الجزائر
تتحرك السلطات الجزائرية عبر اتصالات ومفاوضات مع عدد من العسكريين الفارين في الخارج، لإقناعهم بالعودة إلى البلاد، وتسوية أوضاعهم مع القضاء بشكل يضمن لهم العدالة، اذ تتخوف السلطات من نشر أسرار الجيش والدفاع والأمن الجزائري، أو تسليمها لأي طرف أجنبي.
التطورات الأخيرة في الجزائر، التي بدأت باسترداد أحد العسكريين الفارين إلى الخارج، تكشف عن تكثيف متزايد لمساعي السلطات لاستعادة ناشطين وعسكريين لجؤوا إلى الخارج، بعدما بات نشاطهم المستمر على مواقع التوصل الاجتماعي وتواصلهم مع الرأي العام في الجزائر، يشكّل صداعاً مزمناً للسلطة، بعد نشرهم تسريبات أمنية وعسكرية وسياسية وملفات تخص كبار المسؤولين في البلاد، وكشفهم وثائق حساسة، لكن يبقى الأهم بالنسبة للسلطة حالياً هو سد مصدر التسريبات وتفكيك شبكات من المتعاونين مع هؤلاء داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
اتصالات ومفاوضات..
صحيفة ” الوطن” الجزائرية، والمقربة من الدوائر الأمنية والعسكرية في العاصمة، نقلت عما أسمته مصادر خاصة، إجراء اتصالات مع عدد من القيادات العسكرية لإقناعها بالعودة.
وجاء على رأس تلك الشخصيات وزير الدفاع الأسبق “خالد نزار”، الذي فر من البلاد في شهر إبريل/ نيسان 2019 إلى إسبانيا، بعد تلقيه معلومات عن إمكانية اعتقاله من قبل المخابرات، وصدر في حقه أمر دولي بالتوقيف لم يعممه “إنتربول” لصدوره عن محكمة عسكرية.
وفي شهر فبراير/ شباط الماضي أدان القضاء العسكري في الجزائر غيابيا بـ 20 سنة سجنًا نافذة، بتهمة التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش و التآمر ضد سلطة الدولة، بعد المشاركة في اجتماعات سرية للقائدين السابقين لجهاز المخابرات، الفريق المتقاعد “محمد مدين”، و الجنرال “بشير طرطاق”، و”السعيد بوتفليقة” شقيق الرئيس المستقيل، وزعيمة حزب العمال اليساري “لويزة حنون”، قبل استقالة الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة”، بهدف إنشاء هيئة رئاسية تتولى تسيير المرحلة الانتقالية (في اتهامات قيل أن وراءها قائد الجيش السابق أحمد قايد صالح، في محاولة منه لإدارة المرحلة الانتقالية).
كما شملت المفاوضات القائد السابق للناحية العسكرية الأولى، اللواء “الحبيب شنتوف ” والذي سبق أن أقيل من منصبه في سبتمبر / أيلول من العام الماضي، ثم هرب إلى الخارج، لتبدأ ملاحقته من قبل القضاء العسكري بتهمة الثراء غير المشروع.
ومن الشخصيات التي تسعى السطات استعادتها الضباط المبعدين، القائد السابق لجهاز الدرك “غالي بلقصير”، الفار في فرنسا، والذي كان القضاء العسكري قد أصدر في حقه، قبل فترة، أمرًا بالقبض بتهمة التورط في قضية تسريبات، ووجهت إليه تهمة الخيانة العظمى والاستحواذ على معلومات ووثائق سرية لغرض تسليمها لأحد عملاء دولة أجنبية، رفقة عسكري آخر برتبة رائد، هو “هشام درويش”.
استعادة المدير السابق لمكتب قائد أركان الجيش الفريق الراحل “أحمد قايد صالح”، المساعد الأول المتقاعد “قرميط بونويرة”، والذي وصف بأنه الصندوق الأسود لقايد صالح، اذ تسلمته الجزائر من تركيا قبل ما يقارب أسبوعين، بعدما كان قد تمكن من الفرار من البلاد بداية السنة الجارية ومعه حزمة من الوثائق السرية.. تعتبر المحفز الأهم للسلطات بهدف استعادة أولئك الضباط بعد أن نجحت في استعادة بونويرة.
أبناء القائد السابق..
بلغت مصالح القضاء الجزائري اثنين من أبناء قائد الجيش السابق الجنرال الراحل “أحمد قايد صالح”، بقرار المنع من السفر، في خطوة توحي بفتح تحقيقات قضائية مع رجلين ظلاّ إلى غاية الأسابيع الأخيرة بعيدين عن دائرة المساءلة والتحقيق، بسبب نفوذ والدهما في الدولة، خاصة خلال مرحلة الفراغ التي عرفتها البلاد بعد تنحي الرئيس السابق “عبدالعزيز بوتفليقة” عن السلطة في مطلع أبريل 2019.
وأكد تقرير لصحيفة “الوطن” المحسوبة على جناح جهاز الاستخبارات السابق، أن “محكمة ضاحية الدار البيضاء بالعاصمة، أبلغت كل من عادل وبومدين، نجلا الجنرال قايد صالح بتطبيق قرار المنع من السفر، إلى جانب أشخاص آخرين تحسّبًا لفتح تحقيقات قضائية معهم.”
التقرير لم يشر إلى طبيعة ومضمون التحقيقات المنتظر فتحها من طرف المصالح الأمنية المختصة (الاستخبارات)، إلا أن القرار جاء بعد استرجاع الجزائر لضابط الصف (قرميط بونويرة) من تركيا بالاتفاق بين سلطتي البلدين، والذي رافق الجنرال الراحل قايد صالح في منصب السكرتير الخاص.. ويعرف بقربه من عائلة القائد الراحل.
وسطاء أمنيين..
وتتخوّف السلطات الجزائرية من إبقاء هذه الشخصيات والقيادات الأمنية والعسكرية، والتي تملك أسرارا مهمة وحساسة تخص الأمن والجيش الجزائري والمصالح الحيوية للبلاد، محل ابتزاز من قبل دول أخرى، ويعتقد أن تكون السلطات الجزائرية تستخدم شخصيات عسكرية وأمنية تحظى بالمصداقية لإقناع الفارين بالعودة، خاصة بعد إعادة القائد السابق لجهاز الأمن الخارجي محمد بوزيت إلى منصبه قبل شهر.
من جانبه، أعلن الرئيس “عبد المجيد تبون”، في الـ 12 أغسطس/ آب الجاري، فتح باب العودة للمسؤولين العسكريين والأمنيين الراغبين، وقال “لا يجب أن تكون خبارجي (مخبرًا) ضد بلدك لصالح بلد آخر مقابل مصالح تزول، من يريد التوبة أو تمت مغالطته سابقًا؛ فالباب مفتوح ولن يكون خصما، يجب أن يفكر كل من يخدع البلاد كيف سيعيش أبناؤهم غدًا، وماذا سيقولون لهم وأمام الله”.
وتزامنت تلك التطورات مع توجه تصالحي أبدته قيادة الجيش الجزائري، بعد رحيل القائد السابق “أحمد قايد صالح”، مع بعض القيادات العسكرية التي كان قد أدانها قايد صالح وضغط على القضاء لإدانتها، كالجنرال “حسين بن حديد”، الذي تم الإفراج عنه من السجن، وأعيد إليه الاعتبار عبر دعوته من قبل قائد الجيش الحالي “السعيد شنقريحة” للاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال في الخامس من يوليو/تموز الماضي، كما تمت إعادة عدد من القيادات الأمنية إلى مناصبها، بعدما كانت قد استبعدت منها في عهد قايد صالح.
صراع الأجنحة..
لا يمكن إهمال فرضية صراع الأجنحة الذي قاده الراحل قايد صالح ضد خصومه من الضباط السابقين، حيث عمل على إبعادهم وملاحقتهم ومحاصرة نفوذهم.. لكن رحيله المفاجئ عكس مسار الأحداث هناك.
وتشير التغيرات الحالية إلى عودة الجناح المذكور إلى مراكز القرار في السلطة، من خلال ترتيب عودة عناصره بعناوين مختلفة سواء في المؤسسات الرسمية، أو المراجعة القضائية للأحكام التي يُتابع بها هؤلاء، مقابل السقوط المدوي والمتتابع لعناصر الجناح الآخر (أحمد قايد صالح).
يذكر أنه يتواجد العشرات من كبار الضباط والجنرالات في حالة فرار أو سجن، بإيعاز من قائد الجيش السابق قايد صالح الذي استغل فضيحة شحنة الكوكايين في مايو/أيار 2018, لفتح حملة توقيفات سجن وحركة واسعة في صفوف المؤسسة العسكرية