هيئة التحرير
بالتزامن مع سعي الحكومة العراقية للحد من سطوة الميليشيات المدعومة من إيران، أعلنت الولايات المتحدة عن اتفاق مع بغداد لتقليص عدد قواتها في العراق خلال الأشهر القادمة، والتعهد بدعم حكومة “مصطفى الكاظمي” مالياً واقتصادياً.
وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 5200 جندي أمريكي في العراق، بحسب إحصائيات البنتاغون، إلا أن أوساط عراقية رجحت أن يكون ذلك العدد قد زاد بعد حادثة اغتيال “قاسم سليماني” مطلع العام الحالي وتصاعد الهجمات عل المصالح الأمريكية.
توقيت الاتفاق والخطوة الأمريكية، يرى مصدر عراقي خاص بمرصد مينا، أن الهدف الأول منه هو نفوذ إيران في العراق، مضيفاً: “على الرغم من أن الاتفاق لم يذكر إيران مطلقاً وركز على قضايا محاربة الإرهاب والتعاون الأمني، إلا أن خطة تخفيض عدد القوات الأمريكية سيقوي من موقف الكاظمي على الساحة السياسية الداخلية، ويمنحه الفرصة لمناورة جديدة لفرض حدود إضافية على حركة الميليشيات، خاصة وأن الأحزاب العراقية المدعومة من إيران طالبت الحكومة، عبر البرلمان، بالعمل على إخراج الولايات التحدة من العراق”.
وكانت الولايات المتحدة والعراق قد أعلنا في بيان مشترك أمس الخميس، أنه في ضوء التقدم في محاربة تنظيم داعش، ستواصل الولايات المتحدة خلال الأشهر المقبلة، تقليص عدد قواتها في العراق والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية؛ بينما يحول البلدان قواتهما نحو التركيز على تطوير علاقة أمنية ثنائية قائمة على المصالح المتبادلة القوية”.
لا انسحاب ولا طرد
تفاصيل الاتفاق وشكله، يحددها قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال “كينيث ماكنزي”، بأن الاتفاق لا يعني طرد أو خروج القوات الأمريكية بشكلٍ نهائي من العراق، لافتاً إلى أن الحكومة العراقية بحاجة وتمتلك الرغبة ببقاء القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب.
وسبق لمستشار الرئيس الأمريكي، “غبريال صوما”، أن رئيس الحكومة العراقي الحالي، لا يعمل على إخراج الولايات المتحدة من العراق، وأن الاتفاق بين الجانبين سيشمل اتفاقية إستراتيجية تتعلق بالعلاقات الثنائية بين بغداد وواشنطن من الناحية السياسية والدبلوماسية والتجارية والمالية، واتفاقية ثانية تتعلق بالأمن بين البلدين، لافتاً إلى أنها الاتفاقية، التي ستحدد طبيعة الوجود الأمريكي في العراق.
في هذا السياق، يؤكد المصدر الخاص بمرصد مينا، أن طبيعة الاتفاقيات الموقعة بين واشنطن وبغداد، وشمولها للكثير من جوانب الحياة، يعكس تبدلاً في قوانين اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتقليل الاعتماد على العمليات العسكرية مقابل ربط البلاد بالمعسكر الأمريكي بشكل شبه تام، مشيراً إلى أن النشاط العسكري الأمريكي ضد إيران في العراق بموجب الاتفاقيات الحالية، قد ينحصر بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات معينة بالإضافة إلى غارات محدودة ضد مواقع الميليشيات، التي تشكل مركز ثقل استراتيجي.
الكاظمي وموقف ضبابي
على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة ومسؤوليها بعدم مغادرة القوات الأمريكية بشكل نهائي للعراق، إلا أن رئيس الحكومة العراقية، “الكاظمي”، يؤكد على أن أن الولايات المتحدة والعراق، ملتزمان بانسحاب القوات الأمريكية، لكن دون تحديد جدول زمني لتلك الخطوة، معتبراً أن الاتفاق الحالي بين البلدين أنتج اعترافا بقرار مجلس النواب العراقي بالانسحاب الأمريكي.
وكان مجلس النواب العراق قد أقر مطلع العام الحالي، مشروع قانون يدعو إلى إحراج القوت الأمريكية من العراق بشكل كامل، وذلك على خلفية حادثة اغتيال “قاسم سليماني” و”أبو مهدي المهندس”.
تصريحات “الكاظمي” وعدم وضوح الجدول الزمني لخروج القوات الأمريكية، يقابلها المحلل السياسي العراقي، “هاشم الكندي”، بترجيح أن لا يقود الاتفاق إلى خرج نهائي من العراق، وإنما على العكس، قد يكون جزء من تثبيت تواجد الجيش الأمريكي في قواعده في ظل عدم وجود أي جدولة لانسحاب قواته من القواعد العراقية.
وكانت الولايات المتحدة قد أشارت إلى أنها لا تسعى من خلال الاتفاق الحالي، إلى إنشاء قواعد دائمة في العراق، كما كان عليه الحال في الاتفاقية الأمنية التي وقعتها مع رئيس الوزراء الأسبقن “نوري المالكي” عام 2008.
اتفاقية غير مرضية ومطالبات حزبية
على الجانب الآخر من معادلة الوجود العسكري الأمريكي على الأرض العراقية، تشير الأحزاب الموالية لإيران إلى عدم رضا عن الاتفاق وبنوده خاصة لجهة عدم وجود جداول زمنية محددة، حيث يلفت عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، والنائب عن ائتلاف دولة القانون، “علي الغانمي” أن مسألة رفض الوجود الأمريكي في العراق تعتبر من الثوابت والخطوط العريضة في البرلمان، معرباً عن وجود قلق من إمكانية توجيه واشنطن للاتفاق والحوار في رسم اليات التعامل مع دول الجوار وخاصة ايران.
كما يعتبر “الغانمي” أنه من المرفوض تماماً بالنسبة لحزبه، أن تتدخل الولايات المتحدة في علاقة العراق مع جيرانه، الى جانب الرفض القاطع لاي دعوات أو تلويح لحل الحشد الشعبي باعتبارة قوة امنية رسمية ونظامية تخضع للمنظومة الامنية للدولة”.
ويعتبر رئيس “الكاظمي” من أشد الرافضين لفضوى انتشار السلاح والميليشيات، ومن الداعين إلى تنظيمها ضمن القوات الأمنية وخضوعها للقائد العام للجيش، في حين وصفت أوساط عراقية، وصول “الكاظمي” إلى السلطة بأنه خطوة أولى امام حل الميليشيات بدعم أمريكي.
في السياق ذاته، يطالب رئيس كتلة التحالف البرلمانية، “محمد الغبان”، حكومة “الكاظمي” بالالتزام بما جاء في نص قانون مجلس النواب، بإخراج القوات الاجنبية وفق جدول زمني محدد، وتعهد قوات التحالف الدولي فورا بعدم القيام بأي طلعات جوية او اي مهام عسكرية دون موافقة القائد العام للقوات المسلحة والتنسيق التام مع العمليات المشتركة”.