أطلقت الحكومة الجزائرية استراتيجية اقتصادية للخروج من الأزمة المالية الناجمة عن هبوط أسعار النفط الخام وتبعات تفشي جائحة كورونا في البلاد، اذ تستعد لبيع حصص في الشركات والبنوك الحكومية للقطاع الخاص، ضمن خطط الإصلاح الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز اللذين يمثّلان 60 في المئة من ميزانية الجزائر و94 في المئة من مجمل إيرادات صادراتها.
النفط والمديونية..
الرئاسة الجزائرية قالت في بيان لها: إن “الرئيس عبد المجيد تبون أمر حكومته ببيع حصص في الشركات والبنوك الحكومية، في إطار إصلاحات طال انتظارها في الدولة المنتجة للنفط”، مؤكدة أن “الخطة تستهدف من وراء قرار الخصخصة إيجاد حلول ناجعة وفتح رأسمال الشركات العمومية بما فيها البنوك والابتعاد عن التسيير الإداري”.
وتواصل أسعار النفط، اليوم الاثنين، خسائرها الحادة التي بدأت الأسبوع الماضي على خلفية ارتفاع الدولار الأمريكي، ومخاوف من أن تؤدي القيود الوبائية الجديدة التي فرضت في آسيا وخاصة في الصين إلى انتكاسة للانتعاش العالمي في الطلب على الوقود.
توقعات صندوق النقد الدولي وبياناته في مايو/أيار الماضي عكست صورة قاتمة للاقتصاد الجزائري، نظرا إلى أن البلد في حاجة إلى سعر عال لبرميل النفط من أجل تعديل التوازنات المالية للدولة، وتوقّع الصندوق أن يبلغ إجمالي الدين العام مقابل الناتج المحلي الخام في الجزائر خلال العام الجاري أكثر من 63%، مقابل أكثر من 53% خلال العام الماضي.
وسجلت موازنة الجزائر العامة لسنة 2021 عجزا تاريخيا بلغ نحو 22 مليار دولار، ساهمت فيه أزمة كورونا وتراجعت أسعار النفط في السوق الدولية، التي تمثل مورد البلاد الرئيسي من النقد الأجنبي، كما بلغت نسبة البطالة 13% في العام 2020، وبلغت 23% عند خريجي الجامعات، و27% وسط الشباب العاطلين.
الرئيس “عبد المجيد تبون” أكد في وقت سابق، أن “بلاده لن تطلب قروضًا من صندوق النقد الدولي والمنظّمات المالية الدوليّة رغم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها”، مشدداً على أنه “من الضروري التمسك بمبدأ عدم الاستدانة الخارجيّة، خلافًا لكثير من التوقّعات التي حدّدت نهاية 2020 وبداية 2021 موعدًا لشروع الجزائر في اللجوء إليها”.
وتعتمد الجزائر أساسا على إنتاج النفط الذي يدر نحو 90% من إيرادات صادراتها، ويضغط تقلّب أسعار المحروقات على الجزائر بشكل كبير، اذ تواجه حكومة “أيمن بن عبدالرحمن” تحديات اقتصادية، أبرزها إيجاد بدائل اقتصادية عن الريع النفطي الذي أرهق النظام منذ الاستقلال، وكذا رفع فاتورة الصادرات خارج المحروقات إلى أكثر من 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى وقف تآكل احتياطات الصرف.
“الخصخصة” وإعادة التمويل..
إصرار الجزائر على التمسك بموقف وعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي تزامن مع “خصخصة البنوك”، وإصدار
قانون جديد دخل حيز التنفيذ بداية الشهر الجاري يتعلق ببرنامج لإعادة تمويل الاقتصاد يبلغ قيمته نحو 2.1 تريليون دينار (15.5 مليار دولار).
ويتضمن البرنامج بشكل أساسي طرح سندات في السوق المحلية مع دفع القطاع المصرفي باتجاه تقديم المزيد من القروض للمشاريع الاستثمارية من خلال تسهيلات ائتمانية وحوافز للشركات ورجال الأعمال وحتى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
رغم تفاؤل البعض بجدوى الخطة الجديدة التي يتبناها الرئيس “عبدالمجيد تبون،” لكن آخرين يعتقدون أن الحكومة بحاجة إلى خطوات جريئة، وثمة مخاوف من أن يؤدي البرنامج إلى خطر محتمل لضغوط تضخمية، حيث يبلغ معدل أسعار الاستهلاك حاليا نحو 3.9 في المئة، في حين تتوقع الموازنة تضخما عند 4.6 في المئة بنهاية العام.
بدوره، يرى خبير الاقتصاد “محمد حميدوش” أن البرنامج الخاص لإعادة التمويل الذي اعتمده بنك الجزائر المركزي كفيل بتعجيل وتيرة الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد الوباء وذلك من خلال تعزيز قدرات البنوك على الاستثمار”، موضحاً أن “هذا البرنامج المفيد للغاية ومن شأنه أن يساهم في ارتفاع مستوى القروض بحلول نهاية 2022 بحوالي 25 في المئة، وهي نسبة أفضل بكثير من تلك المسجلة خلال الفترة 2015 – 2018 لكن أقل نسبيا من تلك المسجلة سنة 2014”.
ولفت الخبير الجزائري إلى أن هذا المستوى من تدفق السيولة البنكية الموجهة لتمويل الاقتصاد سيسمح بتحسين النمو الاقتصادي في 2022 من 10 إلى 15 نقطة، فيما تؤكد الحكومة أن البرنامج سيعمل على توفير السيولة على المستوى البعيد وشراء الأسهم لدى السوق المالية وإطلاق برامج التيسير الكمي مثلما قام به البنك المركزي الأوروبي أو الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي).
الخصخصة بين الماضي والحاضر..
التحدي الأكبر سيكون مرتبط بإعادة تنشيط شركات القطاعين العام والخاص، والتي راكمت منذ العام الماضي الكثير من الديون وتراجعت مداخيلها وأرقام معاملاتها بسبب جمود نشاطها، اذ تشير بيانات الاتحاد الوطني الجزائري للمقاولين، وهو تكتل يمثل الشركات المحلية، إلى أن نشاط الشركات الاقتصادية العامة تراجع بنسبة ما بين 18 إلى 25 في المئة خلال 2020 بسبب تداعيات الوباء.
وأكد رئيس الاتحاد الأخضر “رخروخ” في وقت سابقة أن “جزءا كبيرا من حجم القروض التي استفادت منها الشركات يستخدم في تقديم خدمات مدعمة من قبل الحكومة وبالتالي فإن الشركات تجد نفسها في خسارة”، موضحاً أنه “من الطبيعي أن تتراكم ديونها وتضطر الحكومة لمسح هذه الديون لأنها مؤسسات اقتصادية ذات طابع عام ولا يمكن أن تتخلى عنها الدولة، والشركات الخاصة التي تواجه مشاكل اقتصادية بإمكانها الاستغناء عن العمال عكس الشركات العامة التي يمنع طابعها ذلك”.
يذكر أن شركات القطاع العام تشكل ما بين 25 و30 في المئة من النسيج الاقتصادي في الجزائر دون احتساب الشركات الناشطة في قطاع المحروقات والبنوك والاتصالات وهو رقم كبير وتأثيره في النهوض بالاقتصاد المحلي كبير جدا.
وحذر خبراء اقتصاد وقوى سياسية في الجزائر من تغول واحتكار عدد قليل من رجال الأعمال لمقدرات الاقتصاد الجزائري، بعد الخصخصة، كما حصل خلال ولايتَي رئيسي الوزراء السابقَين، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، وبيع مؤسسات الدولة بمبالغ رمزية إلى مجموعة من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق بقيادة السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
كما أثار ملف الخصخصة كثيراً من الجدل خلال فترة حكم “بوتفليقة”، بسبب الفساد الذي رافقته، وتسببت في دمار اقتصادي وخراب صناعي وتهاوٍ اجتماعي لا يوصف، بعد إقفال أكثر من 1500 مؤسسة وتسريح مليون ونصف من العمال، وإعلان إفلاس بعضها تحت تبرير سوء تسيير خصخصتها.
يذكر أن حكومة رئيس الوزراء الأسبق “جراد” قامت بإجراءات وآليات جديدة تهدف إلى تأميم نحو 800 شركة حكومية، عبر لجنة وزارية مشتركة يشرف عليها الرئيس “تبون” شخصيا، ومهمتها استرجاع المؤسسات المخصخصة في أثناء حكم بوتفليقة، ومنها شركات تابعة لرجال أعمال مسجونين ومتهمين بقضايا الفساد.
ويرى الخبراء أن “الخصخصة الحاصلة في السابق كانت أقرب إلى عمليات فساد منها إلى استراتيجية لتطوير مختلف القطاعات، وصفقات موجهة إلى أشخاص مقربين من السلطة ومستثمرين طفيليين”.