يواجه العاملون في قطاع الزراعة التونسي مشاكل هيكلية تعرقل تطور عملهم، وسط انقطاع حاد في مادة السماد الزراعي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، بالإضافة الى نقص الكميات المخصصة من البذور للمزارعين.
وبالرغم من صمود القطاع أمام الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، إلا أن مصادر تونسية تحذر من فشل وفقدان الموسم الحالي، نتيجة تقصير الحكومة و تجاهلها لمطالبات المزارعين.
خلال الأسابيع الماضية نظم المزارعون في مناطق زراعة الحبوب وقفات احتجاجية يومية، أمام مقار السلطات المحلية، للمطالبة بضخ الكميات اللازمة من الأسمدة في الأسواق وملاحقة المضاربين والمحتكرين الذين أشعلوا الأسعار.
على إثر ذلك، طالبت المنظمة الدولية لسياسات حقوق الأنسان، “إمباكت” السلطات الحكومية في البلاد بالاستجابة لمطالب المزارعين المحليين وتوفير الأسمدة الكيميائية، لمنع فشل موسم زراعة الحبوب في عام تميز بوفرة الأمطار وانقشاع شبح الجفاف الذي اجتاح البلاد العام الماضي.
تقصير حكومي رغم أهمية القطاع
خلال العام الماضي، كان القطاع الزراعي هو القطاع الوحيد، الذي استمر في النشاط وفي تحقيق الأرقام الإيجابية للاقتصاد التونسي، حيث ساهم بحوالي 10 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، و بنسبة 10 بالمئة في الصادرات التونسية، كما استقطب 8 بالمئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14 بالمئة من اليد العاملة النشيطة، في حين شكل مورد رزق لأكثر من 570 ألف مشتغل فلاحي وبحار، حسبما كشفت بيانات المعهد التونسي للإحصاء، الذي اشار في تقرير، الى أن صادرات البلاد تراجعت 11.7 بالمئة خلال 2020، نتيجة تراجع أغلب القطاعات، باستثناء صادرات قطاع المنتوجات الزراعية والغذائية التي ارتفعت 12 بالمئة.
وبالرغم هذه الأرقام الإيجابية التي يحققها القطاع، فإنه يعاني من تهميش كبير من طرف الدولة، حسبما يكشف مراقبون ومزارعون تونسيون، محذرين من أزمة أسمدة حادة قد تعصف بالموسم الزراعي الحالي.
مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالتخطيط الاستراتيجي “خالد العراك”، يرى أن “السياسات التي اعتمدتها الدولة اعتبرت أن القطاع الزراعي ثانوي وليس في صلب الاقتصاد التونسي، مشيرا الى أن كل السياسات المعتمدة لم تعط الفلاحة مكانتها الحقيقية، خاصة في الفترة الصعبة التي تمر بها تونس اليوم مع انتشار فيروس كورونا، وكاشفا أنه لولا القطاع الزراعي لكانت الأوضاع أكثر سوءا، فقد استطاع توفير كل الاحتياجات من الغذاء.
أما المهندس الزراعي “رامي الشريتي”، فيرى أن أهم النواقص التي يواجهها القطاع، نصيبه المتدني من الاستثمارات سواء العمومية أو الخاصة، موضحا أن “نسب الاستثمار في الفلاحة اليوم تكاد تكون معدومة مقارنة بقطاعات أخرى خاصة السياحة، في بلد زراعي.
ويشير “الشريتي”، الى قضية عزوف الشباب عن العمل في القطاع، مبينا أن “أكثر من 85 بالمئة من النشطين في القطاع يتجاوز أعمارهم 55 عاما”.
وبحسب “الشريتي”، فإن قطاع الفلاحة يواجه صعوبات الحصول على تمويلات، حيث أن أغلب المزارعين لا يستطيعون الحصول على التمويلات بسبب تراكم مديونيتهم وهو ما جعل 70 ألف مزارع مدرجين في القائمة السوداء ولا يمكنهم الحصول على هذه القروض مرة أخرى”.
أزمة أسمدة تهدد الموسم الحالي
تشهد تونس نقصاً حادا في الأسمدة اللازمة لنمو المحاصيل المختلفة، لا سيما الحبوب، حسبما يكشف المزارع “خالد حمود”، الذي يؤكد لمرصد “مينا” أن زراعات القمح والشعير تقاوم لاستكمال النمو في ظل غياب الكميات المطلوبة من السماد، وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.
ولا يخفي “حمود” تشاؤمه بنجاح الموسم الحالي، مشيرا الى أن الأسبوعين المقبلين سيحددان مصير الموسم الزراعي لهذا العام، ومؤكدا أن نجاحه متوقفا على قدرة الحكومة على تلبية احتياجات المزارعين من السماد.
وتحتاج الحبوب، بحسب “حمود”، إلى التسميد مرتين، من أجل المحافظة على المحاصيل وتحسين جودة الحبوب، الأولى في شهر كانون الأول / ديسمبر، والثانية في شهر شباط\ فبراير، موضحا أن 70 من المزارعين لم يتمكنوا من تسميد بذورهم حتى الأن وأن هذه المواد حيوية للزراعات ولا يمكن الاستغناء عنها.
ووفق “حمود” يحتاج هكتار الحبوب، 10 آلاف متر مربع، إلى ما بين 3.5 و4 قناطير من السماد، لافتاً إلى أن سعر القنطار المدعوم يبلغ نحو 50 ديناراً أي ما يقرب الـ 18.2 دولاراً، بينما يباع في السوق السوداء بـ 60 ديناراً، بزيادة تبلغ نسبتها 20%، فيما يصل سعر القنطار الواحد من مادة “دي أي بي” المستخدمة للتسميد، الى نحو 75 ديناراً بدلاً من السعر الرسمي البالغ 62 ديناراً.
مصادر حكومية أوضحت أن قطاع الزراعة التونسي الذي يضم قرابة مليون و250 ألف هكتار، يحتاج إلى 200 ألف طن من مادة “الأمونيتر” المستخدمة للتسميد سنوياً، مشيرة الى أن أزمة تراجع إنتاج الفوسفات في السنوات الأخيرة أثرت بشكل سلبي على توفير الأسمدة في البلاد.
يشار الى أن البيانات الرسمية أظهرت تراجع إنتاج الفوسفات في تونس، خلال العام الماضي بنسبة 44%، مسجلاً 3.1 ملايين طن، وذلك بسبب الاضطرابات والاعتصامات المتكررة التي تشهدها مناطق الإنتاج، فضلاً عن عدم التمكن من شحن سوى 2.3 مليون طن إلى معامل صنع الأسمدة، مقابل 3.2 ملايين طن في 2019.
منتصف العام الماضي، أصدر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، كتابا تحت عنوان “الفلاحة هي الحل لتعزيز سيادتنا وتنمية اقتصادنا”، تناول فيه أهم الصعوبات التي يعاني منها القطاع الزراعي في تونس، موضحا أن القطاع يمثل مورد رزق لأكثر من 500 ألف فلاح و60 ألف بحار، كما أنه يمثل بصفة غير مباشرة مورد رزق لأكثر من 2.5 مليون عامل.
وبحسب كتاب الاتحاد فإن أهم المشاكل التي تعترض القطاع الزراعي، هو التعاطي الخاطئ للدولة مع الفلاحة، خاصة في التفريط في البذور والمشاتل المحلية مقابل استيراد بذور ومشاتل أجنبية مهجنة وجعلها في تبعية لدول أخرى.