض لمثال آخر: عندما تتعرض المرأة كاشفة الشعر أو الوجه للمُضايقات أو التحرش الجنسي في الشارع بشكل مُتكرر من قبل الشباب في ظل غياب دور المُجتمع والدولة في حمايتها، عندئذ قد يكون الحجاب أو النقاب بمثابة حَلٍّ عملي للتخلص ربّما من ضرر أكبر.
تتناول هذه الدراسة الموجزة المحاور التالية:
- الحجاب والإحساس بالأمان الاجتماعي.
- الحجاب وفخ اختزال المرأة.
- الحجاب والحريات الاجتماعية.
- حضور الحجاب في الصراعات والفضاء السياسي.
- الحجاب قضية خلافية ضمن الفقه الاسلامي.
- في مناقشة الآيات القرآنية الخاصة بلباس المرأة.
- في مناقشة الأحاديث النبوية الخاصة بلباس المرأة.
الحجاب والأمان الاجتماعي!
إن طريقة تعامل المجتمع مع لباس المرأة يعكس مدى حيوية هذا المُجتمع، فالمجتمعات التي تقبل التنوع، ولا تتدخل في طريقة لباس الانسان عموماً والمرأة خصوصاً هي مجتمعات واثقة من نفسها وتحترم حقوق الانسان.
بينما المُجتمعات التي تكثر فيها حالات التحرش الجنسي اللفظي والسلوكي، أو المجتمعات التي تضطر فيها المرأة فيها لارتداء النقاب والحجاب لتحاشي التحرش والتنمر هي مُجتمعات أبعد ما تكون عن الفضيلة واحترام الانسان ولو ادعت غير ذلك!
ورغم انتشار الحجاب والنقاب في البلدان العربية والاسلامية بشكل كبير؛ ولكنها ليست من أفضل الدول من جهة الأمان بالنسبة للنساء. مثلاً، من بين أسوء عشرين دولة في العالم نجد كلا من: إيران- مصر- المغرب- السعودية- تونس- البحرين- تركيا- ماليزيا([1]) مع إشكالية عدم وجود إحصاءات رسمية أو مُوثقة حول انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في الكثير من الدول على نقيض الدول الديمقراطية الغربية مثلا!
إنّ المُقاربة الحيوية لموضوع الحجاب/النقاب تقتضي الاستناد إلى مبدأ أولوية الحرّية، وللأسف ماتزال قيمة الحرّية ضامرة في الثقافة العربية الاسلامية وكذلك في المجال السياسي. عادة ما يتم اختزال قيمة الحرية شعبوياً بعبارات من قبيل: فلتان- قلة الشرف- الفوضى- الانحلال الجنسي- الشذوذ- تقليد الغرب- الغزو الفكري- المؤامرة على شبابنا.. الخ أو يتم استخدامها بمعنى تحرر الوطن من الاستعمار والاحتلال.
إنّ مبدأ أولوية الحرية ينبثق من مبدأ أولوية الانسان نفسه، فالحرية شأن انساني، بينما المؤيدون لفرض الحجاب/ النقاب ينطلقون من مبدأ أولوية الإلهي وضرورة تقييد الانسان بالنصوص الدينية التي (أنزلها الاله)، إن وجهة نظر الإسلامويين هنا تضع الإنسان في دور الروبوت المُلزَم بتنفيذ أوامر البرمجة الالهية مُسبقة الصنع، ثمّ إنّ هذا التبسيط والمنطق الجبري للعلاقة بين الانساني والالهي ينتهك مبادئ الايمان الديني الحيوي الخلّاق.
إنّ حرية اللباس- وضمنا حرية ارتداء أو نزع غطاء الرأس للمرأة- مشمولة في حقوق الانسان، وينبغي أن تكون قراراً ومسؤولية للمرأة نفسها، وعلينا احترام هذا القرار، وألا نتدخل فيما لا يعنينا. بنفس المبدأ إنّ إرخاء الرجل لحيته -مع أو بدون حفّ الشوارب- هو قرار الرجل نفسه، وعلينا احترام هذا القرار من مبدأ الحريات وحقوق الانسان. المُسلمون مشمولون في جنس الانسان وليس العكس.
لا يمكن اختصار قيمة المرأة كإنسان في لباسها وضمنا الحجاب أو النقاب، فهي أكبر من هكذا تحجيم. يتفاضل الناس – رجالا ونساء- بعلمهم وأخلاقهم ومُساهماتهم في خدمة الناس وتطور البشرية.
فالنتينا تريشكوفا رائدة الفضاء الروسية طارت خارج الكرة الأرضية 1963 دونما محرم ودونما حِجاب!
وأنجيلينا ميركل حكمت ألمانيا لأكثر من عقد من الزمن بكل نجاح ولم تكن مُحجبة أو مُسلمة! حيث الناتج القومي للاقتصاد الألماني أكبر من كل الدول العربية مُجتمعة!
وقد حازت ماري كوري على جائزة نوبل مرتين في الفيزياء 1903 وفي الكيمياء 1911منذ ما يزيد عن مائة سنة مضت؟!
وبعد ذلك يأتي أحدهم جاهداً نفسه في إثبات صحة أحاديث منسوبة للنبي محمد من قبيل (النساء ناقصات عقل ودين- إنما الشؤم في ثلاث: في الفرس، والمرأة، والدار- يا معشر النساء، تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار ..الخ) والأحاديث الثلاثة السابقة مروية في صحيح البخاري. إذن القضية هي قضية أفق معرفي/ حضاري ينتج عن التفاعل الحيّ الخلاق مع العالم، ولا ينبغي اختزالها في نصوص مقدّسة يتم تضخيمها وتفسيرها بمعزل عن السياقات التاريخية والاجتماعية.
اللباس عموماً يخضع للأعراف والتقاليد الاجتماعية. المفاهيم الحيوية للعقائد الدينية وضمناً الاسلام تكتفي بعرض توصيات وإرشادات عامة حول اللباس، دونما إلزام وتفصيل وتهويل، فلا يجوز اختزال الإيمان الاسلامي بتفصيل شكلاني صغير لا تنبني عليه مصالح حيوية وازنة في حياة الأفراد والمُجتمعات.
النقاب والحجاب كلاهما من أنماط اللباس السابقة للإسلام وهما جزء من تقاليد الشعوب القديمة، حيث ينص القانون الآشوري – منذ ما يزيد عن 3 آلاف سنة- أنّه يجب على النساء المتزوجات والأرامل أن يتحجبن، ولم يكن الآشوريين بموحدين، بل كانوا أتباعاً للديانات الطبيعية/ الوثنية، والحجاب كذلك شائع في التاريخ المسيحي واليهودي، وحتى الآن يوجد عند جماعات متشددة في اليهودية والمسيحية.
ليس الحجاب/ النقاب بشأن ديني فقط، هو موضوع ذو أبعاد متعددة: اجتماعية واقتصادية وسياسة أيضاً. تاريخياً كان للحجاب بُعْد طبقي عُنصريّ، فوفقاً لغالب الفقهاء وبالاستناد إلى نصوص منسوبة للنبي محمد إن الحجاب/النقاب هو للنساء (المُسلمات الحرائر) بينما تكون (عورة العَبدة المُسلمة) ما بين السرة والركبة، كعورة الرجل تماماً.
للحجاب أيضاً بعد سياسي، حيث تسعى الأنظمة المُستبدة لتسويق نفسها شعبياً عبر فرض أحكام الشريعة الاسلامية عموماً والحجاب خصوصاً، أو حالات معاكسة قامت أنظمة علمانوية حداثوية بفرض السفور على النساء.
لقد تحول موضوع غطاء رأس المرأة إلى موضوع سياسي بامتياز قبيل اندلاع ثورة الخميني في إيران 1979 ولكن وبعد ثلاثة عقود من حكم رجال الدين سوف تشهد الجامعات الإيرانية عدة احتجاجات ضد سلطتهم، قامت خلالها الشابات المُتظاهرات بنزع حجابهنّ احتجاجا في الحرم الجامعي والشارع كان آخرها في أيلول 2022. كذلك الأمر في تركيا حيث كان موضوع المرأة والحجاب في صلب النقاشات والسجالات السياسية.
قبيل الثورة / الحرب السورية 2011 كانت ظاهرة النقاب في غالب مُجتمعات الريف السوري (المسلم السنّي) شبه معدومة، ولم يكن هناك تشدد في موضوع الحجاب، فمن الشائع أن يُظهر الحجاب بعض الشعر كنوع من الموضة مثلاً. لاحقاً ومع سيطرة داعش والمليشيات الجهادية على أجزاء واسعة من هذا الريف وفرضها شكلاً مُتشدّدا للنقاب على النساء، بعد ذلك عقب هزيمة داعش وحضور سلطة الإدارة الذاتية الكردية (قسد) في الجزيرة السورية التي تركت للنساء خياراتها في ارتداء أو نزع الحجاب/ النقاب، يُلاحظ أنّ جزءاً من النساء السوريات استمرّت في وضع النقاب! وينسحب هذا على مناطق شمال حلب وإدلب، أي مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني المُولي لتركيا، ما السبب؟ يُمكن تفسير ذلك جزئيّاً بحالة الفوضى الأمنية، وخوف الناس من بعضها بعضاً، خاصّة مع نزوح ملايين اللاجئين الجدد إلى هذه المناطق، وضعف سلطة القانون.
على عكس ما يظن الكثيرون، الحجاب قضية خلافية واشكالية بين الفقهاء ورجال الدين. يمكن الاطلاع على آراء وكتابات تيار الإصلاح والتنوير الاسلامي في ذلك، حيثُ يقدّم لحجج ونقاشات من داخل الحقل الديني.
حيث يقدّم هؤلاء التنويريون آرائهم التي تستند إلى تفسيراتهم للنصوص القرآنية وملاحظاتهم حول صحة نصوص الأحاديث المنسوبة للنبي. قبل ما يزيد عن مائة عام، الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ذكر في أحد فتاواه (في الشريعة لا يوجد نصّ يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت عليهم ([2]) وقد ألّف الشيخ جمال البنا كتاباً بعنوان الحجاب. وقد جاء في إحدى فتاواه (لا حاجة الآن للحجاب لأنه يعوق المرأة عن حياتها العملية، وأنه لا يوجد في الإسلام ما يؤكد فرضيته، الحجاب فُرِض على الاسلام ولم يَفرِض الإسلام الحجاب، فشعر المرأة ليس عورة، بل يمكنها أن تؤدى صلاتها بمفردها وهي كاشفة الشعر([3]) ويرى محمد شحرور أنه لا يوجد ما يُسمى حجاباً في التنزيل الحكيم، والله تعالى فرض الحدّ الأدنى للباس للمرأة والرجل، وهو بالنسبة للمرأة تغطية الجيوب أي الفرج والإليتين والثديين وما بينهما وتحت الإبطين، وكل ما عدا ذلك يتبع للذوق الشخصي والأعراف والقوانين. معظم نساء أهل الأرض يلتزمن بالحد الأدنى، وكل قوانين الدول تعاقب من يخرج عارياً في الشارع.
والحجاب كما نعرفه هو لباس المرأة العربية في القرن السابع الميلادي في شبه الجزيرة العربية، وهو لباس اجتماعي وليس ديني ([4]) بينما يذهب أحمد الرمح للقول (الحجاب أدب إسلامي كريم، ولكنه ليس فرضاً دينياً، ولا هو من أركان الدين، ولم يذكره أي إمام مُعتبر في الكبائر. ولا ثبت في تركه أي عقاب لا في الدنيا ولا في الآخرة. ([5])
في مناقشة الآيات القرآنية الخاصة بلباس المرأة:
الآية الأولى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ” (الأحزاب:53).
التعقيب: هذه الآية تخص نساء النبي فقط وليس عموم المسلمات، تبدأ هذه الآية ب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ…) والحجاب في اللغة قد يكون جدار أو ستارة من القماش، ولم تُذكر كلمة (الحجاب) في القرآن الكريم أبدا بوصفها زيّا أو نمطا من اللباس.
الآية الثاني: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ. (النور:31)
التعقيب: الخمار هو القطعة من اللباس التي تستر وتغطي، ومنه سمّي الخمر لكونه يستر ويغطي العقل، الآية تقول – بوضوح- بوجوب بتغطية الجيوب. وجيوب الجسم هي ما بين الفخذين والابطين وجيب الصدر بين الثديين. لم يرد ذكر لتغطية شعر الرأس أو تغطية الوجه! لو كان الحجاب والنقاب الذي يؤمن به البعض واجبا وفرضا شرعيا مُهمّا لجاء ذكره صريحا واضحا. فالآية لا تقول (وليضربن بخمرهن على شعور رأسهنّ مثلا! ولا تقول ليضربن بخمرهنّ على وجوههنّ كذلك! فخلاصة هذه الآية: أنها تدعو الى الاحتشام وعدم التبرج الظاهر والعفة بشكل عام، وهذه قيمة اسلامية أكيدة.
الآية الثالثة: َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (الأحزاب:59) .
التعقيب: الجلباب هو الثوب الواسع كالإزار أو الملاية أو الملحفة. الإدناء هو الإرخاء والإسدال من فوق إلى أسفل. سبب نزول هذه الآية وفق معظم التفاسير هو برواية ابن كثير (كان ناس من فسَّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة، يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفُسّاق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة، كفوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أمة. فوثبوا إليها)، إذا هذه الآية ليست مُطلقة بل مُقيدة بظرف معين مُعاصر لزمن نزولها وحال مجتمع المدينة آنذاك.
في هذا السياق يمكن الاشارة الى النقاط التالية:
- سبب الأمر بإدناء الجلباب هو معرفة النساء الحرائر من النساء العبيد/ الاماء حيث يميز إدناء الجلباب النساء الحرائر من النساء العبيد.
وفي عصرنا تم القضاء على العبودية – بفضل جهود غير المُسلمين- ولم يعد هذا التمييز ذو مغزى. وفي عصرنا هذا تحسّن تخطيط المُدن وأصبح في كل منزل تواليت خاص به، فلا حاجة للنساء للخروج من منازلهنّ بُغية قضاء حاجاتهنّ!
- لو كانت الدلالة مُطلقة لجاءت بصيغة (ذلك أدنى ألا يُعرفن) أي عكس ما ورد في الآية القرآنية (أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ) فالمرأة التي تُغطي رأسها ووجهها بالجِلباب تصبح غير مجهولة الشخصيّة وليس مُعرَّفة.
- سبب الأمر بدنو الجلباب هو تجنب الأذى للنساء، وبالتالي فالحكم هنا مشروط مُقيَّد لغرض حماية النساء في مجتمع (المدينة المنورة) الذي لم تكن النساء تأمن فيه على نفسها من الأذى. لقد تغيّر هذا الحال، ففي غالب العالم المُتقدم اليوم تمشى النساء وتمارس حياتها العامة دونما تعرّض وأذى، وهذا بسبب التربية الحسنة والتثقيف، وتحمّل الدولة لواجباتها في تنفيذ القانون وحماية الناس.
- بغض النظر عن موضوع إدناء الجلباب، هل يجوز أذية المرأة العبدة/الأمَة يا تُرى؟! أليست بإنسان لها كيان مُستقل ومشاعر وشرف! هل هي التي اختارت كونها غير حُرّة بملء ارادتها! ليضع كل انسان منّا نفسه أو أمَّهُ مكان هذه المرأة (الأمة / العبدة) لا سمح الله!
في مناقشة الأحاديث النبوية الخاصة بلباس المرأة:
أولاً: روى البخاري عن عائشة عنها قالت: “لما أنزلت هذه الآية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشى فاختمرن بها” قال الحافظ ابن حجر (فاختمرن): أي غطين وجوههن.
ثانياً: وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”
ثالثاً: روى البخاري وغيره عن ابن عمر أن النبي قال: لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين”؛ قال الإمام أبوبكر بن العربي: “وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها”.
رابعاً جاء في مسند أبي داوود، قالت عائشة: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات؛ فإذا حاذونا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
خامساً: روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما.
التعقيب:
بخصوص الأحاديث النبوية يمكن الاشارة الى النقاط التالية:
- لا يوجد بين أحاديث موضوع الحجاب والنقاب أي حديث مُتواتر مروي مثلاً عن ثلاثة من الصحابة، بدلا من شخص صحابي واحد! كلها أحاديث آحاد، ومن يقول غير ذلك ليقدّم البيّنة؟! ثمّ إنّ الحديث الآحاد ليس حُجّة بنفسه فيما يخص الأحكام والقضايا الخطيرة لوجود شكوك في كون النبي محمد قد تلفّظ به أصلا!
- البخاري توفي سنة 256 للهجرة أي بعد ربع قرن من زمن النبوة. وأقدم مخطوط موجود بين أيدينا لكتاب الجامع الصحيح (الشائع التسمية بصحيح البخاري) تعود ل 407 للهجرة أي بعد وفاة البخاري ب 151 سنة ولم يكن بخط البخاري نفسه أو أيّ أحد من تلامذته المباشرين! إنّ المخطوط الأقدم بين أيدينا للبخاري ناقص يحتوي فقط على الجزء الثالث من أصل أربعة أجزاء، ويوجد حاليا في مكتبة المخطوطات في دار الكتب الشعبية في صوفيا- بلغاريا. للمزيد من التفصيل يمكن مراجعة دراسة لكاتب السطور بعنوان: في مساءلة الحديث الصحيح، هل الحديث النبوي صحيح؟ ([6])
هامش أخير:
كان المُحرّض على كتابة هذا الورقة هو رسالة تلقيتها من شيخ سلفي مقيم في سوريا كانت بيني وبينه معرفة جاء فيها: بسم الله؛ والسلام على من اتبع الهدى، وبعد: الخمار والذي هو واجب على المسلمات منذ أكثر من ١٤٤٠ سنة: طبعاً في مجتمعنا -أمثالك من المُتفقهين في الدين- جميعهم علماء أئمة تُضرب لهم الإبل ليُأخذ الدين عنهم! لقد كانت أمهات المؤمنين والعفيفات من المؤمنات يلبسنه منذ ألف وأربعمائة سنة وهاك الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة…ثم عرض الشيخ للآيات والأحاديث التي تتناول موضوع الحجاب والتي قمتُ بمناقشتها أعلاه. ثم الخمار ليس بعادة سعودية، بل هو ما قرره الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مذهبه قبل ألف سنة من الآن، واختلف عليه فقهاء المذاهب الأربعة من بينهم الإمامين مالك والشافعي وأتباعهم بين الوجوب والاستحباب!! وأكثرهم على الوجوب وقت الفتنة!! ولا نعلم وقتاً أشد فتنة من اليوم.. والسعودية ليس لها علاقة بالخمار، لكن عندما قام الإمام المُجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقمع البدعة والقضاء على الصوفية القبورية عبّاد الأضرحة، أخذ إخواننا وشيوخنا في الجزيرة بالقول بوجوب الخمار وعملوا به.
وأضاف شيخ سلفي آخر مقيم في أمريكا مُخاطباً في نصٍ آخر: هل يُعقل أن أهل العربية لا يعرفون ما معنى الخمار.. ثم تأتي أنتَ وغيركَ لتُفتي إذا كان الخمار مفروض أم لا.. أليس الأولى بنا كمسلمون أن نفهم معنى الآيات! أم ننتظر من لا علم له ليبين لنا أن الخمار.. هو خفّ أو بنطلون أو فيزون.. عجباً! المُشكلة أن كثير من البشر تظن أنها أوتيت من العلم بما يمكنها أن تزيد في الكامل أو تنقص منه الدين والتشريع. الحدود هي أوامر إلهيه مباشرة ومطلقة لا يمكن الاعتراض عليها.. الدين عند الله الإسلام. لكي تعترض على أوامر إلهيه يجب أن تكون ندّا لواضعها في الخلق والقدرة والحكمة وكل شيء، وهذا من ضروب المستحيل.. فأفكارك كمن يحاول تفسير الماء بعد الجهد بالماء، ولأنك ناقص لا يمكنك الحكم على كامل بتاتاً. أنصحك بإشهار إلحادك، بدلا من الدعوة إلى نشر الرذيلة بين نساء المسلمين.
مراجع:
[1] Most Dangerous Places For Women Travelers. Forbes
[2] حنان اليوسفي، خلع الحجاب.. تصحيح مسار، 25/7/2017، مدونات الجزيرة نت
[3] حسن البنا، تعرف على أشهر فتاوى جمال البنا في الحجاب والصيام والزواج، جريدة اليوم السابع، تاريخ 15 ديسمبر 2016
[4] الموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور –باب الأسئلة والأجوبة: الحجاب.
[5] أحمد الرمح، حجاب المرأة نزعة سلفية للكسب السياسي.. والإسلام براء، موقع السؤال، تاريخ 27-1-2023
[6] حمزة رستناوي، في مساءلة الحديث الصحيح، هل الحديث النبوي صحيح، مركز أبحاث ودراسات مينا /31 مايو2021
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.