أكد عبد الرحيم دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني السابق، أن الهدف من الميثاق السياسي وتشكيل حكومة الاستجابة الوطنية هو “تلبية إرادة الشعب السوداني الذي عانى كثيرًا من ويلات الحرب”. وأوضح أن القوى الداعمة لهذا الميثاق تسعى لإنهاء الأزمة من خلال حكومة جديدة تخفف معاناة المواطنين، مشددًا على أن هذه الحكومة “لا تنتمي إلى قوات الدعم السريع”.
تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه السودان تحولات متسارعة، حيث تسعى القوى السياسية والمدنية إلى بلورة رؤية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية وإنهاء الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ومن بين التطورات اللافتة، الغياب المستمر لمحمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، عن المشهد السياسي منذ اندلاع الحرب، ما أثار العديد من التساؤلات حول وضعه ومصيره.
كما زعم دقلو أن الحرب التي يخوضها الإسلاميون—على حد تعبيره—”ليست سياسية، بل هي معركة سلاح وتضليل إعلامي”. ودعا إلى توحيد الصفوف لبناء سودان جديد قائم على العدالة وخالٍ من الاستقطاب. وأشار إلى أن الميثاق السياسي يمثل الخطوة الأولى نحو إنهاء المعاناة، مؤكداً أن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان سيتم محاسبتهم.
وأضاف أن “التاريخ لن يسجل أننا قمنا بتقسيم السودان”، مشيرًا إلى تعيين عبد العزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال، رئيسًا لمجلس السيادة الموازي المرتبط بقوات الدعم السريع. هذه الخطوة تمثل تحولًا كبيرًا في الأزمة السودانية، خاصة بعد انضمام الحلو إلى تحالف تأسيس، الذي يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في السودان.
هزة في الحكومة وتصاعد التوترات السياسية
أفادت التقارير بأن الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، في بورتسودان، فوجئت بانضمام الحلو إلى التحالف الجديد. ويُنظر إلى مشاركته على أنها خطوة فارقة تحمل رسائل قوية بشأن التحولات السياسية الجارية.
يتكون التحالف الجديد من أحزاب سياسية وحركات مسلحة وإدارات أهلية، ويعتمد هيكلًا من ثلاثة مستويات: مجلس سيادة، مجلس وزراء، وبرلمان. ويعتقد المراقبون أن انضمام الحلو قد يشكل اختراقًا في المفاوضات المتعثرة مع الحركة الشعبية، مما قد يمهد الطريق نحو سلام شامل وعادل في السودان.
تاريخيًا، لعبت الحركة الشعبية لتحرير السودان دورًا رئيسيًا في الحرب الأهلية السودانية، التي أدت إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. وبعد الانفصال، قاد الحلو جناحًا من الحركة في كاودا، حيث أنشأ إدارة مدنية ذاتية الحكم.
الخلاف الدبلوماسي بين السودان وكينيا
في خضم هذه التطورات، استدعت الحكومة السودانية سفيرها من كينيا احتجاجًا على استضافة نيروبي اجتماعات تحضيرية لقوات الدعم السريع وحلفائها، والتي تهدف إلى إعلان حكومة موازية.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية بأن وزارة الخارجية استدعت السفير “للتشاور وللإعراب عن اعتراضها على استضافة كينيا لاجتماعات قوات الدعم السريع”. ووصفت الحكومة السودانية تصرفات كينيا بأنها “معادية للسودان”، متهمة نيروبي بدعم تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادة السودان.
في الوقت ذاته، تنظر المحكمة العليا في كينيا في قضية قانونية وسياسية معقدة تسعى إلى منع قوات الدعم السريع من توقيع أي اتفاقيات سياسية مع كيانات سودانية داخل الأراضي الكينية. وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة نظرًا إلى التقارير الدولية التي توثق انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات الدعم السريع خلال الصراع في السودان.
وهذا يطرح تساؤلات ملحة: إذا نجحت قوات الدعم السريع في توقيع اتفاق سياسي، فهل سيتم الاعتراف به قانونيًا؟ من المرجح أن تعتمد المحكمة على أدلة من منظمات دولية وإقليمية توثق أعمال قوات الدعم السريع في مناطق النزاع. وإذا رأت المحكمة أن الاتفاق يمنح الشرعية لميليشيا متهمة بجرائم خطيرة، فقد تأخذ ذلك في الاعتبار في حكمها.
ورغم استقلال القضاء الكيني، لا يمكن تجاهل التداعيات السياسية والدبلوماسية، خاصة في ظل الدور الإقليمي المؤثر لكينيا. وقد يكون القرار النهائي مزيجًا بين الاعتبارات القانونية والتوازنات السياسية.
توقيع اتفاق الحكومة الموازية سرًا
أفادت وسائل إعلام سودانية بأن اتفاق الحكومة الموازية المدعوم من قوات الدعم السريع تم توقيعه في مراسم سرية بموقع غير معلن، وسط إجراءات أمنية مشددة تضمنت منع استخدام الهواتف المحمولة لمنع أي تسريبات. ورغم تأكيد المصادر حدوث التوقيع، لا تزال تفاصيل الاتفاق غامضة، ما يضيف مزيدًا من الغموض إلى المشهد.
وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوترات بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال، خاصة بشأن الخلافات حول قيادة مجلس السيادة خلال اجتماعات القوى السياسية الداعمة للحكومة الموازية. ويعكس هذا الصراع المتنامي على السلطة بين الطرفين تعقيد المشهد السياسي في السودان.
معركة الخرطوم والتقدم العسكري
ميدانيًا، تستمر المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على عدة جبهات في العاصمة الخرطوم. وأفاد سكان صباح السبت بسماع دوي انفجارات متفرقة في وسط المدينة، مع تكثيف الجيش هجماته لاستعادة السيطرة على القصر الجمهوري والوزارات الحكومية الرئيسية.
وفي شرق النيل، يواصل الجيش تقدمه شرق جسر سوبا للضغط على مواقع قوات الدعم السريع. وفي الوقت نفسه، شنت الطائرات الحربية السودانية غارات جوية استهدفت تحركات قوات الدعم السريع جنوب وغرب الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
ومع تقدم الجيش، تدخل الحرب في السودان مرحلة حاسمة، حيث لا يزال الغموض يحيط بمصير حميدتي، فيما تزداد الشكوك حول قيادة قوات الدعم السريع. وفي ظل الصراع المتصاعد بين الفصائل المسلحة، يظل مستقبل السودان مفتوحًا على جميع الاحتمالات.