تطورات جديدة تشهدها الساحة السودانية مع الإعلان عن وجود اتفاق بين الجيش السوداني ورئيس الوزراء المعزول “عبد الله حمدوك” لإنهاء الأزمة السياسية المتفجرة في البلاد، منذ إعلان الجيش السوداني قبل أسابيع، حل مجلس السيادة الحاكم والحكومة وتشكيل مجلس حكم جديد في البلاد.
وبحسب ما تشير إليه مصادر سودانية مطلعة، فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد، ينص على عودة “حمدوك” إلى منصبه والإفراج عن كافة الموقوفين والمعتقلين على خلفية الأزمة الأخيرة، لافتةً إلى أن الاجتماع المذكور كان حاسماً.
في ذات السياق، تذكر تقارير إعلامية أن المجلس العسكري السوداني أصدر أوامر برفع القيود عن تحركات رئيس الوزراء المعزول “عبد الله حمدوك”، عقب التوصل إلى الاتفاق بين الجانبين.
إعلان منتظر وردود فعل سريعة
مع التأكيدات الرسمية للاتفاق بين الطرفين، تؤكد المصادر على أنه من المقرر أن يتم التوقيع عليه خلال الساعات القليلة المقبلة، مبينةً أن الاتفاق يقضي أيضاً بأن يترأس “حمدوك” حكومة كفاءات وطنية ضمن بنود تفاهمات اتفاق جوبا الخاص بالمرحلة الانتقالية، على أن يشكل أيضاً ما وصفه الاتفاق بـ “لجنة وطنية” مهمتها مراجعة الوثيقة الدستورية.
في ذات السياق، ينص الاتفاق الجديد وفقاً لما هو معلن على الاستمرار في إجراءات التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية، والعودة إلى المسار الانتقالي السابق.
أولى ردود الفعل على الاتفاق، جاءت من طرف لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير، متخذةً موقفاً رافضاً للاتفاق المعلن بين الطرفين السودانيين، والذي تؤكد أنها غير معنية به ولا ببنوده.
كما تصر القوى الرافضة للاتفاق على اعتبار أن ما شهده السودان خلال الأيام الماضية كان انقلاباً تام الأركان، مضيفةً في بيان لها: “إننا في المجلس المركزي القيادي لقوى حرية والتغيير نؤكد على موقفنا الواضح والمعلن مسبقا، لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين، وإننا لسنا معنيين بأي اتفاق مع هذه الطغمة الغاشمة، ونعمل بكل الطرق السلمية المجربة والمبتكرة على إسقاطها رفقة كل قوى الثورة الحية والأجسام المهنية ولجان المقاومة وكل الشرفاء”.
يشار إلى أنه من المقرر أن تشهد العاصمة الخرطوم وعدة مدن رئيسية في البلاد مظاهرات دعت إليها قوى التغيير رفضاً لإجراءات المجلس العسكري وللمطالبة بالعودة إلى المسار الانتقالي المتفق عليه.
معركة حمدوك وضبابية المستقبل
تعليقاً على الاتفاق المنتظر، يؤكد المحلل السياسي “سوار النوبي” على أن ما تضمنه الاتفاق لا يعني حل الأزمة السودانية وإنما تجاوز عقبة مرحلية فقط، لافتاً إلى أنه “أي الاتفاق” فاقد لطرح أي رؤية خاصة بالمستقبل السوداني وسبيل الوصول إلى حكم مستقر.
ويوضح “النوبي”: “اقتصار الاتفاق على عودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة يُظهر وأن أزمة السودان هي بشخص حمدوك وموقعه، وهو ما يتنافى مع الحقيقة، الأزمة السودانية تتمثل في انعدام وجود خطة واضحة لنهاية المرحلة الانتقالية وتسليم الحكم إلى هيئات منتخبة وشرعية”، لافتاً إلى أن المظاهرات التي خرجت في السودان لم تخرج من أجل “حمدوك” وإنما من أجل المسار الديمقراطي ككل.
ويلفت “النوبي” إلى ان الاتفاق الحالي لا يحمي السودان من إمكانية عودة الازمة مجدداً، خاصةً وان البلاد شهدت منذ سقوط حكم “البشير” الكثير من الاتفاقات المشابهة، والتي لم تستطع حتى الآن ومع مرور ما يزيد عن عامين، من إيصال السودان إلى سكة المستقبل الواضح، مشدداً على أن الحل يتطلب تحديد فترات واضحة لإجراء الانتخابات ورسم دور العسكر والسياسيين خلال الفترة الانتقالية.
يذكر أن مجلس السيادة كان قد شكل في العام 2019، كبديلٍ للمجلس العسكري، وذلك بموجب اتفاق بين القوى المدنية والعسكرية، وهو ما أفرز تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة “عبد الله حمدوك”.
أزمة مستمرة.. مواقف متصلبة وضرورات مرحلية ناقصة
موقف القوى المدنية من الاتفاق ورفضه بالشكل الكلي، يعني أن الازمة لم تنته ولن تنته بتشكيل الحكومة المقررة أياً كان شكلها، وفقاً لما يقوله الباحث السياسي “محمد رضا”، لافتاً إلى أن المجلس العسكري تمكن من تصفية مشكلته مع “حمدوك” ولكن ليس مع القوى التي لا تزال متواجدة في الشارع السوداني.
ويلفت “رضا” أن الاتفاق مع “حمدوك” قد لا يساهم في تهدئة الشارع، على اعتبار أن القوى المدنية من خلال موقفها الرافض، ترى أن “حمدوك” تحرك منفرداً باتفاقه مع الجيش، مشيراً إلى أن الاتفاق يجب أن يكون شاملاً حتى يتم إنهاء الأزمة والمضي في العملية الانتقالية.
يذكر أن لجان المقاومة الثورية في السودان دعت إلى مظاهرات مليونية الأحد، تحت مسمى (زلزال الشعب) للمطالبة بعودة الحكم المدني إلى البلاد، مضيفةً: “مليونية الأحد سوف تنطلق من محطة جاكسون بوسط الخرطوم وسيتم تحديد وجهة المواكب لاحقاً”.
في ذات السياق، يشدد “رضا” على ضرورة أن تتمسك القوى المدنية بمواقفها بشكل متصلب وان تكون قابلة للتفاوض على بعض النقاط التي لا تؤثر على ثوابت العملية الانتقالية في البلاد والعودة إلى المسار الديمقراطي وأن تبدي انفتاحاً أكبر على خيار التفاوض مع الجانب العسكري كخطوة من شأنها تيسيير إنهاء الأزمة.
إلى جانب ذلك، يشير “رضا” إلى أن أي مفاوضات محتملة بين الأطراف السودانية يجب أن تتضمن نقطة محورية وهامة تتمثل في تحديد موعد الانتخابات العامة ونهاية صلاحية الحكومة القائمة وتسليمها للهيئات المنتخبة ديمقراطياً، مشدداً على أن السودان سيبقى في دوامة الأزمات المتتالية حتى سنوات قادمة في حال بقيت الانتخابات غائبة.