أثرت أزمة المياه في إيران على مختلف مناحي الحياة والأسر والزراعة وتربية الماشية، كما أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي، في وقت نضبت فيه مصادر المياه الجوفية إلى حد خطير، الأمر الذي كان سببا في الاحتجاجات المستمرة في الشوارع وتصاعد أعمال العنف في البلاد.
وبينما سلطت الاحتجاجات الأخيرة التي هزت الأحواز “خوزستان” الإيرانية، الضوء على خطر يُهدد إيران بالزوال ألا وهو الإفلاس المائي الذي لطالما حذر منه مسؤولون إيرانيون، يتوقع مراقبون تسجيل شح في المناطق المعروفة بوفرة المياه، على غرار الجزء الشمالي والشمالي الغربي من البلاد وهو ما سيكون له انعكاساته حتما على قطاعات أخرى، تنذر بحرب مياه في المنطقة.
من جهة أخرى، يرى آخرون أن أزمة المياه تعد أول اختبار جدّي للرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الذي انتخب في الـ12 من حزيران/ يونيو الماضي، حيث بات الغضب منصبّا على النظام الإيراني الماسك بمقاليد الحكم منذ قيام الثورة الإسلامية سنة 1979.
ناقوس الخطر
تلقى النظام الإيراني تحذيرات متتالية من قبل مسؤولين وعلماء بشأن أزمة المياه، حيث نبه وزير الطاقة “رضا أردكانيان” من نقص المياه خلال فصل الصيف، قائلا إن هذا العام سيكون “أحد أكثر الأعوام جفافا منذ 50 عاما”.
ومؤخرا، أكّد تقرير أمريكي أنّ إيران ستواجه إفلاسًا مائيًا وشيكًا، موضحًا أن ما شهدته محافظة خوزستان الإيرانية من أزمة مياه واحتجاجات لم يكن أمرًا غير متوقع.
وذكر التقرير أنه في عام 2015 حذر “عيسى كالانتاري”، وزير الزراعة الإيراني الأسبق من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني 60% من السكان على مغادرة البلاد، كما شكا من أن المسؤولين في طهران تجاهلوا المشكلة لفترة طويلة للغاية، مضيفًا: “والآن فهموا المشكلة، لكنهم تأخروا إلى حد ما”.
وقال الكاتب الصحفي الأمريكي “بوبي جوش” في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه بعد عامين، تم منح “كالانتاري” الفرصة لعمل شيء ما بالنسبة للمصيبة التي تنبأ بها، فقد تم تعيينه نائبًا لرئيس البلاد لشؤون حماية البيئة – أي فعليًا وزير البيئة، لكنه منذ ذلك الحين لم يفعل أكثر من ترديد المزيد من التنبؤات الأليمة، ففي بداية هذا الصيف توقع اندلاع “حرب مياه” ستنتشر في المناطق الريفية، ما يعرض إيران لخطر “الزوال”.
أرقام صادمة تنذر بحرب داخلية
تشير الإحصاءات إلى أن الذخائر الاستراتيجية المائية في إيران تراجعت بنسبة 90 في المئة خلال 9 عقود، وفقدت إيران 80 في المئة منها خلال العقود الأربعة الماضية، حيث تراجع معدل المياه من 13 ألف متر مكعب في السنة إلى 1400 متر مكعب، كما أصبحت أكثر من 60 في المئة من مخازن السدود الإيرانية فارغة.
ومن بين 220 مدينة كبيرة في إيران، تواجه 140 منها أزمة مياه حادة، كما تحول أكثر من 298 سهلا خصبا في إيران إلى صحراء قاحلة.
ترى الباحثة المختصة في الشأن الإيراني، “سهير السامرائي”، أن هذه الأرقام تؤكد أن فكرة الحرب الداخلية لم تعد من صنع الخيال وإنما تثبتها، مشيرة إلى أنه خلال العقود الثلاثة الماضية تمحور ثلث الاحتجاجات في إيران حول موضوع المياه، وكذلك كانت أكبر الاحتجاجات خلال العقود الماضية في إيران من حيث التعداد.
واللافت في احتجاجات المياه الإيرانية، بحسب “السامرائي”، أنها ليست متمركزة في نقطة واحدة، وإنما سببت انشقاقات في جغرافيا إيران، مشددة على أن موضوع المياه أكبر تهديد موجه لسلامة الأراضي الإيرانية في المستقبل القريب.
وتعتقد “السامرائي” أن الحرب الداخلية على المياه والاضطرابات الاجتماعية أمر لا مفر منه في إيران، مستشهدة بالاحتجاجات التي تشهدها البلاد حاليا، والتي أدت إلى أكثر من 5 قتلى، على الأقل، بين المتظاهرين برصاص قوات الأمن، مرجحة ان تشهد معظم المدن والبلدات الإيرانية أعمال عنف تقود إلى مزيد من التوتر.
يشار إلى أن أزمة المياه كانت أدت خلال السنوات الماضية، إلى تدخل غير مسبوق من وزارة الزراعة ووزارة الطاقة لفرض قائمة من المحاصيل الممنوعة على المزارعين في كثير من المناطق.
والعام الماضي، أعلنت السلطات عن تقييد الزارعة الصيفية في الأحواز وأصفهان ويزد وكرمانشاه وجيلان ومازندران وهمدان، وهذا يعني حرمان إيران من آلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية وبطالة نحو 250 ألفاً، في بلد يعجز عن ترويض حصان البطالة الجامح، بحسب مراقبون.
الجدير بالذكر أن الأحواز شهدت في 2016 أكبر مظاهرات ضد تحويل نهر كارون بمشاركة أكثر من 40 ألفاً، كما سجلت أغلب احتجاجات المياه أعمال عنف وقمعا من قوات الأمن، حيث تشير الإحصاءات المستقلة إلى أن الاحتجاجات حول المياه سجلت حتى الآن أكثر من 46 قتيلا ومئات المعتقلين والجرحى.
أزمة إقليمية
تشير الباحثة “السامرائي” إلى أن الأزمة المائية لم تقتصر على إيران، بل طالت دول الجوار بعدما أعلن العراق رسمياً أن إيران قطعت المياه عنه بشكل تام، مما عجّل من ووضع العراق أمام مشكلة حقيقية، خاصة بعد أن حولت إيران مجرى الأنهار التي كانت تساهم بتزويد العراق بالمياه، معتبرة أن ذلك سيشكل في المستقبل القريب ازمة جديدة لإيران مع جارتها قد تؤثر على علاقات البلدين الاقتصادية والسياسية وتفقد إيران أحد أهم حلفائها في المنطقة.
وتقول “السامرائي” إن طهران عملت على تغيير مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل، كما أكدت أن تدفق المياه توقف كلياً، ويعد الزاب الصغير أحد أهم الروافد الخمسة الرئيسية لنهر دجلة، حيث سيؤثر تحويل إيران لمجرى 43 رافداً على المدن والمناطق المحيطة بالنهر إلى تعجيل جفاف الإقليم.
وكان العراق قد لوح باللجوء إلى المجتمع الدولي في حال استمرار ايران بقطع المياه، وقال وزير الموارد المائية العراقي “مهدي رشيد الحمداني” إن “الإطلاق المائية من إيران بلغت صفراً”، كما صرح بأنه سيتم “اتخاذ حلول لتخفيف ضرر شح المياه في محافظة ديالى” شرقي العراق، واعتبرت خطوة إيران الأخيرة تجاوزاً واضحاً لكل القوانين والأعراف التي تُنظم حقوق الدول في الأنهار العابرة للحدود.
تداول مغردون صوراً للمناطق المتضررة من انعدام المياه، ومقاطع مرئية لنفوق الحيوانات في بعض مدن البلاد، فضلاً عن هلاك آلاف الدونمات من المزروعات وتأثرها سريعاً بانقطاع المياه، وهو الأمر الذي جعل به وزير الموارد المائية العراقي، “مهدي رشيد”، يصرح باللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستحصال حقوق بلاده المائية من إيران، وصرح بأن “الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا ومازال يقطع المياه عن أنهر وجداول سيروان والكارون والكرخة والوند، ما سبب أضرارا جسيمة لسكان ديالى التي تعتمد بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران”.
وأثار ذلك ردود فعل شعبية وسياسية غاضبة، إذ طالب مدونون عراقيون، بطرد السفير الإيراني، لعدم التعامل مع العراق، وفق السياقات القانونية، والأطر الدولية، خاصة في ملف المياه، بعد توقف تام لها، على رغم أهميتها لعدد من الأنهار والروافد العراقية، في عدة محافظات، الأمر الذي جعل وزارة الموارد العراقية أرسلت مذكرة للجانب الإيراني، تطالبه بالالتزام بالبروتوكولات والاتفاقيات التي بين البلدين بشأن المياه المشتركة.
اختبار جدي لـ “رئيسي”
تُشكل أزمة المياه اختبارا جدّيا للرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، حيث بات الغضب منصبّا على النظام الإيراني الماسك بمقاليد الحكم منذ قيام الثورة الإسلامية، حسبما يرى المحلل السياسي “فواز عبد الله”، الذي يشير إلى أن الرئيس الجديد يواجه في الأساس شكوكا حول شرعيته السياسية- إذ أن انخفاض مستوى المشاركة في التصويت لأدنى مستوى تشهده إيران حتى الآن – قوض انتخابه بعد استبعاد كل منافسيه الحقيقيين.
ويضيف “عبدالله”، “لكن أزمة المياه هي أكثر تحديات رئيسي تعقيدا، فاتجاهات تغير المناح تشير إلى أن فصول الصيف ستكون أشد حرارة وجفافا في السنوات المقبلة، ومصادر المياه الجوفية في إيران قد نضبت بالفعل إلى حد خطير. ومثل خامنئي، يعتقد رئيسي أنه لكي تعزل الجمهورية الاسلامية نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها” اقتصاد صمود”، يُعتبر الاكتفاء الذاتي الزراعي أهم دعائمه. ومن الواضح أن هذا أمر مستحيل بينما تواجه إيران ما وصفه علماء البيئة بأنه إفلاس مائي وشيك”.