مقدمة
إعمار سوريا بعد حربٍ داخليةٍ طاحنةٍ اشتركت في تغذيتها قوى إقليمية ودولية ذات مصالح مختلفة وبعيدة عن مصالح السوريين، هو عمل ينبغي أن تكون له خريطة طريق استراتيجية في مستويات الإعمار المختلفة للبنى التحتية وللإنسان. فالحرب لم تدمّر المدن والناس والحاضرات السكنية فحسب، بل دمّرت أيضاً منشآت العلم والتعليم والثقافة ومراكز البحوث، وأخرجت المرافق الحيوية من مراكز صحية ومستشفيات وغيرها من الخدمات الإنسانية عن العمل. وصارت عملية إعادة الإعمار ليست محض عمليات إنشاء هندسية مدنية، بل إعادة إحياء لحياة اجتماعية واقتصادية وثقافية خرجت من طريق تطورها الطبيعي. كذلك يجب أن تكون إعادة الإعمار في شقها الإنساني إعادة بناءٍ جادةٍ وعلمية لشخصية الفرد السوري الذي اكتوى بنار الحرب ودمارها وخرابها.
تذهب هذه الدراسة إلى البحث في أمرين مترابطين هما إعادة إعمار سوريا (أي الجهد الإنشائي الذي يُعيدُ إلى المدن والمنشآت كلها فاعليتها ) وإعادة بناء الإنسان السوري الخارج تواً من أتون حربٍ قذرةٍ، لم تكلّل نهاياتها بعد بزوالٍ مسبباتها. وتذهب الدراسة أيضاً إلى التعرّف على الشروط الموضوعية والذاتية اللازمة لإعادة الإعمار بشقيه، والشروط السياسية الإقليمية والدولية ومستلزماتها.
حجم الدمار ونوعه
بدأ الصراع السياسي السوري في صورة احتجاجات سلمية، تفجّرت في الخامس عشر من آذار/ مارس عام 2011م. ويمكن القول إنّ هذا الصراع “بدأ كانتفاضة ضمن سلسلة انتفاضات الربيع العربي، ثم انتهى إلى حربٍ شرسةٍ بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية”(1). هذه الحرب الشرسة لم تكن حرباً تقليديةً بين جيوشٍ تتقاتل على جبهاتٍ مفتوحة، وإنما كانت حرباً شنها النظام ضد فصائل وقوى مسلحة، كانت تدافع عن المدنيين، بوصفها قوىً رافضة لنظام الحكم الاستبدادي الحاكم. هذه القوى المسلحة وجدت بين المدنيين العُزّل، وهذا الأمر حوّل المدنيين إلى رهائن قتالٍ غير متكافئ بين جيشٍ نظامي يمتلكه النظام الحاكم، وفصائل مسلحة انبثقت من صفوف المواطنين تمتلك أسلحة فردية ومتوسطة.
و”تعدّ الحرب في سوريا من أسوأ الكوارث الإنسانية والاقتصادية، ولها تداعيات كبيرة على بقية العالم، فقد مزّقت سبع سنوات من الحرب في البلاد النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وهناك أضرار كبيرة لحقت بالاقتصاد ككل والبنية التحتية ورأس المال المادي، وكل جوانب الحياة في سوريا”(2).
هذه الحرب أدّت إلى دمار واسعٍ في مستوى المنازل والمنشآت الحكومية والخاصة، الخدمية منها أو الاقتصادية. يمكن القول إن أغلب البنية التحتية للبلاد خرجت عن الخدمة، وأصبحت دماراً وأنقاضاً، وأدى دمار البنية التحتية إلى موجات نزوحٍ داخلي وخارجي، فلم تعد شبكات المياه والصرف الصحي تعمل، وكذلك دُمّرت المدارس والمساجد والمراكز الصحية والمستشفيات، إضافة إلى دمار المحال التجارية والورشات والمعامل الصغيرة أو المصانع، لم تسلم شبكة السكك الحديد من الخراب والنهب. وقد قال وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم في حديث له: “إنّ 75% من البنية التحتية في سوريا دُمّرت بفعل ما وصفه بهجمات الإرهابيين”(3).
وقد رصدت الأمم المتحدة عبر مؤسساتها المعنية وضع سوريا بعد أكثر من 6 سنوات من الحرب. جاء في تقرير مدعّم بالخرائط والصور وصفاً للحالة السورية حتى تاريخ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017. ووفقاً لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين السوريين يبلغ في الدول المجاورة ما تعداده 5.344 مليون لاجئ في دول تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، في المدّة الواقعة بين عامي 2011 ونوفمبر 2017.
وجاء في تقرير البنك الدولي “أنّ أكثر من نصف مليون سوري يفقدون وظائفهم سنوياً في المرحلة الممتدة من عام 2010 وحتى عام 2015. وتضررت المباني في سوريا بما تضمنته من وحدات سكنية وطبّية تضرراً كبيراً. وبحسب التقرير فإن 27% من الوحدات السكنية في سوريا قد دُمّرت تماماً أو تضررت جزئياً، فيما تضرّر نحو نصف المنشآت الطبية في سوريا جزئياً”(4).
إذاً يمكن وضع تصوّر أولي عن حجم الدمار، الذي سببه الصراع في سوريا وعليها، وهذا يساعد في تحديد حجم الأعباء المترتبة على إعادة إعمار البلاد إنشائياً، ويساعد على وضع خطةٍ ذات برنامج زمني عبر مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة والدول المانحة، إذ لا يمكن تصوّر عملية إعادة إعمار سوريا وكأنها عملية ترميم لمجموعة منشآت ووحدات سكنية. وهذا التصور دفع السيدة “كريستين لاجارد” رئيسة صندوق النقد الدولي إلى القول “الأرقام صادمة، الصراعات تترك بصمات عميقة على الاقتصادات”(5).
نستطيع القول إنّ الصراع المسلّح في سوريا ألحق أضراراً ضخمةً برصيد رأس المال المادي في هذا البلد، إذ يمكن تقدير عدد القتلى نتيجة الصراع العسكري بحدودٍ تراوح ما بين 400 ألف و470 ألف وفاة، ونزوح قسري داخل البلاد وخارجها تجاوز نصف عدد السكان البالغ بحسب إحصاءات عام 2010 أكثر من 21 مليون نسمة. في وقت قُدرت الخسائر التراكمية في إجمالي الناتج المحلي بنحو 226 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف هذا الناتج عام 2010.
إنّ حجم الدمار لا يعني دمار المنشآت السكنية والاقتصادية والخدمية، بل يعني دمار المجتمع السوري الذي أصبح 45% من أطفاله خارج نطاق التعليم بحسب منظمة اليونيسيف.
وقد قال وزير التربية في النظام السوري هزوان الوز “الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي خلال سنوات الحرب كانت حوالى (8000) مدرسة منها 1000 مدرسة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء، إلى جانب تدمير عدد من الآليات والوسائل والتجهيزات التعليمية، وتحويل بعض المدارس إلى مراكز إيواء للمهجرين”(6).
إنّ الحرب المستمرة في سوريا جعلت ستين في المئة من السوريين يعيشون الآن في فقر مدقع. إذ بلغت نسبة السوريين العاطلين عن العمل، ممن هم في سن العمل، ولا يعملون، أو يدرسون، قرابة 78% عام 2015. فالصراع الذي تركّز في المدن أدّى إلى تفاقم الأضرار المادية، ولا سيما في قطّاع الرعاية الصحيّة، نظراً إلى استهداف المنشآت الطبية تحديداً.
إنّ تقرير البنك الدولي الصادر عام 2017 بخصوص خسائر الحرب وتحليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا “يركّز على أربعة مجالات رئيسة خلال المرحلة الممتدة من عام 2011 إلى أوائل عام 2017 هي الأضرار في الممتلكات والبنية التحتية والخسائر في الأرواح وحركة الأفراد، وكذلك النتائج الاقتصادية ونتائج التنمية البشرية”(7).
تكلفة إعادة الإعمار ومتطلباتها
هناك من يظن أن عملية إعادة الإعمار في سوريا تتمثّل بإعادة إعمار المنشآت الخدمية والصناعية والطبية والتعليمية وغيرها، هذه النظرة هي نظرة غير مكتملة إلى إعادة الإعمار في سوريا. فلا يوجد إعمار حقيقي من دون إعمار الإنسان، وتلبية حاجات العدد الكبير من السكان غير النشيطين الذين أخرجتهم الحرب خارج أي عمل يشكّل مصدر رزق لهم، يؤمنّون من خلاله حاجاتهم. إنّ الأولوية في إعادة الإعمار ستشمل إعادة بناء الأنظمة والمؤسسات. ولذلك يُوضع على طاولة البحث التكاليف الحقيقية لهذه العملية، فقد “قالت الأمم المتحدة إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار أمريكي، جاء ذلك خلال اجتماع عقدته اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة في بيروت في الثامن من آب/ أغسطس”(8).
هذه التقديرات المالية اللازمة لإعادة الإعمار هي تقديرات أولية، قد تنخفض وقد ترتفع قيمتها، وهي خاضعة أيضاً إلى برمجة عملية إعادة الإعمار بحسب أولوياتها.
وقبل الحديث عن إعادة الإعمار وتكلفتها هناك حاجة إلى معرفة ما سوف ترثه سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، فالبلاد ستجد نفسها أمام اقتصاد منهار، وسوق عمل ضعيفة، وأمام نظامٍ تعليمي معطّل. إضافةً إلى عدم توافر الطاقة الإنسانية اللازمة.
ويمكن القول “إنّ رجوع الناتج المحلي الإجمالي السوري إلى مستوى ما قبل الحرب، سيستغرق عشر سنوات ابتداءً من سنة التوصل إلى حلٍ سياسي، والانطلاق في عملية إعادة الإعمار، وذلك إذا نما الاقتصاد السوري بنسبة 5%، أما إذا نما بنسبة 3% فسيكون هناك تأخير مدة عشر سنوات أخرى”(9).
ولكن يمكن طرح السؤال الآتي: هل هناك حاجة إلى وضع استراتيجية لإعادة إعمار سوريا وتوجيه هذا البلد نحو مسار النمو والازدهار؟. الإجابة عن هذا السؤال تتحدد بضرورة المحافظة على سير عملية إعادة الإعمار وفق برنامجٍ دولي مخصصٍ لذلك، برنامج يخضع للرقابة الدولية في أثناء تنفيذ إعادة الإعمار. وهذا يتطلب منع هدر المبالغ المخصصة لإعادة الإعمار، ولتحقيق مثل هذه الخطوة ينبغي أن يجد المجتمع الدولي الوسيلة الضرورية ليحلّ محلّ المؤسسات الحكومية المحلية التي تعرّض نسيجها إلى التهتك والضعف، وهذا أمر ضروري لتحقيق حالةٍ من الثقة بين الجهات المانحة ومشروع إعادة الإعمار بصورة حقيقية.
إنّ من أهم متطلبات إعادة الإعمار إيجاد حالات من التعاون والتفاعل مع جهات دولية تصل حدود مفهوم المشاركة، وتكون هذه المشاركة فاعلة ومحايدة من أجل النهوض بمختلف القطاعات في سوريا، وضرورة تحديد أولويات عملية إعادة الإعمار، لأنّ البلاد ليست بحاجة إلى إعادة بناء رأس المال المالي فحسب، بل أيضاً هي بحاجة ماسة إلى رأس المال البشري. فالإنسان السوري وعبر سنوات الحرب، تعرّض إلى تهتكٍ كبير بسبب الهجرة والنزوح والقتل والإعاقة.
ويمكن القول إنّ المكونات الاجتماعية السورية بحاجة إلى إعادة بناء الثقة في ما بينها، وهذا لن يحدث إذا لم تجرِ عملية إعادة إنتاج جديدة للمؤسسات الوطنية التي تعرّضت سابقاً إلى إفسادٍ كبيرٍ دفع المواطنين إلى التظاهر والاحتجاج، وتحديداً بما يخصّ إحساسهم بالإقصاء والتهميش.
وهناك من يذهب إلى أن ثمة تكاليف واقعيةً مالية لإعادة الإعمار، هذه التكاليف يمكن أن تكون ذات جدوى في بناء الحياة من جديد، من دون هدرٍ للأموال بحثاً عن إعمار مبالغ فيه مادياً. “إن تكلفة إعادة إعمار المدينة الواحدة وفق النظام الحديث -وغير المبالغ فيه بالرفاهية المخادعة، سواءً بالأبراج وغيرها- تبلغ 4 مليارات دولار أمريكي فقط، أي تكلفة إعادة محافظات البلاد جميعها ستبلغ 56 مليار دولار”(10).
المعوقات السياسية للإعمار
يبدو الحديث عن إعادة إعمار سوريا غير واقعي من دون إزالة العوائق السياسية التي تمنع حدوث هذه العملية. فلا يمكن تصوّر إعادة إعمارٍ للبلاد من دون وجود وقفٍ تامٍ لكلّ العمليات العسكرية فيها. ومن دون وجود حلٍ سياسي حقيقي، ينقل البلاد من حالة الحرب والتمزق والصراع إلى عتبة جديدة من السلام والوئام الاجتماعي. ولهذا فإنّ “الحديث عن إعادة إعمار سوريا يبقى كلاماً في الهواء، إذا لم يجرِ وقف الحرب، وفي حال حدث هذا الأمر، يجب على الدولة السورية وضع خطةٍ اقتصادية ثلاثية المحاور، بحيث تشمل هذه الخطة إعادة الاعتبار إلى المواطن السوري، وعودة النازحين، وضمان سلامة المواطن السوري في أرضه (أمان جسدي وتأمين غذاء). وهناك طريقتان للتمويل، إما تمويل الاستثمارات من الموارد الطبيعية، وهذا يعني رهن هذه الموارد وما له من سيئات، نذكر منها الاستدانة العالية وإهدار الموارد. والثانية من خلال عائدات المشروعات، وهذا يحتاج إلى سنّ قوانين على رأسها قدسية الملكية والمشاركة بين القطاعين العام والخاص “(11).
إنّ أهمّ معوّق أمام إعادة إعمار سوريا هو المعوِّق السياسي الذي يتمثّل في محاولة النظام التهرب من استحقاقات إزالة أسباب الصراع السياسي والعسكري في البلاد. فالنظام يحاول أن يسوّق أمام العالم أنّ المشكلة الداخلية قد انتهت من خلال الانتصار على الإرهابيين. ومن ثمّ يمكنه البدء بعملية إعادة إعمار البلاد. لكن النظام يعرف تماماً أن مسألة فرض حلٍ سياسي على طريقته تسمح له بإعادة إنتاج نظامه الأمني؛ لا يمكنها أن تحصل على فرصٍ حقيقية. “ويسعى النظام وحلفاؤه إلى فرض سياسة الأمر الواقع، عبر مصادرة الحل السياسي القائل بالمرحلة الانتقالية ودستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية واستبداله بآخر يُعدُّ في آستانة”(12).
إذاً يمكن القول إن المعوّقات السياسية موجودة أمام أي محاولة لإعادة إعمار سوريا مع استمرار النظام بتجاهل فحوى القرارات الدولية، وتحديداً قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في نهاية عام 2015.
لقد أفصح الغرب الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية عن رؤيتهما حيال ملف إعادة إعمار سوريا، إذ رُبط هذا الملف بضرورة تغييرٍ حقيقيٍ يحدث في سوريا. ومن هذه الإجراءات مغادرة كل القوى المحسوبة على إيران الأراضي السورية. وهذا ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو “إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوات المدعومة إيرانياً فهي لن تحصل على دولار واحدٍ من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار”(13).
في هذه الحالة لن تكون إعادة إعمار سوريا محض مكافأة اقتصادية ومالية لنظام حكمٍ قام بفظاعات كبرى بحقّ شعبه، وكذلك عمل على استخدامٍ واسعٍ وكبيرٍ للقوى التدميرية، فالغرب والدول المانحة لن تكون على هذه الدرجة من السذاجة، كي تقبل بمكافأة من فعل هذا الدمار والانتهاكات. ولذلك إذا لم تُربط عملية إعادة الإعمار بجدوى سياسية ذات منحى يشير إلى تبديلٍ في النظام السياسي من صورته السابقة إلى نظامٍ جديدٍ ركائزه حقيقية، تتمثّل في احترام حقوق الإنسان، ودستور البلاد والديمقراطية التي تعني تداول السلطة عبر انتخاباتٍ حرّة نزيهة، فلن يكون لإعادة الإعمار أي أهمية أو دور في حلّ نتائج الصراع السوري.
وفق هذه الرؤية يمكن استنتاج أن نظام الأسد “لا يعدّ إعادة الإعمار وسيلة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي، بل هي فرصة للإثراء الذاتي، وطريقة لمكافأة الموالين ومعاقبة المعارضين، ويعدّها أساسية لجهده من أجل تكريس التحولات الاجتماعية والديموغرافية التي برزت نتيجة ست سنوات من الصراع المسلح”(14).
إنّ هذه الحالة تدفع إلى استنباط رؤية استراتيجية متكاملة لعملية إعادة إعمار سوريا، وفق برنامج عملٍ ينبثق من مؤتمر دولي، ترعاه منظمة الأمم المتحدة، بحيث تتجاوز العملية دور نظام الأسد لتصل إلى قوى محلية مدعومة دولياً، تستطيع توجيه دفة عملية الإعمار بشقيها الإنشائي والإنساني. وكذلك منع إيران من الاستفادة من أموال إعادة الإعمار من خلال تقليص نفوذها السياسي بعد طرد قواتها من سوريا.
إنّ أحد أهمّ المعوّقات السياسية لإعادة إعمار سوريا يتمثّل في ألا “تنفق تكلفة الإعمار من أجل أن يستثمرها الآن في تثبيت حكمه على حساب الشرائح الاجتماعية كلها التي ثارت ضده، ليستعيد القدرة على مزيد من القمع، وهل سينجو المستثمرون الذين يُفترض أن يُقبلوا على المساهمة في إنهاض سوريا من مشاركة أمراء الحرب النافذين لهم”(15).
إعمار الإنسان السوري
لم يكن الصراع السياسي في سوريا محض صراعٍ محدود الأثر في المجتمع السوري برمته، فقد أُصيبت البلاد نتيجة هذا الصراع بنكبة إنسانية كبرى، وتحديداً في مستوى عدد القتلى والجرحى والمعوقين. إضافةً إلى الحالات النفسية المرضية التي انتشرت في مناطق النزاع المباشر. ولعلّ أكثر الشرائح الاجتماعية تعرّضاً لهذا التهديم فئة الأطفال الذين وجدوا أنفسهم من دون تعليمٍ أو رعايةٍ صحية أو سكنٍ مقبول، إضافة إلى الرعب الذي لحق بهم نتيجة عمليات القصف والتدمير الواسعتين. “ويؤكد تقرير صادر عن منظمة يونيسيف التابعة للأمم المتحدة في مارس/ آذار الجاري أن ما بين أربعة وثمانية ملايين طفل، أي أكثر من 80% من الأطفال في سوريا تأثروا بسبب النزاع، من بقوا داخل البلاد أو أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، إذ تشير المنظمة المعنية بالطفولة إلى أن حوالى مليوني طفل سوري لاجئ بحاجة إلى دعم وعلاج نفسي”(16).
إن إعادة إعمار الإنسان السوري تحتاج بالضرورة إلى تغيير الشروط الموضوعية والذاتية التي أدّت إلى الأزمات الحياتية والنفسية لديه. ومن هذه الشروط وأهمها وجود بنية اجتماعية آمنة، بحيث ينتفي منها الكابوس الأمني الذي فجّر الأوضاع في البلاد، وكذلك توفير سكنٍ ملائمٍ له وفرصة عملٍ يعيش من مردودها.
إنّ وجود برنامج وطني يتصدى لهذه الأزمات كلها التي عصفت بالإنسان السوري يحتاج بالضرورة إلى ركائز مادية له من مؤسساتٍ طبية وصحية وثقافية، إضافةً إلى إعادة الحياة إلى مؤسسات التعليم والتدريب والتأهيل الاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يجب ملاحظته من خلال المؤتمر الخاص بإعادة إعمار سوريا.
مراجع البحث
- bbc.com BBCعربي 14 آذار / مارس 2014، قصة الصراع السوري منذ بدايته.
- alaraby,co.uk/economy سهام معط الله 10 أيلول/ سبتمبر 2018.
- anabbaladi.net عنب بلدي، وليد المعلم، 75% من البنية التحتية السورية دمرت 10/9/2018.
- sasapost.com بالخرائط والأرقام، كيف أصبحت سوريا بعد أكثر من ست سنوات من الحرب 27 نوفمبر/ تشين الثاني 2017.
- https://al-ain.com/article/bank-ata-khosair البنك الدولي، خسائر الاقتصاد السوري يصعب حصرها 15/3/2017.
- https://salonsyria.com التعليم ضحية أخرى للحرب في سوريا.
- albankaldawli.org خسائر الحرب، تحليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا، حقائق أساسية 10/7/2017.
- enabbaladi.net أرقام أممية جديدة بشأن تكلفة إعادة إعمار سوريا 9/8/2018.
- alaraby.co.uk متطلبات إعادة الإعمار في سوريا، سهام معط الله 10 سبتمبر/ أيلول 2018.
- raialyoum.com التكلفة الواقعية لإعادة إعمار سوريا، إبراهيم شير 3 آذار/ مارس 2018.
- alhayat.com متى يبدأ العالم بإعمار سوريا.
- co.uk إعادة إعمار سوريا والنهب القادم، رانية مصطفى 28/10/2017.
- skynewsarabia.com إعادة إعمار سوريا، ضربة أمريكية مباغتة لإيران 11 أكتوبر.
- brookings.edu قواعد عملية إعادة الإعمار في سوريا، ستيفن هايدمان 24 آب/ أغسطس 2017.
- alhayat.com إعمار سوريا والعقوبات وليد شقير 10 آب/ أغسطس 2018.
- aljazeera.net أطفال سوريا ضحايا في أتون الحب 1/4/2016.
- alaraby.co.uk التأثير النفسي للحب في سوريا، جنون النظام وكوابيس داعش، نيسان/ أبريل 2015، هيا خيطو.
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.