يعيش العراق فعليًا على أحداث انبعاث تنظيم الدولة “داعش” الذي نشطت خلاياها مؤخرًا مدفوعة بتناسب ظرفي زماني ومكاني ساهم وحض التنظيم على محاولة استغلال الظرف أيما استغلال لتحقيق اختراق جديد يسمح بعودة ما انتهى من سيطرة وتحكم بأراضٍ عراقية أُعلن عن الانتهاء من وجود داعش فيها.
إن حساسية التوقيت تنطلق من أزمة وباء كورونا الذي انتشر في العالم كله وشكّل ضغطًا على الأنظمة اقتصاديًا وأمنيًا بفعل ما فرضه من حجر وإيقاف أنشطة البلاد وعرقلة الاقتصاد العالمي، ما وجدت فيه تنظيمات إرهابية كداعش، فرصة سانحة للانبعاث من جديد.
نقطة مهمة تتصل بزاوية عميقة بالأزمة العراقية، مثلتها هبّة الجماهير وانتفاضتها ضد حكومة بغداد العميلة لنظام الملالي في طهران، ما شكل إرباكًا حقيقيًا للإيرانيين في العراق وهم يخوضون تنافسًا فعليًا ضد أمريكا هناك.. لتقوم إيران بمحاولة تخويف الجماهير عبر أذرعها من قضية الإرهاب لإيجاد مبرر لتغول الميليشيات واستمرار تحكمها بحياة الشعب العراقي تحت ذريعة حماية العراقيين من خطر تنظيمات كداعش لتعطيهم خيارًا ينحصر بين أمنهم وحريتهم.. هذا ما أوحت به تقاطعات المرحلة الأخيرة قبيل كورونا وأثنائها.. لا سيما أن مؤشرات كثيرة لمحت بتورط إيران وأذرعها بهجمات داعش الحالية في العراق.. عبر تسهيل تحرك عناصرها والدعم اللوجستي المناسب لها.
إلى ذلك، كشف مسؤول في وزارة الدفاع العراقية، أن فيلق القدس الإيراني نقل وبالتنسيق مع مليشيات حزب الله اللبنانية ومليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران المئات من مسلحي تنظيم داعش من سورية إلى العراق حيث جرى تزويدهم بالأسلحة والذخائر.. ضمن مخطط إيراني لإعادة الحياة للتنظيم الإرهابي.
فقد شهدت محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى (محافظات سنة العراق) منذ الأول من مارس/ آذار 2020 وصولاً للفترة الحالية.. شهدت ازديادًا ملحوظًا في عدد الهجمات المسلحة التي يشنها مسلحو وخلايا تنظيم داعش، خصوصا في المناطق الواقعة في أطراف هذه المحافظات.
حيث تنوعت الهجمات بين تفجير عبوات ناسفة وشن حرب عصابات وعمليات قنص وقصف بقذائف الهاون، وبين نصب كمائن واختطاف جنود وشرطة ومدنيين عراقيين وفق ما ذكرته المصادر الأمنية.
مسؤول في قيادة العمليات المشتركة، التابعة لوزارة الدفاع العراقية، وفي تصريحه لصحيفة “العين” قال مؤكدًا: “نقل فيلق القدس الإيراني ومليشيات حزب الله بالتنسيق والتعاون مع مليشيات الحشد الشعبي خصوصا مليشيات كتائب حزب الله العراق وعصائب أهل الحق وبدر منذ نهاية مارس الماضي وخلال الأسابيع الماضية المئات من مسلحي داعش من الأراضي السورية إلى العراق ليلا تحت رقابة أمنية مشددة”.
ليضيف المسؤول: “نشر مسلحو داعش بعد إدخالهم الأراضي العراقية في جزيرة البعاج وأطراف سنجار وتلعفر شمال وغرب الموصل، أما المجاميع الأخرى فتمركزت في صحراء الأنبار، فيما نقلت مليشيات كتائب حزب الله العراق قسما آخر منهم إلى محافظة ديالى وأطراف كركوك ومحافظة صلاح الدين، وزودتهم بكل أنواع الأسلحة التي سيحتاجونها لتنفيذ عمليات إرهابية في العراق”، معززًا اتهاماته بأن التنظيم استخدم خلال عملياته مؤخرًا في كركوك أسلحة وذخائر إيرانية الصنع.
تجدر الإشارة هنا أن انتشار ميليشيات الحشد الشعبي يتركز إلى جانب القوات الأمنية العراقية في تلك المناطق.. وهي قطعات عسكرية كبيرة (ميليشيات الحشد) وتمتلك أسلحة ثقيلة وصواريخ حصلت عليها من الحرس الثوري الإيراني، إلا أنها – بحسب ضباط الجيش العراقي – لا تتحرك لمواجهة تنظيم داعش ولا تفسح المجال للجيش والشرطة للتموضع على الحدود والمناطق الاستراتيجية.
السياسي العراقي المستقل “مثال الآلوسي”، وفي حديثه مع “العين” لفت إلى أن زعيم مليشيا حزب الله اللبنانية حسن نصر الله، سبق ورتب نقل مسلحي داعش من مناطق في سوريا إلى قرب الحدود العراقية، حيث تكررت هذه الحالة مؤخرًا.
وأضاف الآلوسي: “لعل تكرار عملية نقل مسلحي داعش يعود لإشراف نصرالله ومليشياته على جزء من الملف العراقي في محاولة من طهران لملء الفراغ الذي تسبب به مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة مليشيات الحشد أبو مهدي المهندس”.
ليؤكد الآلوسي اتهامات خطيرة: “تسعى طهران إلى إعادة الروح لداعش كمبرر لتمددها على حساب العراق وربط بيروت ودمشق وبغداد بسلسلة التبعية للولي الفقيه وحرسه الثوري، وهي أيضا من ضمن محاولات إسماعيل قآني قائد فيلق القدس لتجميع قيادات المليشيات المتصارعة التي جزء كبير من التزامها سابقا كان يعود لتوفر الأموال ولقوة البطش التي تتمثل بسليماني والمهندس”.
إلى ذلك، تشير معلومات استخباراتية عسكرية عراقية، والتي أكدتها “العين الإخبارية” من مصادرها في الجيش العراقي، إلى أن التنظيم تمكن خلال الأشهر الماضية من رص صفوفه وقد ازدادت أعداده مؤخرًا بعد انضمام مسلحين جدد قادمين من سوريا إليه، فضلا عن اعتماده على عدد من المسلحين العراقيين المحليين لتنفيذ هجمات يومية في مناطق مختلفة من محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى.
بدوره، كشف الخبير العسكري العراقي أعياد طوفان، أن تنظيم داعش نفذ خلال شهر مارس الماضي أكثر من 41 عملية مسلحة في العراق، أما في شهر أبريل/نيسان الحالي فبلغ عدد العمليات التي نفذها التنظيم أكثر من 63 عملية مسلحة”.
وأكد طوفان أن “التنظيم استخدم مدفع هاون من طراز (رازم) ويبلغ مداه 16 كيلومترا إيراني الصنع لقصف منطقة طوزخورماتو جنوب كركوك”، مشيرا إلى أن مدفع رازم من إنتاج مؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية عام 2010 وظهر كخط إنتاج عام 2012 واستخدم معه قنابره أيضا.
طوفان، اعتبر استخدام التنظيم لأسلحة وذخائر إيرانية دليلا واضحا على الدور الإيراني في إعادة إحياء داعش في العراق، موضحًا: “الأسلحة الإيرانية إضافة إلى المؤشرات التي تشير إلى دخول أكثر من 500 مسلح من مسلحي داعش إلى العراق وهم من المسلحين الهاربين من سجون قوات سوريا الديمقراطية الذين اختفوا بعد هروبهم بداية الشهر الحالي بين ليلة وضحاها في سوريا، جميعها أدلة تشير إلى دور وتواطؤ إيراني كبير فيما يحدث، وهي ضمن مخطط طهران ومليشياتها لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها”.
هذا واستخدم عناصر داعش خلال السنوات الماضية في هجماتهم ضد القوات العراقية أسلحة الجيش العراقي السابق، بالإضافة للأسلحة التي غنموها من الجيش العراقي الحالي بعد أن تمكنوا من السيطرة على مخازن السلاح والذخيرة في معسكرات الأنبار والموصل وصلاح الدين خلال هجماته التي أسفرت عن سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي العراقية عام 2014.