هيئة التحرير
مع رفض مجلس الأمن الدولي، المقترح الأمريكي بتمديد حظر السلاح المفروض على إيران، بدأت مجموعة من الخلافات في الموقف الأمريكي-الأوروبي، حيال التعامل مع الملف الإيراني، بحسب ما يراه الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “محمد الراعي”، لافتاً إلى أن تلك الخلافات تطورت أكثر بعد موقف أوروبا؛ غير المتحمس لطرح تفعيل العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني المنصوص عليه في الاتفاق النووي، والمعروفة بآلية سناب باك.
وكان مسؤولون في الإدارة الأمريكية، بينهم المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، “كيلي كرافت، قد وجهوا انتقادات واسعة للموقف الأوروبي، الرافض لإعادة فرض كامل العقوبات على إيران، معربين عن خيبة أمل الإدارة الأمريكية من ذلك الموقف.
عقدة المرحلة الجديدة
خلافات الموقف الأمريكي-الأوروبي، يعتبر “الراعي” أنها وصلت إلى مرحلة العقدة في وحدة طريقة التعامل مع إيران، لافتاً إلى أن الخلاف الأصل بين الطرفين يكمن في توجه الإدارة الأمريكية إلى التعامل المتشدد والحازم مع إيران في حين تميل أوروبا إلى التعامل الدبلوماسي.
وكانت الولايات المتحدة وأوروبا قد وقعا اتفاقاً نووياً مع إيران عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب” عام 2018، معتبرةً أنه غير كاف للحد من أنشطة وطموحات إيران النووية.
تعليقاً على الخلافات الأخيرة بين الجانبين، يشير الباحث في العلاقات الأوروبية-الأمريكية، “جو مولر”، في حديثٍ مع مرصد مينا، إلى أن الخلافات تعود إلى بداية تولي “ترامب للرئاسة”، لافتاً إلى أن فترة حكم الرئيس السابق “أوباما” كانت تشهد تقارباً في وجهات النظر في إمساك العصا من المنتصف، والاعتماد على مزيج من العقوبات والتعاطي الدبلوماسي.
في السياق ذاته، يوضح “مولر” أن المرحلة الماضية، شهدت تبدلاً في أولويات واشنطن والترويكا الأوروبية، تجاه إيران وتجاه الكثير من القضايا الأخيرة، مضيفاً: “منذ 2018، باتت أولويات الإدارة الأمريكية تتجه نحو التركيز على حسم القضية الإيرانية باستخدام العقوبات والتحركات العسكرية، في حين تنظر أوروبا إلى إيران، كأمر ثانوي مقارنةً بأزمات الهجرة وخطاب الكراهية والإرهاب والشأن الداخلي، ما يدفعها إلى التفكير بشكل متروي وتأجيل أي خطوات تصعيدية تجاه طهران”.
وكانت الولايات المتحدة قد زادت من حدة عقوباتها على إيران خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي طالت قطاع النفط بشكل مباشر، ما أفقد الاقتصاد الإيراني 50 مليار دولار حتى نهاية العام 2019.
ويعتبر “مولر” أن خلافات وجهات النظر بين الشريكيين الغربيين، ستمثل فرصة جديدة لإيران حتى تتعافي ولو بشكل جزئي، كما أنها ستؤثر على حدة العقوبات المفروضة، مشدداً على ضرورة إعادة صياغة التفاهمات بين الطرفين لتحديد طرق التعامل مع ملف إيران في المرحلة الجديدة القادمة.
خطوات أمريكية وشركات أوروبية في الدائرة
وسط عدم حماسة الساسة الأوروبيين لمزيد من العقوبات على إيران، يرجح المحلل السياسي، “عمرو عبد الدايم” أن تتحرك الولايات المتحدة بشكل منفرد وأكثر قسوة على إيران، مشيراً إلى أن العقوبات الجديدة والخطوات التصعيدية ستركز أكثر على الشركات أو الكيانات، التي قد يجمعها تعامل مع النظام الإيراني.
وكانت “كرافت”، قد أكدت أنبلادها لن تسمح لإيران بالحصول على السلاح، وأنها ستعمل على تفعيل عقوبات سناب باك في العشرين من الشهر المقبل، وفقا لقرار مجلس الأمن 2231، داعية مجلس الأمن للالتزام بمسؤولية تطبيق الإجراءات القانونية بهذا الصدد.
على الطرف الآخر، يعتبر “عبد الدايم” أن انسحاب الإدارة الأمريكية بشكل منفرد من الاتفاق النووي، أثار حساسية الترويكا الأوروبية، ومنح الساسة الأوروبيين شعوراً بأن الولايات المتحدة تنظر لأوروبا كتابع لها أكثر من كونها شريك، كما أنها تتعامل مع القضية بحسب أولوياتها بغض النظر عن الأولويات الأوروبية، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي بات حالياً يلعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران أكثر من كونه طرف في المفاوضات.
كما يعتبر “عبد الدايم” أن إدارة “ترامب” ترى في الظروف الحالية فرصة جيدة للتضييق على إيران وفرض المزيد من الضغوط، لا سيما وأنها تستعد لفترة ما بعد المرشد العام الحالي، وتواجه عدة أزمات على الصعيد الداخلي، وفي مقدمتها الانتفاضات الشعبية المتتالية احتجاجاً على الظروف المعيشية الحالية، وهو ما تسعى واشنطن لاستغلاله لتجنب الوصول إلى مرحلة الخيار العسكري المباشر، وهو ذاته مع دفعها إلى اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، إمعاناً في إضعاف الجبهة الداخلية الإيرانية، على حد قوله.
وكان ناشطون معارضون إيرانيون قد أكدوا في وقتٍ سابق، وجود خلافات شديدة بين أركان النظام الإيراني العسكرية والدينية المتشددة، حول خلافة المرشد الأعلى، “علي خامنئي”، لا سيما في ظل تراجع صحته.
أما عن نتيجة تعمق الخلافات بين واشنطن وأوروبا، يؤكد “عبد الدايم” أن الكفة ستميل لصالح التوجه الأمريكي، وأن واشنطن ستتمكن من فرض إرادتها على الرغم من الدعم الروسي – الصيني لإيران، وهو ما يؤيده الخبير في الشؤون الأمريكية – الأوروبي “مولر”، لافتاً إلى أن مسألة الحد من نفوذ إيران ومعاقبتها، ستمثل أولوية إستراتيجية للإدارة الأمريكية خاصةً مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى وإن لضطرت لاستخدام لغة أكثر حدة تجاه الأوروبيين.