نحن أمام تقرير استراتيجي وتحليل سياسات يرصد الوجود الإيراني عسكرياً في الجغرافية العربية، موضحاً خطره الاستراتيجي في استقرار المنطقة من خلال محاور؛ أهمها:
- مدخل يبين خطر دولة الملالي على المنطقة العربية والاستقرار العالمي.
- النشاط النووي الإيراني.
- التدخلات الأمريكية في المنطقة العربية.
- مكامن القوة والضعف إيرانياً.
- الوجود الإيراني في المنطقة العربية وأثره الاستراتيجي.
المدخل:
يترنّح الشرق في مثلت الطموح الإيراني ما بين الفرات والنيل، بما يهدد الأمن والسلام الإقليمي، والدولي، وعلى وقع التجييش الطائفي، والشحن المذهبي.
وعلى أحلام عودة قورش ملك فارس المُخَلِّص[1] يلتقي الشبق الإسرائيلي مع وهم العمائم، في فرض معطيات سلطة الوليّ الفقيه، الممتدّة في إيران عبر مشروع تصدير ثورتها الدينيّة، مروراً بِـرفضها وقف إطلاق النار ومعه سلسلة قرارات مجلس الأمن ذات الصِلة في سنوات حربها الثماني ضد العراق، إلى حين سقوطها في مدينة الفاو الاستراتيجيّة 1988 الذي أجبر رأس سلطتها ومرشد ثورتها الأوّل (خميني) على إصدار بيان إذاعي، أعرب فيه عن تردده واستياءه العميق واضطراره إلى قبول قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن بالرقم 598، قائلاً: “ويلٌ لي لأنّي ما زلت على قيد الحياة لأتجرّع كأس السُم بموافقتي على اتفاق وقف إطلاق النار[2]“
وفي استمرار سياستها بوصفهاـ دولة خارجة على القانون أو مارقة[3] بحسب توصيف الناتو “حلف شمالي الأطلسي”، وتصاعد هذه السياسة، يأتي ملف إيران النووي الذي أوقفت الجمهوريّة الدينيّة نشاطه مدة عشر سنوات بحسب اتفاق يعرف بِـ 5+1 مقابل تحقيق مكاسب واسعة، منها إنهاء قيود الدول الغربيّة عليها، اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً، وكان هذا بعد وصولها إلى أمرين مهمّين:
- مراحل متقدّمة في برنامجها المحظور، تسمح بِـاستئناف النشاط متى شاءت.
- وصولها إلى قناعة أنّ استمرار نشاطها النوويّ مكلف كونه يعزز الحصار الاستراتيجي الدولي عليها، مقابل ما يحققه التوقيف الجزئي لهذا النشاط مِن فتح باب التغاضي الدولي على نشاطها الموصوف بِـ مشبوه[4] في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الجمهوريّة الملتهبة سوريّة.
المشهد الإيراني تحت عباءة المرشد (الولي الفقيه)
عقب وصول خميني 1979 على طائرةٍ فرنسية مدفوعاً بحركة انقلابيّة داخل الجيش، ونشاط دعوي داخل الحوزات العلميّة المساندة لفكرة ولاية الفقيه، بتنا أمام واقع جديد، وأكثر حدّة يرسم سياسات التعاطي الإيراني مع قضايا المنطقة، وخصوصاً في المشهد المتحكم بزاوية الشرق الأوسط الممتدة في قلب مثلث جغرافي تشكّل الجمهوريّة اليمنيّة رأسه، ويشكّل الامتداد العراقي والسوري جناحيه أو بالأحرى قاعدته، ليكون الخليج في الوسط، كَـ حديقة خلفيّة لِلطموح الفارسي المتجدد والمتصالح مع فرضيّة الأمن الإسرائيليّة التي لم يُظهِر أصحابها في إسرائيل أيّ جهد حقيقي معادٍ لِلفاعليّة والنشاط العسكريّ الإيرانيّ الظاهر، والسرّي على حدّ سواء.
حماية نظام الجمهوريّة الإيرانيّة عبر سياسة مدّ الأذرع وضرب استقرار الإقليم
منذ وصوله إلى السلطةِ، لم يدّخِر النظام الإيراني جهداً في لفت الأنظار عنه لمصلحة إشعال حالة مِن الفوضى، واللهيب المذهبي، والطائفي، وحتى القومي، في عموم الإقليم المحيط، وقد برز هذا في وجوه عدّة، منها ما ذكرناه في الحرب مع العراق، ومنها ما يمكن وصفه بسياسات زعزعة استقرار الدول المجاورة بتهديد سلامة أنظمتها الحاكمة، وهنا نذكر:
آ- محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1985م: اتهمت فيها دول عربيّة إيران، إذ “حاولت مجموعات تتبع لحزب الدعوة العراقي وميليشيات حزب الله اللبناني، اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، من خلال تفجير موكبه، ونتج من محاولة الاغتيال مقتل عسكريين وجرحى خليجيين[5]“.
ب- حادثة مكّة 1987: قطعت المملكة العربيّة السعوديّة علاقاتها مع إيران نحو أربع سنوات بعد مقتل أكثر من 400 شخص في مكة المكرمة خلال اشتباكات بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية[6].
مكامن القوّة، والضعف (إيران ونشاطها المسلح المستند إلى الشحن الطائفي)
في مثلث الحركة الإيرانيّة، بين الجناح الشرقي العراقيّ، والغربي السوريّ، تبقى اليمن رأس الهرم، والمركز الصلب لِلمثلث المذكور، وأحد مواضع الحسم الأكثر خطراً، وهذا يعود إلى أسباب منها ما يتعلق بإيران ذاتها، ومنها ما يخصُّ طبيعة الدول النافذة فيها:
- العراق: يصعب كسر إيران فيه، نتيجة قوتها الكبيرة هناك، الناجمة عن:
أولاً- فائض التفوّق المليشياوي، الذي تموّله إيران وتديره تنظيميّاً وعقديّاً.
ثانيّاً- سيطرتها على المفاصل كافة السياديّة والاقتصاديّة العراقيّة، على حساب الدولة المُنهارة.
ثالثاً- قرب العراق اللصيق بإيران، واستطاعتها السريعة نتيجة لهذا القرب تطويق أيّ رغبة وطنية في التحرك ضد الوجود الأجنبي على أرض العراق.
- سوريّة: بحسب رصد من الأرض، وبناءً على تقارير إقليميّة ودوليّة حول حجم الوجود الرسمي الإيراني في سوريّة وكثافته، الذي قدّرته معاهد رصد دوليّة[7] بِـ 5000 جندي ومستشار إيراني مقابل 50000 متعاقد تحت الغطاء الإيراني، ما يدلل على فارق كبير بين الوجود الرسمي لما يعرف بِـ الدولة الإيرانيّة مقابل عشرة أضعاف لمرتزقة جلبتهم إيران من دول أخرى بدوافع مذهبيّة طائفيّة.
هذا الفارق يَسْنُد نظرية العجز عن إصابة إيران في مقتل داخل سوريّة كون (إيران) لا تضع ثقلاً وجودياً حقيقياً فيها، مكتفيّة ببضع آلاف من الحرس الثوري، المستند إلى عشرات آلاف المرتزقّة الهزار الأفغان، والعراقيين، ومعهم الإيرانيين مجهولي النسب ومكتومي القيد، الناجمين عن حالات مُشَرْعَنَة من زيجات غير موثقة في الدوائر الرسميّة التي تحدث الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني عنها أنها أنتجت ربع مليون لقيط في شوارع إيران[8].
- لبنان: خزان القوّة المركزيّة الأيدلوجية والعقديّة لمرجعية الولي الفقيه، وفيها التنظيم الأهم والأخطر خارج حدود جمهورية إيران ويمثله حزب الله اللبناني لا سيما بعدما وسعّ قواعد اشتباكه، ونفوذه من خلال إيجاد ظهير لقواته في منطقة القصير الحمصية، التي تحظى بتفوق جغرافي[9] يجعلها قاعدة يصعب كسرها أو اختراقها.
- اليمن: بوابة المعابر المائيّة، ورأس المثلث الأصلب في السيطرة على الشمال العربي كاملاً، لأن اليمن تعد من دول المعابر المائيّة الحساسة سواء في خليج عدن، أم مضيق هرمز، وفي حال تمكنت إيران فرض سيطرتها عليها ستحوّل الخليج العربي إلى مستنقع فارسي، وسوق تصريف بضائع وأفكار إيرانيّة صرفه.
وهذا قد يكون أحد المبررات لتحرك دول عربيّة واسلاميّة مُشَكِلَةً حلف مكافحة الإرهاب، يدعم عمليات عاصفة الحزم، التي أطلقتها العربيّة السعوديّة في اليمن بشقها العسكري والسياسي، وكذلك الاقتصادي الذي يبني خططه على عملية إعادة الإعمار، وقطع الطريق على أيّ تدخل مالي أو استثماري قد يعزز موقف الحوثيين ومن خلفهم إيران الجار اللدود.
لكن كيف ستستطيع إيران منع التأثيرات الأخرى من التسلل نحو الداخل العربي وعلى رأسها الطموح التركي العابر للتواريخ بنظرية العمق الاستراتيجي عند العثمانيين الجدد؟
قد يكمن الجواب في العودة إلى شكل المثلث السابق “العراقي، والسوري اللبناني، واليمني” نرى أنّ أغلب أضلاع هذا المثلث محوطة بالمياه ابتداء من ميناء البصرة، عبر مياه مضيق بندر عباس، ورأس الخيمة وصولاً إلى خليج عُمان، وبحر العرب، ومنه نحو خليج عدن الذي تدخل السفن فيه عبر تعز، وجيبوتي إلى البحر الأحمر، الساحل الأكثر قرباً من المشاعر الإسلاميّة في مكّة والمدينة المكرمتان[10].
وبهذا تستطيع السفن والفرقاطات الإيرانيّة تعزيز موقف قواتها، أو القوات المَساندة لَـها عبر مياه هادئة وبحيرة شبه مغلقة على مصالحها، بسرعة لا تتوافر على برّ أو على يابسة قد تواجه فيها مقاومة شعبيّة ببعد ديني عَقَدي، أو قومي أيديولوجي، أو حتى قَبَلِي عشائري، إضافة إلى كون البحر خياراً اقتصادياً يسمح بحركة تجاريّة تستطيع التخلص من أيّ تبعات دولية لعقوبات، أو عراقيل أكثر من الوسائل الجويّة المراقبة، أو البريّة الثقيلة.
وهذا أيضاً يجعل إيران مرتاحة في الجنوب العربي أكثر من الشمال، الذي تتربّص به تركيا عبر خط بعشيقا/ حلب، مروراً بسهل نينوى، وباديّة الجزيرة السوريّة، التي شكّلت معركة حلب بين النظام السوري والمعارضة أحد مفاصلها، مع عدم التغاضي عن الدور الروسي الفاعل بقوّة في الخط المذكور.
إلّا أنّ شكل الخط البريّ الشمالي الذي تسعى إيران من خلاله إلى الوصول إلى البحر المتوسط، وقطع الطريق البرّي على تركيا، لن يتحدد إلَا بحسم وضع شمال العراق، الذي توازي أهميته الاستراتيجية الآن ما نتج من معركة جالديران[11] في القرن السادس عشر ميلادي التي رسمت حدود السلطنة العثمانيّة خمسَ قرون تلتها.
المفاعل النووي الإيراني (إسرائيل والتصعيد خارج حدود المواجهة المباشرة)
عود على بدء؛ وحول موضوع الملف النووي الإيراني، برزت في الآونة الأخيرة موجة من التصريحات الحادة الإسرائيليّة، لا سيّما في مؤتمر صحافي قدّم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي عرضاً لما وصفه (أكبر تسريبات سريّة عن ملف إيران النووي)، هذا العرض الذي صنّفته التايمز أنّه (استعراض مسرحي بلا أيّ جديد[12])، يبقي دائرة الصراع بين إيران وإسرائيل في ظل التصريحات والتصريحات المضادة فقط، من دون فعل ذي وزن يحجّم تغوّل نظام الملالي، الذي اعتاد على ضربات إسرائيل محدودة الزمان، والمكان، والفاعليّة في سوريّة، من دون تجاوز مدى التصعيد المسموح به من الطرفين.
وبناءً على معطيات هذه الورقة، يظهر أنّ السياسات المؤذية لنظام إيران بما فيها مفاعلها الذي تمكنت مِن بنائه دون إزعاجات تذكر من إسرائيل أو الغرب، كانت وما تزال موجّهة ضد جيرانه العرب، وليس إسرائيل بما يناقض السياسات المعلنة لما يعرف بالثورة الإيرانيّة وشعارها الموت لإسرائيل، إسرائيل التي تكتفي بمراقبةَ الحراك الإيراني عن قرب، وضربه جراحيّاً _فقط_ عند تجازه حدود الاشتباك المضبوط، بما يشكّل رغبة إسرائيليّة إيرانيّة في ترك سوريّة بؤرة صراع تحقق لفت انتباه طويل الأمد عن النشاط التبشيري والاستخباراتي الإيراني الممتد من موريتانيّة إلى جزر القُمُر، والمتقاطع مع مصالح إسرائيل في استنزاف الخصوم والأعداء كلهم وحتى الأصدقاء في سوريّة السابقة، أو جمهوريّة الطوائف المقبلة.
المراجع:
[1]– https://goo.gl/1b6iVM // العربيّة_ نت: أغنيّة أقتل عربيّاً_ راب إيراني، نشر 16/8/2015.
[2]– https://goo.gl/mBOF9N // ويكيبيديا: الموسوعة الحرّة، الصفحة الرئيسيّة، شوهد في/11/1/2017.
[3]– https://goo.gl/Bslxth // Rt روسيا اليوم_ الموقع الرسمي: درع واشنطن لصد “الدول المارقة”، نشر 13/5/2016.
[4]– https://goo.gl/gcR13P // انظر جريدة المستقبل: واشنطن والرياض ضد «النشاطات الإيرانية المشبوهة»، نشر 2/2/2017
[5]– https://goo.gl/dfL7U2 // العربيّة_ نت: (محاولات إيران اغتيال سفراء…) مقال صالح الحميد. نشر 22/8/2016.
[6]– https://goo.gl/vRZRQb // انظر شبكة FRANCE24: إيران تتهم السعودية بمنع مواطنيها من الحج. نشر 29/5/2016.
[7]– https://goo.gl/5Fus1g // موقع (مصر العربيّة)_ نقلاً عن تقرير صحيفة “زوددويتشه”، الألمانية: الصراع السوري أطول من الحرب العالمية الثانية. نشر 1/5/2018.
[8]– https://goo.gl/i1Y7CG // سوريتي: بيوت العفة (فوضى جنسية في إيران). نشر 2/1/2018.
[9]– https://goo.gl/p3tiB4 // ويكيبيديا: الموسوعة الحرّة، الصفحة الرئيسيّة، شوهد في/11/1/2017.
[10]– https://goo.gl/JXaT8O // خرائط جوجل، موقع إلكتروني.
[11]– https://goo.gl/SSmXnr // ويكيبيديا: الموسوعة الحرّة، الصفحة الرئيسيّة، شوهد في/11/1/2017.
[12]– https://goo.gl/T5voSi // (BBC) عربي: التايمز: وثائق نتنياهو “استعراض مسرحي، بلا جديد”. نشر 1/5/2018.
هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.