تزداد أعداد المتسولين في شوارع المدن الأردنية، وسط مخاوف من تحول ظاهرة التسول في المملكة إلى تجارة منظمة، خاصة مع الكشف أن نسبة من المتسولين يملكون عقارات وشركات، فيما يحصل منهم على مرتبات شهرية.
وبالرغم من إقرار مجلس النواب الأردني تعديلًا على مشروع قانون الاتجار بالبشر، بحيث يشمل ظاهرة “التسول”، ضمن الجرائم المنصوص عليها، إلا أن معدلات الظاهرة التي أرهقت الحكومة ما تزال تشهد ارتفاعا ملحوظا، حسبما تؤكد مصادر حكومية.
ويوم أمس الثلاثاء، أعلن وزير التنمية الاجتماعية في الأردن، “أيمن المفلح”، ضبط 1100 متسول خلال الشهر الماضي جميعهم من غير المحتاجين إلى المساعدة، مشيرا إلى أن عدد المتسولين الذين يتم ضبطهم كل شهر هو في المعدل العام حوالي 1000 – 1100 متسول، وذلك بالتعاون مع الشركاء في البلديات وأمانة عمان الكبرى ومديرية الأمن العام والشرطة النسائية ووحدة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى القضاء.
الوزير الأردني، قال في تصريحات إن هناك حالات لسيدات متسولات يستأجرن الأطفال ويقمن بإعطائهم أدوية حتى يبقوا في حالة نوم دائم، داعيا المواطنين إلى التعاون وعدم إعطاء أي متسول أي مبلغ مالي.
ما علاقة الفقر والبطالة؟
بينما يرى مراقبون أن التسول، وبصفة خاصة بين الأطفال، تحوّل من حالات فردية إلى ظاهرة تقف وراءها جهات تستغل الأطفال وتدفعهم إلى ممارسة التسول، ترجع الحكومة الأردنية استفحال الظاهرة إلى العصابات المنظمة التي تستغل الأطفال، نافية أن تكون دوافع تفاقمها ارتفاع نسبة الفقر في المملكة.
الناشط والباحث الاجتماعي، “عبد الله الدويري” يرى أن تبريرات الحكومة وإن كانت صائبة في عدد من الحالات، لا تنسحب على جميع المقبوض عليهم، مشددا على أن سوء الأوضاع الاقتصادية أحد أهم أسباب استفحال ظاهرة التسول في المملكة، بدليل تضاعف أعداد المتسولين منذ بدء الأزمة الاقتصادية التي جاءت نتيجة وباء كورونا.
ويعتبر “الدويري”، أن تراجع تمويل المنظمات غير الحكومية بسبب حالة الاقتصاد العالمي، ساهم في ضعف القدرة على تقديم المساعدات للأسر المحتاجة ما دفع أطفالها إلى امتهان استجداء الناس في الشوارع وعلى إشارات المرور.
وفاقم وباء فيروس كورونا في تنامي ظاهرة التسول، فقد دفع 8 ملايين طفل إلى العمالة والتسول لتعويض الدخل المفقود، بحسب تقرير صادر عن منظمة “وورلد فيجن” الخيرية الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان في العالم كله.
يشار إلى أن المجلس الأعلى للسكان في الأردن، كان قال في بيان له أغسطس الماضي إن أكثر من 15.7 في المئة من السكان في المملكة يقبعون تحت خط الفقر، مشيرا إلى أن ثلث السكان في البلاد يعتبرون فقراء.
وأرجع المجلس الأعلى سبب الفقر المرتفع إلى صعود البطالة إلى 25 في المئة خلال الربع الأول من 2021، بزيادة 5.7 نقاط مئوية على أساس سنوي، حيث بلغت نسبة البطالة بين الذكور نحو 24.2 في المئة، مقابل 28.5 في المئة للإناث، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
وتفاقمت معدلات الفقر والبطالة أثناء جائحة فايروس كورونا، لضعف قدرة السوق على إيجاد الوظائف الجديدة، وفقدان الوظائف وإغلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة الريادية وإفلاسها.
رغم إقراره بأن الأرقام الحقيقة للفقر والبطالة أعلى بكثير مما تكشفه الأرقام السابقة، إلا أن الصحفي “عثمان خير الله”، يشدد على ضرورة عم الربط بين الفقر والبطالة والتسول في الأردن، معتبرا أن المسألة أخلاقية وثقافية قبل أن تكون اقتصادية.
ويقول “خير الله”، إن نسبة كبيرة من المتسولين هم ليسوا من الفقراء ويتسولون بدافع “التسول والتسكع” لاستغلال تعاطف الناس معهم، مشيرا إلى أن عناصر من مكافحة التسول التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية في العاصمة الأردنية عمان، تمكنوا في أيلول الماضي، من ضبط متسولين يملكون أملاكا ومؤسسات، فضلا عن الدخل المرتفع.
يشار إلى أن الوزارة الأردنية، كانت قالت في بيان نشرته، وكالة الأنباء الرسمية (بترا)، إن متسولا تم ضبطه، يصل دخله إلى 1100 دينار أردني (حوالي 1500 دولار أميركي)، وهو يمتلك سيارة من نوع تويوتا طراز عام 2011.
كما تمكن العناصر من ضبط متسول آخر يتقاضى راتبا شهريا يصل إلى 393 دينارا (حوالي 550 دولار أميركي)، ولديه سيارة خاصة ومؤسسة فردية باسمه، بالإضافة إلى متسول ثالث يمتلك مؤسسة يصل رأسمالها إلى 16 ألف دينار (حوالي 22 ألف دولار أميركي).
أما المتسول الرابع، الذي تم توقيفه، فلديه مؤسسة فردية، وسيارتين الاولى طراز 2017، والثانية تعود إلى عام 2000.
مشكلة سهلة الحل..
يصف “الدويري” ظاهرة التسول بأنها مشكلة سهلة الحل، معتبرا أن الأجهزة المعنية لا تتعامل معها بجدية، في حين يمكن حلها من خلال اللجوء إلى القانون وتشديد العقوبات على المتسولين، بالإضافة إلى فتح دور رعاية جديدة لإيوائهم.
ويشير الباحث الأردني، إلى إن استغلال الأطفال في التسول ظاهرة عالمية لا تمنح الصغار أملا أو مستقبلا، مشددا على أن إعطائهم المال في الشارع يشجعهم على ترك المنزل والبقاء خارج المدرسة، إضافة إلى تعريضهم لتعاطي المخدرات وإبعادهم عن المنظمات والجهات المعنية بمساعدتهم، ما يعني بقاءهم متسولين مدى الحياة.
لذلك بحسب الدويري، يجب تشديد العقوبات على المتسولين وفرض أحكام رادعة على كل من يشجعهم أو يدعمهم أو حتى يمنحهم المال، لأن كل هؤلاء، مشاركون في جريمة الإتجار بالبشر، بحسب توصيفه، كما يجب على الحكومة والمنظمات الحقوقية الوقوف عند واجباتها بهذا الشأن من خلال توعية المواطنين بمخاطر منح الأموال للمتسولين، والعمل على تعزيز دور المنظمات من خلال تبرعات خاصة لإطلاق مشاريع تنموية تجذب هؤلاء المتسولين وتعمل على تطوير مهارات يمكنهم من خلالها الحصول على قوت يومهم ونفع المجتمع.
وتعاقب المادة رقم 389 من قانون العقوبات الأردني على جريمة التسول في المرة الأولى بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وفي حال التكرار تكون مدة الحبس سنة كحد أقصى.
وفي جميع الأحوال تعود للمحكمة إحالة الموقوف إلى مؤسسة اجتماعية للعناية بالمتسولين لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات.
اتجار بالبشر
بعد الزيادة التي شهدتها معدلات التسول خلال العام الماضي، أقر مجلس النواب الأردني تعديلًا على مشروع قانون الإتجار بالبشر، بحيث يشمل ظاهرة “التسول”، ضمن الجرائم المنصوص عليها.
وأتاحت التعديلات للقضاة إصدار عقوبة الحبس بين 6 أشهر و5 سنوات مع الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة بين 3 و10 آلاف دينار على مرتكب جريمة الاتجار بالبشر، وغلّظت ذلك حال كانت الضحية في سن الطفولة أو امرأة أو من ذوي الإعاقة بما لا يقل عن السجن 7 سنوات مع الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة بين 5 آلاف دينار و20 ألف دينار.
وزير الدولة “محمود الخرابشة”، اعتبر حينها أن “مشروع القانون يحمي المتسولين الصغار ممن يستغلونهم في هذه الظاهرة ويحمي الأشخاص من استغلال العمل بالسخرة”، مشيرا إلى أن هناك الكثير ممن يستغلون البشر في هذه الظاهرة”.
المحامي “خلدون العتوم”، يرى أن الأسباب الموجبة لمشروع القانون جاءت لـ”تغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الإتجار بالبشر بما يحقق الردع العام والخاص ويضمن تحقيق العدالة، ولتقديم الحماية للمجني عليهم والمتضررين من تلك الجرائم وتهيئة الظروف المناسبة لمساعدتهم ورعايتهم”.
ويقول المحامي الأردني، إن “التسول يعد من صور استغلال البشر الواردة للأشخاص المتاجر بهم حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة”، معتبرا أن، “إدراج التسول في قانون الاتجار بالبشر يعد حماية للمتسولين الصغار والضعفاء منهم”.
وبحسب “العتوم”، فإن “هذه الخطوة تحقق العدالة وتقدم الحماية للمجني عليهم والمتضررين من تلك الجرائم، كما تعمل على تهيئة الظروف الخاصة لمساعدتهم، حيث تم إنشاء صندوق خاص لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر وتعويضهم عن الأضرار”.