تصاعد الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا خلال الفترة الماضية، وهي القضية التي تتم تحت بند “العودة الطوعية والآمنة” التي بدأتها السلطات اللبنانية عام 2017 على دفعات، وأعلنت أواخر شهر أكتوبر الفائت استئناف تنفيذها بعد توقف خلال جائحة كوفيد-19 منذ عام 2020.
وغادرت خلال الشهرين الماضيين دفعتان من اللاجئين السوريين الأراضي اللبنانية باتجاه سوريا تطبيقاً للخطة المشتركة المُتوافَق عليها بين حكومة تصريف الأعمال اللبنانية والنظام السوري، وسط تخوفات وانتقادات من منظمات إنسانية وجهات سياسية تحذّر من انتهاكات قد تطال اللاجئين السوريين العائدين.
وتشكل قضية اللاجئين السوريين في لبنان مسألة شائكة تثير اهتمام المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء، فالنزوح المستمر منذ أكثر من 11 عاماً بسبب الحرب السورية يتفاعل مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي ضربت البلاد منذ عامين، بحيث ارتفعت نسبة الفقر المدقع عند اللاجئين الى أكثر من 90% فيما بات يرزح نحو 82 % من اللبنانيين تحت خط الفقر.
آلية إعادة السوريين
يرى مراقبون أن هناك حالة من “الغموض” تكتنف عمل الحكومة اللبنانية فيما يخص ملف إعادة اللاجئين السوريين “طوعاً”، فرغم الإعلان عن بعض الخطوات “المطمئنة” للاجئين، إلا أنّ هناك غياب للشفافية، خاصة في آليات متابعة السوريين العائدين.
ووفق ما ورد إلى مرصد مينا من مصدر حقوقي فضل عدم الكشف عن اسمه، فإنّ إعادة اللاجئ السوري من لبنان وفق الآلية المعتمدة تبدأ من تقديم اللاجئ طلباً بهذا الخصوص لدى مراكز تسجيل في مختلف أنحاء لبنان يكون تحت إشراف وتنسيق المديرية العامة للأمن العام اللبناني. وتقوم تلك المراكز بإعداد لوائح اسمية بأعداد المنوي اعادتهم، على أن يحدد يوم واحد لتلك العودة، فترسل دمشق حافلات لنقلهم إلى سوريا.
اللافت- وفق المصدر- أنّ الأمن العام اللبناني لم يعتمد الطريقة التي كان يتّبعها منذ 3 سنوات في تبليغ من جاءت الموافقة على اسمه في عبور الحدود اللبنانية – السورية فحسب، وإنما صارت الصيغة الجديدة “أكثر شفافية” والتي تتمثّل بقيامه بتبليغ اللاجئ بأن لديه ملاحقة أمنية – قضائيّة من دون تحديد تفاصيلها.
وبحسب الموقع الإلكتروني للأمن العام اللبناني، تقدم طلبات الراغبين في العودة إلى سوريا إلى أحد 18 مركزاً تابعاً للمديرية افتُتحت أخيراً على جميع الأراضي اللبنانية لاستقبال هذه الطلبات. وتتوزع هذه المراكز على الشكل التالي: بيروت (مركز بيروت)، جبل لبنان (حارة صخر، برج حمود، بيت الدين، الدامور)، الشمال (طرابلس، الكورة)، عكار (العبدة، حلبا، البقيعة)، الجنوب (صيدا)، النبطية (النبطية، شبعا)، البقاع (زحلة، جب جنين)، بعلبك الهرمل (بعلبك، عرسال، اللبوة).
المصدر يضيف بأنّه عند مغادرة اللاجئ لبنان، يتم وضع إشارة منع دخول إلى لبنان بإقرار واضح وصريح لدى مكاتب الأمن العام على الحدود اللبنانية، من دون معرفة المدة الزمنية لمنع دخولهم لبنان.
في المقابل، تروّج مصادر إعلامية لبنانية “متحمسة” لخطوة إعادة السوريين، إلى فكرة أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم حصل من الجانب السوري على “تعهدات رسميّة بعدم المساس بالعائدين”، وتقول بأنّ اللواء إبراهيم، اتفق مع الجانب السوري على تفاصيل الترتيبات اللوجستيّة البسيطة أو تلك التي قد تشكّل عقبة، بما في ذلك إرجاء طلب العائدين إلى الخدمة العسكريّة الإلزاميّة 6 أشهر، وإعفاء السلطات السورية واللبنانية العائدين من الرسوم الجمركيّة على مقتنيات كالهواتف، ومعدات ألواح الطاقة الشمسيّة، والأغراض المنزليّة، في حين يجب على اللاجئين الذين يرغبون في العودة بسياراتهم امتلاك أوراق قانونية للسيارات في لبنان أو سوريا.
التجهيزات في سوريا
رغم الحديث عن أن الجانب السوري يستعد لاستقبال اللاجئين من خلال مراكز استقبال وتجهيزات طبية وما إلى هنالك، إلا أنّ لا مؤشر على تنفيذ ذلك على أرض الواقع.
ووفق معلومات حصل عليها مرصد مينا فقد تمّ نقل اللاجئين العائدين إلى عدة مراكز متواضعة، أكبرها مركز التنمية الريفية في بلدة رأس العين بناحية يبرود في ريف دمشق، ومن هناك جرى بضع عائلات إلى منازلهم في القلمون الشرقي، بينما لاتزال بقية العائلات مقيمة في تلك المراكز بسبب تضرر منازلها من المعارك.
وينحدر معظم هؤلاء العائدين من مدن وأرياف سورية دمرت الحرب بنيتها التحتية جزئيا أو كليا، ويفتقر معظمها إلى الخدمات الأساسية ومقومات الحياة، بما في ذلك المراكز الصحية والتعليمية.
ويرى مراقبون أنّ الحديث عن إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً من لبنان إلى سوريا هو ضرب من الخيال، على اعتبار أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة وتردّي غير مسبوق في الواقع المعيشي.
أعداد العائدين
كما أسلفنا، استأنفت السلطات اللبنانية خطة إعادة النازحين السوريين في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وشملت المرحلة الأولى نحو 750 لاجئاً، إلا أن 511 لاجئا فقط هم من عادوا حينها.
ووفق مصادر مطلعة فإن معظم العائدين في هذه الدفعة هم من الأطفال والنساء الذين يقطنون في مخيمات بمنطقة عرسال، وهم متحدرون من قرى وبلدات “فليطة، الجراجير، المشرفة، النبك، دير عطية” في ريف دمشق.
في حين ضمت الدفعة الثانية، يوم 5 نوفمبر، 330 سورياً غادروا سهل البقاع إلى منطقة القلمون غربي سوريا. واعتقل فرع الأمن السياسي، وفق ما سجّله مركز “وصول” لحقوق الإنسان (ACHR)، بمنطقة النبك لاجئين إثنين من بين العائدين خلال الدفعة الثانية، أحدهما تم الإفراج عنه بعد دفع رشوة مالية، أما الثاني ما يزال موقوفاً.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان نحو 1.5 مليون يشكلون حوالي ثلث سكان البلاد، 900 ألف منهم مسجّلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يتوزعون على مختلف الأراضي اللبنانية وبخاصة في البقاع والشمال اللبناني. العديد منهم يفتقدون للاوراق الثبوتية ما يمنعهم من العودة إلى بلادهم فيما الجزء الاخر يصنف من فئة العامل الذي تنتفي عنه صفة اللاجئ.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 76 ألف و500 لاجئ سوري على الأقل عادوا طواعية من لبنان منذ عام 2016، بعضهم في رحلات نظمتها الحكومة والبعض الآخر بمفردهم، في حين تزعم الحكومة اللبنانية أنّ 540 ألف سوري تمت إعادتهم إلى سوريا ضمن إطار العودة الطوعية في السنوات الماضية.
ويحذر نشطاء حقوقيون من إمكانية تصاعُد هجرة اللاجئين إلى أوروبا في حال إصرار لبنان على تنفيذ خطة إعادتهم إلى سوريا بشكل غير منسَّق مع المجتمع الدولي، ودون توفير بيئة أمنية واقتصادية مناسبة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.