بالرغم من الحرب التي هدمت البنى التحتية في سوريا، وبالرغم من الملايين التي فقدتها البلاد، بين قتيل ومعتقل ومغيب ولاجئ، ومن معدلات الفقر المرتفعة التي جعلت من أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، فإن وزارة النقل السورية أعلنت مشروع الخط السريع “المأجور” الذي يربط بين وسط البلاد والساحل السوري.
فقد صرح وزير النقل السوري “علي حمود”؛ عن مشروع طريق مأجور في سوريا سيكون الأول من نوعه، مشيرا إلى أن الطريق سيمتد من مدينة حسياء في محافظة حمص إلى طرطوس.
وقال الوزير، إنه تقرر إطلاق العمل باستكمال “تحويلة حمص الكبرى” لأهميتها بالوصل بين مدينة حسياء وطريق طرطوس، مبيناً، أن هذا المشروع سيكون أول طريق سريع ومأجور في سوريا، حيث يوفر الوقت والوقود، لافتا إلى أن هذا الطريق سينفذ بطريقة تمويل مختلفة وبإشراف مميز للوصول لأفضل المواصفات العالمية للطرق.
وأشار إلى أن الطريق سيكون مسيج بسياج على كامل امتداده ليسمح بسرعات عالية وبالتالي اختصار الزمن إلى 22 دقيقة وتوفير الوقود والتقليل من اهتلاك الآليات وعجلات العربات.
واعتبر رئيس الوزراء السوري “عماد خميس”، أن محافظة حمص تمتلك مقومات اقتصادية تعكس شمولية الاقتصاد السوري ابتداء من الحرف الصغيرة وانتهاء بالمشروعات الاستراتيجية الكبيرة، في إشارة إلى أهمية محافظة حمص.
ويأتي الطريق السريع، ضمن ما يعرف بسوريا المفيدة، ويربط بين وسط البلاد “حمص” والتي فيها مصفاة النفط السورية، كما يوجد في باديتها آبار نفطية دخلها نظام الأسد مؤخراً، ومدينة طرطوس الساحلية التي تضم مرفأً لتصدير النفط الخام والمعالج، ما ينفي عن المشروع صفة البراءة، في ظل الأوضاع المأساوية التي يشهدها الاقتصاد السوري، والتدهور المستمر لليرة السورية أمام الدولار، حيث انخفضت قيمة العملية السورية بعد إقرار قانون “قيصر” من قبل الكونغرس الأمريكي.
أزمة الوقود والمحروقات في سوريا
أعلنت وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد عن وفاة رجلين وهما ينتظران دورهما لملئ أسطوانة الغاز، إذ كان الطبور طويلاً ينتظم فيه مئات الأشخاص منهم رجال وعجز ونساء وحتى أطفال، وسط تدن كبير في درجات الحراراة، ما تسبب في وفاة الرجلين.
وينتظر السوريون خاصة في مدينتي “دمشق”، و”حلب” ساعات طويلة ليتمكنوا من ملئ أسطوانات الغاز، أو لتعبئة “بدونات” المازوت، والبنزين، للتدفئة أو كوقود للآليات التي تقلهم من مكان إلى آخر، بينما لا تتواجد مواد الوقود والمحروقات إلا نادراً في بقية المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الأسد.
وتعاني البلاد من أزمة محروقات كبيرة، لسببين رئيسيين، الأول العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على النظام السوري ورأسه “بشار الأسد” وكافة رجالاته من الصفين الأول والثاني، وبعض رجالات الصف الثالث.
بينما يعود السبب الثاني إلى؛ خروج حقول النفط السورية عن سيطرة دمشق كلياً منذ 2013، حيث سيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي، من ثم المليشيات الكردية الانفصالية، واليوم بات النفط السوري بإيد أمريكية وفق ما أعلنه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”: “بات نفط سورية بأيدينا”، وعاد حقلان نفطيان وسط البلاد إلى سيطرة المؤسسات المدينة السورية، ما يشير إلى رغبة روسيا في الاستثمار بهما في حال صدقت التوقعات ومولت هي الطريق السريع.
ووسط العجز في موارد الطاقة الذي اجتاح نظام الأسد، اندفعت إيران إلى إنقاذ حليفها “الأسد”، وإرسال سفينة محملة بالنفط الخام الإيراني إلى سوريا الصيف الماضي، متحدية العقوبات الأوربية، ما تسبب باندلاع أزمة مياه دولية.
وتسببت أزمة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي عن مناطق كبيرة في سوريا، إلى استياء شعبي كبير حتى بين المواليين للأسد ولنظامه، حيث أجبرت الظروف السوريين إلى الاعتماد على الحطب في تأمين حاجاتهم الأساسية اليومية، كما باتت الدرجات والحمير والبغال والأحصنة من وسائط النقل المأجورة، حتى في العاصمة دمشق.
معدلات الفقر في سوريا
وفي آذار الماضي قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 80 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مشيرة إلى أن الأوقات العصيبة في سوريا لم تنتهي بعد، وجاء ذلك في تقرير للمنظمة الدولية قدمه المتحدث باسمها “ستيفان دوجاريك”، والذي تحدث عن أوضاع سوريا والسوريين بعد 8 سنوات من الحرب، وأشار التقرير إلى الصعوبات التي تواجههم لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
كما تدهورت الرعاية الصحية في سوريا بشكل كبير، حتى بات هنالك 13.2 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدة صحية، لا سيما وأن 46% من المستشفيات والمرافق الصحية الأولية أصبحت غير فعالة إما جزئياً أو كلياً.
ما يعني أن أزمة ملايين السوريين ما زالت في أوجها، خاصة أولئك الذين يعيشون داخل البلاد سواءً في المخيمات أو في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد.
وقالت مصادر حقوقية بأن تأمين منزل بالنسبة للسوريين خاصة في العاصمة دمشق بات بمثابة “حلم”، حيث تمتلئ شوارع دمشق وحدائقها ليلاً، ونهاراً، بالنازحين الذين لم يسعفهم الحظ بمنزل أو مأوى يقيهم برد الشتاء وحرارة الصيف.
روسيا والأطماع الاقتصادية في سوريا
تعمل روسيا على الاستيلاء على الاقتصاد السوري، وذلك عبر وسائل عديدة وفي مقدمتها عقود “إعادة إعمار سوريا”، حيث كانت روسيا حاضرة وبقوة في معرض “إعادة إعمار سوريا” الذي أقيم في العاصمة السورية “دمشق” في أيلول الماضي.
وشاركت 10 شركات روسية تمثل سبعة أقاليم في روسيا تشارك في المعرض، وهي شركات متخصصة بمجالات متنوعة ومختلفة، بما فيها مجالات النفط والثروة المعدنية والبناء والأدوات الكهربائية والمنتجات الكيماوية، بحسب ما قاله الملحق التجاري الروسي في دمشق “إيغور ماتفييف”.
كما أوضح “ماتفييف” الذي كان حاضراً في مؤتمر إعادة الإعمار: “هناك مشاريع كبيرة حصلت عليها شركات روسية مثل مرفأ طرطوس وشركة كيماوية في حمص، ولكن نحن نعير اهتماما كبيرا للانضمام إلى مجالات أخرى للتعاون من خلال شركات (البزنس) المتوسطة في روسيا وهذا مهم جدا لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية الطويلة المدى بين روسيا وسوريا”، ما يوضح النوايا الروسية في المشاريع السورية الجديدة التي تقام اليوم.
وتؤكد المعطيات الواقعية عدم قدرة النظام السوري على الدخول في أي مشروع، خاصة وأنه يقاتل في الشمال بتمويل إيراني وروسي، ما يشير إلى أن كل المشاريع التي يتم الإعلان عنها من طرف دمشق، ويتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام الروسية، ما هي إلا مشاريع روسية بواجهة سورية.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.