منذ الإعلان عن الاتفاق السياسي في ليبيا وقدوم السلطة الجديدة إلى البلاد، تظهر معضلة العلاقات التركية الليبية والاتفاقات المعقودة بين حكومتي العدالة والتنمية من جهة وحكومة الوفاق من جهة أخرى، كعقبة محتملة في وجه الاتفاق، لا سيما وأنه يعتبر مؤثراً على المصالح التركية في ليبيا والتي كانت تمثلها حكومة الوفاق.
رئيس الحكومة الجديد، “عبد الحميد الدبيبة” وفي تصريح له، الخميس، يكشف في تصريح مفاجئ، عن مستقبل العلاقات بين البلدين، لافتاً إلى أن حكومته ستستمر في العمل باتفاقية الحدود البحرية مع تركيا، وأنه سيدرس الاتفاقيات الأخرى.
يشار إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود البرية، الموقعة بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، نهاية العام 2019، قد أثارات جدلاً محلياً وإقليمياً، على اعتبار أنه منحت تركيا مساحة كبيرة ضمن مياه البحر المتوسط، ما أثار حفيظة كل من مصر واليونان وقبرص وإيطاليا، خاصةً وأن تركيا أتبعت الاتفاق، بإرسال قوات مسلحة إلى ليبيا وتحديداً إلى العاصمة طرابلس.
احترام السيادة وشروط محددة مسبقاً
على الرغم من حديثه عن علاقات مميزة بين تركيا وليبيا، إلا ” الدبيبة” يشترط في تلك العلاقات أن تكون مبنية على أساس احترام السيادة المتبادل بين الطرفين، وعلى الشراكة بينهما، في إشارة منه إلى أن تحسن العلاقات بين الحكومة الجديدة وتركيا لن يكون قائماً على تبعية ليبيا للقرار التركي، بحسب ما يراه محللون سياسيون.
يذكر أن الجيش الليبي ودول إقليمية بينها دول الاتحاد الأوروبي، قد اتهمت تركيا في وقتٍ سابق، بتسيخ حالة التوتر في ليبيا من خلال استمرارها بإرسال السلاح والمرتزقة إلى البلاد، دعماً للقوات الموالية لحكومة الوفاق.
من جهته، يعلق الباحث في شوؤن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “عمرو عبد العاطي”ن على تصريحات “الدبيبة” بانها محاولة من الأخير لمسك العصا من المنتصف، وإرسال إشارات تطمين للحكومة التركية، بأن حكومته لن تنصب العداء لها، لافتاً إلى أنه نوع من الدبلوماسية، التي يسعى من خلالها خليفة “فايز السراج” إلى تحييد ليبيا عن الصراعات الإقليمية.
كما يذهب “عبد العاطي” إلى التأكيد بأن تصريحات “الدبيبة” ممكن أخذها بإيجابية من خلال تفسيرها على أن الحكومة القادمة لن تنخرط في مواجهات محلية أو إقليمية، الأمر الذي قد يمكنها من تسيير أمور البلاد خلال فترة ما بعد الانتخابات، معتبراً أن ليبيا بأمس الحاجة لتحقيق الاستقرار الأمني خلال الفترة الحالية.
ويضيف “عبد العاطي”: “تركيا تمتلك على الأرض الليبية جيش وميليشيات مسلحة قادرة على تهديد الأمن والاستقرار، وفي ظل عدم وجود تحرك دولي فعلي لإخراج تلك القوات، فإن الحكومة الليبية لن تكون قادرة على مواجهة النفوذ التركي منفردة أو الاصطدام به”، مشدداً على أن ليبيا بحاجة قرارات وتحركات واعية وليس شعارات.
في السياق ذاته، يشكك “عبد العاطي” في تلقي الحكومة التركية لرسالة “الدبيبة” بشكل إيجابي أو التعامل معها بجدية، لافتاً إلى أن المصلحة التركية في ليبيا تقوم على الهيمنة على القرار الليبي وليس بناء شراكات أو علاقات جيدة بين الدولتين، وهو ما يجب أن ينتبه له رئيس الحكومة الجديدة، على حد وصفه.
مواقف غير مشجعة ودبلوماسية مفروضة
الدبلوماسية التي ظهر فيها “الدبيبة” حيال تركية، وكما يراها المحلل السياسي، “معمر السنعوسي”، يفرضها الموقف الأمريكي، الذي لم يتطرق خلال تناوله للعلاقات التركية – الأمريكية، إلى الملف الليبي، وربط تحسن العلاقات بينهما بملف صواريخ إس 400 الورسية وتراجع انقرة عنها، معتبراً أن ذلك الموقف من إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، خلق شعور لدى القيادة الليبية الجديدة بأن الوجود التركي ليس ضمن اولويات واشنطن، ما قد يعرق أي موقف دولي لإخراج تركيا من ليبيا.
أما عن الرهانات التي يمكن للحكومة الليبية أن تتمسك بها، فيحصرها “السنعوسي” بلموقف المصري والأوروبي، الذي كان الأكثر جدية وتصلباً حيال انتشار الجيش التركي داخل البلاد، لافتاً إلى أن “الدبيبة” عليه أن يعمق التعاون مع مصر والاتحاد الأوروبي في حال قرر مواجهة تركيا.
يذكر أن كلا من مصر والاتحاد الأوروبي، طالبا عدة مرات بضرورة سحب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، للبدء في المسار السياسي الليبي، رافضين ما وصفوه بالتدخلات التركية، التي أذكت الصراع لليبي وأوصلت البلاد إلى الحال التي تعيشها حالياً.
كما يشار إلى أن الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، رفض الأسبوع الماضي، سحب القوات التركية من ليبيا، التي قال إنها موجودة لتدريب قوات داعمة لحكومة الوفاق، رابطاً قرار سحب الجيش التركي من هناك بانسحاب بقية القوات الأجنبية، التي قال إنها منتشرة في ليبيا.
فترة انتقالية وأولويات تفرضها المرحلة
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الليبية، المقررة نهاية العام الجاري، يشير الباحث في الشؤون الليبية، “سعد الشريفة” أن البلاد تمر في فترة حرجة جداً ستقرر مصيرها في المستقبل القريب، موضحاً أن هذه المرحلة الانتقالية لا تحتمل أي توتر من أي نوع سواء أكان سياسياً أم أمنياً.
كما يبدي “الشريفة” تخوفه من الموقف التركي، الذي يرى فيه خطراً يهدد الاتفاقات التي تم التوصل إليها مؤخراً، لافتاً إلى أن المشروع التركي في ليبيا لا يرتبط فقط في مصالحها على التراب الليبي فقط، وإنما في شمال إفريقيا ككل، وخصوصاً تونس، لاسيما وأن حركة النهضة، المقربة من تركيا، تعاني فيها من أزمة قد تقصيها من الحكم.
ويربط “الشريفة” مخاوفه من ردة الفعل التركية، بقلق الأخيرة من تأثير سقوط حكومة الوفاق في ليبيا على وضع حركة النهضة في تونس، الأمر الذي قد يفقدها تعب سنوات قضتها في ترسيخ وجودها العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة.