يبدو أن النظام الإيراني لا يوجه فقط واحدة من أعنف الثورات، التي شهدتها البلاد على مدار 40 عاماً، وإنما ربما تكون أطولها، وأكثرها إصراراً على زعزعته، لا سيما مع تجدد الدعوات للتظاهر غداً – الخميس، على الرغم من القبضة الأمنية والعسكرية، المفروضة من قبل النظام، على خلفية المظاهرات، التي خرجت الشهر الماضي، وعمت أنحاء البلاء.
الناشط السياسي الإيراني المعارض “ميلاد هدايتي”، أشار في حديثه مع مرصد “مينا”، إلى أن إيران ومنذ العام 1979، تعيش ثورة متواصلة، تتوارثها الأجيال، التي عاصرت نظام الملالي وحكم العمائم، مضيفاً: “على الرغم من حالات وفترات الركود، إلا أن جميع المظاهرات والاحتجاجات مترابطة منذ وصول خميني إلى الحكم، وصولاً لليوم، خاصة وأن جميعها قامت ضد ذات النظام ولذات الأسباب ومن ذات الشعب، كما أنها قوبلت بذات العنف والقمع والإجرام”.
بالإضافة إلى ذلك، لفت “هدايتي” إلى أن عدم وجود أي حلول في جعبة النظام الإيراني لأيٍ من مشاكل الشعب، سوى مواجهتها بالقتل والقمع والاعتقال، جعل من المظاهرات ضده، جزءاً من الإرث الذي يتركه الأباء لأبنائهم، ضد العصابة الحاكمة، خصوصاً وأن كل عائلة إيرانية لديها ثأراً مع النظام، بعد أن قضى فرداً على الأقل من أفرادها على يد الأجهزة الأمنية أو في معتقلاتها، لافتاً إلى أن المجتمع الإيراني يعيش حالة تعمق للأزمات منذ أربعين عاماً؛ دون أي حلول من قبل الحكومات المتعاقبة.
وأردف “هدايتي”: “انظر إلى إيران منذ عام 1979 وحتى 2019، هي تعاني من تراجع العملة وضعف الاقتصاد، وسوء المعيشة وهدر الثروات، والقبضة الأمنية، والمعتقلات، والنظام الديكاتورتي الراديكالي”، لافتاً إلى أن نسب الفقر في بلاد آبار النفط، وصلت إلى ما يتراوح بين 25 و 40 في المئة، في حين يعيش 16 في المائة من الشعب تحت خط الفقر، بسبب سياسات النظام ومغامراته غير المحسوبة.
توقعات “هدايتي” حول تجدد انفجار الأوضاع في إيران، ارتبطت أيضاً باستمرار الأسباب المتعلقة بالسياسات العداونية الخارجية للنظام الإيراني، مضيفاً: “مشاكلنا ليست داخلية فقط، وإنما مرتبطة أيضا بسياسات النظام، التي أوقعت البلاد ضحية عزلة دولية، وحصار اقتصادي، أعادها مئات السنين إلى الوراء، لمجرد إطلاق مجموعة من الشعارات الرنانة، التي يخفي الولي الفقيه ورائها فساده ونهمه للسلطة.
إلى جانب ذلك، أوضح “هدايتي”: “جميع المظاهرات والمعارضين والناشطين الإيرانيين يطالبون بوقف عمليات تمويل الميليشيات في دول الجوار، وإيقاع البلاد في أتون صراعات إقليمية لا طائل منها سوى تعميق عزلة الإيرانيين، ما لا يفهمه النظام اليوم، بأن الجيل الحالي يختلف عن سابقيه، فهو أكثر توقاً للتحرر والانفتاح وأكثر اندفاعاً تجاه بناء علاقات مع المجتمع الدولي بعيداً عن الخطاب الطائفي ولغة الموت لأمريكا والرأسمالية”.
أما عن التوقعات لما قد تقود إليه المظاهرات، وسيناريوهات المستقبل الإيراني، أشار الناشط المعارض “جواد مشائي”، – اسم مستعار-، إلى أن ما يحدث في إيران هو عبارة عن جولات بين الشعب والنظام، وأن الشعب في فترة ما، سيتمكن من كسب جولته الأخيرة، والفاصلة، خاصة وأن مسار التصعيد الشعبي ضد سلطات الملالي آخذة بالارتفاع من حيث الرقعة الجغرافية والشريحة المشاركة.
وأضاف “مشائي”: “حتى داخل النظام باتت الأصوات تتعالى مطالبة بوضع حد للعزلة الإيرانية عن العالم، وضرورة تقديم مبادرات تجاه الغرب، فالكثير من المسؤولين الإيرانيين اليوم غير قادرين على التنعم بالأموال السروقة من الشعب بسبب العقوبات”، لافتاً إلى أن المعركة الحقيقية سيخوضها الشعب ضد النظام بعد وفاة المرشد الأعلى “علي خامنئي”.
ولفت “مشائي” إلى أن النظام الإيراني قد يبدو للظاهر متماسكاً، ولكن واقعه مختلف تماماً، مع ظهور تيارات متصارعة على السلطة وعلى خلافة “خامنئي” حتى بين معسكر المحافظين المتشددين، لا سيما بين حفيد المرشد السابق “علي خميني، وبين رجل الدين “إبراهيم رئيسي”، وبين بعض جنرالات الحرس الثوري، لافتاً إلى أن وفاة “خامنئي” ستكون نقطة مفصلية في مصير النظام.
واعتبر “مشائي” في تحليله لمستقبل النظام الإيراني، أن كل المظاهرات التي ستشهدها إيران خلال حياة “خامنئي” ستكون بمثابة إضعاف متكرر للنظام، لافتاً أن وفاة المرشد ستعني اندلاع المعركة المصيرية للشعب الإيراني، الذي سيستغل فرصة الصراع على السلطة وانقسام مؤسسات النظام لتوحيه الضربة القاضية له، مستفيداً من حالات الانشقاق التي ستصل على مستوى الجترالات الراغبين بتفاهم أكبر مع الولايات المتحدة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.